خطب الجمعة

ضوابط الضرورة

خطبة يوم الجمعة 1/7/1432 الموافق 3/6/2011

  1. فإن لموضوع الضرورة أهمية بالغة جدًّا؛ إذ كثر غلط الناس في تلك المسألة، وذلك من عدة جهات:

أولاً: من جهة تنزيلها؛ فقد تساهل كثير من الناس في ارتكاب محرمات ومحظورات شرعية بحجة أن ذلك من قبيل الضرورة الشرعية، مرددين: (الضرورات تبيح المحظورات) .

 ثانياً: من جهة ضبط هذه الحالة بضوابطها الشرعية؛ فلئن صدق على بعض الحالات أنها من باب الضرورة إلا أن كثيراً من أهل الضرورات تجاوزوا حد الضرورة، وتوسعوا في استباحة المحرمات وفعل المحظورات.

 ثالثاً: من جهة الرضا بالواقع، فقد استسلم معظم الناس إلى نعمة الترخص، ورغبوا في استبقاء هذه النعمة وعدم زوالها، مع أن مسألة الترخص تعتبر من الأمور العارضة والقضايا الطارئة، إلا أنها صارت في كثير من الأحيان عند بعض الناس ذريعة إلى التخلص والتفلت من الالتزام بقيود هذه الشريعة، والأخذ بعزائم أحكامها.

ومن الأمثلة على ذلك: التساهل في ممارسة بعض أنواع المعاملات المالية المحرمة، والسفر إلى مواطن الفتنة وأماكن الرذيلة والفساد، ودخول المرأة بلا محرم على الطبيب بصورة مألوفة معتادة، والخلوة المحرمة بين الرجال والنساء، والكذب في الحديث بل حلف اليمين الغموس، وترك الصلاة عند المرض

  1. فما هي الضرورة؟ هي خوف الهلاك أو الضرر الشديد على أحد الضروريات للنفس أو الغير يقيناً أو ظناً إن لم يفعل ما يدفع به الهلاك أو الضرر الشديد. أو هي الحالة التي يتعرض فيها الإنسان إلى الخطر في دينه أو نفسه أو عقله أو عرضه أو ماله فيلجأ (لكي يخلص نفسه من هذا الخطر) إلى مخالفة الدليل الشرعي الثابت، وذلك كمن يغص بلقمة طعام، ولا يجد سوى كأس من الخمر يزيل هذه الغصة، ومن تلفظ بكلمة الكفر خلاصاً من تعذيب المشركين له
  2. ما الفرق بين الضرورة والحاجة؟ الضرورة حالة تستدعي إنقاذاً، أما الحاجة فهي حالة تستدعي تيسيراً وتسهيلاً، فهي مرتبة دون الضرورة؛ إذ يترتب على الضرورة ضرر عظيم في إحدى الكليات الخمس، ويترتب على الحاجة مشقة وحرج، لكنه دون الضرر المترتب على الضرورة، وقد تنزل الحاجة منزلة الضرورة : فيما إذا ورد نص بذلك أو تعامل أو كان له نظير في الشرع يمكن إلحاقه به ؛ كتجويز الإجارة وعقد الاستصناع، وأجرة الحمام.
  3. أقسام الضرورة باعتبار متعلقها:
  • ضرورة تتعلق بحفظ الدين، مثل: قتل الشيوخ والنساء والأطفال في الجهاد إذا تحصن بهم العدو، حفظاً للدين
  • ضرورة تتعلق بحفظ النفس، مثل: أكل الميتة حفظاً للنفس.
  • ضرورة تتعلق بحفظ العقل، مثل: أكل الميتة؛ حفظاً للعقل.
  • ضرورة تتعلق بحفظ النسل، مثل: دفع المال للعدو الكافر؛ حفظاً لعرض امرأة مسلمة
  • ضرورة تتعلق بحفظ المال، مثل: إفساد قليل المال حفظاً لأكثره.

5ـ أقسام الضرورة باعتبار الشمول:

  • ضرورة عامة : كوقوع الأُمّة في قحط عميم
  • ضرورة خاصة : كوقوع رجل في مخمصة

6ـ أقسام الضرورة باعتبار الدليل الدال عليها:

  • ضرورة أثبتها النص: كالأكل من الميتة للمضطر ((فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمٍ فَإنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ))
  • ضرورة تثبت بالاجتهاد: كما في باب المصالح المرسلة إن كانت ضرورية
  • حكم العمل بالضرورة الشرعية:
  • العمل بالضرورة الشرعية واجب وليس جائزاً، والدليل على ذلك:

قاعدة الواجب لا يترك إلا لواجب؛ مثل قطع اليد فإنه محرم، وحفظ هذا العضو من الإنسان أمر واجب، لكن هذا الواجب يترك عند السرقة، فتقطع اليد، ولو لم يكن القطع واجباً بالنسبة للسارق لكان هذا الفعل حراماً، فتُرك الواجب وهو حفظ العضو لواجب أهم منه وهو إقامة حدود الله.

قاعدة للوسائل حكم المقاصد: فأكل الميتة للمضطر واجب، لأن حفظ النفس واجب، وهو لا يتم إلا بوسيلة، هي الأكل من الميتة، وهذه هي قاعدة: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) .

ومن الخطأ أن يقال : إن هذا الفعل يجوز للضرورة، بل الصحيح أن يقال: يجب أن يشرع عند الضرورة.

أما قول العلماء (الضرورات تبيح المحظورات)، فهو بالنظر إلى أثر الضرورة في تغيير حكم الفعل ونقله من الحظر والمنع إلى الإذن والإباحة، وأما الأخذ بالضرورة فإنه واجب.

ثالثاً: أحوال الضرورة باعتبار تغييرها لحكم الفعل: 1- ما يفيد إباحة المرخص به حال قيام الضرورة، فالفعل ها هنا يصبح مباحاً، بل واجباً كالاضطرار لأكل الميتة.

ما يفيد جواز الإقدام على المرخص به حال الضرورة، مع بقاء الحرمة، كإجراء كلمة الكفر على اللسان.

ما لا يباح أصلاً ولو للضرورة كقتل المسلم، وذلك فيما إذا كان الفعل منهيًّا عنه لذاته

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى