خطب الجمعة

فساد وسفك للدماء

خطبة يوم الجمعة 20/3/1434 الموافق 1/2/2013

الحمد لله رب العالمين شرع لنا دينا قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وهو اللطيف الخبير، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو حي لا يموت، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه؛ أرسله ربه بالهدى ودين الحق هادياً ومبشراً ونذيرا، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى أله وأصحابه الذين عزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون، أما بعد.

1ـ فإن الإفساد في الأرض وسفك الدماء من أعظم الجرائم التي يقترفها إنسان، ولذلك قالت الملائكة حين أخبرها ربها بخلق البشر {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟} تخصيص بعد تعميم لبيان عظيم مفسدة القتل، قالوا ذلك استفهاماً واستعلاما لا اعتراضاً ولجاجا، وقد حصل ما توقعته الملائكة فحصل من كثير من الإنس فساد في الأرض حين أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، ومارسوا النفاق اعتقاداً وعملا، ومارسوا عمل السحرة المفسدين ليفرقوا بين المرء وزوجه ويزرعوا بين الناس عداوة وبغضاء، وادعوا علم الغيب فظهر فيهم المنجمون والعرافون والكهنة ممن يبيعون للناس الوهم؛ وصدوا عن سبيل الله وكذبوا رسله، ومارسوا أنواعاً من الفساد؛ كما قال سبحانه {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}

2ـ والسؤال كيف عرفت الملائكة أن ذرية آدم سيكون منهم فساد وسفك للدماء؟ وجواب ذلك أنهم اطلعوا عليه في اللوح المحفوظ، أو أنهم فهموه من لفظة الخليفة، أو أنهم قاسوا مثالاً على مثال فأخذوا عبرة من الجن الذين سكنوا الأرض قبل الإنس فحصل منهم ذلك.

3ـ وفي مقابل هذا قالت الملائكة إخباراً عن واقعهم {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} نسبح بحمدك ننزهك عما لا يليق بجلالك وجمالك، ونحمدك على أن وفقتنا لذلك، ونقدس لك أي نطهرك عما يصفك به الواصفون ممن لا يقدرون حق قدرك، أو نطهر لك أنفسنا من كل ما لا يليق، هكذا الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون ولا يسأمون، التسبيح عندهم كالتنفس عندنا، وهكذا من وفقه الله منا معشر بني الإنسان، لا تكف ألسنتهم عن ذكر ربهم تسبيحاً وتحميداً وتهليلاً وتكبيرا، “كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان..” “من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر” “لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس” “الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض” “ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم”

4ـ قال الله عز وجل {إني أعلم ما لا تعلمون} أعلم أنه سيكون في ذرية آدم الأنبياء والمرسلون، والأولياء المقربون، والشهداء والصديقون، والعلماء العاملون، وعباد الله الصالحون، الذين يعملون على نصرة الدين وتمكين شريعة رب العالمين، سيكون من ذرية آدم العباد الزهاد، والسابقون المفردون، سيكون من ذرية آدم من يبذلون المهج والأرواح والغالي والنفيس في سبيل الله عز وجل.

5ـ {وعلم آدم الأسماء كلها} أسماء الأشياء، وما هو مسمى بها، فعلمه الاسم والمسمى، أي: الألفاظ والمعاني، حتى المكبر من الأسماء كالقصعة، والمصغر كالقصيعة.

قَوْلُهُ تَعَالَى (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ) يَعْنِي مُسَمَّيَاتِ الْأَسْمَاءِ لَا الْأَسْمَاءَ كَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى أَنَّهَا الْمُسَمَّيَاتُ بِقَوْلِهِ (أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ) الْآيَةَ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.

وفي الآية دليل على فضل العلم وأهله، وقد نفى ربنا جل جلاله المساواة بينهم وبين غيرهم، فقال سبحانه {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} وبيَّن أنهم مرفوعون عنده درجات، {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}وبين أنهم أهل الخشية، {إنما يخشى الله من عباده العلماء} وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يطلب الزيادة من العلم، {وقل رب زدني علما}واستشهد جل جلاله بقولهم، {وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث} وهم المنتفعون بأمثال القرآن وحكمه، {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} وهو من أجلِّ النعم {ولقد آتينا داود وسليمان علماً وقال الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين}

6ـ إن التعليم من أرفع المنازل وأعظم الوظائف، ويكفي المعلم شرفاً أن التعليم هي الوظيفة الأولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال {إنما بعثت معلما} وفي القرآن الكريم نقرأ “هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة” ونقرأ “لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين”  ولا يضير المعلمين أن يكون فيهم من لا يريد وجه الله بعمله، أو يكون فيهم من لا يتقي الله فيما يأتي ويذر، أو يكون فيهم من يأتي أموراً لا تليق؛ ففي كل جماعة طيب وخبيث، وقد قال سبحانه {قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث}

نقرأ في صحف هذا الأسبوع في يوم واحد أن حكماً صدر من محكمة الجنايات بإعدام معلم اغتصب تلميذة في الصف الثامن من مرحلة الأساس، وبعده مباشرة أن الشرطة قد القت القبض على مغتصب طفلة في الثالثة من عمرها، ونقرأ بالأمس أن محكمة الطفل ببحري قد أصدرت حكماً بإعدام مغتصب طفلة في الثالثة من عمرها

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى