خطب الجمعة

خطبة عيد الفطر لعام 1432

الحمد لله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، خلق فقدر، وشرع فيسر، الحمد لله الذي وفق عباده المؤمنين للصيام والقيام؛ اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

أيها الناس: هذا يوم التكبير والتهليل، يوم الإيمان والتوحيد، وحِّدوا ربَّكم واعبدوه، واذكروه واشكروه، عظموه وأجلوه، هللوه وكبروه، وادعوه وارجوه، توبوا إليه واستغفروه، واعلموا أن ربكم جل جلاله خاطبكم بقوله {يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ؛ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ؛ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ؛ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي؛ يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا؛ يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا؛ يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ}

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد؛ عباد الله: اعلموا أن بعد الحياة موتاً، وبعد الموت حساباً، وإنه لا ينجو من فتنة القبر إلا من كان من أهل اليقين؛ حقق الإيمان وكان من أهل اليقين؛ فثبت على الإسلام، وتابع بين الطاعات، ووالى بين القربات، فثبت في الصحيحين من حديث أسماء رضي الله عنها قالت: خسفت الشمس على عهد رسول الله r فدخلت على عائشة وهي تصلي. فقلت: ما شأن الناس يصلون؟ فأشارت برأسها إلى السماء. فقلت: آية؟ قالت: نعم. فأطال رسول الله r القيام جداً حتى تجلاني الغشي. فأخذت قربة من ماء إلى جنبي؛ فجعلت أصب الماء على رأسي أو على وجهي من الماء. قالت: فانصرف رسول الله r وقد تجلت الشمس. فخطب رسول الله r الناس؛ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال {أما بعد. ما من شيء لم أكن رأيته إلا قد رأيته في مقامي هذا. حتى الجنة والنار. وإنه قد أوحي إليَّ أنكم تفتنون في قبوركم قريباً أو مثل فتنة الدجال؛ فيؤتى أحدكم فيقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو الموقن فيقول: هو محمد. هو رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى؛ فأجبنا وأطعنا، ثلاث مرار. فيقال له: نم. قد كنا نعلم أنك لتؤمن به. فنم صالحاً. وأما المنافق أو المرتاب فيقول: لا أدري. سمعت الناس يقولون شيئاً فقلت.

عباد الله: من أراد النجاة من الفتن فليلزم دين الله؛ يحل ما أحله الله، ويحرم ما حرمه الله، ويعبد الله بما شرع؛ ففي حديث حذيفة t قال: سمعت رسول الله r يقول {تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عودا، فأي قلب أُشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة مادامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُرباداً كالكوز مجخيا لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكرا إلا ما أَشرب من هواه} رواه مسلم

عباد الله: إنّ اللّه أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنّه كاد أن يبطأ بها، فقال عيسى: إنّ اللّه أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإمّا أن تأمرهم، وإمّا أنا آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي أو أعذّب، فجمع النّاس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد، وتعدّوا على الشّرف، فقال: إنّ اللّه أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمركم أن تعملوا بهنّ: أوّلهنّ أن تعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا. وإنّ مثل من أشرك باللّه كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو ورق. فقال: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدّ إليّ، فكان يعمل ويؤدّي إلى غير سيّده، فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟ وإنّ اللّه أمركم بالصّلاة، فإذا صلّيتم فلا تلتفتوا؛ فإنّ اللّه ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت. وآمركم بالصّيام؛ فإنّ مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة فيها مسك، فكلّهم يعجب أو يعجبه ريحها. وإنّ ريح الصّائم أطيب عند اللّه من ريح المسك. وآمركم بالصّدقة؛ فإنّ مثل ذلك كمثل رجل أسره العدوّ، فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدّموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم. وآمركم أن تذكروا اللّه؛ فإنّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدوّ في أثره سراعا حتّى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشّيطان إلّا بذكر اللّه. قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم «وأنا آمركم بخمس اللّه أمرني بهنّ: السّمع، والطّاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة. فإنّه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلّا أن يرجع، ومن ادّعى دعوى الجاهليّة؛ فإنّه من جثى جهنّم» فقال رجل: يا رسول اللّه وإن صلّى وصام؟ قال: «وإن صلّى وصام، فادعوا بدعوى اللّه الّذي سمّاكم المسلمين المؤمنين عباد اللّه»

عباد الله: هذا يوم المرحمة، يوم تعظم فيه الحرمة، يوم يعبد فيه الله ويذكر ويشكر، يوم الصدقة والإحسان، يوم الصلة والجوائز، يوم التوسعة على الأهل والعيال؛ يوم شرع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أن نلبس من أحسن ثيابنا ونغتسل ونتطيب، وشرع لنا هذه الصلاة المباركة بعد أن نأكل من طيبات ما رزقنا الله، وشرع لنا أن يهنئ بعضنا بعضاً، وشرع لنا أن نوسع على أهلينا وأن نلهو بالمباح الذي لا محظور فيه، وحرم علينا أن نصوم فيه؛ لما في ذلك من الإعراض عن ضيافة الله عز وجل.

عباد الله: إن من الدروس العظيمة التي يتعلمها المسلم من يوم العيد أنه عبد الله حقاً، سامع لربه مطيع؛ لا يتبع هواه، ولا يطيع غير سيده ومولاه؛ كان المؤمن بالأمس ممتنعاً عن الطعام والشراب لأن ربه أمره بذلك؛ واليوم يطعم ويشرب لأن ربه أمره بذلك ((إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون. ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون)) ((إياك نعبد وإياك نستعين)) إياك نريد بالذي تريد يا ربنا ويا سيدنا ويا غاية رغبتنا.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد؛ الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، عباد الله: إن دينكم دين متين قد استعصى على الفناء؛ كم من فلسفات حكمت ثم أفلست، وكم من نظريات سادت ثم بادت، وكم من دول قامت ثم سقطت؛ ودين الإسلام والحمد لله باق. كم من أفكار تخالف دين الله صالت وجالت، وجادل العقلاء والحكماء أربابَها في بطلانها، فلم يستجيبوا أو يرجعوا، حتى كشفت حركة التاريخ عن فسادها وزيفها وهشاشة قواعدها وأصولها؟ وكم من قوىً علت في الأرض بالبغي والباطل تأذَّن الله بسقوطها وهلاكها بعد أن تجبَّر أهلها واختالـوا بقوَّتهـم وقالـوا: لن تَبِيد هـذه أبداً، لكنهم سرعان ما خرجوا من دائرة العلو، بل من ذاكرة التاريخ بعد أن ظن الناس أن لن يخرجوا ((وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ)) إن انتصار الحق واندحار الباطل سُنة قدرية وحقيقة كونية وحتمية تاريخية.

((قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْـمُكَذِّبِينَ))، وقال: ((سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا))، وقال: ((سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً))

إن انتصار الإسلام – وهو دين الرسل جميعاً – سنة إلهية، وبِلُغة القوم: (حتمية تاريخية) ولا مشاحة في الاصطلاح؛ فسنن الله تحكم التاريخ، وتشكِّل حتمياتِه، مهما بدا لقصار النظر أنها تسير بخلاف ما يقوله الله وما يريده. فقد انتصر الرسل جميعاً على أعدائهم، حتى جاء خاتمهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم ففتح الله له فتحاً مبيناً ونصره نصراً عظيماً على صنوف الأعداء من مشركين وكتابيين ومنافقين، وسجل القرآن الكريم هذه السنة الإلهية و (الحتمية التاريخية) فقال – سبحانه -:  ((هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْـحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْـمُشْرِكُونَ))، ولم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حقق الله له النصر على كل من ناوأه، وخُتمَت حياته صلى الله عليه وسلم ببشارة النصر الذي اقترن بفتح القلوب بالتوبة قبل أن يقترن بفتح البلدان بالغزو، فقال – سبحانه -: ((إذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّابًا))

ومثلما وعد الله رسوله بالنصر، وعد أتباعه به ما استقاموا على دينه وسنته، فقال – سبحانه -: ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)).

وفي عصرنا الراهن – وعلى الرغم من الوهن الذي أصاب الجسد الإسلامي – فإن هذه الأمة بما بقي فيها من الخيرية أحرزت بالإسلام انتصارات كبرى، لم يمنع من إبرازها أو المفاخرة بها إلا أن أهلها لم يكونوا إلا عصائب متفرقة في الآفاق من المطاردين والمستضعفين، الذين لم يحتف أو يحتفل بهم أحد.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد؛ الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا؛ عباد الله: لقد كشفت الثورات العربية الأخيرة عن أن المستقبل للإسلام في أراضيه، وأبانت أنه لا بقاء في أرض الإسلام لنظام لا يحترم الإسلامَ وكرامةَ أهل الإسلام، وأظهرت أن الأمة قد أعادت، أو هي في سـبيل استعادة اكتشاف ذاتها بالعـودة إلى هويتهـا وعقيدتهـا، ولا شك أن الإسلام بذلك يسجل انتصارات جديدة تتوالى مظاهرها:

  • لقد انتصر الإسلام عندما انتفضت شعوبه في عدد من البلدان وليس لها معقل تخرج منه وتفيء إليه إلا المساجد التي عادت لها مكانتها بعد طول غياب.
  • وانتصر الإسلام عندما اتخذت الشعوب المنتفضة من يوم الجمعة موعداً تتقرر فيه وتتكرر وقفات المطالبات السلمية بالعدالة والحرية في ظل الحياة الإسلامية، بعد اصطفاف المنتفضين جميعاً يصلون؛ حتى أولئك الذين لم يكونوا يصلون!
  • وانتصر الإسلام عندما تساقط الطغاة، واحداً تلو الآخر، من الناحية الواقعية أو الحكمية؛ فحتى الذين لا يزالون يقاومون السقوط من الطغاة بأشد الأساليب سقوطاً، قد سقطوا من أعين شعوبهم لانكشاف خيانتهم لدنيا الناس ودينهم.
  • وانتصر الإسلام عندما أذن الله للذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، أن تنفتح أمامهم سبل العودة للديار بعد طول انتظار، ويُطرَد أعداؤهم ويخرجون منها مدحورين أو يدخلون السجون صاغرين، وتتبدل الأحوال فيأمن الخائفون، ويخاف الآمنون، ويقوى المستضعفون ويضعف المتجبرون.
  • وانتصر الإسلام عندما فتحت بل كُسرَت الأبواب الموصدة أمام الدعوة والدعاة في كثير من بلدان الشعوب المنتفضة، وصدع الدعاة (آمنين) بكلمة الحق والتوحيد، وعادت منابر المساجد وأعمدة الصحف وشاشات القنوات متاحة مفتوحة على مصاريعها أمام كل صادع بالحق، ناطق بالصدق.
  • وانتصر الإسلام عندما انكشف عُوار الطابور الخامس من المنافقين الخائنين للدين، الذين كانوا يختالون ويحتالون فيحتلون مناصبَ (الأمن) فيحيلونه خوفاً وإرهاباً، ومنابرَ الإعلام فيجعلونها إفساداً وخراباً، وكراسيَّ الفكر والثقافة فيشيعون منها الانحرافات والضلالات.
  • وانتصر الإسلام عندما رأى المستضعفون أعداءهم الطغاة في بعض البلدان، يحلُّون مكانهم في غيابات السجون وأقبية الزنازين، مع فارق أن المظلومين كان الله معهم، أما الظالمون فليس معهم أحد إلا من كانوا لهم حُراساً وحجَّاباً وخدماً من عسكر الطغيان.
  • وانتصر الإسلام عندما عادت قضية تحكيم الشريعة إلى الصدارة، وعندما ظهرت الحقيقة المغيَّبة التي طالما أخفاها العلمانيون في الداخل، وتواطأ على تزييفها وتزويرها أعداء الإسلام في الخارج، وهي أن الشعوب المسلمة لا ترضى بغير الله رباً والإسلام ديناً ومحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، وشريعة الإسلام أصل في التشريع تنص عليه الدساتير.
  • وانتصر الإسلام عندما تبيَّن للعالم أن الجيل الجديد من شباب الأمة الذي خطط أولياء الشيطان لشيطنته ومسخ عقيدته، ومسح شخصيته، لم يُمسَخ ولم تُمسَح هويته، ولم تصادَر رجولته، على الرغم من إفساد الشياطين، فكان طليعة الثائرين لكرامة الأمة والمطالبين باستعادة عزتها، صامدين في ميادين التحدي الأرقى والأنقى على مستوى الثورات في العالم.
  • وانتصر الإسلام عندما ظهرت ثمرة جهود أجيال من الدعاة والعلماء والمفكرين من كافة الجماعات في توعية عموم الأمة، فصارت غالبية الناس تميِّز بين الغث والسمين من القول، وبين العدو والصديق من الناس، وبين النافع والضار من الأفكار والنظريات والنشاطات.
  • وانتصر الإسلام عندما نتج عن كل ما سبق أن الأمة لم تعد عندها (قابلية للاستعمار)، ولا استعداد للخنوع لعدو (خارجي أو داخلي) ولا قبول للخداع تحت الشعارات البراقة المستوردة من الخارج أو المصنعة في الداخل؛ فالأمناء فقط هم أهل الثقة، وأهل الخبرة هم أهل القبول.
  • وانتصر الإسلام عندما أدرك العوام والخواص من الناس أن النصر من عند الله وحدَه، مهما ضعف أصحاب الحق وتجبَّر أهل الباطل، وقد ظهر لهم ذلك جلياً، مما بدا من آثار إصرار الثوار وهم في غالبيتهـم عـزلٌ مسـالمون، ومـع ذلك أطاحـوا، ولا يزالون يطيحون بالعروش دون جحافلَ أو جيوش.

وظهرت للناس آية من آيات الله؛ حيث ألقى الرعب والخذلان في قلوب المتكبرين على الرغم من كثرة عددهم وعدتهم، وثبَّت المستضعفين العزل وقوَّاهم وأيدهم على الرغم من ضعفهم وقلة إمكاناتهم.

إن انتصارات الماضي والحاضر، موصولة بانتصارات المستقبل التي قال النبي صلى الله عليه وسلم عنها: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعزِّ عزيز أو ذلِّ ذليل؛ عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر. وهكذا يثبت الزمان ما نطق به القرآن؛ فسبحان من صَدَقَ وعده، ونَصَرَ عبده وهزم الأحزاب وحده: ((وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ))

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى