/ الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً؛ الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له كان ولم يزل بعباده خبيراً بصيراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله ربه بالهدى ودين الحق شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر وكبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا
أيها المسلمون: فإنكم في يوم من أيام الله، يوم النحر، يوم الحج الأكبر، يوم عيد الفداء، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشر المخبتين. الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون. لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين}
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا
2/ في مثل هذه الأيام شرع الله تعالى ختام أحكام هذا الدين فأنزل على نبيه صلى الله عليه وسـلم وهو واقف بصعيد عرفات {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} وفي مثل هذا اليوم خطب رسول الله صلى الله عليه وسـلم في المسلمين وهو على صعيد منى فكان مما قال (أيها الناس: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا
3/ من فاته الحج فإنه قد يدرك من الأجر مثلما أدرك الواقفون بعرفات البائتون بصعيد مزدلفة الذاكرون الله عند المشعر الحرام، وذلك بصدق نيتهم وصحة مقصدهم وعظيم شوقهم إلى تلك العرصات المقدسة والفجاج المباركة؛ وقد قال ربنا جل جلالـه {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم}
4/ تذكروا حقوق الله عز وجل عليكم {فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير}، وحدوا الله واعبدوه، واحمدوا له واشكروه، وأكثروا من دعائه وتقربوا إليه بالإلحاح عليه، وتذكروا بعد حقوق الله تعالى حقوق والديكم وأرحامكم وجيرانكم، وقد خاطبنا ربنا جل جلالـه بقوله {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورا}
أيها المسلمون: جدِّدوا لله عز وجل توبة، {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}
فَدَعِ الصِّبا فلقَد عَدَاكَ زَمانُهُ | وازهد فَعُمْرُكَ مَرَّ مِنْهُ الأَطْيَبُ | ||
ذَهَبَ الشَّبابُ فما لهُ مِنْ عَوْدَةٍ | وأتى الْمَشيبُ فَأَينَ مِنْهُ الْمَهرَبُ | ||
دَعْ عَنْكَ مَا قَدْ كان في زَمنِ الصِّبا | واذْكُرْ ذُنُوبَكَ وابْكِهَا يا مُذْنِبُ | ||
واذكر مُناقَشَةَ الْحِسابِ فإنَّهُ | لا بُدَّ يُحْصَى ما جَنَيْتَ ويُكْتَبُ | ||
لم يَنْسَهُ الْمَلَكانِ حينَ نَسِيْتَهُ | بَل أَثْبَتاهُ وأَنتَ لاهٍ تَلْعَبُ | ||
والرُّوحُ فيكَ وَدِيعةٌ أُودِعْتَها | سَتَرُدَّها بالرُّغْمِ منكَ وتُسْلَبُ | ||
وغُرورُ دُنْيَاكَ التي تَسْعَى لها | دارٌ حَقيقَتُها مَتاعٌ يَذْهَبُ | ||
والليلُ فاعْلَمْ والنَّهارُ كِلاهُما | أَنْفاسُنا بهما تُعَدُّ وتُحْسَبُ | ||
وجميعُ ما خَلَّفْتَهُ وجَمعتَهُ | حقاً يَقيناً بعدَ مَوتِكَ يُنْهَبُ | ||
تَبَّاً لدارٍ لا يَدُومُ نَعِيمُها | ومَشِيدُهَا عمَّا قَليلٍ يَخْرَبُ |
5/ تذكروا حقوق المسلمين عليكم؛ فإنه قد نزل بهم بلاء عظيم، خاصة العلماء والدعاة وأصحاب المنابر ممن تسلط عليهم عتاة البشر وطواغيت الشر، فساموهم سوء العذاب فاعتقلوهم في الزنازين ورموا بهم خلف الأسوار وكتموا أصواتهم وسحقوا دعوتهم
6/ تذكرة للأغنياء ومن وسع الله عليهم، {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}
لا تغرنكم الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور، فهذه الدنيا متاعها قليل، وزوالها قريب
يا خاطب الدنيا الدنية إنها شرك الردى وقرارة الأكدار
دار متى ما أضحكت في يومها أبكت غدا تبا لها من دار
غاراتها لا تنقضي وأسيرها لا يفتدى بجلائل الأخطار
كم مزدهى بغرورها حتى بدا متمردا متجاوز المقدار
قلبت له ظهر المجن وأولغت فيه المدى ونزت لأخذ الثار
فاربأ بعمرك أن يمر مضيعاً سدى من غير ما استظهار
7/ تذكرة للفقراء والمهمومين ومن ضاقت بهم الدنيا وأحاطت بهم الكروب وأرهقتهم الديون وأظلمت الدنيا في أعينهم {سيجعل الله بعد عسر يسرا} أكثروا من الاستغفار، (واعلموا أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها؛ فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم طلب الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله؛ فإن ما عند الله لا يطلب بمعصيته)
إذا اشتملت على اليأس القلوب وضاق لما به الصدر الرحيب
وأوطأت المكاره واطمأنت وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضر وجها ولا أغنى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوث يمن به اللطيف المستجيب
وكل الحادثات إذا تناهت فموصول بها الفرج القريب
وقد أحسن من قال:
يا صاحب الهم إن الهم منفرج أبشر بخير فإن الفارج الله
الله يحدث بعد العسر ميسرة لا تجزعن فإن الصانع الله
إذا بليت فثق بالله وارض به إن الذي يكشف البلوى هو الله
8/ ضحوا تقبل الله ضحاياكم، واعلموا وفقكم الله أن مالكاً رحمه الله تعالى يشترط أن يكون ذبح الناس بعد ذبح الإمام. قال العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: إن كان الإمام الأعظم هو إمام الصلاة فلا إشكال، وإن كان إمام الصلاة غيره فالظاهر أن المعتبر هو إمام الصلاة؛ لأن ظاهر الأحاديث أنه يشترط لصحتها أن تكون بعد الصلاة وظاهرها العموم سواء كان إمام الصلاة الإمام الأعظم أو غيره.
والأظهر أن من أراد أن يضحي بمحل لا تقام فيه صلاة العيد أنه يتحرى بذبح أضحيته قدر ما يصلي فيه الإمام صلاة العيد عادة ثم يذبح، وقد جاء في صحيح مسلم وغيره ما يدل على عدم إجزاء ما نحر قبل نحره صلى الله عليه وسلم وهو حديث جابر قال (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بالمدينة، فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان نحر قبله أن يعيدوا بنحر آخر ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد ومسلم
قال العلامة الشنقيطي: وظاهره أنه لا بد لإجزاء الأضحية من أن تكون بعد الصلاة وبعد نحر الإمام.[1]
[1] أضواء البيان 5/208