أنت ومالك لأبيك
السلام عليكم الشيخ الفاضل عبد الحي يوسف
أرجو يا شيخ أن توضح لي معنى الحديث جيداً “أنت ومالك لأبيك”، أنا شاب في الـ 37 من عمري لديَّ أخوان وأخت والحمد لله كلهم متزوجون، آخر زواج كان قبل شهرين لأخي الأصغر …. يا شيخ أمي لا تعدل لا تعدل لا تعدل بيننا والله هذه هي الحقيقة تفضل أخانا الأكبر والأصغر أما أنا وأختي فلا!!!! طبعاً يا شيخ هذا الكلام يعلمه كل الأهل والجيران وكل من نعرفه وحتى إخواني يعلمونه.. إخواني ربنا فتحها عليهم من مال وفير أما أنا فوضعي بفضل من الله ونعمته بخير ليس مثلهم لكني حامد وشاكر لربي
أريد أن أضرب أمثلة قليلة فقط وثقتي فيك أنك سوف تقيم حالتي … أحضرت والديَّ إلى السعودية وصرفت عليهما حتى رجوعهم إلى السودان وأصبحت بعدها مديون في السعودية من أصدقائي..
صرفت في زواج أخي الأصغر مبلغ 25000 جنيه منها 5000 للوالدة 3000 للوالد و7000 للعريس وإصلاحات في البيت لم يبق إلا قليل لدي، طبعاً يا شيخ أريد الزواج لكن أمي تريد أن أعطيها مالاً باستمرار وهى والله ما محتاجة؛ لأن المال يأتي مني ومن إخواني، هذا بالإضافة إلى أنها تملكك أصولاً وأموالاً، أنا نفسي ما عارف قيمتها مع العلم نحن أسرة وضعها المالي فوق الوسط ….. والله يا شيخ لا أريد مالها أريد أن تعطيني فرصة لأحضِّر لزواجي، طبعاً يا شيخ أمي من الذين يحبون المال لا أريد أن أكثر من ذكر ذلك، وكل ما تعطيها مالاً والزول بتوقع رضى أو ابتسامة أو قبول لكن يا شيخ تجد العكس تختلق مشكلة بأي صورة وتبخس كل ما جئت به تحسبه سوف يفرحها أو يدخل السرور عليها‼ طبعاً يا شيخ التبخيس صفة ثابتة في والدتي سامحها الله.. طبعاً يا شيخ لدينا شقتان في البيت أخي الأصغر أخذ الشقة التي كنت جالس فيها وجاء إليَّ واستأذن وقلت له هذه الشقة لأبيك وأنا راضي تمام وما في أي زعل ورضى وأختي أخذت شقة، والله وقفت وقفات أحسبها إيجابية لا تعد ولا تحصى وكلها بفضل من الله لكن أمي لا يعجبها العجب، الآن كل إخواني يعلمون هذه الحقيقة ….. طبعاً يا شيخ أنا مصنف من المتدينين أو الإسلاميين في بيتي …
والله أمي لا تراعى لأي شيء، يعنى يا شيخ منذ كان راتبي 450 جنيه كانت تأخذ نصيب الأسد ثم كلما ربنا يفتحها لا أتوانى في دفع المال لها ولكن العمر فات وكنت أحسب أن الدهر سوف يؤثر فيها علها تكون أكثر ليناً أو عطفاً أو حنية والله لا شيء من ذلك بل العكس.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فأسأل الله تعالى أن يعينك على بر والديك والإحسان إلى إخوانك والرضا بما قسم الله لك، وأوصيك أخي بجملة أمور:
أولها: اعلم بأن بر الوالدين ومجاهدة النفس على ذلك من أعظم خصال البر، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسـلم عن أفضل العمل فقال “إيمان بالله ورسوله” قيل: ثم أي؟ قال “بر الوالدين”. وقد يبتلي الله عبده بوالد أو والدة فيهما شيء من الحدة أو حب المال أو فرض الرأي أو غير ذلك من البلاء، مما يستوجب مزيداً من صبر وإحسان
ثانيها: احتسب ما أنفقت ولا تندم على خير فعلته، واعلم أن ذلك كله في ميزان حسناتك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسـلم لسعد رضي الله عنه “وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك” وقال عليه الصلاة والسلام “دينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أعتقت به رقبة، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً عند الله الذي تنفقه على أهلك” وأخبرنا عليه الصلاة والسلام أن الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثتنان صدقة وصلة.
ثالثها: أبشر بالخلف من الله وقد قال سبحانه {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين} وما من يوم يصبح إلا وملكان يناديان يقول أحدهما “اللهم أعط منفقاً خلفا” ويقول الآخر “اللهم أعط ممسكاً تلفا” فلا تأس على ما فاتك ولا تحزن على أنفقت بل ثق بالأجر والثواب، وأبشر بخيري الدنيا والآخرة
رابعها: الشريعة ما كلفتك من الأمر شططا، ولا أمرتك بالإضرار بنفسك، بل عليك أن تنفق على والديك وإخوانك حسب حاجتهم وباعتدال دون أن تضر بنفسك؛ إذ لا ضرر ولا ضرار
خامسها: قوله صلى الله عليه وسـلم “أنت ومالك لأبيك” هذا الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث جابر رضي الله عنه. قال الدارقطني: غريب تفرد به عيسى بن يونس بن أبي إسحاق، ويوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق عن ابن المنكدر. وقال ابن القطان: إسناده صحيح. وقال المنذري: رجاله ثقات. وله طريق أخرى عن جابر عند الطبراني في “الصغير” والبيهقي في “الدلائل” فيها قصة مطولة. وفي الباب عن عائشة في “صحيح ابن حبان” وعن سمرة وعن عمر كلاهما عند البزار، وعن ابن مسعود عند الطبراني، وعن ابن عمر عند أبي يعلى، فمجموع طرقه لا تحطه عن القوة، وجواز الاحتجاج به، قال ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح.
وقد تأول أهل العلم رحمهم الله ـ كابن بطال والباجي وغيرهما ـ هذا الحديث بأن مراده صلى الله عليه وسـلم “أنت ومالك لأبيك” أي في البر والمطاوعة لا في اللازم ولا في القضاء؛ وسبب ورود هذا الحديث ـ كما في رواية أبي داود وغيره ـ أن رجلاً قال: يا رسول الله: إن والدي يجتاح مالي؟ فقال {أنت ومالك لأبيك} قال الخطابي رحمه الله: معناه يستأصله فيأتي عليه. ويشبه أن يكون ما ذكره السائل من اجتياح والده ماله إنما هو بسبب النفقة عليه، وأن مقدار ما يحتاج إليه للنفقة عليه شيء كثير لا يسعه عفو ماله والفضل منه، إلا أن يجتاح أصله ويأتي عليه، فلم يعذره النبي صلى الله عليه وسـلم ولم يرخص له في ترك النفقة وقال له {أنت ومالك لوالدك} على معنى أنه إذا احتاج إلى مالك أخذ منك قدر الحاجة؛ كما يأخذ من مال نفسه، وإذا لم يكن لك مال وكان لك كسب لزمك أن تكتسب وتنفق عليه، فإما أن يكون أراد به إباحة ماله واعتراضه حتى يجتاحه ويأتي عليه لا على هذا الوجه فلا أعلم أحداً من الفقهاء ذهب إليه، والله أعلم.ا.هــــ
وعليه فلا يجوز لأحد الوالدين أن يتسلط على أموال أولاده ليأخذها عنوة؛ احتجاجاً بهذا الحديث، بل عليه أن يأكل بالمعروف إن احتاج، وعلى الأولاد أن يسعوا بكل سبيل في بر آبائهم وأمهاتهم والإنفاق عليهم فإن في ذلك خير الدنيا والآخرة، والعلم عند الله تعالى