فضل الوفاة يوم الجمعة
شيخنا الجليل الدكتور / عبد الحي يوسف – حفظه الله ورعاه
هل للوفاة يوم الجمعة أي فضل عن سائر أيام الأسبوع؟ وما مدى صحة الحديث الذي معناه (ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلتها إلا وقاه الله فتنة القبر…… معنى الحديث”. فقد سمعت أحدهم يقول بأن الحديث ضعيف، فلو كان ليوم من أيام الله فضل لكان يوم الاثنين ففيه ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه توفي.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فيوم الجمعة هو سيد الأيام بنص حديث النبي صلى الله عليه وسـلم؛ ففي موطأ مالك وسنن النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: خرجت إلى الطور فلقيت كعب الأحبار فجلست معه؛ فحدَّثني عن التوراة وحدَّثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فيما حدَّثته أن قلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أهبط من الجنة وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقاً من الساعة إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه” قال كعب: ذلك في كل سنة يوم؟ فقلت: بل في كل جمعة!! فقرأ كعب التوراة فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي صحيح مسلم عن عبد الرحمن الأعرج أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا» فيوم الجمعة خير من يوم الاثنين بلا شك، وما ينبغي رد حديث النبي صلى الله عليه وسـلم بمثل تلك الاعتراضات.
وأما الحديث الوارد في السؤال فقد رواه الإمام أحمد والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وقد اختلف أهل العلم في الحكم عليه؛ حيث قال الترمذي: هذا حديث غريب، وليس إسناده بمتصل، ربيعة بن سيف إنما يروي عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو ولا نعرف لربيعة بن سيف سماعاً من عبد الله بن عمرو
إلا أن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى حسَّن إسناده في تحقيقه لسنن الترمذي وكذلك في (أحكام الجنائز) حيث قال: وله شواهد عن أنس وجابر بن عبد الله، وغيرهما، فالحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح. وقال الشيخ الأرناؤوط رحمه الله تعالى في تعليقه على المسند: إسناده ضعيف ثم ذكر شواهد أعلَّها وقال: “فهذه الشواهد لا تصلح لتقوية الحديث وقد أخطأ الألباني في أحكام الجنائز فحسنه أو صححه بها . .” وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي: قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوَهُ، وَإِسْنَادُهُ أَضْعَفُ اِنْتَهَى. وَقَالَ الْقَارِي فِي الْمِرْقَاة: ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي بَابِ: مَنْ لَا يُسْأَلُ فِي الْقَبْرِ: وَقَالَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ اِبْنِ عَمْرٍو ثُمَّ قَالَ: وَأَخْرَجَهُ اِبْنُ وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْهُ بِلَفْظِ: إِلَّا بَرِئَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ. وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا ثَالِثَةً عَنْهُ مَوْقُوفًا بِلَفْظِ وُقِيَ الْفَتَّانَ.ا.هـــــ
ونقل السيوطي رحمه الله تعالى عن الحكيم الترمذي قوله: وَمَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ فَقَدْ اِنْكَشَفَ لَهُ الْغِطَاءُ عَمَّا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ لِأَنَّ يَوْمَ الْجُمْعَةِ لَا تُسْجَرُ فِيهِ جَهَنَّمُ وَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا، وَلَا يَعْمَلُ سُلْطَانُ النَّارِ فِيهِ مَا يَعْمَلُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ، فَإِذَا قَبَضَ اللَّهُ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ فَوَافَقَ قَبْضُهُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا لِسَعَادَتِهِ وَحُسْنِ مَآبِهِ، وَإِنَّهُ لَا يُقْبَضُ فِي هَذَا الْيَوْمِ إِلَّا مَنْ كَتَبَ لَهُ السَّعَادَةَ عِنْدَهُ، فَلِذَلِكَ يَقِيهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ، لِأَنَّ سَبَبَهَا إِنَّمَا هُوَ تَمْيِيزُ الْمُنَافِقِ مِنْ الْمُؤْمِنِ، قُلْت – أي السيوطي -: وَمِنْ تَتِمَّةِ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ، فَكَانَ عَلَى قَاعِدَةِ الشُّهَدَاءِ فِي عَدَمِ السُّؤَالِ. كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ جَابِرٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمْعَةِ أُجِيرَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَجَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهِ طَابَعُ الشُّهَدَاءِ”. وَأَخْرَجَ حُمَيْدٌ فِي تَرْغِيبِهِ عَنْ إِيَاسِ اِبْنِ بَكِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ، وَوُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ”. وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ اِبْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمَةٍ يَمُوتُ فِي يَوْمِ الْجُمْعَةِ أَوْ لَيْلَةِ الْجُمْعَةِ إِلَّا وُقِيَ عَذَابَ الْقَبْرِ، وَفِتْنَةَ الْقَبْرِ وَلَقِيَ اللَّهَ وَلَا حِسَابَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ شُهُودٌ يَشْهَدُونَ لَهُ أَوْ طَابَعٌ” وَهَذَا الْحَدِيثُ لَطِيفٌ صُرِّحَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفِتْنَةِ وَالْعَذَابِ مَعًا؛ اِنْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيُّ رحمه الله تعالى.
وكما رأيت فأكثر أهل العلم من القدماء والمحدثين على تضعيف الحديث، والعلم عند الله تعالى.