1/ في صدر سورة البقرة صفات عباد الله المتقين؛ فلماذا بدأ الله عز وجل بها؟ لأن القرآن الكريم قد نزل موعظة للمتقين {هذا بيان من ربكم وهدى وموعظة للمتقين} {ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلاً من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين} {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين} فلا ينتفع بمواعظه ولا يلتزم أوامره ويجتنب زواجره إلا من كان لله تقيا
2/ وقد علم المسلمون أجمعون أن تقوى الله سبب لكل خير في الدنيا والآخرة:
- فهي سبب للأمن {فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}
- وسبب لتفريج الهم وسعة الرزق {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب}
- وسبب لتكفير السيئات وزيادة الأجر {ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا}
- وسبب لتيسير الأمر {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا}
- وسبب لحصول البركة {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض}
- وسبب للرفعة {والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة}
- وسبب للكرامة {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}
- وسبب للمحبة {إن الله يحب المتقين}
- وسبب لمعيته سبحانه {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}
- وسبب للنجاة يوم القيامة {ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين + وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون}
- وسبب للوصول إلى الجنة {تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا}
- وسبب لولاية الله {والله ولي المتقين} {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون. لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم}
3/ فمن هم المتقون؟ وما هي صفاتهم في كتاب الله الكريم؟ في صدر سورة البقرة صفات عباد الله المتقين وفي وسطها كذلك {أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون} فمن صفاتهم:
- الإيمان بالغيب: يؤمنون بعالم الغيب كإيمانهم بعالم الشهادة؛ فيصدقون بوجود الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ويصدقون بعالم الجن وعذاب القبر ونعيمه وسؤال الملكين والجنة والنار؛ فليسوا من ذوي الطباع الكثيفة الذين لا يؤمنون إلا بالمحسوس
- إقام الصلاة: يؤدون الصلاة في أوقاتها بشروطها وأركانها وسننها وآدابها؛ يحافظون عليها مع الجماعة، يحرصون على خشوعها ويكملون أداءها على الوجه الأمثل؛ ويريدون بها وجه الله
- النفقة في سبيل الله: فليسوا هم أولئك الشحيحين المسِّيكين الذين لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون؛ بل ينفقون أموالهم طيبة بذلك نفوسهم؛ يطعمون الجائع ويكسون العاري ويغيثون الملهوف ويعينون المحتاج ويصلون الأرحام، وهم يثقون بالخلف من الله عز وجل، وأنه لا يضيع عمل عامل «اللهم أعط منفقاً خلفا»
- الإيمان بالكتب المنزلة كلها: فلا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض
- اليقين بأن بعد الموت بعثاً: {الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون} يعدون لذلك اليوم عدته ويحسبون له حسابا، ويعدون لكل سؤال جوابا.
- {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة الموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس}
- وفي سورة آل عمران النفقة في السراء والضراء {أعدت للمتقين + الذين ينفقون في السراء والضراء}
- وكظم الغيظ {والكاظمين الغيظ} «من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الأشهاد حتى يخيره من أي الحور العين شاء»
- العفو عن الناس {والعافين عن الناس} «ما ظلم عبد مظلمة فعفا إلا زاده الله بها عزا»
- الإحسان إلى خلق الله {والله يحب المحسنين}
- سرعة التوبة والإنابة {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} {إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}
- ومن صفاتهم عبادة الله عز وجل {اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون}
- ومنها أخذ الدين كله لا الإيمان ببعضه والكفر ببعض {خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون}
4/ تقوى الله تظهر في المعاملة بالدينار والدرهم فليس تقياً من كان ملازماً للمسجد يقوم ويقعد ويركع ويسجد، أو من كان للحيته مطيلاً ثم إذا عامل الناس في المال غش وكذب ودلس {وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه} {فليؤد الذي ائتمن أمانته وليتق الله ربه} قال عُمَر بن عبد العزيز: ليس تقوى الله بصيام النهار، ولا بقيام الليل، والتخليطِ فيما بَيْنَ ذلك، ولكن تقوى اللهِ تركُ ما حرَّم الله، وأداءُ ما افترضَ الله، فمن رُزِقَ بعد ذلك خيراً، فهو خيرٌ إلى خير. وقد قيل: لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به الباس.
5/ وتظهر كذلك في العلاقات الأسرية ليس تقياً ذاك الذي لا يأمر أهله بالصلاة، ولا يحضهم على خير ولا ينهاهم عن شر؛ وليس تقياً ذاك الذي يعامل أهله بقسوة وتعالٍ {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى} حتى في حال الطلاق {فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم} {ومن يتق الله يجعل له مخرجا} {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} «اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله» في معاملة الناس عند زيارتهم {وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون}
6/ وتظهر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فليس تقياً ذلك الذي لا يتمعر وجهه وهو يرى حرمات الله تنتهك وحدوده تضيع؛ متى ما سلم له مأكله ومشربه {لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون}
7/ قال مُعاذُ بنُ جبل رضي الله عنه: يُنادى يوم القيامة: أين المتقون؟ فيقومون في كَنَفٍ من الرحمان لا يحتجِبُ منهم ولا يستترُ، قالوا له: مَنِ المتَّقون؟ قال: قومٌ اتَّقوا الشِّركَ وعبادةَ الأوثان، وأخلصوا للهِ بالعبادة. وقال ابنُ عباس رضي الله عنه: المتَّقون الذين يَحْذَرون من الله عقوبتَه في ترك ما يعرفون من الهدى، ويَرجون رحمَته في التصديق بما جاء به. وقال الحسن: المتقون اتَّقَوا ما حُرِّم عليهم، وأدَّوا ما افْتُرِض عليهم. وقال طلقُ بنُ حبيب: التقوى أنْ تعملَ بطاعةِ الله، على نورٍ من الله، ترجو ثوابَ الله، وأنْ تتركَ معصيةَ الله على نورٍ من الله تخافُ عقابَ الله. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: تمامُ التقوى أنْ يتقي اللهَ العبدُ حتى يتقيه من مثقال ذرَّةٍ، حتى يتركَ بعضَ ما يرى أنَّه حلالٌ خشيةَ أنْ يكون حراماً يكون حجاباً بينه وبينَ الحرام، فإنَّ الله قد بَيَّن للعباد الذي يُصيرهم إليه فقال {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} فلا تحقرن شيئاً من الخير أنْ تفعله، ولا شيئاً من الشرِّ أنْ تتقيه. وقال الحسنُ: ما زالت التقوى بالمتقين حتَّى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام. وقال الثوري: إنَّما سُمُّوا متقينَ؛ لأنَّهم اتقوا ما لا يُتقى. وقال موسى بنُ أَعْيَن: المتقون تنزَّهوا عن أشياء من الحلال مخافة أنْ يقعوا في الحرام، فسماهم الله متقين. وقال ميمونُ بنُ مِهران: المُتَّقي أشدُّ محاسبةً لنفسه من الشريكِ الشحيحِ لِشريكه. وقال ابن مسعود في قوله تعالى {اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} قال: أنْ يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا ينسى، وأن يُشكر فلا يُكفر. وخرَّجه الحاكم مرفوعاً والموقوف أصحّ. وشكرُه يدخلُ فيه جميعُ فعل الطاعات
8/ ما الذي يعين على تقوى الله عز وجل؟
- تذكر عظمة الله تعالى وأنه موصوف بالكمال والجلال، لا تخفى عليه خافية ولا يغيب عنه شيء؛ {عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين} فهو بكل شيء عليم وبكل شيء بصير {واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم} {واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير}
- تذكر الآخرة {واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه} {واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله} {واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون} {واتقوا الله الذي إليه تحشرون} {اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم} {اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده} {اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد}
- الخوف من عقابه جل جلاله {واتقوا الله واعملوا أن الله شديد العقاب} {واتقوا النار التي أعدت للكافرين}