- فقد تقدم الكلام أن الكفر هو الإنكار المتعمّد لما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم أو بعض ما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم ممّا علم من دينه بالضّرورة، وأنه قسمان: كفر أكبر مخرج من الملة ككفر الإباء والاستكبار وكفر التكذيب وكفر الإعراض وكفر الشك والظن وكفر النفاق، وكفر أصغر لا يخرج من الملة ويشمل سائر الذنوب التي سماها الشرع كفراً كالطعن في الأنساب والنياحة على الميت
- طوائف الكفار تشمل من كان كفره كفراً أصلياً كاليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا والملاحدة والدهريين ومن يعبدون البقر أو الشجر أو الشمس والقمر، ومن كان كفره ردة ويشمل ذلك:
- المكفِّرات الاعتقادية: كإنكار أصل من أصول الإيمان كإنكار الخالق سبحانه أو صفة من صفاته أو اعتقاد عجزه أو أنه سبحانه غير عادل في أحكامه وقضائه، أو إنكار الملائكة أو الكتب السماوية أو اليوم الآخر وما فيه من بعث وحساب وجنة ونار أو إنكار فريضة من فرائض الإسلام أو إنكار حرمة كالزنا أو الربا أو اعتقاد حرمة ما أحل الله من أكل لحوم الأنعام.
- المكفِّرات القولية: وذلك بأن يقول بعقيدة مكفرة أو جحد جزئية من الإسلام في عقائده وأحكامه أو سب الخالق أو الرسل أو الكتب السماوية أو سب الدين أو اعتراض على عدل الله في قضائه واتهامه بالجحود سبحانه وتعالى.
- المكفِّرات العملية: وهو كل عمل يعتبر علامة على عقيدة مكفِّرة كالحكم بغير ما أنزل الله وتمزيق المصحف إهانة له أو إلقائه في القاذورات أو تعليق الصليب وتعظيمه، وكذا موالاة الكفار وإظهار الود لهم واستعارة قوانينهم وتحسين أفكارهم والتشبه بهم وطاعتهم والركون إليهم ومن يتولهم منكم فإنه منهم
- وقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نكره الكفر وننفر منه فثبت عنه من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال «ثلاث من كنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان من كان اللّه ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما. وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلّا للّهّ. وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه اللّه منه، كما يكره أن يقذف في النّار»
- وقد بيَّن ربنا جل جلاله صفات الكفار في القرآن، وخلاصتها:
- الظلم؛ فقال {والكافرون هم الظالمون} {فأبى الظالمون إلا كفورا}
- الفسق؛ فقال {ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}
- الخسار {قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين} {قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون} {سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون}
- الضلال {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالاً بعيدا}
- الغرور {إن الكافرون إلا في غرور}
- مبغوضون من الله {إنه لا يحب الكافرين}
- ملعونون {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا} إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين}
- ممقوتون {ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا}
- عليهم غضب من الله {ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} {فباؤوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين}
- اليأس من رحمة الله إنه {لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}
- محرومون من هداية الله {والله لا يهدي القوم الكافرين} {إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار}
- لا يحقق الله لهم غاية {وما دعاء الكافرين إلا في ضلال}
- لا ولاية لهم {وأن الكافرين لا مولى لهم}
- لا مغفرة لهم {إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم} {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا}
- النار تتهيأ لاستقبالهم {إنا أعتدنا للكافرين ناراً أحاط بهم سرادقها} {إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا} {أعدت للكافرين} {وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم} {قل تمتع بكفرك قليلاً إنك من أصحاب النار}
- حبوط عملهم {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم}
- لا يرجون للناس خيرا {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم}
- عدم الفلاح {إنه لا يفلح الكافرون}
الخطبة الثانية
قد كان ما كان خلال هذا الأسبوع من خروج بعض الناس في مظاهرات يعترضون بها على غلاء الأسعار وشظف العيش وضيق الأحوال وغير ذلك مما أدت إليه السياسات الاقتصادية الأخيرة، وهم في ذلك محقُّون فإن الفقر كاد أن يكون كفرا، وإن لصاحب الحق مقالا، لكن الذي لا ينبغي إقرارُه ولا الرضا به ما قام به بعضُهم ممن لا خلاقَ لهم من التخريب المتعمَّد للمنشآت والاعتداء على السيارات؛ حتى قام بعضهم بإحراق مركبتين كبيرتين من وسائل النقل العامة التي هي في حقيقة الأمر ملك للشعب لا للحكومة، فهذا من الفساد في الأرض والله لا يحب المفسدين، والله لا يحب الفساد، إن الله لا يصلح عمل المفسدين. إن الشعوب الواعية قد تجاوزت مثل هذا السلوك من زمان بعيد؛ فما عادوا يخربون عامراً ولا يتلفون مالاً بل يحتجون سلماً ويعرضون ظلامتهم جهرا دون ظلم ولا اعتداء.
وإن من عدم التوفيق ما صاحب كلام بعض المسئولين من تحدٍّ للناس وجهر بالسوء من القول؛ ومن ذلك ما قاله وزير المالية: إن الدولة ماضية في إنفاذ سياستها الاقتصادية مهما بلغ اعتراض الشارع!! أو كلمة نحوها، أقول له: يا أيها الوزير: لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم يسعد الحال. رحم الله امرأ قال خيراً فغنم أو سكت فسلم؛ والبلاء موكل بالمنطق، وكم من كلمة قالت لصاحبها: دعني.. {وقولوا للناس حسنا} {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبينا} إن الناس في أيامنا هذه بحاجة إلى من يربت على أكتافهم ويستمع إلى همومهم ويعدهم بالخير، إن الناس بحاجة إلى أن يشعروا أنهم في الهم سواء، وأنه ليس ثمة طائفة تتمتع بالخيرات دونهم، عندها سيرضون بما يحيق بهم ويعلمون أنه قدر مقدور.
ومما كان في هذا الأسبوع ما من الله به على إخواننا في مصر من إعلان نتائج الانتخابات؛ حيث تمكن الناس من اختيار رئيسهم بعد مئات السنين من القهر والاستبداد والإكراه والظلم؛ وقد كان من توفيق الله لهم أن اختاروا رجلاً يرفع شعار الإسلام ويحمل راية القرآن، ويحافظ على الصلاة مع الجماعة؛ حتى إن الحرس الرئاسي دخل في هم مقعد مقيم لأنه ما اعتاد على ذلك ممن سبقوه. وقد وجه بتقليص الموكب الرئاسي وعدم إغلاق الشوارع حال مروره، وأعلن أنه رئيس لكل الناس لا لحزب ولا لجماعة.