قضايا معاصرة

حكم بناء الكنائس في بلاد المسلمين

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فقد صان الإسلام لغير المسلمين معابدهم ورعى حرمة شعائرهم، حتى قرن القرآن بينها وبين المساجد بيوت الله؛ فقال سبحانه {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا} وقد اشتمل عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران أن لهم جوار الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم على أموالهم وملَّتهم وبِيَعهم، ونص عمر رضي الله عنه في العهدة العمرية لأهل إيلياء أن لهم حرية التدين، وفي عهد خالد بن الوليد لأهل عانات كما نقل ذلك أبو يوسف في كتابه “الخراج”

أما إحداث الكنيسة التي لم تكن من قبل؛ فقد قال المالكية رحمهم الله: يمنع أهل الذمة في البلد التي فتحت عنوة من إحداث كنيسة، ولو لم يكن معهم فيها مسلمون، إلا إذا شرطت، وتترك لهم كنائسهم القديمة، فلا نتعرض لها، ولا يُمنعون من ترميمها. ولا يُمنعون من إحداث كنيسة في البلد التي فتحت صلحاً، إذا لم يكن معهم في البلد مسلمون، فإن كان بها مسلمون فلا يجوز لهم الإحداث، وتُترك لهم كنائسهم القديمة، ومن باب أولى لا يجوز لهم بناء كنيسة في بلد من بلاد المسلمين، إلا إذا ترتب على منعهم مفسدة أعظم، فيجوز، ارتكاباً لأخف الضررين، ويمنعون من رفع أصوات النواقيس في كنائسهم القديمة، سواء كانت في أرض الصلح أو العنوة.

روى البيهقي في السنن الكبرى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال {كل مصر مصَّره المسلمون لا يُبنى فيه بيعة، ولا كنيسة ولا يُضرب فيه بناقوس، ولا يُباع فيه لحم الخنزير} وفي تفسير القرطبي رحمه الله تعالى: قال ابن خويز منداد: تضمنت هذه الآية، وهي آية {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع} المنع من هدم كنائس أهل الذمة وبيعهم وبيوت نيرانهم، ولا يتركون أن يحدثوا ما لم يكن، ولا يزيدون في البنيان لا سعة ولا ارتفاعاً، ولا ينبغي للمسلمين أن يدخلوها ولا يصلوا فيها، ومتى أحدثوا زيادة وجب نقضها، وينقض ما وجد في بلاد الحرب من البيع والكنائس، وإنما لم بنقض ما في بلاد الإسلام لأهل الذمة ، لأنها جرت مجرى بيوتهم وأموالهم التي عاهدوا عليها في الصيانة ، ولا يجوز أن يمكنوا من الزيادة لأن في ذلك إظهار أسباب الكفر.

ومثل هذه الأقوال موجودة في غير كتب المالكية كالمغني لابن قدامة الحنبلي وأحكام القرآن لأبي بكر الجصاص الحنفي وفتاوى تقي الدين السبكي الشافعي، وقد جمع ذلك كله ابن قيم الجوزية في كتاب أحكام أهل الذمة.

وعليه فلا يجوز لمسلم أن يمكن كافراً من بناء كنيسة؛ لأن في ذلك إعانة على الباطل والكفر بالله تعالى، وقد قال سبحانه {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} قال السبكي رحمه الله تعالى: ويلزم من تحريم الكفر تحريم إنشاء المكان المتخذ له، والكنيسة اليوم لا تتخذ إلا لذلك، وكانت محرمة معدودة من المحرمات في كل ملة، وإعادة الكنيسة القديمة كذلك؛ لأنه إنشاء بناء لها، وترميمها أيضاً كذلك؛ لأنه جزء من الحرام ولأنه إعانة على الحرام. وقال أيضاً: فإن بناء الكنيسة حرام بالإجماع وكذا ترميمها. وكذلك قال الفقهاء: لو وصى ببناء كنيسة فالوصية باطلة؛ لأن الكنيسة معصية وكذلك ترميمها، ولا فرق بين أن يكون الموصي مسلماً أو كافراً؛ فبناؤها وإعادتها وترميمها معصية ـ مسلماً كان الفاعل لذلك أو كافراً ـ هذا شرع النبي صلى الله عليه وسلم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى