1- فقد توفي رسول الله صلى الله علـيه وسلم بعد أن بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هلك، فقام أصحابه بالأمر من بعده خير قيام؛ حيث أقاموا معالم الدين ووطدوا أركانه وقووا سلطانه؛ فقمعوا المرتدين وحاربوا الكفار والمشركين، وفتح الله لهم البلاد وهدى بهم العباد؛ فكانوا خير أمة أخرجت للناس، وذلك أنه بعد وفاة رسول الله صلى الله علـيه وسلم ورغم أنه لم ينص على من يكون الخليفة بعده صراحة، عمدوا إلى خيرهم وأفضلهم أبي بكر الصديق رضي الله عنه فنصبوه خليفة وإماماً عن رضا ومشورة منهم؛ ما كان بينهم قتال ولا شجار بل شورى أرقى ما تكون، حيث أراد الأنصار أن يبابعوا منهم خليفة، لكن الصديق أبا بكر ومعه الفاروق عمر والأمين أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم أجمعين، بيَّنوا للأنصار أن الخليفة لا بد أن يكون قرشياً وأن الأئمة من قريش بنص كلام رسول الله صلى الله علـيه وسلم، وأن العرب لن تدين إلا لهذا الحي قريش؛ فبايعوا أبا بكر راضين مختارين، فدامت خلافته سنتين وبضعة أشهر كانت خيراً ورحمة وفضلاً وبرا، فكانت قوته وشدته على أهل الكفر والنفاق ورحمته وبره للإسلام وأهله، ثم لما حضرته الوفاة عهد الأمر من بعده لعمر – عن مشورة من الصحابة رضي الله عنهم – فدامت خلافته رضي الله عنه عشر سنين وأشهرا، مصر الأمصار ودون الدواوين وفرض الأعطيات وفتح الفتوح ودخل الناس في دين الله أفواجا، وقدَّر الله عز وجل ولا راد لقضائه أن يقتل الفاروق على يد المجوسي الفارسي أبي لؤلؤة فيروز؛ فانثلمت في الإسلام ثلمة عظيمة، وفتح باب للشر وبيل، لكنه رضي الله عنه قبل أن تفارق روحه جسده عمد إلى ستة من العشرة المبشرين بالجنة توفي رسول الله صلى الله علـيه وسلم وهو عنهم راض، فجعل الأمر فيهم ليختاروا من بينهم خليفة، وهم عثمان وعلي وسعد والزبير وطلحة وعبد الرحمن رضي الله عنهم؛ فتنازل ثلاثة لثلاثة، ثم اختار عبد الرحمن أن يكون حكماً بين عثمان وعلي؛ فكانت خلافة عثمان رضي الله عنه نحواً من اثنتي عشرة سنة، كان الناس في رغد من العيش وطيب من الحياة، يقال لهم: اغدوا على سمنكم، اغدوا على عسلكم، لكن نفوساً لا تصبر على النعماء بل هي مجبولة على حب الفتنة والتطلع للشر سعت في تأليب بعض العامة والغوغاء على ذلك الخليفة الراشد رضي الله عنه فكان من أمر الله ما كان حيث قتل في ذي الحجة من سنة خمس وثلاثين على يد جماعة من الناس، فبايع الصحابة من بعده عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه وقد كان لذلك أهلا، لسابقته وبره وجهاده وعلمه وفضله وقرابته من رسول الله صلى الله علـيه وسلم، فقدَّر الله تعالى أن يطالب بعض أولياء عثمان بدمه، لكن علياً أبى أن يدفع إليهم بقتلة عثمان إلا بعد أن يدخلوا في بيعته ويقروا بإمامته، خاصة وأن أمر أولئك القتلة كان عميا؛ إذ قاتل عثمان لم يك واحداً أو اثنين بل قتل رضي الله عنه في فتنة صعب أن يتبين أمرها؛ فكان من أمر الله ما كان.
2- أيها المسلمون عباد الله: إن ناساً يتناولون تاريخ الصحابة المشرق الوضاء، فيتغافلون عن أيام طيبة بل سنوات متتابعة من الفتوحات والهدايات والبركات يطوونها طيا، ليقفزوا مباشرة إلى الفتنة التي كانت في أواخر أيام عثمان رضي الله عنه ويدلفوا مباشرة إلى القتال الذي كان بين الصحابة بعد بيعة علي رضي الله عنه ليخلصوا إلى نتيجة كاذبة خاطئة خلاصتها أن الصحابة قد تقاتلوا على الملك وتنازعوا على الرئاسة وفرَّقتهم الدنيا؛ فليسوا أهلاً لتلقي العلم عنهم ولا قبول الروايات الواردة من طريقهم. هكذا قالوا {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا}
3- ثمة أسس وتوجيهات ينبغي أن يعرفها الباحث إذا اقتضت الحاجة أن يبحث وينظر إلى الروايات فيما شجر بينهم:
أولاً: إن الكلام عما شجر بين الصحابة ليس هو الأصل، بل الأصل العقدي عند أهل السنة هو الكفُّ والإمساكُ عما شجر بين الصحابة، وهذا مبسوطٌ في عامة كتب أهل السنة في العقيدة كالسنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، والسنة لابن أبي عاصم، وعقيدة أصحاب الحديث للصابوني، والإبانة لابن بطة، والطحاوية وغيرها.
ويتأكد هذا الإمساك عند من يخشى عليه الالتباس والتشويش والفتنة وذلك بتعارض ذلك بما في ذهنه عن الصحابة وفضلهم ومنزلتهم وعدالتهم وعدم إدراك مثله (لصغر سنه أو حداثة عهده بالدين..) لحقيقة ما حصل بين الصحابة واختلاف اجتهادهم في ذلك فيقع في الفتنة (بانتقاصه الصحابة) من حيث لا يعلم.. وذلك مبني على قاعدة تربوية تعليمية مقررة عند السلف وهي ألا يُعرض على الناس من مسائل العلم إلا ما تبلغه عقولهم، قال الإمام البخاري رحمه الله: باب من خصَّ بالعلم قوماً دون قوم كراهية ألا يفهموا، وقال علي رضي الله عنه: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟). قال الحافظ في الفتح تعليقاً على ذلك: وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة، ومثله قول ابن مسعود: (ما أنت محدثاً قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة) رواه مسلم. وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان، ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب.. إلى أن قال: وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب، والله أعلم.ا.هـــ
ثانياً: إذا دعت الحاجة إلى ذكر ما شجر بينهم فلا بد من التحقق والتثبت في الروايات المذكورة حول الفتن بين الصحابة، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} هذه الآية تأمر المؤمنين بالتثبت في الأخبار المنقولة إليهم عن طريق الفساق لكي لا يحكموا بموجبها على الناس فيندموا، فوجوب التثبت والتحقق فيما ينقل عن الصحابة وهم سادة المؤمنين أولى وأحرى، خصوصاً ونحن نعلم أن مثل هذه الروايات دخلها الكذب والتحريف، إما من جهة أصل الرواية، أو تحريف بالزيادة والنقص يخرج الرواية مخرج الذم والطعن، وأكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب، يرويها الكذابون المعروفون بالكذب مثل أبي مخنف لوط بن يحيى، ومثل هشام بن محمد بن السائب الكلبي، وأمثالهما، من أجل ذلك لا يجوز أن يدفع النقل المتواتر في محاسن الصحابة وفضائلهم بنقول بعضها منقطع وبعضها محرَّف وبعضها لا يقدح فيما علم، فإن اليقين لا يزول بالشك، ونحن قد تيقنا ما ثبت في فضلهم، فلا يقدح في هذا أمور مشكوك فيها فكيف إذا علم بطلانها.
ثالثاً: أما إذا صحت الرواية في ميزان الجرح والتعديل وكان ظاهرها القدح فيلتمس لهم أحسن المخارج والمعاذير، قال ابن أبي زيد: (..والإمساك عما شجر بينهم وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ويظن بهم أحسن المذاهب). وقال ابن دقيق العيد: (وما نقل عنهم فيما شجر بينهم واختلفوا فيه، فمنه ما هو باطل وكذب، فلا يلتفت إليه، وما كان صحيحاً أوَّلناه تأويلاً حسناً لأن الثناء عليهم من الله سابق، وما ذكر من الكلام اللاحق محتمل للتأويل، والمشكوك والموهوم لا يبطل المحقق والمعلوم)، هذا بالنسبة لعموم ما روي في قدحهم.
رابعاً: أما ما روي على الخصوص فيما شجر بينهم، وثبت في ميزان النقد العلمي فهم فيه مجتهدون، وذلك أن القضايا كانت مشتبهة، فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام:
أ- قسم ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف وأن مخالفه باغ فوجب عليهم نصرته، وقتال الباغي عليه فيما اعتقدوه ففعلوا ذلك، ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة إمام العدل في قتال البغاة في اعتقاده.
ب -وقسم عكس هؤلاء ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق مع الطرف الآخر، فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه.
ج – وقسم ثالث اشتبهت عليهم القضايا وتحيروا فيها ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين فاعتزلوا الفريقين، وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك. فهم متأولون في هذا القتال، لكل طائفة شبهة اعتقدت تصويب نفسها بسببها وذلك لا يخرجهم من العدالة بل هم في حكم المجتهدين في مسائل الفقه فلا يلزم نقص أحد منهم إنما هو بين أجر وأجرين.
خامساً: من المهم أن نعلم أن القتال الذي حصل بين الصحابة رضوان الله عليهم لم يكن على الإمامة، فإن أهل الجمل وصفين لم يقاتلوا على نصب إمام غير علي ولا كان معاوية يقول إنه الإمام دون علي ولا قال ذلك طلحة والزبير… وإنما كان القتال فتنة عند كثير من العلماء بسبب اجتهادهم في كيفية القصاص من قاتلي عثمان رضي الله عنهم، وهو من باب قتال أهل العدل والبغي وهو القتال بتأويل سائغ لطاعة غير الإمام لا على قاعدة دينية أي ليس بسبب خلل في أصول الدين. ويقول عمر بن شبه: (إن أحداً لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا علياً في الخلافة ولا دعوا لأحد ليولوه الخلافة، وإنما أنكروا على علي منعه من قتال قتلة عثمان وترك الاقتصاص منهم).
ومما يؤكد ذلك هذه الرواية التي ذكرها ابن كثير: (جاء أبو مسلم الخولاني وأناس إلى معاوية، وقالوا: أنت تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال: لا والله، إني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر مني ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً، وأنا ابن عمته، والطالب بدمه، فأتوه فقولوا له، فليدفع إليَّ قتلة عثمان، وأسلِّم له، فاتوا علياً، فكلموه. فلم يدفعهم إليه) وفي رواية: (فعند ذلك صمَّم أهل الشام على القتال مع معاوية)
سادساً: وأيضاً جمهور الصحابة، وجمهور أفاضلهم ما دخلوا في فتنة، قال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثنا أبي حدثنا إسماعيل بن علية حدثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين قال: (هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف فما حضرها منهم مائة، بل لم يبلغوا ثلاثين). قال ابن تيمية: (وهذا الإسناد أصح إسناد على وجه الأرض، ومحمد بن سيرين من أورع الناس في منطقه، ومراسيله من أصح المراسيل).
فأين الباحثون المنصفون ليدرسوا مثل هذه النصوص الصحيحة؟ وتكون منطلقاً لهم، لا أن يلطخوا أذهانهم بتشويشات الإخباريين ثم يؤولون النصوص الصحيحة حسب ما عندهم من البضاعة المزجاة.
سابعاً: ومما ينبغي أن يعلمه المسلم حول الفتن التي وقعت بين الصحابة-مع اجتهادهم فيها وتأولهم – حزنهم الشديد وندمهم لما جرى، بل لم يخطر ببالهم أن الأمر سيصل إلى ما وصل إليه، وتأثر بعضهم التأثر البالغ حين يبلغه مقتل أخيه، بل إن البعض أيضاً لم يتصور أن الأمر سيصل إلى القتال، وإليك بعضاً من هذه النصوص المؤثرة:
أ- فهذه أم المؤمنين عائشة تقول -كما يروي عنها الزهري -: (إنما أريد أن يحجز بين الناس مكاني، ولم أحسب أن يكون بين الناس قتال، ولو علمت ذلك لم أقف ذلك الموقف أبداً، وكانت إذا قرأت: {وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} تبكي حتى يبتل خمارها).
ب – أما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فيقول الشعبي: (لما قتل طلحة ورآه علي مقتولاً، جعل يمسح التراب عن وجهه ويقول: عزيز عليَّ أبا محمد أن أراك مجدلاً تحت نجوم السماء، ثم قال: إلى الله أشكو عجري وبجري (همومي وأحزاني) وبكى عليه هو وأصحابه، وقال: يا ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة)، ويقول رضي الله عنه: (يا حسن يا حسن، ما ظن أبوك أن الأمر يبلغ إلى هذا، ود أبوك لو مات قبل هذا بعشرين سنة). وكان يقول ليالي صفين: (لله در مقام عبد الله بن عمر وسعد بن مالك إن كان براً إن أجره لعظيم، وإن كان إثماً إن خطره ليسير). فهذا قول أمير المؤمنين رغم قول أهل السنة إن علياً ومن معه أقرب إلى الحق.
ج – ويقول الزبير بن العوام رضي الله عنه وهو ممن شارك في القتال بجانب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (إن هذه لهي الفتنة التي كنا نحدَّث عنها، فقال مولاه: أتسميها فتنة وتقاتل فيها؟ قال: ويحك! إنا نبصَّر ولا نبصِر، ما كان أمر قط إلا علمت موضع قدمي فيه، غير هذا الأمر، فإني لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر؟).
د- وهذا معاوية رضي الله عنه، لما جاءه نعي علي بن أبي طالب، جلس وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وجعل يبكي، فقالت امرأته، أنت بالأمس تقاتله، واليوم تبكيه؟ فقال: ويحك، إنما أبكي لما فقد الناس من حلمه وعلمه وفضله وسوابقه وخيره، وفي رواية (ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم).
وبعد كل هذه النقولات كيف يلامون بأمور كانت مشتبهة عليهم؟ فاجتهدوا فأصاب بعضهم، وأخطأ الآخرون وجميعهم بين أجر وأجرين، ثم بعد ذلك ندموا على ما حصل وجرى، وتابوا من ذلك، وما حصل بينهم من جنس المصائب التي يكفِّر الله عز وجل بها ذنوبهم، ويرفع بها درجاتهم ومنازلهم قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يسير في الأرض ليس عليه خطيئة)، وعلى أقل الأحوال لو كان ما حصل من بعضهم في ذلك ذنباً محققاً، فإن الله عز وجل يكفِّره بأسباب كثيرة من أعظمها الحسنات الماحية من سوابقهم ومناقبهم وجهادهم، والمصائب المكفرة، والاستغفار، والتوبة التي بها يبدل الله عز وجل السيئات حسنات، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
4- وأخيراً نقول إن أهل السنة والجماعة لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب، فيكون إما قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بسابقته، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، فكيف الأمور التي هم فيها مجتهدون إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور. ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر، مغفور في جنب فضائل القوم، ومحاسنهم من إيمان وجهاد وهجرة ونصرة وعلم نافع وعمل صالح. يقول الذهبي رحمه الله: (… فالقوم لهم سوابق، وأعمال مكفرة لما وقع بينهم وجهاد محّاء وعبادة ممحصة، ولسنا ممن يغلو في أحد منهم، ولا ندعي فيهم العصمة).
5- من كلمات أهل العلم في التحذير من سبِّ الصحابة رضي الله عنهم أجمعين:
- قال الإمام مالك رحمه الله عن هؤلاء: (إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي صلى الله علـيه وسلم فلم يمكنهم ذلك فقدحوا في أصحابه، حتى يقال رجل سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين)
- وقال الإمام أحمد رحمه الله: (إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام).
- وقال أبو زرعة الرازي رحمه الله: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلم أنه زنديق؛ وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم? وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى، وهم زنادقة).
- وقال الإمام أبو نعيم رحمه الله: (فلا يتتبع هفوات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وزللهم ويحفظ عليهم ما يكون منهم في حال الغضب والموجدة إلا مفتون القلب في دينه) ويقول أيضاً: (.. لا يبسط لسانه فيهم إلا من سوء طويته في النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والإسلام والمسلمين) وتحذير العلماء هنا عام يشمل جميع الصحابة
2- ويلزم من سبِّ الصحابة والطعن فيهم جملة من اللوازم الخطيرة، ومن ذلك:
– يترتب على القول بكفر وارتداد معظم الصحابة أو فسقهم إلا نفراً يسيراً الشك في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، وذلك لأن الطعن في النقلة طعن في المنقول، إذ كيف نثق بكتاب نقله إلينا الفسقة والمرتدون – والعياذ بالله – ولذلك صرح بعض أهل الضلال والبدع ممن يسبُّ الصحابة بتحريف الصحابة للقرآن والبعض أخفى ذلك، وكذلك الأمر بالنسبة للأحاديث النبوية، فإذا اتهم الصحابة رضوان الله عليهم في عدالتهم صارت الأسانيد مرسلة مقطوعة لا حجة فيها. ومع ذلك يزعم بعض هؤلاء إيمانهم بالقرآن، فنقول لهم: يلزم من الإيمان به الإيمان بما فيه، وقد علمت أن الذي فيه أنهم خير الأمم وأن الله لا يخزيهم وأنه رضي عنهم… إلخ، فمن لم يصدق ذلك فيهم، فهو مكذب لما في القرآن ناقض لدعواه.
– هذا القول يقتضي أن هذه الأمة – والعياذ بالله – شر أمة أخرجت للناس، وسابقي هذه الأمة شرارها، وخيرها القرن الأول كان عامتهم كفاراً أو فساقاً، وأنهم شر القرون، {كبرت كلمة تخرج من أفواههم}.
– يلزم من هذا القول أحد أمرين، إما نسبة الجهل إلى الله – تعالى عما يصفون- أو العبث في هذه النصوص التي أثني بها على الصحابة، فإن كان الله عز وجل – تعالى عن قولهم- غير عالم بأنهم سيكفرون ومع ذلك أثنى عليهم ووعدهم الحسنى فهو جهل والجهل عليه تعالى محال، وإن كان الله عز وجل عالماً بأنهم سيكفرون فيكون وعده لهم بالحسنى ورضاه عنهم عبث، والعبث في حقه محال، ويتبع ذلك الطعن في حكمته عز وجل حيث اختارهم واصطفاهم لصحبة نبيه عليه الصلاة والسلام فجاهدوا معه وآزروه ونصروه واتخذهم أصهاراً له حيث زوَّج ابنتيه ذا النورين (عثمان) رضي الله عنه، وتزوج ابنتي أبي بكر وعمر، فكيف يختار لنبيه أنصاراً وأصهاراً مع علمه بأنهم سيكفرون؟!!