إخراج القيمة من الزكاة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
فقد سألني الإخوة في منظمة (إيثار) عن حكم إخراج الزكاة في صورة مواد عينية – من أطعمة ونحوها – للإخوة في معسكرات النازحين في شرق السودان؟ وجواباً على ذلك أقول والله المستعان:
إن الأصل في الزكاة أن تخرج من عين المال المزكَّى؛ وهذا هو قول جمهور العلماء رحمهم الله تعالى، وذلك لأن الزكاة مقصود بها تطهير المال وتزكية النفس، وهي عبادة لا تؤدَّى إلا على الوجه المأمور به شرعا، وقد استدل الجمهور على ذلك بما رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن (خذ الحَبَّ من الحب والشاة من الغنم والبعير من الإبل والبقر من البقر)
وفي مقابل هذا الرأي ذهب عدد من أئمة الهدى منهم أبو حنيفة والأوزاعي والثوري وروي عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري، ومن المالكية أشهب بن عبد العزيز وابن القاسم – في رواية عنه – وكذلك الإمام البخاري إلى جواز إخراج القيمة بدل العين؛ استدلالاً بحديث معاذ رضي الله عنه مع أهل اليمن حيث قال لهم (إيتوني بخميس أو لبيس آخذه مكان الصدقة فإنه أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة) رواه البخاري تعليقاً، ومعلوم أن معاذاً رضي الله عنه قد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أعلم أصحابه بالحلال والحرام، ورأيه هذا قد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم – غالباً – ولم ينكر عليه.
وهناك مذهب وسط بين هذين قال به أبو العباس بن تيمية وكذلك الإمام الشوكاني، وهو أن إخراج القيمة يجوز إن كان لحاجة أو مصلحة راجحة تعود على الفقير؛ يقول الشوكاني رحمه الله تعالى: الحق أن الزكاة واجبة من العين ولا يعدل عنها إلى القيمة إلا لعذر.ا.ه
وهذا القول الأخير – أعني ما ذهب إليه ابن تيمية والشوكاني – هو الذي ينبغي القول به في هذه المسألة المعروضة، وذلك لأمور:
أولها: أن الزكاة ليست عبادة محضة، بل هي عبادة تعللية، والعلماء يكادون يطبقون على أن المقصود الأساس منها هو سدُّ خلة الفقير، وقضاء حاجته، مع تطهير المال من حق الفقير والمسكين، وتطهير نفس المزكي من الشح وحب الدنيا، يؤيد ذلك أنها واجبة – عند الجمهور –