الحمد لله القائل {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيرا} وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ نزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، أرسله ربه بالهدى ودين الحق شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
فمع سورة يرددها المسلم في اليوم سبع عشرة مرة، سوى النوافل، مع أعظم سور القرآن – سورة الفاتحة – التي ما أنزل الله عز وجل في التوراة ولا الإنجيل ولا الزبور ولا الفرقان مثلها؛ السورة التي نقرؤها في كل ركعة من صلاتنا، مفروضة ومسنونة، وهي مشتملة على خمس وعشرين كلمة في مائة وثلاثة عشر حرفاً
- تسمى فاتحة الكتاب، لأنها أولُّ سوره وعنوان مقاصده، وتسمَّى أيضاً أمَّ القرآن لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن»، وإنما سماها بذلك لاشتمالها على أمهات المعاني التي في القرآن من توحيد الله عز وجل والثناء عليه بصفات جلاله وكماله وجماله، وذكر الصراط المستقيم الذي ارتضاه الله عز وجل لعباده، وتسمى أيضاً سورة المثاني لأنها تثنَّى في كل صلاة، وتسمى الصلاة ففي حديث أبي هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تعالى: قسمت الصلاة؛ أي الفاتحة؛ بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل؛ فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين} قال الله تعالى: حمدني عبدي؛ وإذا قال {الرحمن الرحيم} قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال {مالك يوم الدين} قال: مجدني عبدي وإذا قال {إياك نعبد وإياك نستعين} قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل؛ فإذا قال {اهدنا الصراط المستقيم} {صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل» وتسمى رقية الحقِّ، وقد ثبت عن النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – أنَّه قال للذي رَقَى بالفاتحة: «وما يدريك أنَّها رقيةٌ»، وثبت أنَّه قال: «لقد أكلتَ برقيةِ حقٍّ». وتسمى سورة الحمد، وقد اشتهر تسميتُها بذلك، وحَمَلَ كثيرٌ من النَّاس حديثَ: (كان يفتتحُ الصَّلاة بـ {الحمد لله رب العالمين} على أنَّه أُريد ذكر اسم السُّورة. وتسمى الشفاء، ذكره غيرُ واحدٍ، وذكروا من حديث ابنِ سيرين عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ أنَّ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «فاتحةُ الكتابِ شفاءٌ من كلِّ داءِ»، وفي رواية: «من كل سُمٍّ إلا السَّامَ»، وهو الموت.
- واختلف في تسميتها بالمثاني، قيل: لأنَّها استثنيت لهذه الأمَّة، لم يُعْطَهَا أحدٌ قَبْلَهم، ورُوي عن ابنِ عبَّاسٍ. وقيل: لأنَّها تُثَنّى في كلِّ ركعة، وهو المشهور. وقيل: لأنَّها في كلِّ صلاة. وقيل: لأنَّ فيها ثناءً على الله عزَّ وجلَّ. وقيل: لأنَّها قُسمت نصفين، نصفٌ لله، ونصفٌ لعبده, كما في حديث أبي هريرة. وقيل: لأنَّ أهل السموات يصلُّون بها كما يُصلِّي بها أهلُ الأرض، وقد جاء عن عمر أنَّها صلاةُ الملائكة. وقيل: لأنه ثُنِّي نزولُها فنزلت مرَّتين، مرَّةً بمكَّة، ومرَّةً بالمدينة، وقيل: لأنَّ الكلمات التي فيها مثنَّاةٌ، كـ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، وكقوله: {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ}، وقوله: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، وقوله: {عَلَيْهِمْ} و {عَلَيْهِمْ} ، فهذه الكلمات كلُّها مثنى مثنى، فسُمِّيت مثاني لذلك.
- وقع في الفاتحة تلخيص لأعظم المقاصد؛ واشتملت على إثبات كل العقائد؛ فقد اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال وتضمنتها أكمل تضمن؛ فاشتملت على التعريف بالمعبود تبارك وتعالى بثلاثة أسماء مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها ومدارها عليها، وهي الله والرب الرحمن وبنيت السورة على الإلهية والربوبية والرحمة؛ وتضمَّنت الرد على جميع طوائف أهل البدع والضلال، وتضمنت إشارات إلى منازل السائرين ومقامات العارفين؛ وفي الجملة فإن هذه السورة لا يقوم غيرها مقامها ولا يسد مسدَّها ولذلك لم ينزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها؛ وسر الخلق والأمر والكتب والشرائع والثواب والعقاب انتهى إلى هاتين الكلمتين {إياك نعبد وإياك نستعين}، وعليهما مدار العبودية والتوحيد حتى قيل: أنزل الله مئة كتاب وأربعة كتب جمع معانيها في التوراة والإنجيل والقرآن؛ وجمع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن؛ وجمع معاني القرآن في المفصل؛ وجمع معاني المفصل في الفاتحة؛ ومعاني الفاتحة في {إياك نعبد وإياك نستعين} وهما الكلمتان المقسومتان بين الرب وبين عبده نصفين فنصفهما له تعالى وهو إياك نعبد ونصفهما لعبده وهو إياك نستعين
- ما ذكره الله تعالى من المعاني في هذه السورة العظيمة هو أفضل وأولى ما يذكر في موضعه؛ فقد ذكر تعالى الحمد وهو أكمل أنواع العبادة، وذكر اسمه (الله) وهو أعظم الأسماء وأشملها لمعاني الأسماء الأخرى؛ وذكر ربوبيته للعالمين وهي أعظم أدلة قدرته وعلمه وكماله واستحقاقه للإفراد بالعبودية؛ وذكر رحمته وهي أقوى متعلق للعبد وأكثر شيء يحتاجه بل يضطر إليه؛ وذكر ملكه ليوم الدين وهو أعظم الأيام وملك ذلك اليوم أكبر أمثلة ربوبيته الشاملة الكاملة، وقال {إياك نعبد وإياك نستعين} وهما أعظم حقوق الله وأكبر حظوظ العبد؛ وقال {اهدنا الصراط المستقيم} وهو أعظم الأدعية؛ وقال {صراط الذين أنعمت عليهم} وهم أفضل الناس؛ وقال {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} وهما أكثر الفرق ابتعاداً عن الدين الحق وانحرافاً عنه ومعاداة له.
- العبادة غاية الحب في غاية الخوف في غاية الذل؛ وكيف لا يشعر بالذل من يستحضر عظمة مالك كل شيء؟ أو بالخوف من يستحضر شدة وعظمة يوم الدين والحساب؛ وكيف لا يشعر بالحب من يسمع صفات الله تعالى؛ ولا سيما الرحمن الرحيم المنبني عليهما الإحسان؛ وكذلك سائر صفات الكمال؛ والمحبوب إنما يحب لكمال ذاته أو صفاته أو أفعاله، والقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها. والله تعالى جعل العبودية وصف أكمل خلقه وأقربهم إليه فقال: {لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعاً} وقال: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون} وهذا يبين أن الوقف التام في قوله في سورة الأنبياء {وله من في السماوات والأرض} ههنا ثم يبتدىء {ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون} فهما جملتان تامتان مستقلتان أي إن له من في السماوات ومن في الأرض عبيداً وملكاً ثم استأنف جملة أخرى فقال: {ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته} يعني أن الملائكة الذين عنده لا يستكبرون عن عبادته يعني لا يأنفون عنها ولا يتعاظمون ولا يستحسرون فيعيون وينقطعون يقال: حسر واستحسر، أي إذا تعب وأعيا بل عبادتهم وتسبيحهم كالنفس لبني آدم.
أحداث الأسبوع
في الشأن الداخلي استؤنفت المفاوضات بين الحكومة ودولة الجنوب التي تكرر منها الاعتداء على هذه البلاد، والتي تستقوي بالدول الإقليمية والمنظمات الدولية في مجلس الأمن والسلم الإفريقي والأمم المتحدة ومجلس الأمن؛ وما ندري هل يكون مفاوضونا على الحق ظاهرين ولعدوهم قاهرين، ينتزعون الحقوق ولا يفرِّطون في الثوابت؛ أم أن الحال سيعود إلى ما كان عليه من اتفاقات هزيلة ونصوص مطاطة حمالة أوجه، إننا نقول لمفاوضينا: لا تمنحوا القوم ما لا تملكون؛ فلا نريد حريات أربعاً ولا ثلاثاً ولا اثنتين، بل قد ذهب القوم بخيرهم وشرهم، وانفصلوا بدولتهم، وبدت من أفواههم العداوة والبغضاء، وثبت أنهم ساعون لإثارة القلاقل وزرع الفتن في هذه البلاد؛ فلا مبرِّر أبداً لأن نمنحهم سبلاً مشروعة ينشرون من خلالها شرَّهم وباطلَهم وإفكَهم وجواسيسهم وعملاءهم؛ لا تمنحوهم تلك الحريات التي هم حريصون عليها، ومن ورائهم سادتهم وكبراؤهم الذين يؤزونهم على الشر أزا، وما ينبغي لكم أيها المفاوضون أن ترضخوا لابتزازات الاستعمار وعملائه من الزعماء الأفارقة الذين لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا؛ وما زال أهل الكفر من الأميركان وغيرهم يكيدون لنا كيداً من زمان بعيد، وقد قال الله عز وجل {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط}
وفي سوريا – وما أدراك ما سوريا – ما زالت الأرواح تزهق والرقاب تطير، والمذابح ترتكب والدماء تسيل، والجرائم تترى والحرائق في كل مكان، في ظل صمت دولي وإقليمي مريب، يكتفي بكلمات جوفاء ووعود خرقاء دون أن تترجم إلى واقع على الأرض؛ لأن نظام الظلم العالمي لا يريد التفريط في النظام البعثي النصيري العميل؛ لأنه حامي حمى إسرائيل وحارس حدود دولة اليهود، وبائع الجولان ومذل الحرائر ومحارب الأديان، نظام مرد على النفاق يقول شيئاً ويفعل غيره، ويحب أن يُحمد بما لم يفعل؛ ولن يجدوا مثله في الخيانة والغدر وخدمة اليهود والصليبيين