التبرك بابن تيمية
وصلی الله علی سیدنا محمد وعلی آل بیته الطیبین الأطهرین وبعد: فقد جاء فی کتاب البدایة والنهایة لابن کثیر ـ المجلد السابع صفحة 274 و275مطبعة دار الفکر للطباعة والنشر ـ تحقیق وتوثیق صدقی جمیل العطار، فی أحداث سنة ثمان وعشرین وسبعمائة حول وفاة ابن تیمیة {أما الرجال فحرزوا بستین ألفاٌ إلی مائة ألف إلی أکثر من ذلك، إلي مائتی ألف، وشرب جماعة الماء الذی فضل من غسله، واقتسم جماعة بقیة السدر الذی غسل به، ودفع في الخیط الذي کان فیه الزئبق الذي کان فی عنقه بسبب القمل مائة وخمسون درهماً!! وقیل إن الطاقیة التي کانت علی رأسه دفع فیها خمسمائة درهماً؟؟؟؟ ستون ألفاً لا عقل لهم أم لا عقل لمن حرم التبرك بالأولیاء؟؟؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فالظاهر من سؤالك أن مقياسك في معرفة الحق من الباطل إنما يكون بكثرة من فعلوا، وأن الحق مع الكثرة دائماً، ولا شك أن في هذا الفهم خللاً، وخير لك أن تعتني بمعرفة الحق لتعرف أهله، وليس العكس، ودونك ما عليه الحال في كثير من بلاد الإسلام حيث يشارك في أعياد النصارى ـ كالكريسماس ورأس السنة ـ كثير من المسلمين الذي يربو عددهم على الملايين؛ فهل تُكسب كثرتهم فعلهم مشروعية؟ اللهم لا، وكثير من الناس قد اعتادوا بناء المساجد على القبور رغم تكرر النهي عن ذلك في الأحاديث الصحاح، وترى الألوف المؤلفة من الروافض ـ في ذكرى عاشوراء ـ يضربون وجوههم وأدبارهم، ويسيلون دماءهم وهم يرون أنهم بذلك يتقربون إلى الله تعالى، وفي القرآن الكريم تقرأ )وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله( وتقرأ )وإن كثيراً من الناس لفاسقون( وتقرأ )وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين( هذه واحدة
وأما الثانية فعليك أن تعلم أن أفعال العباد ليست بحجة على الشرع، خاصة إذا كان فاعلوها ممن لا يؤبه لهم من العوام والدهماء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم؛ ثم يأتي من بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون ويظهر فيهم السمن} رواه الشيخان، فاستعن بالله ولا تعجز واحرص على طلب العلم من أهله، وعليك بلزوم الحق ولا يضرنك قلة السالكين
وأما الثالثة فاعلم ـ علمني الله وإياك ـ أن أبا العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى كان من العلماء العاملين الذين نفع الله بهم من شاء من خلقه، وما زال أهل العلم من السابقين واللاحقين يحتفون بأقواله واجتهاداته ويوردونها ويحتجون بها، وقد جاهد الكفار والمنافقين والمبتدعين في زمانه، وخلَّف علماً كثيراً طيباً مباركاً فيه تشهد بذلك مؤلفاته وتصانيفه التي سارت بذكرها الركبان، وما هو بالمعصوم رحمه الله
وليست مشكلتنا في التبرك بأهل الصلاح؛ فقد كان الصحابة يتبركون برسول الله صلى الله عليه وسلم وآثاره ـ كشعره وثيابه ـ وقد قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن مظعون رضي الله عنه بعد موته، وكان ثابت البناني رحمه الله يقبِّل يد أنس بن مالك رضي الله عنه ويقول: يد مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال النووي في حديث تحنيك النبي صلى الله عليه وسلم للمولود بمضغ تمرة ومجها في فمه: اتفق العلماء على استحباب التحنيك بالتمر وما في معناه من كل حلو، وأن يكون المحنِّك من الصالحين وممن يتبرك به رجلاً كان أو امرأة.ا.هــ شرح النووي لصحيح مسلم 14/122، وقد أورد الذهبي وغيره من أهل العلم قصصاً كثيرة دالة على ذلك؛ ولكن الإشكال كل الإشكال في التبرك بأقوام لا حلم عندهم ولا علم، ولا عُرِف عنهم تقوى ولا صلاح، بل كل ما هنالك نسب توارثوه الله أعلم بصحته، وأسأل الله الهداية للجميع.