خطب الجمعة

واركعوا مع الراكعين

خطبة يوم الجمعة 7/7/1434 الموافق 17/5/2013

1ـ الصلاة والزكاة من سنن النبيين وشرائع المرسلين، قد اتفقت عليها كلمتهم وأوحى الله بها إلى مجموعهم ففي القرآن الكريم نقرأ على لسان إبراهيم عليه السلام {رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء} وفي وصف إسماعيل {وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا} وعلى لسان عيسى عليه السلام {وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا} وقال عن زكريا {فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقاً بكلمة من الله وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين} وقال لنبيه موسى عليه السلام {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} وقال {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} وأخبر ربنا جلَّ جلاله أنه أخذ العهد على بني إسرائيل بأن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فقال جل من قائل {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} وقال سبحانه {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} وقال عن الصالحين منهم {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} وقال لقمان لابنه وهو يعظه {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} وقال عن مجموع الأنبياء عليهم السلام {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}

2ـ قال في المنار: الْإِقَامَةَ هِيَ الْإِتْيَانُ بِالشَّيْءِ مُقَوَّمًا كَامِلًا وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ التَّوَجُّهُ إِلَى اللهِ – تَعَالَى – بِالْقَلْبِ وَالْخُشُوعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالْإِخْلَاصُ لَهُ فِي الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ، فَهَذَا هُوَ رُوحُ الصَّلَاةِ الَّذِي شُّرِعَتْ لِأَجْلِهِ وَلَمْ تُشْرَعْ لِهَذِهِ الصُّورَةِ؛ فَإِنَّ الصُّورَةَ تَتَغَيَّرُ فِي حُكْمِ اللهِ – تَعَالَى – عَلَى أَلْسِنَةِ أَنْبِيَائِهِ؛ لِأَنَّهَا رَابِطَةٌ مُذَكِّرَةٌ، فَلَمْ تَكُنْ لِلْأَنْبِيَاءِ صُورَةٌ وَاحِدَةٌ لِلصَّلَاةِ، وَلَكِنَّ هَذَا الرُّوحَ لَا يَتَغَيَّرُ فَهُوَ وَاحِدٌ لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ نَبِيٌّ وَلَمْ يُنْسَخْ فِي دِينٍ.

3ـ الصلاة خير عون في الدنيا والدين؛ قال تعالى {َواسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ} وقال سبحانه {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} وقال سبحانه {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ} وقال سبحانه {اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ} وفي الصلاة سعة الرزق قال تعالى {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعاقبة للتقوى} وفي الصلاة تفريج الهم؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وقال “أرحنا بها يا بلال”

4ـ ولما كانت الصلاة بتلك الأهمية كان لها أحكام مخصوصة دون سائر العبادات؛ فتاركها عياذاً بالله على شفا جرف هار يوشك أن ينهار به في نار جهنم؛ فعن بريدة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «العهد الّذي بيننا وبينهم الصّلاة، فمن تركها فقد كفر» ومطلوب قضاؤها حال النوم عنها أو نسيانها قال تعالى {وأقم الصلاة لذكري} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك” ومطلوب منا أن نعلِّمها صغارنا ونعوِّدهم عليها وهم لا يزالون يافعين؛ فعن سبرة بن معبد الجهنيّ- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «علّموا الصّبيّ الصّلاة ابن سبع سنين، واضربوه عليها ابن عشر» وليس لها مكان مخصوص بل تؤدى في كل مكان؛ فعن جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنهما- أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي: نصرت بالرّعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهورا، فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصّلاة فليصلّ، وأحلّت لي المغانم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشّفاعة. وكان النّبيّ يبعث إلى قومه خاصّة وبعثت إلى النّاس عامّة»

5ـ وكان صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في الإتيان بهذه الشعيرة على وجهها الأتم الأكمل من غير إفراط ولا تفريط؛ فعن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- قال: (ما صلّيت وراء إمام قطّ أخفّ صلاة ولا أتمّ من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وإن كان ليسمع بكاء الصّبيّ فيخفّف مخافة أن تفتن أمّه) وكان إذا قام في صلاته صلى الله عليه وسلم يناجي ربه ويدعوه “اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد” ويقرأ مترسلاً يمد صوته بالقراءة مدا، ثم يركع صلى الله عليه وسلم فيمكن كفيه من ركبتيه ويفرج بين أصابعه، ولا يشخص رأسه ولا يصوبه؛ ويعظم ربه في ركوعه بقوله: سبحان ربي العظيم، أو بقوله: سبوح قدوس رب الملائكة والروح، أو بقوله: اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت، خشع سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وما استقلت به قدمي لله رب العالمين. ثم يرفع رأسه حامداً ربه: ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السموات والأرض وما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا يينفع ذا الجد منك الجد. ثم يسجد فيمكن جبهته من الأرض مفرجاً بين فخذيه مجافياً إياهما عن بطنه، ويكثر في سجوده من الدعاء “اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره” وهكذا في صلاته كلها. يقرأ القرآن وصدره يغلي كأزيز المرجل

6ـ أيها المسلمون: إن إقامة الصلاة أداؤها بأركانها وسننها وهيئاتها في أوقاتها

إن ناساً كثيرين – أيها المسلمون – لا يؤدون صلاتهم على الوجه الذي شرعه الله؛ فمنهم من يأتيها مسرعاً بعدما يسمع الإقامة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم “إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة، ولا تأتوها وأنتم تسرعون؛ فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا” وإن بعضهم ليسرع فيها إسراعاً مخلا، ومنهم من لا يتم قراءتها ولا ركوعها ولا سجودها، أما الخشوع فقد صار بعيد المنال، ومن الناس من يؤدي صلاة باهتة لا روح فيها؛ ألا فلنعظم ربنا في صلاتنا ولتخشع جوارحنا لتخشع قلوبنا، ولنعلم أنها الصلاة بيننا وبين ربنا جل جلاله.

أحداث أبي كرشولا وما وراءها

فإن المخلصين من هذه الأمة لا يزالون ينتظرون أخباراً سارة تبشر بالقضاء على بادرة التمرد اللئيم الذي ذر بقرنه وأطل برأسه في كردفان؛ ليكون شوكة أخرى في خاصرة هذا الوطن الذي أنهكته الحروب، وليحقق عملاؤه وسماسرته ما يريدون من إقامة السودان الجديد الذي لا أثر فيه لإسلام ولا عروبة، أقول: لا يزال الناس ينتظرون أخباراً تشفي صدور قوم مؤمنينن بإنزال الهزيمة والنكال بمن فعلوا الأفاعيل في تلك البلاد حين قتلوا النساء والشيوخ الأطفال ودنسوا المساجد وانتهكوا الحرمات، ولا زال إخوانكم في القوات المسلحة والدفاع الشعبي يبذلون ما يستطيعون من أجل بلوغ تلك الغاية، وإن واجباً علينا أن نفقه أن النصر قد يتأخر لأسباب لا بد من التخلص منها، ومن ذلك:

أن يعلم الناس أن حقيقة الانتصار إنما تكون بالثبات على المبدأ وعدم إعطاء الدنية في الدين، وقد يبطيء النصر لأن الأمة لم تحشد كل طاقاتها ولم تستنفر كل قواها؛ وقد يبطئ من أجل أن تقوي الأمة صلتها بالله عز وجل وتلجأ إليه لجوء المضطرين وتعلم ألا ملجأ من الله إلا إليه، وقد يبطيء لأن الأمة لم تتجرد في كفاحها فهي تقاتل للمغنم أو حمية لذاتها أو من أجل دنيا تحفظها، وقد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماماً. فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصاراً من المخدوعين فيه، لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله؛ فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة. فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشف عارياً للناس، ويذهب غير مأسوف عليه من ذي بقية!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى