- الربا مصدر قولهم: ربا يربو إذا زاد، وهو مأخوذ من مادة ربو التي تدل على الزيادة والنماء والعلو، قال تعالى ]وما أتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله( وفي الشرع: هو فضلٌ خالٍ عن عوض شُرِط لأحد العاقدين. أو هو فضل مخصوص مستحق لأحد المتعاقدين خال عما يقابله من العوض.
وقد تحدث القرآن الكريم عن الربا في أربعة مواضع: أحدها مكي، وبقيتها مدني:
– في سورة الروم، في قوله تعالى: )وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون( والآية لا تتضمن حكماً قاطعاً بتحريم الربا، فالربا لم يحرم إلا في العهد المدني، ولكنها تهيئ النفوس لتلقي حكم التحريم .
– وفي سورة النساء، في قوله تعالى )فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا # وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذاباً أليما( والآية تبيِّن تحريم الربا على اليهود، وفيها تمهيد واضح لتحريمه على المسلمين، وقد نزلت في المدينة المنورة قبل إجلاء اليهود عنها.
– في سورة آل عمران، في قوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون(
ثم كان آخرها آيات سورة البقرة وهي التي حُرِّم فيها الربا تحريماً باتاً
- وهو على أنواع منها:
- ربا الفضل، وهو البيع مع زيادة أحد العوضين المتفقي الجنس على الآخر؛ وذلك كبيع صاع بر بأكثر منه أو بدونه، ودرهم فضة بأكثر منه أو بدونه، سواء تقابضا أم لا ، وسواء أجَّلا أم لا
- وربا اليد، وهو البيع مع تأخير قبضهما أو قبض أحدهما عند التفرق من المجلس أو التخاير فيه بشرط اتحادهما علة، بأن يكون كل منهما معلوماً؛ كبيع صاع بر بصاع بر أو درهم بدرهم أو صاع بر بصاع شعير أو أكثر، لكن تأخر قبض أحدهما من المجلس
- ربا النسيئة، وهو البيع للمطعومين أو للنقدين المتفقي الجنس أو المختلفيه لأجل ولو للحظة، وإن استويا وتقابضا في المجلس؛ كبيع صاع بر بصاع بر، أو درهم فضة بدرهم فضة، لكن مع تأجيل أحدهما ولو إلى لحظة، وإن تساويا وتقابضا في المجلس
- ربا القرض؛ لكنه يرجع إلى ربا الفضل؛ لأنه الذي فيه شرط يجر نفعاً للمقرض، فكأنه أقرضه هذا الشيء بمثله مع زيادة ذلك النفع الذي عاد عليه
- الأحاديث الواردة في ذم الربا عن نبينا r:
- عن أبي سعيد t قال: أتي النبي r بتمر، فقال {ما هذا التمر من تمرنا} فقال الرجل: يا رسول الله، بعنا تمرنا صاعين بصاع من هذا. فقال رسول الله r {هذا الربا فردوه، ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذا}
- عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال {اجتنبوا السبع الموبقات} قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال {الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات}
- عن عوف بن مالك t قال: قال رسول الله r {إياك والذنوب التي لا تغفر: الغلول، فمن غل شيئاً أتي به يوم القيامة، وأكل الربا، فمن أكل الربا بعث يوم القيامة مجنوناً يتخبط، ثم قرأ ]الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس(
- عن ابن مسعود t عن النبي r قال {بين يدي الساعة يظهر الربا، والزنا، والخمر}
- عن جابر t أن النبي r خطب يوم عرفة فقال {ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدميَّ موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضعه من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربانا، ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله}
- عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: قال رسول الله r {درهم ربا يأكله الرجل ـ وهو يعلم ـ أشد من ستة وثلاثين زنية}
- عن عبد الله بن مسعود t عن النبي r قال {الربا ثلاثة وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم}
- عن جابر t قال {لعن رسول الله r آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء}
- عن ابن مسعود t ذكر حديثاً عن النبي r قال فيه {ما ظهر في قوم الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله}
- من صور الربا في المعاملات التي تجري بين الناس اليوم:
- بيع العملة المتحدة الجنس متفاضلة بدعوى أن أحدهما (فكة)
- بيع العملتين المختلفتي الجنس بأجل (كدولار بجنيه)
- بيع المطعوم المتحد الجنس متفاضلاً (كتمر بتمر)
- بيع العينة (وهو أن يتحايل الناس على الربا ببيع شيء بأجل ثم يشتريه البائع نفسه حالاً بسعر أقل)
- التحايل الذي تمارسه بعض البنوك تحت اسم المرابحة حيث لا سلعة، بل مال بمال متفاضلاً
ولقد بين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لأمته أين يكون الربا، وكيف يكون، بياناً شافياً واضحاً، فقال – صلى الله عليه وسلم -: {الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر – بالتمر، والملح بالملح. مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطى فيه سواء} رواه مسلم. وفي لفظ: {فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد}
فهذه الأصناف الستة هي محل الربا بالنص: الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح وقد بيَّن النبي – صلى الله عليه وسلم – كيفية الربا فيها فأوضح أن التبايع فيها يكون على وجهين:
الوجه الأول: أن يباع منها بجنسه مثل أن يباع ذهب بذهب، فيشترط فيه شرطان اثنان: أحدهما: أن يتساويا في الوزن. والثاني: أن يكون يداً بيد بحيث يتقابض الطرفان قبل أن يتفرقا. فلو باع ذهباً بذهب يزيد عليه في الوزن ولو زيادة يسيرة فهو ربا حرام، والبيع باطل ولو باع ذهباً بذهب يساويه في الوزن وتفرقا قبل القبض فهر ربا حرام، والبيع باطل، سواء تأخر القبض من الطرفين أو من طرف واحد.
الوجه الثاني: أن يباع واحد من هذه الأصناف بغير جنسه، مثل أن يباع ذهب بفضة فيشترط فيه شرط واحد، وهو أن يكون يداً بيد بحيث يتقابض الطرفان قبل أن يتفرقا، فلو باع ذهباً بفضة وتفرقا قبل القبض فهو ربا حرام، والبيع باطل، سواء تأخر القبض من الطرفين أو من طرف واحد.
ولقد كان الذهب والفضة منذ أزمنة بعيدة محل التعامل بين الناس قيماً للأعيان والمنافع، فأصبح التعامل بالأوراق النقدية بدلاً عنها والبدل له حكم المبدل، فإذا بيعت ورقة من النقود بورقة أخرى فلابد من التقابض قبل التفرق، سواء كانت من جنسها أم من غير جنسها، وسواء كانت هذه الأوراق بدلاً عن ذهب أم بدلا عن فضة فلو صرفت ورقة نقدية سعودية من ذوات المائة بورقتين من ذوات الخمسين فلابد من التقابض من الطرفين قبل التفرق.
ولو صرف دولاراً بأوراق نقد سعودية فلابد في التقابض من الطرفين قبل التفرق أيضاً. ولو اشترى حلي ذهب أو فضة بأوراق نقدية فلا بد من التقابض من الطرفين قبل التفرق لأنه كبيع الذهب بالفضة الذي قال فيه النبي – صلى الله عليه وسلم -: {فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد}
ولقد انقسم الناس في المعاملات الربوية إلى ثلاثة أقسام:
قسم: هداهم الله تعالى ونور بصائرهم ووقاهم شح أنفسهم وعرفوا حقيقة المال، بل حقيقة الدنيا أنها عارية مسلوبة، وفيء زائل، وأن كمال العقل والدين أن يجعل الرجل المال وسيلة لا غاية، وأن يجعله خادماً لا مخدوماً فتمشوا في اكتساب أموالهم وصرفها على ما شرعه لهم خالقهم الذي هو أعلم بما يصلحهم وأرحم بهم من أنفسهم، فأخذوا بما أحل الله واجتنبوا ما حرم الله، وهؤلاء هم الناجون المفلحون. قال الله تعالى: ((ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ)).
القسم الثاني: من تعاملوا بالربا على وجه صريح، إما جهلاً منهم أو تجاهلاً أو عناداً ومكابرة، وهؤلاء مستحقون لما تقتضيه حالهم من الوعيد على أكل الربا، على ما جاء في نصوص الكتاب والسنة.
القسم الثالث: من تعاملوا بالربا من وجه الحيلة والمكر والخداع، وهؤلاء شر من القسم الثاني، لأنهم وقعوا في مفسدتين: الربا، ومفسدة الخداع، ولهذا قال بعض السلف في أهل الحيل: يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، لو أنهم أتوا الأمر على وجهه لكان أهون.
والشائع من فعل القسم الثاني من المتعاملين بالربا أن يأتي الرجل لشخص فيقول: إني أريد من الدراهم كذا وكذا فهل لك أن تدينني العشر أحد عشر أو ثلاثة عشر أو أقل أو أكثر حسب ما يتفقان عليه، ثم يذهب الطرفان إلى صاحب دكان عنده بضائع مرصوصة قد يكون لها عدة سنوات إما خام أو سكر أو رز أو هيل أو غيره مما يتفق عند صاحب الدكان، أظن أن لو وجدوا أكياس سماد يقضيان بها غرضهما لحصل الاتفاق عليها فيشتريها الدائن من صاحب الدكان شراءً صورياً غير حقيقي، نقول إنه صوري لا حقيقي لأنه لم يقصد السلعة بعينها بل لو وجد أي سلعة يقض بها غرضه لاشتراها ولأنه لا يقلب السلعة ولا يمحصها ولا يماكس (يكاسر) في الثمن وربما كانت السلعة معيبة من طول الزمن أو تسلط الحشرات عليها، ثم بعد هذا الشراء الصوري يتصدى لقبضها ذلك القبض الصوري أيضاً، فيعدها وهو بعيد عنها، وربما أدرج يده عليها تحقيقاً للقبض كما يزعمون، والقبض في مدلوله اللغوي أن يكون الشيء في قبضتك، وبعد هذا القبض الصوري يبيعها على المستدين بالربح الذي اتفقا عليه من قبل، ولا ندري هل يتصدى هو أيضاً لقبضها القبض الصوري كما قبضها الدائن أو يبيعها على صاحب الدكان بدون ذلك، فإذا اشتراها صاحب الدكان سلم للمدين الدراهم وخرج بها.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: وأصل هذا الباب أن الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فإن كان قد نوى ما أحله الله فلا بأس، وإن نوى ما حرم الله وتوصل إليه بحيلة فإن له ما نوى.
وقال في أبطال التحليل ص 108: فيا سبحان الله العظيم، أيعود الربا الذي قد عظم الله شأنه في القرآن، وأوجب محاربة مستحله، ولعن أهل الكتاب بأخذه، ولعن آكله وموكله وكاتبه وشاهديه، وجاء فيه من الوعيد ما لم يجئ في غيره إلى أن يستحل جميعه بأدنى سعي من غير كلفة أصلاً إلا بصورة عقد هي عبث ولعب يضحك منها ويستهزأ بها أم يستحسن مؤمن أن ينسب نبياً من الأنبياء فضلاً عن سيد المرسلين بل أن ينسب رب العالمين إلى أن يحرم هذه المحارم العظيمة ثم يبيحها بضرب من العبث والهزل الذي لم يقصد ولم يكن له حقيقة وليس فيه مقصود المتعاقدين قط؟!.
وقال ابن القيم وهو أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الذي لم نر مثله في بابه: (إعلام الموقعين 3/148) تحقيق عبد الرحمن الوكيل: وهكذا الحيل الربوية، فإن الربا لم يكن حراماً لصورته ولفظه، وإنما كان حراماً لحقيقته التي امتاز بها عن حقيقة البيع، فتلك الحقيقة حيث وجدت وجد التحريم في أي صورة ركبت، وبأي لفظ عبر عنها، فليس الشأن في الأسماء وصور العقود، وإنما الشأن في حقائقها ومقاصدها وما عقدت له. ا هـ.
هذه المعاملة الشائعة بين الناس في التحايل على الربا تتضمن محاذير منها: أنها خداع ومكر وتحيل على محارم الله تعالى. والحيلة لا تحلل الحرام، ولا تسقط الواجب، بل تزيد القبيح قبحاً إلى قبحه، حيث تحصل بها مفسدته مع مفسدة الخداع والمكر، ولهذا قال بعض السلف في المتحايلين: يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، لو أتوا الأمر على وجهه لكان أهـون.
ومنها: أنها توجب التمادي في الباطل، فإن المتحيّل يرى أن عمله صحيح فيتمادى فيه، ولا يشعر نفسه بأنه مذنب، فلا يؤنبها على ذلك، ولا يحاول الإقلاع عنه، أما من أتى الباطل على وجه صريح فإنه يشعر أنه وقع في هلكة فيخجل ويستحي من ربه ويحاول أن ينزع من ذنبه ويتوب إلى الله تعالى.
ومنها: أن السلعة تباع في محلها بدون قبض صحيح ولا نقل، وهذا معصية لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي- صلى الله عليه وسلم – نهى أن تباع السلع حيث تبتاع – أي في المكان الذي اشتريت فيه – حتى يحوزها التجار إلى رحالهم. رواه أبو داود، ويشهد له حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: كان الناس يتبايعون الطعام جزافاً بأعلى السوق، فنهاهم النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يبيعوه حتى ينقلوه. رواه البخاري.. وقد يتعلل بعض الناس فيقول: إن عد هذه الأكياس قبض لها فنقول: القبض مدلول لفظي وهو أن يكون الشيء في قبضتك وهذا لا يتحقق بمجرد العدّ، ثم لو قدرنا أن العد قبض، فهل حصل النقل والحيازة؛ والنبي – صلى الله عليه وسلم – نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم. وقد يتعلل بعض الناس بأن هذه المعاملة من التورق، فنقول: ليست هذه من التورق الذي اختلف في جوازه فإن التورق أن يشتري المحتاج سلعة بثمن مؤجل زائد عن ثمنها الحاضر من أجل أن يبيعها وينتفع بثمنها، فهو يشتري سلعة بعينها مقصودة مملوكة للبائع، أما المعاملة الشائعة هذه فليست كذلك فان البائع والمشتري يتفقان على الربح، وهى ليست في ملكه، ثم إن السلعة ليست معلومة لهما ولا معلومة الثمن ولا مقصودة، ولذلك يأخذان أي سلعة تتفق عند صاحب الدكان بأي ثمن كان، حتى إن بعضهم إذا لم يجد سلعة عند صاحب الدكان تكفي قيمتها للدراهم التي يحتاجها المتدين رفع قيمتها حتى تبلغ الدراهم المطلوبة، وربما اشتراها الدائن فباعها على المتدين ثم باعها المتدين على صاحب الدكان ثم عاد صاحب الدكان فباعها على الدائن مرة ثانية ثم باعها الدائن على المتدين، وهكذا يكررون العقد مرات حتى تبلغ الدراهم المطلوبة فأين هذه المعاملة من التورق الذي هو موضع خلاف بين العلماء، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله تعالى في رواية أبي داود على أنها -أي مسألة التورق- من العينة ذكره ابن القيم في تهذيب السنن 5/108، وذكر في الإنصاف عن الإمام أحمد فيها ثلاث روايات: الإباحة والكراهة والتحريم، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية تحريم التورق وكان يراجع فيها كثيراً فيأبى إلا تحريمها. وقد شاع في هذه المعاملة المتحيل بها على الربا. أن الناس يقولون فيها: (العشر أحد عشر)، وهذا مكروه في البيع الذي ليس حيلة على الربا. وعن الإمام أحمد -رحمه الله- أنه الربا، وقال أيضاً: كأنه دراهم بدراهم لا يصح.
وقد تدرج كثير من الناس بهذه المعاملة إلى الوقوع في الربا الصريح، ربا الجاهلية الذي يأكلونه أضعافاً مضاعفة، فإذا حل الأجل ولم يوف المدين إما لعجزه أو مماطلته قال له الدائن. خله يبقى بمعاشرته فيربى عليه كل سنة ذلك الربح الذي اتفقا عليه وسمياه معاشرة، نسأل الله تعالى السلامة.
المخرج المشروع: والموفق يستطيع التخلص من هذا الفخ الذي أوقعه فيه الشيطان والشح، فيصرف تعامله إلى البيع والشراء على الوجه السليم، ويقضي حاجة المحتاج إما بإقراضه، وإما بالسلم بأن يعطيه دراهم بعوض يسلمه له بعد سنة أو أكثر حسبما يتفقان عليه، مثل أن يقول: هذه عشرة آلاف ريال اشتريت بها منك، مائة كيس سكر تحل بعد سنة، وقيمة الكيس بدون أجل مائة وعشرة ريالات، فهنا حصل للبائع الذي هو المستدين انتفاع بالدراهم، وحصل للمشتري الذي هو الدائن انتفاع بربح عشرة ريالات في كل كيس، وربما يرتفع سعره عند الوفاء فيربح أكثر، وربما ينزل فلا يحصل له إلا دراهمه أو أقل وبهذا يخرج عن الربا ويكون كالبيع المعتاد الذي يربح فيه أحد المتعاقدين أو يخسر حسب اختلاف السعر.
فإن لم يشأ المتعاقدان ذلك فثم طريقة ثالثة إذا كانت حاجة المدين بشيء معين مثل أن يكون محتاجا لسيارة أو ماكينة وقيمتها كذا وكذا، فيبيعها الدائن عليه بأكثر إلى أجل يتفقان عليه، لأن قصد المدين هنا نفس تلك العين لا دراهم بدراهم.
((ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * ويَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ))، ((ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً))، هكذا قال الله تعالى. وقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً ويُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ويَغْفِرْ لَكُمْ واللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ)). وقال تعالى: ((وأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ ومَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ))