أحكام الزواج والطلاق ومعاشرة الأزواج

تريد الطلاق للزواج ممن تحب

أمر يؤرقني ويقلق مضجعي وقبل أن أسرده لك أرجو أن ينال قسطاً من الاهتمام ولو بالرد المباشر على بريدي الالكتروني، منذ اثني عشر سنة خطبت فتاة وكنّا قاب قوسين أو دنى من الزواج ـ ولكن حصلت مشاكل بين الأسرتين أدت إلى إلغاء تلك الخطبة، ورغم قصر فترة الخطوبة (شهرين) فقد بلغ تعلق قلبينا ببعض مبلغا ـ فكانت صدمة لنا أن نكون ضحايا تلك المشاكل.. تزوجت من فتاة أخرى، وهي تزوجت من آخر، وكلانا أنجب أطفالا (بنتي الكبرى سميتها باسمها) (وابنها الأول أسمته باسمي) ـ وقد حدث شيء محيِّر وهو أننا مررنا بمشاكل أسرية متشابهة تماما رغم أننا نعيش في أمكنة مختلفة ـ وكلانا لا يطيق العيش مع شريكه ـ وأنا أحن إليها دائما وأذكرها ـ وهي كذلك ـ

في مرة من المرات التقينا واتفقنا أن ننفصل عن شريكينا ونتزوج ـ مع العلم أن لي ثلاثة أطفال ولها مثلهم ـ فما رأي الشرع في ذلك إذا استحالت الحياة الزوجية لكلانا ـ وأنا أعلم علم اليقين أننا سنهدم بيتين ونبني واحداً، ولكن سنبني بيتا دعائمه أعز وأطول إن شاء الله.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فسؤالك يا هذا من غرائب القضايا التي سُمِعَتْ، وعجائب الحالات التي طُرِحَت، وإني أعيذك بالله أن تقول زورا، أو تغشى فجورا، ثم إني قائل لك مقالة فاسمعها واعمل بها عافاني الله وإياك من اتباع الهوى:

يا عبد الله: بأي كتاب أم بأية سنة تبيح لنفسك أن تتكلم مع امرأة أجنبية هي ذات زوج، وتسمح لها بأن تفضي إليك بمكنون مشاعرها وخبايا خلافاتها مع زوجها؟ تُرى لو فعلت ذلك زوجتك أكنت ترضاه؟ أما علمت أن فعلك هذا درجة من درجات الزنا؛ حيث تلذذت بكلامها وقلت لها وقالت لك ما لا ينبغي أن يقال إلا بين زوجين يجمعهما ميثاق غليظ، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم (كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه) رواه الشيخان. بل إن الذي وقعت فيه لهو من أشد الزنا وأقبحه؛ يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: الزنا له مراتب متفاوتة فهو بأجنبية لا زوج لها عظيم، وأعظم منه بأجنبية لها زوج، وأعظم منه بمحرم، وزنا الثيب أقبح من البكر بدليل اختلاف حديهما، وزنا الشيخ لكمال عقله أقبح من زنا الشاب، وزنا الحر والعالم أقبح من زنا العبد والجاهل.ا.هـــ

ثم إن في صنيعك هذا إفساداً لهذه المرأة على زوجها، وتحريضاً لها على خراب بيتها وتشتيت أولادها، فما ظنك بمن فعل هذا بك؟  أتراه مسلماً؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لعن الله من خبب امرأة على زوجها) يا عبد الله إن الذي تكرهه لنفسك ينبغي أن تكرهه لأخيك المسلم؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه (يا أبا هريرة: كن ورعاً تكن أعبد الناس، وكن قنعاً تكن أشكر الناس، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمناً، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً)

ثم إني قائل لك: أترى نفسك أول من حيل بينه وبين من يحب أم أنك الأخير؟ كم من الناس هوي امرأة وهويته، ولم يتم لهما ما أرادا؟ فلو صنع كل منهم مثل الذي تصنع لما استقامت الدنيا على حال، ولهُدِّمت بيوت وتقوض بنيان أسر؟ ألست مؤمناً بقضاء الله وقدره؟ أما تعلم أن كل شيء عند الله بقدر؟ اسمع ما قاله ابن القيم رحمه الله لعل في ذلك  رادعاً لك عن هواك؛ قال رحمه الله: الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة، فإنها إما أن توجب ألماً وعقوبة، وإما أن تقطع لذة أكمل منها، وإما أن تضيع وقتاً إضاعته حسرة وندامة، وإما أن تثلم عرضاً توفيره أنفع للعبد من ثلمه، وإما أن تُذهب مالاً بقاؤه خير له من ذهابه، وإما أن تضع قدراً وجاهاً قيامه خير من وضعه، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة، وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقاً لم يكن يجدها قبل ذلك، وإما أن تجلب هماً وغماً وحزناً وخوفاً لا يقارب لذة الشهوة، وإما أن تُنسي علماً ذكره ألذ من نيل الشهوة، وإما أن تُشمت عدواً وتحزن ولياً، وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة، وإما أن تحدث عيباً يبقى صفة لا تزول؛ فإن الأعمال تورث الصفات والأخلاق.ا.هــــــــــ ويقول الشيخ المبارك علي الطنطاوي رحمه الله: لو أوتيتَ مال قارون، وجسد هرقل، وواصلتك عشر آلاف من أجمل النساء من كل لون وكل شكل وكل نوع من أنواع الجمال، هل تظن أنك تكتفي؟ لا، أقولها بالصوت العالي: لا، أكتبها بالقلم العريض، ولكن واحدة بالحلال تكفيك. لا تطلبوا مني الدليل؛ فحيثما تلفّتم حولكم وجدتم في الحياة الدليل قائماً ظاهراً مرئياً.ا.هـــــــــ

يا عبد الله: اتق الله في نفسك، واعلم أنه عما قريب تزول اللذات وتحل السكرات؛ فماذا أنت قائل لربك وقد هتكت عرض مسلم، وسعيت في خراب بيته؟ تب إلى الله مما جنت يداك، وأدرك قبل أن تندم ولا ت ساعة مندم، وأوصل إلى تلك المرأة رسالة مفادها أنك تائب إلى الله مما كان، يأبى عليك الله والإسلام، وادعها كذلك إلى التوبة فقد أساءت إلى زوجها وتعدت حدود ربها وهتكت ستره، وأسأل الله أن يتوب علينا أجمعين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى