أحكام الأطعمة

هل تعاطي السجائر انتحار؟

الشيخ د. عبد الحي يوسف وفقك الله وزادك علماً، إذا توفي شخص وكان يتعاطى السجائر، وسبب الوفاة أجارنا الله وإياك تلف في الرئة، فهل يدخل في باب من قتل نفسه (الانتحار)؟ وما الأحكام المترتبة عليه؟ وفقك الله وزادك علماً

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فإن التبغ ـ بجميع أنواعه ـ لا يجوز تعاطيه ولا ترويجه ولا الاتجار به ولا الإعانة في ذلك كله؛ لأدلة شرعية معتبرة منها:

1ـ قول الله تعالى في وصف نبيه محمد صلى الله عليه وسلم {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلُّ لهم الطيبات ويحرِّم عليهم الخبائث} والعقلاء متفقون على كون الدخان خبيثاً في شكله وريحه وأثره

2ـ قوله تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} وقد ثبت ـ طباً ـ أن تناول الدخان سبب لأمراض مستعصية تؤول بصاحبها إلى الموت مثل السرطان وتصلب الشرايين وأمراض القلب؛وقد ورد في إحصائيات منظمة الصحة العالمية أن التبغ يقتل سنوياً أكثر من أربعة ملايين شخص في العالم؛ فيكون متناوله قد تعاطى سبب هلاكه

3ـ قوله تعالى {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال صاحب المنار رحمه الله تعالى: قال بعضهم: يدخل فيه الإسراف الذي يوقع صاحبه في الفقر المدقع، فهو من قبيل {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} المنار2/213

4ـ قوله تعالى {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} ووجه الدلالة من الآية أن الله تعالى نهى عن الإسراف في المباحات بمجاوزة الحد في تعاطيها، فمن باب أولى يكون النهي عن صرف المال فيما لا نفع فيه. قال الإمام أبو محمد بن حزم في المحلى: مسألة 1027: السرف حرام وهو:

·       النفقة فيما حرم الله تعالى قَلَّت أو كثرت ولو أنها قدر جزء من جناح بعوضة

·       أو التبذير فيما لا يحتاج إليه ضرورة،مما لا يبقى للمنفق بعده غنى

·       أو إضاعة المال وإن قلَّ برميه عبثاً

ومتعاطي الدخان قد تناوله كلام الإمام ابن حزم رحمه الله لكونه ينفق فيما حرَّم الله تعالى ويضيع المال بإحراقه عبثاً في غير فائدة.

5ـ قوله تعالى {ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} وإنفاق المال في الدخان تبذير من حيث كونه إفساداً

ومن السنة المطهرة:

1ـ قوله صلى الله عليه وسلم (وأنهاكم عن ثلاث:قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) رواه البخاري. وإنفاق المال في الدخان إضاعة له لأنه صرف له فيما لا فائدة فيه

2ـ قوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) أخرجه الإمام أحمد وغيره وهو في صحيح الجامع (7517) فثبت أن كل ما غلب ضرره على نفعه فتناولُه حرام، وتناول الدخان موجب للضرر بمتناوله ومن يحيطون به من زوج وعيال وزملاء.

3ـ روى الإمام أحمد وأبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن كل مسكر ومفتِّر) قال العلماء: المفتِّر: ما يورث الفتور والخدر في الأطراف، وهذا الأثر يحدث لمتعاطي الدخان خاصة في أول أمره

ومن النظر الصحيح:

1.    تناول الدخان يهدم بعض الكليات التي جاءت الشريعة بالمحافظة عليها وهي النفس والمال

2.     شارب الدخان إن فَقَدَه ضاق صدره وكثرت عليه البلابل والأفكار ولا ينشرح صدره إلا بالعودة إلى شربه

3.     شارب الدخان يستثقل الصوم جداً؛ لأنه حرمان له من شربه بعد طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فيكون الصوم مكروهاً لديه

4.     ما يصحب هذا الشيء الخبيث من نتن الرائحة المؤذية لمن يحيطون بمن يتناوله

وعليه فإن متعاطي السجائر عاص بفعله ذاك؛ مرتكب حراماً، منفق ماله في غير نفع بل في ضرر محض، لكنه إن مات لا يعد منتحرا، لأن الانتحار – مشتق من النحر – وهو أن يتعاطى الإنسان فعلاً يسرع في إزهاق روحه به؛ كمن يتناول سماً أو يطعن نفسه بحديدة أو يطلق الرصاص على نفسه في موضع قاتل من مسدس ونحوه؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل نفسه بشيء عذب به في النار) والله المستعان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى