الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا وعظيمنا وإمامنا وسيدنا محمداً رسول الله الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير والبشير النذير، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين عزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا} {يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدا. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما} أما بعد.
فقد مضى معنا من الكلام ما عرف منه أن الأمة مأمورة بأن تمارس أنواعاً من الجهاد المدني بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصحاح البيئة والجهاد العلمي التقني وجهاد الظلم والبغي والعدوان، والجهاد الاجتماعي والجهاد الاقتصادي والجهاد الصحي إلى غير ذلك من الأنواع التي دلت عليها نصوص القرآن والسنة
1- الإعداد واجب على الأمة من أجل أن تظل أمة جهاد، تمتلك أسباب القوة المادية والمعنوية، فإن التاريخ يشهد بأن هذه الأمة ما هانت على أعدائها ولا انتهبت ثرواتها ولا انتقصت من أطرافها إلا حين تركت هذه الشريعة المحكمة وغيبت فريضة الجهاد عن حياتها وأهملت الإعداد له؛ وهذا الإعداد يشمل سائر الجوانب من القوة العسكرية والقوة الاقتصادية والقوة البشرية المادية والفكرية والإيمانية والأخلاقية
2- أما الإعداد العسكري فإنه يتطلب أمرين:
أولهما إعداد الأجهزة والمعدات والآليات العسكرية من الدبابات والمصفحات والمجنزرات وغيرها، بل المعدات البحرية من السفن والبوارج الحربية والغواصات وغيرها، وكذلك الوسائل الجوية من الطائرات والأقمار الصناعية والصواريخ وغيرها، وما يلزم ذلك من القذائف والذخيرة والقنابل، ويجب على الأمة أن تبذل كل ما بوسعها من أسباب بشرية ومادية من أجل أن تملك تلك الوسائل كلها، وهذا يوجب على الأمة أن تهيئ كل ما يلزم لذلك من وسائل علمية وتكنولوجية وتفوق في العلوم الطبيعية والهندسية والرياضية، ولا بد من إنشاء مراكز للبحوث وجامعات علمية وتقنية “إن الله تعالى ليثيب بالسهم الواحد ثلاثة: صانعه يحتسب في صنعته الخير، ومنبله، والرامي به” وقد حكى لنا القرآن الكريم ما كان من شأن دواد النبي عليه الصلاة والسلام
ثانيهما: إعداد المقاتلين؛ فإن السلاح – مهما كان – فإنه لا يقاتل وحده، بل لا بد من إعداد العنصر البشري الذي يحمل ذلك السلاح، وقد قيل:
وما تنفع الخيل الكرام ولا القنا إذا لم يكن فوق الكرام كرام
قال النبي صلى الله عليه وسـلم “ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي” “من تعلم الرمي ثم تركه فليس منا” “من تعلم الرمي ثم تركه فهي نعمة كفرها”
2- الإعداد الاقتصادي للجهاد، وذلك يتطلب جملة أمور لا غنى عنها:
أولها: تهيئة الأمة لتغطية كل مجالات الإنتاج من زارعة وصناعات مختلفة، قال تعالى {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس} فقوله تعالى {بأس شديد} إشارة للصناعات الحربية، وقوله {ومنافع للناس} إشارة للصناعات المدنية، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسـلم من الاكتفاء بالزراعة والرضا بها كما في حديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعاً
ثانيها: ترشيد الاستهلاك والإنفاق الأهلي والحكومي؛ فتقدم الضرورات على الحاجيات، والحاجيات على التحسينات، وتمنع المحرمات تماما كالمسكرات والمخدرات، ويمنع الناس من الإسراف في المباحات، خاصة في أزمنة الطوارئ والكوارث والقحط والحروب، وفي القرآن الكريم بيان لسياسة حكيمة سلكها نبي الله يوسف عليه السلام حين وضع المنتجات كلها تحت المراقبة من حيث التخزين وتقليل الاستهلاك
ثالثها: توفير التمويل اللازم للإنفاق على الجهاد ومتطلباته؛ وجعل ذلك أولى الأولويات وأهم المهمات
رابعها: التوزيع العادل لثروة البلاد، حتى يتحقق التكافل بين أفراد المجتمع، ويشعرون أنهم في مجتمع تصان فيه حقوقهم وترعى حرماتهم وتكفى حاجاتهم، بخلاف مجتمعات عم فيها الظلم وسرى فيها الجشع؛ وفي الصحيح كيف قدم النبي صلى الله عليه وسـلم حاجة الفقراء والمساكين على طلب ابنته فاطمة رضي الله عنها وكذلك قدم عمر رضي الله عنه أم سليط على أم كلثوم؛ ليس الحال كما قال الأول:
وإذا تكون كريهة أدعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
3- الإعداد الفكري والثقافي، فلا بد من تهيئة العقول والقلوب لفكرة الجهاد باستحضار النصوص من القرآن والسنة ووقائع السيرة، وإشاعة فقه الجهاد الحقيقي في الأمة مع بيان غايات الجهاد وأهدافه