خطب الجمعة

فضائل شهر رمضان

1ـ في التقرب بترك هذه الشهوات بالصيام فوائد منها:

  • كسر النفس، فإن الشِّبع والرِّي ومباشرة النساء تحمل النفس على الأشر والبطر والغفلة.
  • تخلي القلب للفكر والذكر، فإن تناول هذه الشهوات قد يقسِّي القلب ويعميه، وخلو البطن من الطعام والشراب، ينوِّر القلب ويوجب رقته ويزيل قسوته ويخليه للفكر والذكر.
  • أن الغني يعرف قدر نعمة الله عليه بامتناعه عن هذه الشهوات في وقت مخصوص، وحصول المشقة له بذلك بتذكر من منع من ذلك على الإطلاق فيوجب له ذلك شكر نعمة الله عليه بالغنى، ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج ومواساته بما يمكن من ذلك.
  • أن الصيام يضيق مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فتسكن بالصيام وساوس الشيطان وتنكسر سورة الشهوة والغضب، ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم الصوم وجاءً؛ لقطعه عن شهوة النكاح.

2ـ ولا يتم التقرب إلى الله تعالى بترك الشهوات المباحة في غير حالة الصيام، إلا بعد التقرب إليه بترك ما حرم الله في كل حال، من الكذب والظلم والاعتداء على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم {من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه} قال بعض السلف: أهون الصيام ترك الشراب والطعام. وقال جابر: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك سكينة ووقار يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء. وكان السلف إذا صاموا جلسوا في المساجد وقالوا: نحفظ صومنا ولا نغتاب أحدا.

3ـ قوله جل جلاله في الحديث القدسي {كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به} معناه أن الأعمال كلها تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد، بل يضاعفه الله جل جلاله أضعافا كثيرة، بغير حصر عدد فإن الصيام من الصبر وقد قال الله تعالى ]إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب( وقيل الحكمة في إضافة الصيام إلى الله جل جلاله، أن الصيام هو ترك حظوظ النفوس وشهواتها الأصلية التي جبلت على الميل إليها، من الطعام والشراب والنكاح، ولا يوجد ذلك في غيره من العبادات. قال بعض السلف: طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد غيب لم يره، وقيل: لأن الصيام سر بين العبد وربه لا يطلع عليه غيره، لأنه مركب من نية باطنة لا يطلع عليها إلا الله، وترك لتناول الشهوات التي يستخفي بتناولها دائما، ولذلك قيل: لا تكتبه الحفظة، والله عز وجل يحب من عباده أن يعاملوه سرا.

4ـ وشهر رمضان له خصوصية فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان جوده لله وفي ابتغاء مرضاته، وكان جوده  يتضاعف في شهر رمضان على غيره من الشهور، كما أن جود ربه يتضاعف فيه أيضا، فإن الله جبله على ما يحبه من الأخلاق الكريمة، وكان على ذلك من قبل البعثة. ثم كان بعد الرسالة جوده في رمضان أضعاف ما كان قبل ذلك، فإنه كان يلتقي هو وجبريل عليه السلام ويدارسه الكتاب الذي جاء به إليه، وهو أشرف الكتب وأفضلها، وهو يحث على الإحسان ومكارم الأخلاق، فلهذا كان يتضاعف جوده وإفضاله في هذا الشهر لقرب عهده بمخالطة جبريل عليه السلام وكثرة مدارسته له هذا الكتاب الكريم الذي يحث على المكارم والجود. وفي تضاعف جوده  في شهر رمضان بخصوصه فوائد كثيرة:

منها: شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه، فإن العمل يشرف ويزداد ثوابه لشرف الزمان، أو المكان، أو لشرف العامل وكثرة تقواه.

ومنها: إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم، كما أن من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله فقد غزا.

ومنها: أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار لا سيما في ليلة القدر، والله تعالى يرحم من عباده الرحماء. كما قال  {إنما يرحم الله من عباده الرحماء} فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل والجزاء من جنس العمل.

ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي  أنه قال {من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من تبع منكم اليوم الجنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من تصدق بصدقة؟ قال أبو بكر: أنا، قال فمن عاد منكم مريضا؟ قال أبو بكر: أنا، قال: ما اجتمعت في امرئ إلا دخل الجنة}

ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا، واتقاء جهنم والمباعدة عنها، وقد قال : {الصيام جنة}. وقال  {الصدقة تطفئ الخطيئة}

قال أبو الدرداء: صلوا في ظلمة الليل ركعتين لظلمة القبور، صوموا يوما شديدا حره لحر يوم النشور، تصدقوا بصدقة لشر يوم عسير.

ومنها: أن الصيام لا بد أن يقع فيه خلل أو نقص، فالصدقة تجبر ما فيه من النقص والخلل، ولهذا وجب في آخر شهر رمضان زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث.

ومنها: ما قاله الشافعي رحمه الله: أَحِبُّ للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان، اقتداء برسول الله ، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثير منهم بالصوم عن مكاسبهم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى