رؤية الله في المنام
في فقه الرؤيا يوجد كلام عن رؤية الله سبحانه وتعالي بالمنام، هل هذا الكلام جائز؟ وإذا كان جائزاً أكيداً الشيء الذي تراه ليس الله بنفسه لأنه (ليس كمثله شيء) ويستدلون بحديث رأيت ربي في صورة، أرجو من الشيخ عبد الحي يوسف الإجابة جزاه الله خيراً.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فقد كتب في هذه المسألة كثير من أهل العلم، ومن أجمع ما كتب في ذلك حديثاً البحث الذي رقمه العلامة الشيخ الدكتور/ عبد الله الزبير – حفظه الله – حيث قرر ما خلاصته أن العلماء رحمهم الله متفقون على جواز ذلك في حق النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما وعبد الرحمن بن عائش الحضرمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {رَأَيْتُ رَبِّيَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ فَقَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَيْ رَبِّي أَيْ رَبِّي مَرَّتَيْنِ فَوَضَعَ كَفَّهُ بيَنَ كَتِفَيَّ؛ فَوَجَدْتُ برَدَهَا بيَنَ ثَدْيَيَّ فَعَلِمْتُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ تَلا ((وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)) قَالَ :فِيمَ يَختَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى يَا مُحَمَّدُ؟ قُلْتُ: فِي الْكَفَّارَاتِ يَا رَبِّ. قَالَ: وَمَا هُنَّ؟ قُلْتُ: الْمَشْيُ إِلَى الجُمُعَاتِ وَالجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَوَاتِ وَإِسْبَاغُ الْوضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ. فَقَالَ اللَّهُ: مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ يَعِشْ بِخَيْرٍ وَيَمتْ بِخَيْرٍ وَيَكُونُ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. وَمِنِ الدَّرَجَاتِ إِطْعَامُ الطَّعَامِ وَطَيِّبُ الْكَلامِ وَأَنْ تَقُومَ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الطَّيِّبَاتِ وتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينَ وَأَنْ تَتُوبَ عَلَى وَتَغْفِرَ لِي وَتَرْحمَنِي وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {تَعَلَّمُوهُنَّ فوَالَّذِي نفَسِي بِيَدِهِ إِنهَّنَّ لحَقٌّ} رواه ابن خزيمة والبزار وأبو يعلى والطبراني في المعجم الكبير
ثم اختلف أهل العلم في جواز ذلك بالنسبة لغير النبي صلى الله عليه وسلم من الناس على ثلاثة أقوال:
القول الأول: جواز رؤية الله تعالى في المنام، وهو الذي عليه جماهير أهل السنة، منهم القاضي عياض والقاضي أبو يعلى والقاضي الباقلاني والقرافي والنووي وابن حجر وابن تيمية وغيرهم، بل نقل غير واحد الاتفاق والإجماع ونفى في ذلك الخلاف بين العلماء، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى ج ٣ ص ٣٩٠ :قد يرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه؛ فإذا كان إيمانه صحيحاً لم يره إلا في صورة حسنة وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة ولها تعبير وتأويل لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق (ا.هــ وذكر البغوي في كتابه شرح السنة ج ١٢ ص ٢٢٧ عن الإمام وهو شيخه القاضي حسين بن محمد بن أحمد أبو علي المروذي شيخ الشافعية في زمانه أنه قال: رؤية الله في المنام جائزة، فإن رآه فوعد له جنة أو مغفرة أو نجاة من النار فقوله حق ووعده صدق. وإن رآه ينظر إليه فهو رحمته، وإن رآه معرضًا عنه فهو تحذير من الذنوب لقوله سبحانه وتعالى: {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لهَمُ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا ينَظُرُ إِلَيْهِمْ} وإن أعطاه شيئًا من متاع الدنيا فأخذه فهو بلاء ومحن وأسقام تصيب بدنه يعظم أجره لا يزال يضطرب فيها حتى يؤديه إلى الرحمة وحسن العاقبة ا. هــــ
القول الثاني: قول من أنكر رؤيته تعالى في المنام، وهو المشهور عن الماتريدية، وهو الذي عليه أكثر الحنفية والمحكي عن شيوخهم السمرقنديين: جاء في (البحر الرائق شرح كنز الدقائق (ج ٨ ص ٢٠٥ رؤية الله تعالى في الآخرة حق يراه أهل الجنة في الآخرة بلا كيفية ولا تشبيه ولا محاذاة، أما رؤية الله تعالى في المنام أكثرهم قالوا: لا تجوز والسكوت في هذا الباب أحوط” ا.هـــ.
القول الثالث: قول من توقّف، وقد وجدت الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قد توقّف فيها فقال: أنا أتوقف في أن الإنسان يرى ربه في المنام رؤيةً حقيقة، أما إذا كان الله تعالى يضرب له مثلاً يبيِّن له تمسكه بدينه فهذا شيءٌ ليس بغريب.ا.هــــ
ونقل الشيخ عليش في فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك عن القرافي أنه عقّب كلام عياض فقال: هذا إن ادعاها من هو من أهلها كولي يوثق به ويكون ذلك مخصصاً للعمومات مثل قوله تعالى ((لا تدركه الأبصار)) وإذا قُبل خبر الولي في الكرامة الخارقة للعادة المخصصة للعمومات القطعية فأولى في تخصيص العموم الظني وأما إن دعاها من ليس من أهلها كالعاصي والمقصر فإنه يكذب هذا كله إذا رآه تعالى على ما يليق بجلاله وكماله كما يُرى في الآخرة، وأما رؤيته تعالى على ما يستحيل عليه تعالى كرؤيته على صورة رجل يتقاضى من الرائي أمراً أو يأمره بأمر أو ينهاه عن شر ويقول له: أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني فهو أيضاً جائز وتكون رؤيا تأويل فتدل على ما كان أو سيكون كغيرها من الرؤيات فيسأل عن تعبيرها ويجب أن يعلم الرائي أن مرئيه أمر وارد من الله تعالى وخلق من خلقه يدل على أمر من الأمور وإطلاق اسم الله على مرئيه مجاز ا.هـ والعلم عند الله تعالى.