خطب الجمعة

وبالوالدين إحسانا

خطبة يوم الجمعة 20/5/1436 الموافق 13/3/2015

1- الحمد لله الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا، وتبارك الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، كان ولم يزل بعباده خبيراً بصيرا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه، أرسله ربه بالهدى ودين الحق هادياً ومبشراً ونذيرا، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيرا. أما بعد، أيها المسلمون عباد الله:

2- بر الوالدين من صفات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم آجمعين، كيف كان الخليل مع أبيه وكيف عوَّضه الله في ولده؟ كيف كان المسيح عليه السلام مع أمِّه؟ {وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقيا} وبم أثنى القرآن على يحيى بن زكريا {وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصيا}

3- الآيات القرآنية التي فيها الحث على بر الوالدين

  • في سورة البقرة حيث أخبر ربنا جل جـلاله أن ذلك مما اتفقت عليه الشرائع {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
  • وفي سورة النساء قرن الله حقهما بحقِّه جل جـلاله {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} وفي الإسراء {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
  • وفي سورة الأنعام جعل ذلك من الوصايا العشر التي تواترت بها الشرائع {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
  • وفي سورة لقمان بين أن شكر الله لا يكون إلا بشكرهما {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}
  • وأمر بمصاحبتهما بالمعروف ولو كانا مشركين مع عدم طاعتهما في العنكبوت {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} وفي لقمان {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}
  • وفي سورة الأحقاف أخبر أن الدعاء لهما والإحسان إليهما من صفات الطيبين {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ}

4- الأحاديث الواردة في بر الوالدين، نستنبط منها جملة من الأحكام:

  • بر الوالدين مقدَّم على الجهاد في سبيل الله ما لم يتعيَّن؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال “الصلاة على وقتها” قلت: ثم أي؟ قال “بر الوالدين” قلت: ثم أي؟ قال “الجهاد في سبيل الله” رواه الشيخان، وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أهل اليمن. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم “هجرت الشرك ولكنه الجهاد. هل باليمن أبواك؟” قال: نعم. قال “أذنا لك؟” قال: لا. قال “ارجع إلى أبويك فإن فعلا، وإلا فبرَّهما” رواه أبو داود. وعن أنس رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه. قال “هل بقي من والديك أحد؟” قال: أمي. قال “قابل الله في برِّها فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد، فإذا رضيت عنك فاتقِّ الله وبرَّها” رواه أبو يعلى والطبراني في الصغير والأوسط
  • حق الأم في البر آكد من حق الأب؛ فعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: من أبر؟ قال “أمك” قلت: ثم من؟ قال “أمك” قلت: ثم من؟ قال “أمك” قلت: ثم من؟ قال “أباك ثم الأقرب فالأقرب” رواه أبو داود والترمذي والحاكم في المستدرك
  • هذا البر يمتد بعد الممات؛ فعن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال “نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما” رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد والحاكم
  • الجزاء معجَّل لصاحبه في الدنيا؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “بروا آباءكم تبركم أبناؤكم، وعفوا تعف نساؤكم” رواه الطبراني في الأوسط والحاكم في المستدرك
  • هو سبب لطول العمر؛ فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القضاء إلا الدعاء، وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها” رواه أحمد والترمذي وابن ماجه
  • هذا البر جزاؤه الجنة؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ودخلت الجنة فسمعت فيها قراءة، فقلت: من هذا؟ قالوا: حارثة بن النعمان!! كذلكم البر، كذلكم البر” وكان أبر الناس بأمه. أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه
  • بر الخالة مطلوب؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أصبت ذنباً عظيماً فهل لي من توبة؟ قال “هل لك أم؟” قال: لا. قال “هل لك من خالة؟” قال: نعم. قال “فبرها” رواه الترمذي والحاكم

5- المثل التطبيقي من حياة النبي صلى الله عليه وسـلم في البر:

  • عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لحماً بالجعرانة وأنا غلام شاب؛ فأقبلت امرأة فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم بسط لها رداءه فقعدت عليه، فقلت: من هذه؟ قالوا: أمه التي أرضعته. رواه أبو داود والحاكم وابن حبان
  • عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله؛ فقال {استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت} رواه مسلم
  • قال ابن عباس رضي الله عنهما {ما من مسلم له والدان مسلمان يصبح إليهما محتسباً إلا فتح الله له بابين ـ يعني من الجنة ـ وإن كان واحداً فواحد، وإن أغضب أحدهما لم يرض الله عنه حتى يرضى عنه} قيل: وإن ظلما؟ قال {وإن ظلما} رواه البخاري في الأدب المفرد
  • قال أبو موسى رضي الله عنه: شهد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلاً يمانياً يطوف بالبيت حمل أمه وراء ظهره يقول: إني لها بعيرها المذلل. إن أذعرت ركابها لم أذعر. ثم قال: يا ابن عمر أتراني جزيتها؟ قال {لا ولا بزفرة واحدة} رواه البخاري في الأدب المفرد
  • عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أمه كانت في بيت وهو في آخر؛ فإذا أراد أن يخرج وقف على بابها فقال: السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته. فتقول: وعليك يا بني ورحمة الله وبركاته. فيقول: رحمك الله كما ربيتني صغيرا. فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيرا. رواه البخاري في الأدب المفرد
  • أويس القرني رحمه الله منعه من القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بره بأمه فعوضه الله خيراً؛ حتى أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه إذا لقيه أن يطلب منه أن يستغفر له!! قال النبي صلى الله عليه وسلم {ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين ربيعة ومضر، إنما أقول الذي أقول} رواه أحمد والطبراني عن أبي أمامة
  • من أقوال الشعراء في بر الوالدين:

عليك ببر الوالدين كليهما….. وبر ذوي القربى وبر الأباعد

ولا تصحبن إلا تقياً مهذباً….عفيفاً ذكياً منجزاً للمواعد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى