1- الحمد لله الذي خلق من الماء بشراً، فجعله نسباً وصهراً، وأوجب صلة الأرحام وأعظم في ذلك أجراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أعدها ليوم القيامة ذخراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أعظم الناس قدراً وأرفعهم ذكراً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين قاموا بالحق وكانوا به أحرى، وعلى التابعين لهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً.. أما بعد:
2- إن قطيعة الرحم ظاهرة تفشت في المجتمع؛ بعدما كان مجتمعنا مشهوراً بتواصله معروفاً بتكافله صار كثير من الناس يتساهل في قطع رحمه لأدنى خلاف يحدث، مع أنهم يعلمون يقيناً أن الخلطة بين الناس موجبة للخطأ، وأن التقصير قد يقع من هنا أو هناك، ومع ذلك لا يبالون بهذا التفريط العظيم حين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل، ويقصرون في وصل أرحامهم، وقد قال الله تعالى {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم}، وقال سبحانه {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} أي عظموا الأرحام أن تقطعوها، وقال سبحانه {وبالوالدين إحسانا وبذي القربى} وقال في مدح المؤمنين {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل}، وقال تعالى {وآت ذا القربى حقّه} أي من البر والصلة والحقوق.
3- الأحاديث ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسـلم في وجوب صلة الأرحام وتحريم قطعها، ومن ذلك:
- روى البخاري مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسـلم قال: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه”..
- وأخرجا عن أبي أيوب رضي الله عنه أن أعرابياً عرض لرسول الله صلى الله عليه وسـلم وهو في سفر فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها ثم ثم قال: يا رسول الله، أو يا محمد أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار، قال فكفّ النبي صلى الله عليه وسـلم ثم نظر إلى أصحابه وقال: “لقد هُدِي” ثم قال: “تعبد الله الا تشرك به شيئاً وتقيم الصـلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم”..
- وأخرجا عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسـلم: “إن الله تعالى خلق خلقاً حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال نعم: أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى قال فذلك لكِ”، ثم قال: اقرؤوا إن شئتم {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم ألله فأصمهم وأعمى أبصارهم”..
- عن رجل من خثعم أنّه قال: أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو في نفر من أصحابه، فقلت: أنت الّذى تزعم أنّك رسول اللّه؟ قال: «نعم». قال: قلت: يا رسول اللّه، أيّ الأعمال أحبّ إلى اللّه؟ قال: «الإيمان باللّه» قال: قلت يا رسول اللّه! ثمّ مه؟ قال: «ثمّ صلة الرّحم». قال: قلت: يا رسول اللّه، ثمّ مه؟. قال: «ثمّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر». قال: قلت: يا رسول اللّه، أيّ الأعمال أبغض إلى اللّه؟ قال: «الإشراك باللّه». قال: قلت: يا رسول اللّه، ثمّ مه؟. قال «ثمّ قطيعة الرّحم». قال: قلت: يا رسول اللّه! ثمّ مه؟ قال: «ثمّ الأمر بالمنكر والنّهي عن المعروف» ذكره المنذري في الترغيب والترهيب وعزاه إلى أبي يعلى وقال: إسناده جيد.
- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ أعمال بني آدم تعرض كلّ خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم». وفي رواية الأدب المفرد، أنّ أبا هريرة رضي اللّه عنه جاء عشيّة الخميس ليلة الجمعة فقال: أحرّج على كلّ قاطع رحم لما قام من عندنا. فلم يقم أحد. حتّى قال ثلاثا. فأتى فتى عمّة له قد صرمها (يعني تركها) منذ سنتين. فدخل عليها. فقالت له: يا ابن أخي، ما جاء بك؟ قال سمعت أبا هريرة يقول كذا وكذا. قالت: ارجع إليه فسله لم قال ذلك؟ قال: سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: وذكر الحديث …». رواه البخاري في الأدب المفرد والإمام أحمد في المسند
- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: إنّ رجلاً قال: يا رسول اللّه، إنّ لي قرابة أصلهم ويقطعوني. وأحسن إليهم ويسيئون إليّ. وأحلم عنهم ويجهلون عليّ. فقال: «لئن كنت كما قلت فكأنّما تسفّهم الملّ. ولا يزال معك من اللّه ظهير عليهم، ما دمت على ذلك».
- عن أنس رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ الرّحم شجنة متمسّكة بالعرش تكلّم بلسان ذلق اللّهمّ صل من وصلني واقطع من قطعني، فيقول اللّه تبارك وتعالى: أنا الرّحمن الرّحيم، وإنّي شققت للرّحم من اسمي. فمن وصلها وصلته، ومن نكثها نكثته».
- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه خلق الخلق، حتّى إذا فرغ من خلقه قامت الرّحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا ربّ. قال: فذاك لك». ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اقرؤوا إن شئتم فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ».
- عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إيّاكم والشّحّ فإنّه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالظّلم فظلموا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا، وإيّاكم والظّلم، فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة، وإيّاكم والفحش فإنّ اللّه لا يحبّ الفحش ولا التّفحّش»، فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللّه، أيّ المسلمين أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده». فقام هو أو آخر فقال: يا رسول اللّه، أيّ الجهاد أفضل؟ قال: «من عقر جواده وأهريق دمه» قال أبي: وقال يزيد بن هارون في حديثه: ثمّ ناداه هذا أو غيره فقال: يا رسول اللّه، أيّ الهجرة أفضل؟ قال: «أن تهجر ما كره ربّك، وهما هجرتان، هجرة للبادي وهجرة للحاضر. فأمّا هجرة البادي، فيطيع إذا أمر ويجيب إذا دعي، وأمّا هجرة الحاضر فهي أشدّهما بليّة وأعظمهما أجرا».
- عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنهما قال: جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، إنّ لي ذوي أرحام أصل ويقطعوني وأعفو ويظلموني وأحسن ويسيئون. أفأكافئهم؟ قال: «إذا تشتركون جميعا، ولكن خذ بالفضل وصلهم، فإنّه لن يزال معك ملك ظهير من اللّه عزّ وجلّ ما كنت على ذلك».
- عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «احفظوا أنسابكم تصلوا أرحامكم، فإنّه لا بعد بالرّحم إذا قربت، وإن كانت بعيدة، ولا قرب بها إذا بعدت، وإن كانت قريبة، وكلّ رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها، تشهد له بصلة إن كان وصلها، وعليه بقطيعة إن كان قطعها».
- عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «الرّحم معلّقة بالعرش تقول: من وصلني وصله اللّه. ومن قطعني قطعه اللّه».
- عن عبد اللّه بن عمرو رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ليس الواصل بالمكافىء، ولكن الواصل الّذي إذا قطعت رحمه وصلها».
- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ليس شيء أطيع اللّه فيه أعجل ثواباً من صلة الرّحم، وليس شيء أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرّحم، واليمين الفاجرة تدع الدّيار بلاقع. رواه البيهقي في السنن الكبرى
- عن أبي بكرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما من ذنب أجدر أن يعجّل اللّه لصاحبه العقوبة في الدّنيا مع ما يدّخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرّحم». رواه الحاكم وأصحاب السنن خلا النسائي
- عن جبير بن مطعم بن عديّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يدخل الجنّة قاطع. قال ابن أبي عمر: قال سفيان: يعني قاطع رحم».
- عن عبادة بن الصّامت رضي اللّه عنه أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما على الأرض مسلم يدعو اللّه بدعوة إلّا آتاه اللّه إيّاها، أو صرف عنه من السّوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم» فقال رجل من القوم: إذا نكثر. قال: «اللّه أكثر»
- قال عمرو بن ميمون رحمه اللّه تعالى: «لمّا تعجّل موسى عليه السّلام ربّه عزّ وجلّ رأى في ظلّ العرش رجلاً فغبطه بمكانه فقال: إنّ هذا لكريم على ربّه عزّ وجلّ. فسأل ربّه أن يخبره باسمه فلم يخبره وقال: أحدّثك من عمله بثلاث، كان لا يحسد النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله، وكان لا يعقّ والديه، ولا يمشي بالنّميمة
وبعض الناس لا يصل أقاربه إلاّ إذا وصلوه وهذا في الحقيقة ليس بصلة فإنها مكافأة، إذ أن المرؤءة والفطرة السليمة تقتضي مكافأة من أحسن إليك قريباً كان أم بعيداً قال صلى الله عليه وسـلم: “ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها” متفق عليه. فصِلِوا أرحامكم وإن قطعوكم وأحسنوا إليهم وإن أساؤوا إليكم وستكون العاقبة لكم عليهم، فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسـلم فقال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ وأحلم عليهم ويجهلون عليّ، فقال: “إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم الملَّ – أي الرماد الحار – ولا يزال معك من الله ظهير عليهم أي معين عليهم ما دمت على ذلك” رواه مسلم .. هذا وينبغي للعاقل اللبيب أن يتحبب إلى أقاربه حتى لو كانوا كارهين له .. يتحبب إليهم بالهدايا ونحوها، فقد روى الحاكم وقال على شرط مسلم أن النبي صلى الله عليه وسـلم قال: “أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح” يعني المضمر للعداوة وذلك لكسر ما في نفسه .. عن أنسٍ رضي الله عنه قال : كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت متقبلة المسجد وكان رسول الله يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب فلماّ نزلت هذه الآية {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} قام أبو طلحة فقال يا رسول الله إن الله يقول {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون} وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء وإنها صدقة لله فقال: “بخٍ ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه” متفق عليه ..
ومن عجب أنك تجد بعض الناس ثرياً كثير المال وبعض أقاربه محاويج فلا يتصدق عليهم مما أعطاه الله وخصّه به .. ألا ومن كان بينه وبين بعض أقاربه خصومة لأجل إرث أو جدال أو لعان أو مشاكل عائلية فليسارع إلى إزالة ما في نفسه فإن الدنيا والله ينبغي أن تعمر بالطاعة للآخرة ولا يملأ الشخص قلبه حقداً وضغينة على المسلمين ثم يعيش في نار حقده وحسده إلى أن يوسد في قبره فيفرح الشيطان ويغضب الرحمن
وذي رحم قلمت أظفار ضغنه بحلمي عنه وهو ليس له حلم
صبرت على ما كان بيني وبينه وما تستوي حرب الأقارب والسلم
ويشتم عرضي في المغيب جاهداً وليس له عندي هوان ولا شتم
يود لو أني معدم ذو خصاصة وأكره جهدي أن يخالطه العدم
فلولا اتقاء الله والرحم التي رعايتها حق وتعطيلها ظلم
إذن لعلاه بارقي وخطمته بوسم شنار لا يشابهه وسم
وما زلت في ليني له وتعطفي عليه كما تحنو على الولد الأم
فداويته حتى أرف أن نفاره فعدنا كأنا لم يكن بيننا جرم
وأطفأ نار الحرب بيني وبينه فأصبح بعد الحرب وهو لنا سلم
وواصل الرحم له فوائد في الدنيا قبل الآخرة فهو محبوب في أهله وأقاربه مقدر بينهم عزيز جانبه، وأخبر أن صلة الرحم تزيد في العمر وتوصع في الرزق.
حرق الأسير الأردني معاذ الكساسبة
1- هذا الأسير ابتداء ما خرج مجاهداً في سبيل الله، ولا منافحاً عن دين الله
2-هدي الإسلام في التعامل مع الأسرى حتى لو كانوا كفارا؛ فما بالك بالمسلم؟
3-أفعال الناس ليس حجة على دين الله