حكم العمليات الإستشهادية
ما هو الحكم الشرعي في العمليات الاستشهادية؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فالعمليات الاستشهادية الواردة في السؤال لا ينتظمها حكم واحد؛ بل هناك عمليات لا إشكال فيها، وهي التي يشتبك فيها المجاهد المسلم مع عدوه وهم كثير عددهم وقد غلب على ظنه الهلاك؛ لكنه يُقدِم على ذلك بقصد إلحاق الضرر بعدوه وبثِّ الرعب في نفوس مقاتليه وتجرئة المسلمين عليه، من جنس ما فعله عمير بن الحمام رضي الله عنه يوم بدر والبراء بن مالك رضي الله عنه في قتال مسيلمة وأصحابه حين ألقاه المسلمون ليفتح لهم باب الحديقة التي سميت حديقة الموت، وبه أفتى أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه؛ كما في سنن أبي داود من حديث أسلم بن عمران قال: غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والروم ملصقون ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدو فقال الناس: مه، مه، لا إله إلا الله يلقي بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام، قلنا: هلم نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله )وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة( فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد}، قال القرطبي رحمه الله: والصحيح عندي جواز الاقتحام على العساكر لمن لا طاقة له بهم؛ لأن فيه أربعة وجوه: الأول: طلب الشهادة، الثاني: وجود النكاية، الثالث: تجرئة المسلمين عليهم، الرابع: ضعف نفوسهم ليروا أن هذا صنيع واحد فما ظنك بالجمع.أ.هـ ومن صورها التي لا خلاف عليها كذلك أن يبادر المجاهد العدو، أو يحمي إخوانه بنفسه، فيؤْثِر إخوانه بالحياة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُؤْثِرُ إخوانه على نفسه، فيبادر إلى لقاء العدّو دونهم؛ من جنس ما فعله صلى الله عليه وسلم يوم حنين حيث كان يركض ببغلته نحو العدو بعدما انكشف الناس وهو يقول: أنا النبي لا كذب أنا عبد المطلب.
خامساً: أما العمليات التي يتعرَّض فيها المجاهد للموت بسلاح نفسه كأن يربط على خصره حزاماً ناسفاً؛ فالذي يظهر من الأدلة ـ والعلم عند الله تعالى ـ هو القول بجوازها بشروط معينة، ومن الأدلة على ذلك:
① ما ثبت في الصحيحين عن يزيد بن أبي عبيد قال: قلت لسلمة بن الأكوع رضي الله عنه: على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية؟ قال: على الموت.
② ما ثبت في صحيح مسلم من حديث صهيب الرومي رضي الله عنه في قصة أصحاب الأخدود، وفيها أن الغلام هو الذي دلَّ الملك على كيفية قتله رجاء أن يسلم الناس؛ فدلَّ على ذلك على أن إيثار العطب على السلامة يكون محموداً لو كان فيه تحقيق مصلحة الدين.
③ أن هذه العمليات تتحقق بها ضرورة حفظ الدين مع فيها من إهلاك النفس، ولا شك أن حفظ الدين أهم من حفظ النفس.
④ أن هذه العمليات قد تتعين سبيلاً وحيداً للنكاية بالعدو، وقد قرر علماؤنا أنه يجوز في حال الضيق والاضطرار ما لا يجوز في حال السعة والاختيار؛ والمجاهدون المسلمون الآن في فلسطين والعراق والشيشان وفي أغلب بلاد الله لا يملكون ما يملك عدوهم من الطائرات والدبابات والصواريخ وغيرها من الوسائل؛ خاصة وأن العدو حاله كما وصف ربنا عز وجل )لا يقاتلونكم جميعاً إلا في قرى محصنة أو من وراء جدار (
وعليه يقال: إذا تضمن العمل الاستشهادي مصلحة للمسلمين وغلب على الظن تحقق النكاية بأعدائهم، ولم يكن فيه مفسدة تربو على المصلحة كأن تزيد ضراوة الكفار مثلاً ويشتد كَلَبُهم على المسلمين، وكان المجاهد قد أخلص لربه فيما يقوم به، ولم يوجد سبيل آخر تتحقق به النكاية فلا حرج في القيام بها، والمجاهد المقتول في تلك العمليات شهيد إن شاء الله، والله تعالى أعلم.