الطلاق .. أحكام وتوجيهات
شريعة الطلاق
أحكام وتوجيهات
كتبها/ عبد الحي يوسف
المسألة الأولى: في تعريف الطلاق
الطلاق في اللغة: مأخوذ من الاطلاق، وهو الإرسال والترك والتخلية، يقال: طلقت الناقة: إذا سرحت حيث شاءت. ومعناه شرعا: حل قيد النكاح أو بعضه.
المسألة الثانية: في حكم الطلاق
وأما حكمه; فهو يختلف باختلاف الظروف والأحوال، تارة يكون مباحا، وتارة يكون مكروها، وتارة يكون مستحبا، وتارة يكون واجبا، وتارة يكون حراما، فتأتي عليه الأحكام الخمسة.
– فيكون مباحاً إذا احتاج إليه الزوج; لسوء خلق المرأة، والتضرر بها، مع عدم حصول الغرض من الزواج مع البقاء عليه.
– ويكره الطلاق إذا كان لغير حاجة بأن كانت حال الزوجين مستقيمة، وعند بعض الأئمة يحرم في هذه الحال; لحديث: أبغض الحلال إلى الله الطلاق رواه أبو داود وابن ماجه، ورجاله ثقات، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث حلالا، مع كونه مبغوضاً عند الله، فدل على كراهته في تلك الحال مع إباحته، ووجه كراهته أن فيه إزالة للنكاح المشتمل على المصالح المطلوبة شرعا.
– ويستحب الطلاق في حال الحاجة إليه بحيث يكون في البقاء على الزوجية ضرر على الزوجة; كما في حال الشقاق بينها وبين الزوج، وفي حال كراهتها له ; فإن في بقاء النكاح مع هذه الحال ضرر على الزوجة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {لا ضرر ولا ضرار}
– ويجب الطلاق على الزوج إذا كانت الزوجة غير مستقيمة في دينها; كما إذا كانت تترك الصلاة أو تؤخرها عن وقتها، ولم يستطع تقويمها، أو كانت غير نزيهة في عرضها; فيجب عليه طلاقها في تلك الحال على أصح القولين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “إذا كانت تزني; لم يكن له أن يمسكها على تلك الحال، وإلا كان ديوثا”
وكذا إذا كان الزوج غير مستقيم في دينه; وجب على الزوجة طلب الطلاق منه، أو مفارقته بخلع وفدية، ولا تبقى معه وهو مضيع لدينه.
وكذا يجب على الزوج الطلاق إذا آلى من زوجته; بأن حلف على ترك وطئها، ومضت عليه أربعة أشهر، وأبى أن يطأها ويكفر عن يمينه، بل استمر على الامتناع عن وطئها; فإنه حينئذ يجب عليه طلاقها، ويجبر عليه ; لقوله تعالى: )لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(
– ويحرم الطلاق على الزوج في حال حيض الزوجة ونفاسها وفي طهر وطئها فيه ولم يتبين حملها، وكذا إذا طلقا ثلاثا.
المسألة الثالثة: دليل مشروعيته
ودليل مشروعية الطلاق الكتاب والسنة والإجماع. – قال تعالى: )الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ(
– وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {إنما الطلاق لمن أخذ بالساق} رواه ابن ماجه والدارقطني، ولغيره من الأحاديث.
– وقد حكى الإجماع على مشروعية الطلاق غير واحد من أهل العلم.
المسألة الرابعة: الحكمة التي من أجلها شرع الطلاق
والحكمة فيه ظاهرة، وهو من محاسن هذا الدين الإسلامي العظيم; فإن فيه حلاً للمشكلة الزوجية عند الحاجة إليه; قال تعالى: )فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ( وقال تعالى: )وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا(
فإذا لم يكن هناك مصلحة في البقاء على الزوجية، أو حصل الضرر على الزوجة في البقاء مع الرجل، أو كان أحدهما فاسد الأخلاق غير مستقيم في دينه ; ففي الطلاق فرج ومخرج.
وكم تعاني المجتمعات التي تمنع الطلاق من الويلات والمفاسد والانتحارات وفساد الأسر; فالإسلام العظيم أباح الطلاق ووضع له ضوابط تحقق بها المصلحة وتندفع بها المفسدة شأنه في كل تشريعاته العظيمة المشتملة على المصالح العاجلة والآجلة، فالحمد لله على فضله وإحسانه. قال ابن سينا في كتاب الشفاء: ينبغي أن يكون إلى الفرقة سبيل ما، وألا يسد ذلك من كل وجه، لأن حسم أسباب التوصل إلى الفرقة بالكلية يقتضي وجوها من الضرر والخلل. منها: أن من الطبائع ما لا يألف بعض الطبائع، فكلما اجتهد في الجمع بينهما زاد الشر، والنبو (أي الخلاف) وتنغصت المعايش. ومنها: أن من الناس من يمنى (أي يصاب) بزوج غير كف ء ولا حسن المذاهب في العشرة، أو بغيض تعافه الطبيعة، فيصير ذلك داعية إلى الرغبة في غيره، إذ الشهوة طبيعة، ربما أدى ذلك إلى وجوه من الفساد، وربما كان المتزاوجان لا يتعاونان على النسل، فإذا بدلا بزوجين آخرين تعاونا فيه، فيجب أن يكون إلى المفارقة سبيل، ولكنه يجب أن يكون مشددا فيه.ا.هــــــــ
وأما الديانة النصرانية التي يدين بها أكثر أمم الأرض الآن فإنها تمنع الطلاق وتضع حواجز تحول دون وقوعه؛ فالمذهب الكاثوليكي، يحرم الطلاق تحريما باتا، ولا يبيح فصم الزواج لأي سبب مهما عظم شأنه، وحتى الخيانة الزوجية نفسها لا تعد في نظره مبررا للطلاق، وكل ما يبيحه في حالة الخيانة الزوجية، هو التفرقة الجسمية، بين شخصي الزوجين، مع اعتبار الزوجية قائمة بينهما من الناحية الشرعية، فلا يجوز لواحد منهما في أثناء هذه الفرقة أن يعقد زواجه على شخص آخر، لان ذلك يعتبر تعددا للزوجات، والديانة المسيحية لا تبيح التعدد بحال.
وتعتمد الكاثوليكية في مذهبها هذا على ما جاء في إنجيل مرقص على لسان المسيح، إذ يقول:…” ويكون الاثنان جسدا واحدا، إذن ليسا بعد اثنين، بل جسد واحد، 9 فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان “.
والمذهبان المسيحيان الآخران، الأرثوذكسي، والبروتستانتي، يبيحان الطلاق في بعض حالات محدودة، من أهمها الخيانة الزوجية، ولكنهما يحرمان على الرجل والمرأة كليهما أن يتزوجا بعد ذلك، وتعتمد المذاهب المسيحية التي تبيح الطلاق في حالة الخيانة الزوجية على ما ورد في إنجيل متى، على لسان المسيح، إذ يقول: “من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزني “
وتعتمد المذاهب المسيحية في تحريمها الزواج على المطلق والمطلقة على ما ورد في إنجيل مرقص إذ يقول: (من طلق امرأته، وتزوج بأخرى يزني عليها، وإن طلقت امرأة زوجها، وتزوجت بآخر تزني).
الطلاق في الجاهلية: قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: “كان الرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها، وهي امرأته إذا راجعها وهي في العدة، وإن طلقها مائة مرة، أو أكثر، حتى قال رجل لامرأته: والله لا أطلقك فتبيني مني، ولا آويك أبداً، قالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلقك، فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك، فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة، فأخبرتها، فسكتت حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل القرآن: )الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان( قالت عائشة: فاستأنف الناس الطلاق مستقبلا، من كان طلق، ومن لم يكن طلق. رواه الترمذي
المسألة الخامسة: من يصح طلاقه ومن لا يصح
وأما من يصح منه إيقاع الطلاق فهو الزوج المميز المختار الذي يعقله، أو وكيله; لقوله صلى الله عليه وسلم: {إنما الطلاق لمن أخذ بالساق}
– وأما من زال عقله وهو معذور في ذلك; كالمجنون، والمغمى عليه، والنائم، ومن أصابه مرض أزال شعوره ; كالبرسام، ومن أكره على شرب مسكر، أو أخذ بنجا ونحوه لتداوٍ; فكل هؤلاء لا يقع طلاقهم إذا تلفظوا به في حال زوال العقل بسبب من هذه الأسباب ; لقول علي رضي الله عنه: {كل الطلاق جائز ; إلا طلاق المعتوه} ذكره البخاري في صحيحه، ولأن العقل هو مناط الأحكام.
– وأما إن زال عقله بتعاطيه مسكرا، وكان ذلك باختياره، ثم طلق في هذه الحال; ففي وقوع طلاقه خلاف بين أهل العلم على قولين: أحدهما: أنه يقع، وهو قول الأئمة الأربعة وجمع من أهل العلم.
– وإن أكره على الطلاق ظلما، فطلق لرفع الإكراه والظلم; لم يقع طلاقه; لحديث: {لا طلاق ولا عتاق في إغلاق} رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، والإغلاق: الإكراه، ولقوله تعالى: )مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ( والكفر أعظم من الطلاق، وقد عفي عن المكره عليه; فالطلاق من باب أولى، فإن كان الإكراه على الطلاق بحق كالمؤلي إذا أبى الفيئة; وقع طلاقه.
– ويقع الطلاق من الغضبان الذي يتصور ما يقول، أما الغضبان الذي أخذه الغضب، فلم يدر ما يقول; فإنه لا يقع طلاقه.
– ويقع الطلاق من الهازل; لأنه قصد التكلم به، وإن لم يقصد إيقاعه. والله أعلم.
باب في الطلاق السني والطلاق البدعي
المسألة السادسة: الطلاق السني والطلاق البدعي
الطلاق السني هو الطلاق الذي وقع على الوجه المشروع الذي شرعه الله ورسوله، وذلك بأن يطلقها طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه ويتركها حتى تنقضي عدتها; فهذا طلاق سني من جهة العدد; بحيث إنه طلقها واحدة ثم تركها حتى انقضت عدتها، وسني من جهة الوقت; حيث إنه طلقها في طهر لم يصبها فيه; لقوله تعالى: )يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ( قال ابن مسعود رضي الله عنه في معنى الآية الكريمة: {يعني: طاهرات من غير جماع}، وقال علي t: {لو أن الناس أخذوا بما أمر الله به من الطلاق; ما أتبع رجل نفسه امرأة أبدا; يطلقها تطليقة، ثم يدعها ما بينها وبين أن تحيض ثلاثا، فإن شاء; راجعها} يعني: ما دامت في العدة، وذلك أن الله أعطى المطلق فرصة يتمكن فيها من مراجعة زوجته إذا ندم على طلاقها، وهو لم يستغرق ما له من عدد الطلاق، وهي لا تزال في العدة، فإذا استنفد ما له من عدد الطلاق ; فقد أغلق عن نفسه باب الرجعة.
والطلاق البدعي هو الذي يوقعه صاحبه على الوجه المحرم، وذلك بأن يطلقها ثلاثاً بلفظ واحد، أو يطلقها وهي حائض أو نفساء، أو يطلقها في طهر وطئها فيه ولم يتبين حملها، والنوع الأول يسمى بدعيا في العدد، والنوع الثاني بدعي في الوقت.
– والبدعي في العدد يحرِّمها عليه حتى تنكح زوجا غيره، لقوله تعالى: )فَإِنْ طَلَّقَهَا( يعني: الثالثة; فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ
– والبدعي في الوقت يستحب له أن يراجعها منه ; لحديث ابن عمر L: أنه طلق امرأته وهي حائض، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها رواه الجماعة، وإذا راجعها; وجب عليه إمساكها حتى تطهر، ثم إن شاء طلقها.
ويحرم على الزوج أن يطلق طلاقاً بدعيا، سواء في العدد أو الوقت; لقوله تعالى: )الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ( ولقوله تعالى: )يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ( أي: طاهرات من غير جماع، ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً طلق امرأته ثلاثا ; قال:{أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟!} وكان عمر رضي الله عنه إذا أتي برجل طلق ثلاثاً، أوجعه ضرباً، ولما ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض; تغيظ، وأمره بمراجعتها.
كل ذلك مما يدل على وجوب التقيُّد بأحكام الطلاق عدداً ووقتا، وتجنُّب الطلاق المحرم في العدد أو الوقت، ولكن كثيراً من الرجال لا يفقهون ذلك، أو لا يهتمون به، فيقعون في الحرج والندامة، ويلتمسون بعد ذلك المخارج مما وقعوا فيه، ويحرجون المفتين، وكل ذلك من جراء التلاعب بكتاب الله.
وبعض الرجال يجعل الطلاق سلاحاً يهدد به زوجته إذا أراد إلزامها بشيء أو منعها من شيء، وبعضهم يجعله محل اليمين في تعامله ومحادثته مع الناس; فليتق الله هؤلاء، ويبعدوا عن ألسنتهم التفوه بالطلاق; إلا عند الحاجة إليه، وفي وقته وعدده المحددين.
المسألة السابعة: ألفاظ الطلاق
ألفاظ الطلاق تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: ألفاظ صريحة: وهي الألفاظ الموضوعة له، التي لا تحتمل غيره، وهي لفظ الطلاق وما تصرف منه; من فعل ماض; ك ( طلقتك )، واسم فاعل; ك (أنت طالق)، واسم المفعول، كأن يقول: (أنت مطلقة) ; دون المضارع والأمر; مثل: (تطلقين) و (اطلقي)، واسم الفاعل من الرباعي; ك (أنت مطلقة); فلا يقع بهذه الألفاظ الثلاثة طلاق; لأنها لا تدل على الإيقاع.
القسم الثاني: ألفاظ كنائية: وهي الألفاظ التي تحتمل الطلاق وغيره، كأن يقول لها: أنت خلية وبرية وبائن، وأنت حرة، أو: اخرجي والحقي بأهلك… وما أشبه ذلك
والفرق بين الألفاظ الصريحة وألفاظ الكناية في الطلاق أن الصريحة يقع بها الطلاق، ولو لم ينوه، سواء كان جاداً أو هازلاً أو مازحا; لقوله صلى الله عليه وسلم: {ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة} رواه الخمسة إلا النسائي. وأما الكناية; فلا يقع بها طلاق; إلا إذا نواه نية مقارنة للفظه; لأن هذه الألفاظ تحتمل الطلاق وغيره من المعاني; فلا تتعين للطلاق إلا بنيته، فإذا لم ينو بها الطلاق; لم يقع; إلا في ثلاث حالات:
الأولى: إذا تلفظ بالكناية في حال خصومة بينه وبين زوجته.
الثانية:إذا تلفظ بها في حال غضب.
الثالثة: إذا تلفظ بها في جواب سؤالها له الطلاق.
ففي هذه الأحوال يقع بالكناية طلاق، ولو قال: لم أنوه ; لأن القرينة تدل على أنه نواه ; فلا يصدق بقوله: لم أنوه. والله أعلم.
ويجوز للزوج أن يوكل من يطلق عنه سواء كان الوكيل أجنبيا أو كانت الزوجة; فيجوز أن يوكلها فيه، ويجعل أمرها بيدها، فيقوم الوكيل مقامه في الصريح والكناية ولعدد، ما لم يحدد له حدا فيه.
المسألة الثامنة: الطلاق لا يقع بالنية
ولا يقع الطلاق منه ولا من وكيله إلا بالتلفظ به فلو نواه بقلبه; لم يقع، حتى يتلفظ ويحرك لسانه به; لقوله صلى الله عليه وسلم: {إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم} فلا يقع الطلاق إلا بالتلفظ به; إلا في حالتين:
الحالة الأولى: إذا كتب صريح الطلاق كتابة تقرأ، ونواه; وقع، وإن لم ينوه; فعلى قولين، والذي عليه الأكثر أنه يقع.
الحالة الثانية: التي يقع فيها الطلاق بدون تلفظ إشارة الأخرس بالطلاق إذا كانت مفهومة.
المسألة التاسعة: الاستثناء في الطلاق
ويجوز الاستثناء في الطلاق ويراد به إخراج بعض الجملة بلفظ (إلا) أو ما يقوم مقامها، والاستثناء هنا إما أن يكون من عدد الطلقات; كأن يقول: أنت طالق ثلاثاً إلا واحدة، وإما أن يكون من عدد المطلقات; كأن يقول: نسائي طوالق إلا فاطمة مثلا، وعلى كل يشترط لصحته في الحالتين أن يكون المستثنى مقدار نصف المستثنى منه فأقل، فإن كان المستثنى أكثر من نصف المستثنى منه ; كما لو قال: أنت طالق ثلاثاً إلا اثنتين; لم يصح، ويشترط أيضاً التلفظ بالاستثناء إذا كان موضوعه الطلقات، فلو قال: أنت طالق ثلاثا، ونوى: إلا واحدة; وقعت الثلاث; لأن العدد نص فيما يتناوله; فلا يرتفع بالنية; لأنه أقوى منها، ويجوز الاستثناء بالنية من النساء، فلو قال: نسائي طوالق، ونوى: إلا فلانة; صح الاستثناء; فلا تطلق من نوى استثناءها، لأن لفظة (نسائي) تصلح للكل وللبعض; فله ما نوى.
المسألة العاشرة: الطلاق المعلَّق
ويجوز تعليق الطلاق بالشروط ومعناه: ترتيبه على شيء حاصل أو غير حاصل ب (إن) أو إحدى أخواتها; كأن يقول: إن دخلت الدار فأنت طالق; فقد رتب وقوع الطلاق على حصول الشرط، وهو دخول الدار، وهذا هو التعليق.
ولا يصح التعليق إلا من زوج; فلو قال: إن تزوجت فلانة; فهي طالق، ثم تزوجها; لم يقع; لأنه حين التعليق ليس زوجا لها; لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: {لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق فيما لا يملك، ولا طلاق فيما لا يملك} رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، والله تعالى يقول: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ( فدلت الآية والحديث على أنه لا يقع الطلاق على الأجنبية وهذا بالإجماع إذا كان منجَّزا، وعلى قول الجمهور إذا كان معلقاً على تزوجها ونحوه.
فإذا علق الطلاق على شرط; لم تطلق قبل وجوده، وإذا حصل شك في الطلاق، ويراد به الشك في وجود لفظه أو الشك في عدده أو الشك في حصول شرطه:
– فأما إن شك في وجود الطلاق منه فإن زوجته لا تطلق بمجرد ذلك; لأن النكاح متيقن; فلا يزول بالشك.
– وإن شك في حصول الشرط الذي علق عليه الطلاق كأن يقول: إذا دخلت الدار، فأنت طالق. ثم يشك في أنها دخلتها; فإنها لا تطلق بمجرد الشك لما سبق.
– وإن تيقن وجود الطلاق منه، وشك في عدده لم يلزمه إلا واحدة ; لأنها متيقنة، وما زاد عليها مشكوك فيه، واليقين لا يزول بالشك، وهذه قاعدة عامة نافعة في كل الأحكام، وهي مأخوذة من قوله صلى الله عليه وسلم: {دع ما يريبك إلى ما لا يريبك} ومن قوله لمن كان على طهارة متيقنة وأشكل عليه حصول الناقض: {لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحا} وغيرهما من الأحاديث.
وهذا مما يدل على سماحة هذه الشريعة وكمالها ; فالحمد لله رب العالمين.