مسؤولية ولي الأمر (الدولة): تتجلى هذه المسؤولية فيما تهيئه من سبل العمل للعاطلين وتزويدهم بأدواته وإعدادهم مهنياً لذلك والاطمئنان على يسرهم: روى أصحاب السنن من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أما في بيتك شيء؟» قال: بلى: حِلْسٌ نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه الماء، قال: «ائتني بهما»، فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «من يشتري هذين؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثاً. قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، وأعطاهما الأنصاري، وقال: اشترِ بأحدهما طعاماً وانبذه إلى أهلك، واشترِ بالآخر قدوماً فائتني به.. فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيده ثم قال له: «اذهب فاحتطب وبِعْ.. ولا أرينَّك خمسة عشر يوماً. فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم؛ فاشترى ببعضها ثوباً، وببعضها طعاماً.. الحديث
وقد أشار الفقيه الكبير أبو يوسف رحمه الله إلى جواز إقراض المحتاج من بيت المال كما نقل عنه الفقيه ابن عابدين: «يدفع للعاجز أي العاجز عن زراعة أرضه الخراجية لفقره كفايته من بيت المال قرضاً ليعمل ويستغل أرضه»
مسؤولية أصحاب العمل وولاة الأمر (الدولة) عن حفظ حقوق الأُجَراء والعمال: وقد حكى الله تعالى عن الرجل الصالح أنه قال لموسى عليه السلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ} وفي الحديث المتفق عليه من حديث أبي ذر رضي الله عنه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إخوانكم خَوَلُكم، جعلهم الله قنيةً تحت أيديكم؛ فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه، وليلبسه من لباسه، ولا يكلفه ما يغلبه، فإن كلّفه ما يغلبه فليعنه» وفي الحديث الحسن من حديث أربعة من الصحابة: ابن عمر وأبي هريرة وجابر وأنس رضي الله عنهم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» وأخرج أبو داود و الحاكم من حديث المستورد بن شداد رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان لنا عاملاً فلم يكن له زوجة فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً، من اتخذ غير ذلك فهو غالٌّ أو سارق» بل لقد توعّد الله تعالى في الحديث القدسي الذي أخرجه البخاري وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه توعّد ذلك الذي يبخس العامل أو الأجير حقه، فقال: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته… ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره»
2- الجهاد: من الوسائل التي شرعها الإسلام لمحاربة الفقر والحاجة وسيلة الجهاد لنشر نور الهدي الإسلامي، وفتح مصاريع البلاد أمامه، وتحطيم عروش الطغاة الذين يحولون بينه وبين عباد الله، واغتنام الأموال المستخدمة في عصيان الله ومبارزته بالحرب واستعباد عبيده من أجل استغلالها في تعمير الأرض وعبادته.
لذا فقد رغب الإسلام في الجهاد من خلال الوعد الأخروي وكذا الفتح الدنيوي والغنائم. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ} وقال تعالى: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} وفي صحيح الجامع الصغير من حديث ابن عمر رضي الله عنهما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُعِثْتُ بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعْبَدَ الله وحده لا شريك له، وجُعِلَ رزقي تحت ظل رمحي» ولقد كان الجهاد في الفتوحات إبان الخلافة الإسلامية الراشدة أكبر مصدر لواردات بيت مال المسلمين مما أمكن من توزيع العطاءات على كل مسلم.
3 – كفالة المجتمع: لا يخلو مجتمع من العاجزين عن العمل والجهاد والكسب من كدّ اليد والاعتماد على النفس من أمثال الأرامل واليتامى والشيوخ وأصحاب العاهات المعوّقة، وكذلك الذين لا يكفيهم دخلهم من العمل أو القادرين الذين لم يتيسر حصولهم على عمل، وهؤلاء جميعاً لم يتركهم الإسلام هملاً وعرضة لآفة الفقر والحرمان تسحقهم وتلجئهم مكرهين إلى ذل السؤال والتكفف، بل عمل على كفالتهم من قِبَلِ المجتمع المسلم الذي ينتمون إليه ويُحسَبون عليه. ويمكن تقسيم كفالة المجتمع المسلم للفقراء المحتاجين إلى قسمين:
1 – كفالة الأرحام والأقارب: قرن الله تعالى حق القربى في الإحسان بحقه سبحانه وتعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي القُرْبَى} وأمر الله تعالى بإعطائهم ما يحتاجون فقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى} وجعل لهم حقاً فقال تعالى: {وَآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ} وقال سبحانه: {فَآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ} وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه» بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم صلة الأرحام ومواساتهم سبباً في سعة الرزق؛ ففي الحديث المتفق عليه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب أن يُبسَط له في رزقه، ويُنسَأ له في أثره فليصل رحمه» وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرحم معلّقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله» ومن أهم مظاهر صلة الأرحام كفالتهم وإعانتهم مادياً وعدم الالتزام بذلك يعد قطيعة لهم، ولنقرأ ما يقوله ابن القيم كما نقل عنه د. يوسف القرضاوي: «وأي قطيعة أعظم من أن يراه يتلظى جوعاً وعطشاً ويتأذى غاية التأذي بالحرّ والبرد، ولا يطعمه لقمة ولا يسقيه جرعة ولا يكسوه ما يستر عورته ويقيه الحر والبرد ويسكنه تحت سقف يظله؟ !»
2- كفالة الآخرين: هذه الكفالة العامة من قِبَلِ أفراد المجتمع للفقراء والمحتاجين تتم عن طريق:
أ- زكاة المال: وهي ركن من أركان الإسلام يمثل الحد الأدنى المحدد الثابت المفروض في أموال أغنياء المجتمع ليرد على فقرائهم وبقية الأصناف الثمانية التي ذكرتها الآية قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} وقد جاء في الحديث المتفق عليه الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أرسل معاذاً إلى اليمن وبعد أن أمره بدعوتهم إلى التوحيد ثم الصلاة قال له: «فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» وتعد الزكاة من أهم الموارد التي تستحق بشروطها المعروفة في معظم ثروات المجتمع: النقود، الذهب، الفضة، الحاصلات الزراعية، الثروات الحيوانية، وبقية المستغلات التي تدر أرباحاً.
ب- الحقوق المالية الواجبة مثل:
– حق الجوار: جاءت آية الأمر بالإحسان إلى الأقارب والأرحام في قول الله تعالى: {وَالْجَارِ ذِي القُرْبَى وَالْجَارِ الجُنُبِ} لتؤكد حق الجار في الإحسان إليه. كما ورد في الحديث المتفق عليه عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه»
– الكفارات: العقوبات الدنيوية المكفّرة لبعض الذنوب مثل: كفارة اليمين وكفارة الجماع في نهار رمضان، وكفارة الظهار، وفدية ارتكاب المعذور لمحظور من محظورات الإحرام: وفدية الصيام: قال ابن عباس كما في صحيح البخاري: (ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما عن كل يوم مسكيناً)
– النذور: يقول تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ}
– الأطعمة والذبائح: كالهدي الذي يذبح ضمن مناسك الحج ويكون للفقراء منها نصيب
– الأضحية: التي تذبح في عيد الأضحى المبارك وفيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن واقد «فكلوا وادخروا وتصدقوا»
– العقيقة: التي تذبح عن المولود في اليوم السابع: شاتان للغلام وشاة للجارية، ويكون للفقراء فيها نصيب، بل قد ورد في الحديث الحسن الذي أخرجه أحمد في مسنده و البيهقي في السنن الكبرى من حديث أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة: «احلقي شعره وتصدقي بوزنه من الورق على الأوقاص أو على المساكين»
هـ- الصدقات الاختيارية: يقصد بها نافلة الواجبات المالية التي تُترك لإيمان الإنسان ونفسيته الخيِّرة الكريمة بأن يعطي دون طلب؛ وينفق دون سؤال وإنما يؤمن بالخَلَف، ويبتغي مزيد الأجر والمثوبة. قال تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً} وقال تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}
رابعاً: كفالة ولي الأمر (الدولة): أوجب الإسلام رعاية الإمام أو ما يطلق عليه في عصرنا (الدولة أو الحكومة) لجمهور الناس عامة وأصحاب الحاجات خاصة، وجعله مسؤولاً عن ذلك أمامهم ثم بين يدي الله تعالى. قال جل جلاله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته؛ فالإمام راع ومسؤول عن رعيته…. » وقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسؤولية ولي الأمر تجاه الفقراء والمحتاجين وإعالتهم في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال: «أنا أوْلى بالمؤمنين في كتاب الله، فأيكم مَّا ترك ديناً وضيعة ( عيالاً ) فادعوني فأنا وليه»
أما الموارد التي يستعين بها ولي الأمر في كفالة الفقراء وأصحاب الحاجات ورعايتهم فهي:
1- الزكاة: التي يجمعها ولي الأمر ويأخذها من الأغنياء ليردها على الفقراء. قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا}
2- ما يدخل إلى بيت مال المسلمين من الأموال الآتية:
أ- خُمس الغنائم: والغنائم: المال المأخوذ من الكفار بالقتال يؤخذ خمسه لبيت مال المسلمين، قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}
ب- الفيء: ما أخذه المسلمون من الكفار بغير قتال، قال تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ}
ج- الخراج: ضريبة مالية على الأراضي المفتوحة عنوة وتركت بيد أهلها يزرعونها ويستغلونها.
د- الجزية: ما يؤخذ من الذمي بشروط محددة مقابل الحماية والمنع.
هـ- العشور: ضريبة تجارية يخضع لها الذميون والمستأمَنون في أموالهم المعدة للتجارة التي تدخل وتنتقل في ديار الإسلام ويختلف مقدارها باختلاف التجارة والبلاد ومدة الإقامة والمعاملة بالمثل.
و- خمس الركاز: يقصد به ما وجد مدفوناً من كنوز الأرض في أرض موات أو طريق سابل وهو من ضرب الجاهلية. أما إذا كان من ضرب الإسلام (علامات تدل على ذلك) فهو لقطة تجري عليها أحكامها.
ز – غلة أراضي الدولة وعقاراتها.
ح- الضوائع والودائع التي تعذر معرفة صاحبها.
ط- التعزيرات المالية التي يحكم بها القضاة على مرتكبي المخالفات الشرعية.
ي- ميراث من لا وارث له.
3- الضرائب: ويُقصد بها ما تفرضه الدولة على الأغنياء في حالة عدم تحقيق الكفاية من الموارد السابقة الذكر، وقد ورد في الحديث الذي أخرجه الإمام الترمذي عن جماعة من الصحابة: «إن في المال حقاً سوى الزكاة»
وهو ما يدل على إعطاء صلاحيات واسعة في جباية الأموال اللازمة من الموسرين في الحدود اللازمة للإصلاح ولتحقيق الكفاف لأصحاب الحاجات أو لمتطلبات البلاد الضرورية مثل الدفاع عن أهلها وردّ العدوان وفداء الأسرى وغيرها.
وقد نقل الدكتور عبد الكريم زيدان عن (المحلّى) ما قاله الفقيه المعروف ابن حزم: «وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكاة بهم، فيقام لهم مما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك وبمسكن يكنهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة»
ونقل كذلك في الصفحة نفسها عن القرطبي في تفسيره: «واتفق العلماء على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة فإنه يجب صرف المال إليها. قال مالك رحمه الله: يجب على الناس فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم وهذا إجماع أيضاً»
وأخيراً: فتلكم كانت النصوص التي تدل على أن الإسلام قد وضع الأدوية المتعددة لداء الفقر، وبيَّن الحلول المتنوعة لمعضلة الحاجة والحرمان، ولم يكن ذلك مجرد مبادئ نظرية يتم الحديث عنها بعيداً عن صلاحيتها للواقع، بل إن المسلمين قد طبقوها وأقاموها في مجتمعاتهم فحصل ما تكلم عنه التاريخ بفخر واعتزاز، حتى إن تأريخ الأمة الإسلامية ليشرُف بذلك العهد الزاهي الذي لحق عهد الخلفاء الراشدين ونقصد به عهد خلافة الإمام العادل عمر بن عبد العزيز، ولنقرأ معاً ما رواه ابن كثير في البداية والنهاية فيقول: «كان منادي عمر ينادي كل يوم: أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟ حتى أغنى كلاً من هؤلاء» وفي تأريخ الخلفاء يذكر السيوطي: «قال عمر بن أسيد: والله ما مات عمر حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح حتى يرجع بماله كله، قد أغنى عمر الناس»