خطب الجمعة

مساكين

خطبة يوم الجمعة 10/5/1439 الموافق 26/1/2018

الحمد لله الذي له ما في السموات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على  كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وعظيمنا محمداً رسول الله، الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين عزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون. أما بعد

1/ فقد سبق لنا كلام حول العقبة الكئود التي جعلها الله بين أيدينا يوم القيامة، وأنه لا ينجو إلا من اقتحم تلك العقبة وجاوزها، ولا يكون ذلك إلا بفعل الخيرات والتسابق في القربات والتنافس في الطاعات، ومن أعظم تلك الأبواب العطف على المساكين بإطعام جائعهم وكسوة عاريهم وإيواء مشردهم وإغاثة ملهوفهم، وقد ثبتت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسـلم؛ فعن عدي بن حاتمٍ t قال: سمعت النبي e يقول (ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمانٌ، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرةٍ، فمن لم يجد فبكلمةٍ طيبةٍ) متفقٌ عليه.

وعن أبي موسى t عن النبي e قال (على كل مسلمٍ صدقةٌ، قال: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدَّق، قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقةٌ) متفقٌ عليه.

2/ محمد e رسول إلى كل البشر، لكن عنايته الخاصة كانت للمساكين، يقف معهم، يرحمهم، يرفع من شأنهم، يعلمهم، يعيش مأساتهم وظمأهم وجوعهم ودموعهم، وقد أنزل الله عليه في القرآن {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه} وكان يقول (إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم) وصحَّ عنه أنه كان يدعو فيقول (اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين) وكان يزور عجائز المدينة، ويجيب دعوة من دعاه، ويدني رأسه لمن استوقفه

3/ نماذج لمساكين صاروا بتربية رسول الله e من خير الناس وأتقاهم t منهم:

  • عبد الله ذو البجادين t، أخذوا ماله، وخلعوا ثيابه، فقسم شملته نصفين، قال فيه النبي e (رأيته من أغنى شباب مكة، ومن أطيب شباب مكة، ثم ترك ذلك كله لله)
  • أنس بن النضر t قال فيه النبي e (إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره)
  • عوف بن مالك t قال (اللهم إنك تعلم أني أحبك، اللهم إني أقسم عليك أن تنصرنا، وأن تجعلني أول شهيد)
  • عن الحارث الأشعريّ رضي اللّه عنه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ اللّه أمر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنّه كاد أن يبطأ بها، فقال عيسى: إنّ اللّه أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، فإمّا أن تأمرهم، وإمّا أنا آمرهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يُخسف بي أو أعذّب، فجمع النّاس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد، وتعدّوا على الشّرف، فقال: إنّ اللّه أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهنّ، وآمركم أن تعملوا بهنّ: أوّلهنّ أن تعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئا. وإنّ مثل من أشرك باللّه كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو ورق. فقال: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأدّ إليّ، فكان يعمل ويؤدّي إلى غير سيّده، فأيّكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟ وإنّ اللّه أمركم بالصّلاة، فإذا صلّيتم فلا تلتفتوا؛ فإنّ اللّه ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت. وآمركم بالصّيام؛ فإنّ مثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرّة فيها مسك، فكلّهم يعجب أو يعجبه ريحها. وإنّ ريح الصّائم أطيب عند اللّه من ريح المسك. وآمركم بالصّدقة؛ فإنّ مثل ذلك كمثل رجل أسره العدوّ، فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدّموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفديه منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم. وآمركم أن تذكروا اللّه؛ فإنّ مثل ذلك كمثل رجل خرج العدوّ في أثره سراعاً حتّى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشّيطان إلّا بذكر اللّه. قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم «وأنا آمركم بخمس اللّه أمرني بهنّ: السّمع، والطّاعة، والجهاد، والهجرة، والجماعة. فإنّه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلّا أن يرجع، ومن ادّعى دعوى الجاهليّة؛ فإنّه من جثى جهنّم» فقال رجل: يا رسول اللّه وإن صلّى وصام؟ قال: «وإن صلّى وصام، فادعوا بدعوى اللّه الّذي سمّاكم المسلمين المؤمنين عباد اللّه»
  • عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «ثلاث أقسم عليهنّ وأحدّثكم حديثا فاحفظوه، قال: فأمّا الثّلاث الّذي أقسم عليهنّ فإنّه ما نقص مال عبد صدقة ولا ظلم عبد بمظلمة فيصبر عليها إلّا زاده اللّه عزّ وجلّ بها عزّا، ولا يفتح عبد باب مسألة إلّا فتح اللّه له باب فقر. وأمّا الّذي أحدّثكم حديثا فاحفظوه فإنّه قال: إنّما الدّنيا لأربعة نفر: عبد رزقه اللّه عزّ وجلّ مالاً وعلما، فهو يتقّي فيه ربّه ويصل فيه رحمه، ويعلم للّه عزّ وجلّ فيه حقّه. قال: فهذا بأفضل المنازل. قال: وعبد رزقه اللّه عزّ وجلّ علماً ولم يرزقه مالا، فهو يقول لو كان لي مال عملت بعمل فلان، قال: فأجرهما سواء، قال: وعبد رزقه اللّه مالاً ولم يرزقه علماً وهو يخبط في ماله بغير علم لا يتّقي فيه ربّه عزّ وجلّ ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم للّه فيه حقّه فهذا بأخبث المنازل. قال: وعبد لم يرزقه اللّه مالاً ولا علماً فهو يقول لو كان لي مال لعملت بعمل فلان. قال: هي نيّته فوزرهما فيه سواء»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى