{مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: يبيِّن بذلك تعالى شدة عداوة الكافرين من أهل الكتاب والمشركين، الذين حذَّر تعالى من مشابهتهم للمؤمنين؛ ليقطع المودة بينهم وبينهم. وينبِّه تعالى على ما أنعم به على المؤمنين من الشرع التام الكامل، الذي شرعه لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يقول تعالى: {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.ا.هــــــ
وقال السعدي رحمه الله تعالى: أخبر عن عداوة اليهود والمشركين للمؤمنين، أنهم ما يودون {أَنْ يُنزلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ } أي: لا قليلاً ولا كثيراً {مِنْ رَبِّكُمْ} حسداً منهم، وبغضاً لكم أن يختصكم بفضله فإنه {ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} ومن فضله عليكم، إنزال الكتاب على رسولكم، ليزكيكم ويعلِّمكم الكتاب والحكمة، ويعلِّمكم ما لم تكونوا تعلمون، فله الحمد والمنة.ا.هــ
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: من فوائد الآية أنه يحرم على المسلمين أن يُوَلُّوا هؤلاء الكفار أيّ قيادة؛ لأنهم ما داموا لا يودون لنا الخير فلن يقودونا لأيّ خير مهما كان الأمر؛ ولهذا يحرم أن يجعل لهم سلطة على المسلمين لا في تخطيط، ولا في نظام، ولا في أي شيء؛ بل يجب أن يكونوا تحت إمرة المسلمين، وتحت تدبيرهم ما أمكن؛ وإذا استعنا بهم فإنما نستعين بهم لإدراك مصالحنا وهم تحت سلطتنا؛ لأنهم لو استطاعوا أن يمنعوا القطر وينبوع الأرض عن المسلمين لفعلوا؛ إذاً فيجب علينا الحذر من مخططاتهم، وأن نكون دائماً على سوء ظن بهم؛ لأن إحسان الظن بهم في غير محله؛ وإنما يحمل عليه الذل، وضعف الشخصية، والخور، والجبن؛ ولهذا قال تعالى: {ما يودُّ الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزَّل عليكم من خير من ربكم}؛ وهي شاملة لخير الدنيا، والآخرة؛ فاليهود حسدوا المسلمين لما آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ونزَّل عليهم هذا الكتاب..
ومن فوائد الآية: أن خير الله لا يجلبه ودّ وادّ، ولا يرده كراهة كاره؛ لقوله تعالى: {والله يختص برحمته من يشاء}؛ فلا يمكن لهؤلاء اليهود، والنصارى، والمشركين أن يمنعوا فضل الله علينا؛ وعلى هذا جاء الحديث الصحيح: “واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك؛ ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك” ..
ومنها: أن الإنسان الذي لا يود الخير للمسلمين فيه شبه باليهود، والنصارى؛ لأن من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم..
لا يعارض هذه الآية قوله تعالى: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون} لأن هذه الآية في صنف معيَّن من النصارى: وهم الذين منهم القسيسون، والرهبان الذين من صفاتهم أنهم لا يستكبرون؛ فإذا وجد هذا الصنف في عهد الرسول، أو بعده انطبقت عليه الآية؛ لكن اختلفت حال النصارى منذ زمن بعيد؛ نسأل الله أن يعيد للمسلمين عزتهم وكرامتهم، حتى يعرفوا حقيقة عداوة النصارى، وغيرهم من أهل الكفر، فيعدُّوا لهم العدة.ا.هـــ
وقال الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى: ثم يكشف للمسلمين عما تكنُّه لهم صدور اليهود حولهم من الشر والعداء، وعما تنغل به قلوبهم من الحقد والحسد، بسبب ما اختصهم به اللّه من الفضل. ليحذروا أعداءهم، ويستمسكوا بما يحسدهم هؤلاء الأعداء عليه من الإيمان ، ويشكروا فضل اللّه عليهم ويحفظوه: {ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ. وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ. وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} ويجمع القرآن بين أهل الكتاب والمشركين في الكفر .. وكلاهما كافر بالرسالة الأخيرة فهما على قدم سواء من هذه الناحية وكلاهما يضمر للمؤمنين الحقد والضغن، ولا يود لهم الخير. وأعظم ما يكرهونه للمؤمنين هو هذا الدين. هو أن يختارهم اللّه لهذا الخير وينزل عليهم هذا القرآن، ويحبوهم بهذه النعمة، ويعهد إليهم بأمانة العقيدة في الأرض، وهي الأمانة الكبرى في الوجود. ولقد سبق الحديث عن حقدهم وغيظهم من أن ينزل اللّه من فضله على من يشاء من عباده، حتى لقد بلغ بهم الغيظ أن يعلنوا عداءهم لجبريل – عليه السلام – إذ كان ينزل بالوحي على الرسول – صلى اللّه عليه وسلم -: {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ} .. فاللّه أعلم حيث يجعل رسالته فإذا اختص بها محمدا – صلى اللّه عليه وسلم – والمؤمنين به، فقد علم – سبحانه – أنه وأنهم أهل لهذا الاختصاص.
{وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} .. وليس أعظم من نعمة النبوة والرسالة وليس أعظم من نعمة الإيمان والدعوة إليه. وفي هذا التلميح ما يستجيش في قلوب الذين آمنوا الشعور بضخامة العطاء وجزالة الفضل، وفي التقرير الذي سبقه عما يضمره الذين كفروا للذين آمنوا ما يستجيش الشعور بالحذر والحرص الشديد .. وهذا الشعور وذاك ضروريان للوقوف في وجه حملة البلبلة والتشكيك التي قادها – ويقودها – اليهود ، لتوهين العقيدة في نفوس المؤمنين ، وهي الخير الضخم الذي ينفسونه على المسلمين!.ا.هـــــــ
يقول الأستاذ العبدة: لقد شَرِقَ اليهود والنصارى والفرس بحمل العرب لهذا الدين ونشره في الآفاق، وهيمنته على سائر الملل والنحل، وهو من الوضوح والقوة الداخلية فيه أن نوره يبهر الأبصار، عندئذ كثرت سهامهم إليه وكثرت المؤامرات التي تريد اقتلاعه، وجاس عبد الله بن سبأ وأتباعه خلال الديار، وانتشرت الباطنية تتستر بالإسلام، وتأثر بهم أصحاب الأهواء أو ضعاف العقول فكثرت الفرق، وإذا كان الإسلام قد أزاح عروشاً سياسية فإنه أزاح أيضاً رئاسات دينية من الكهنة والأحبار، خدعوا الشعوب وأكلوا أموال الناس بالباطل، وهؤلاء حقدهم أشد، وعداوتهم أقوى، كل هؤلاء قاموا بإثارة الشبهات فتلقفها ضعاف الإيمان فكثر الخلط، وأما المسلمون الضعاف الذين لا يدفعون الشبهات بالإيمان القوي والثقة بهذا الدين أو النظر إلى مواقع القدر الشرعي والكوني؛ هؤلاء الذين يتمنون في داخل أنفسهم أن لو يجتمع المسلمون تحت اسم (الإسلام)، ولو كان أحدهم يحمل من البدع الكبيرة والصغيرة ما يصل إلى درجة الكفر، هؤلاء نقول لهم كما قال أحد العلماء: “إن الحق لا ينقلب باطلاً لاختلاف الناس فيه، ولا الباطل يصير حقاً لاتفاق الناس عليه، وسلامة الإنسان عن الخطأ ليس بمطموع فيه، ولكن الطمع في أن يكثر صوابه”.ا.هــــ
إن عداوة الكفار للمسلمين عداوة أصلية راسخة، وليست عداوة طارئة ولا عداوة تابعة للمصالح، فلابد أن يذكّر الناس بقول ربنا جل جلاله: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} وقوله: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ}. وقوله: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ}، وقوله جل جلالـه {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون. والذين كفروا إلى جهنم يحشرون} ليست الحرب حرباً على شخص حاكم، ولا حرباً على نظام بعينه بدعوى أنه نظام دكتاتوري، أو أنه لا يعطي للناس حرياتهم، بل إن العداوة هي للدين نفسه، والعداوة لكل مسلم مهما تسمى ومهما انتمى إلى أي طائفة أو جماعة، فهذه حقيقة لابد أن يدركها الناس الآن.
ثاني هذه الحقائق التي لابد أن يدركها الناس: أن الكفر ملة واحدة، وأن المنظمات الدولية وغيرها سراب يستعملها الكفار متى ما أرادوا، ثم بعد ذلك يدوسون عليها بالنعال ويهمشونها، ويغضون الطرف عنها متى ما كان الإجرام مسلطاً على المسلمين، أو على بلدة مسلمة، أو على جماعة من المسلمين، وحينئذ فهذه المنظمات لا قيمة لها، ولذلك لا ينبغي لعقلاء المسلمين أن يعولوا عليها، وليكن تعويلهم على ربِّ العالمين جلَّ جلاله، وليكن تعويلهم على استمساكهم بدينهم، وليكن تعويلهم على وحدتهم التي هي سر قوتهم.
ثالث هذه الحقائق التي ينبغي أن يذكر الناس بها: أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، فإذا تركه الناس ضرب عليهم الذل، وضربت عليهم المسكنة، وأحاط بهم الأعداء من كل جانب، وغزوهم في عقر دارهم.
رابع هذه الحقائق: أنه لا طاقة للمسلمين بمواجهة عدوهم إلا إذا اعتصموا بالله ربهم، وأما إذا رفعوا شعارات القومية، أو شعارات الوطنية، أو غيرها من الشعارات مما كنا نسمعه إلى عهد قريب من اشتراكية وبعثية فهذه كلها لن تغني عنهم من الله شيئاً، ولا يستطيع أن يواجه أهل الكفر إلا قوم رضوا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، وبالقرآن إماماً، وحالهم كحال خبيب رضي الله عنه، أو كحال زيد بن الدثنة، أو كحال عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح وأمثالهم رضوان الله عليهم، فعندما كان الواحد منهم يقاد إلى القتل فيسأل فيقال له: يا فلان! أتحب أنك بين أهلك وولدك ومحمد مكانك صلى الله عليه وسلم؟ فكان يعلنها مدوية: والله ما أحب أني بين أهلي ومالي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشاك بشوكة، فهكذا كان حبهم لنبيهم عليه الصلاة والسلام، حتى أنطق الله بعض الكفار فقال: لقد أتيت كسرى وقيصر فما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً.
ثم خامس هذه الحقائق والعبر التي ينبغي أن يذكر الناس بها في هذه الأحداث: أن الأيام دول، وأن الدهر غير، وأن صراع الحق مع الباطل جولات وليست جولة واحدة، فيأتي أهل الباطل فيقذفون أهل الحق بطائراتهم، ويسلطون عليهم حممهم ونيرانهم، ثم لا ينتهي الأمر عند ذلك، والقرآن الكريم يذكرنا بذلك القانون الإلهي، يقول الله عز وجل: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} أي: بين نصر وهزيمة، تقدم وتقهقر، وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}، وهذا السلاح -أعني: سلاح التذكير بعاقبة الأمم المتغطرسة المتجبرة- هو السلاح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيف به أعداء الله، فعندما جاءه عتبة بن ربيعة وقال له: (يا محمد! ما رأيت رجلاً أشأم على قومه منك؛ لقد سفهت أحلامنا، وفرقت جماعتنا، وعبت آلهتنا، فانظر ما تريد؟ إن كنت تريد مالاً جمعنا لك حتى تصير أغنانا، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا، وإن كان الذي يأتيك رأي من الجن التمسنا لك الطب، وإن كنت تريد نساء فانظر أجمل نساء قريش نزوجك عشراً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أو قد فرغت يا عم؟! قال: نعم، فاردد عليَّ قولي إن استطعت، قال له فاسمع: بسم الله الرحمن الرحيم {حم * تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} إلى أن بلغ قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} فألقى الله الرعب في قلب الكافر، فجاء فوضع كفه على فم النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا محمد! ناشدتك الله والرحم أن تكف عنا).
فمطلوب منا أن نذكر المسلمين اليائسين بأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ولا يقنط من رحمة الله إلا القوم الضالون، ونذكرهم بأن أمماً قد ملكت وسادت ثم بادت، وعلت واستكبرت في الأرض ثم بدل الله عز وجل الحال غير الحال، {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ}.
وللكفار في حرب الإسلام وأهله طرق سافرة وأخرى مستترة؛ فأما الطرق السافرة؛ فهي الحرب العسكرية، والعداوة العقدية والمواجهة. وأما الطرق المستترة؛ فهي تشجيعهم للطرق الغالية وللمبادئ المنحرفة التي تتسمى باسم الإسلام، وهي في حقيقتها تنخر في كيانه وتهدم بمعاولها أساسه، ولذلك لا تعجبوا أن تجدوا من الطرق التي تنسب بهتاناً وزوراً إلى الإسلام والمسلمين تنشط في دول اليهود وفي دول الكفر ولا تجد من يعارضها أو يعاندها!! لماذا؟! لأنها طرقٌ تسمت بالإسلام لكنها تحمل في داخلها وفي طياتها هدماً وتدميراً للإسلام.
أرأيتم القاديانية هي بدعةٌ أول ما ظهرت، ومحنةٌ كافرةٌ أول ما انتشرت، قادها الفاجر المسمى: المرزا غلام أحمد القادياني، ذلك الذي ادعى -فيما ادعى به- شيئاً من المبادئ التي جاء بها الإسلام ثم كشف عن باطله؛ فادعى إبطال الجهاد، ثم ادعى قرب رفعة المنزلة إلى أن قال بنبوته، إن هذه النحلة التي أجمع المسلمون في العالم على تكفير منتحليها وأصحابها، لنحلة كافرةٌ تنشط في إسرائيل، وتنشط في كثيرٍ من الدول التي تعادي الإسلام والمسلمين، ومثلها البابية، ومثلها البهائية، ومثلها كثيرٌ من الطرق التي يتزعمها غلاة الصوفية، وتجدون أربابها وأقطابها وسدنتها في بلدانٍ يجد المسلمون فيها ضيقاً وعنتاً وتشديداً عليهم، أما دهاقنة الصوفية وغلاتها المنحرفون فلا يجدون أدنى أذى، لماذا يؤذى أولئك المعتدلون ويترك أولئك المنحرفون؟! الجواب واضح: لأن أولئك الذين فهموا الإسلام على حقيقته، وأدركوا الدين على حقيقته، يمثلون خطراً على تلك الدول والحكومات الكافرة، وأما أولئك الذين فهموا الإسلام فهماً تقليدياً متقوقعاً وطرقاً صوفية، ومسابح وانكشاف، وإلهامات وتخريفات، أولئك لا يمثلون أدنى خطر، بل إن من أعظم معتقدات أولئك المنحرفين ومبادئهم: البعد عن الخوض في أمور السياسة، والبعد عن الخوض في أمور الحياة وفصل أمور الدين عن واقع الحياة.
فيا أيها الأحبة! افهموا جيداً من هم الذين يعملون للإسلام على الساحة، ومن هم أولئك الذين ينتسبون إليه والإسلام منهم براء، المسلمون في هذا الزمان جاوزوا المليار جاوزوا الألف مليون! ولكن يصدق عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كيف بكم إذا تداعت عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلةٍ نحن يا رسول الله؟ قال: لا. أنتم يومئذٍ كثير) ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانظروا تعداد المسلمين اليوم في العالم، إنهم كثير، لكنهم غثاء كغثاء السيل، يقول صلى الله عليه وسلم: (يصيبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت، وينزع الله المهابة من صدور أعدائكم) نعم. فلم يعد المسلمون يهابون كما كانوا يهابون من قبل؛ لأنهم انشغلوا بالدنيا وتركوا أمر الله وراءهم ظهرياً إلا ما شاء الله منهم وقليلٌ ما هم.