حضرنا عقد امرأة حامل ونحن لا نعلم
فضيلة الشيخ الجليل سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته، شخص حضر عقد قران وبعد خمسة أشهر من العقد اتضح أن البنت كانت حاملا!! السؤال ما حكم الدين في ذلك؟ وماذا يترتب على الذين حضروا العقد وشهدوا عليه هل عليهم من إثم؟ بارك الله فيكم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فإن العقد على الحامل قد اختلف فيه أهل العلم فقال المالكية والحنابلة وأبو يوسف من الحنفية: لا يجوز نكاحها قبل وضع الحمل، سواء من الزاني نفسه، أو من غيره، لقوله صلى الله عليه وسلم “لا توطأ حامل حتى تضع” رواه أبو داود والحاكم وصححه، ولما روي عن سعيد بن المسيب: أن رجلاً تزوج امرأة، فلما أصابها وجدها حبلى، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ففرَّق بينهما، وذهب الشافعية والحنفية: إلى أنه يجوز نكاح الحامل من الزنا لأنه لا حرمة لماء السفاح بدليل أنه لا يثبت به النسب، لقوله صلى الله عليه وسلم “الولد للفراش وللعاهر الحجر” أخرجه البخاري ومسلم
وأما ما كان من حمل ناتج من سفاح فإن الجمهور على أنه لا ينسب إلى الزاني بحال، وخالف في ذلك عروة وإسحاق بن راهويه وسليمان بن يسار وأبو حنيفة فأجازوا إلحاق الولد بالزاني في حال زواجه بالزانية. قال أبو حنيفة رحمه الله: لا أرى بأساً إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها ويستر عليها، والولد ولد له. وقد رجح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث فسر قول النبي صلى الله عليه وسلم “وللعاهر الحجر” بحمله على حال التنازع؛ أي فيما لو تنازع في بنوة الطفل رجلان فإنه يُحكم به لصاحب الفراش؛ أما إذا كان الحال كما هو في السؤال فلا بأس من نسبة الولد إلى أبيه الذي واقع أمه على غير فراش الزوجية، لأنه أبوه واقعاً فيكون أباه شرعاً.
وعليه فإن هذا النكاح صحيح على قول الحنفية والشافعية، ونسبة البنت الكبرى إلى أبيها صحيحة على قول من سبق ذكرهم من أجلة الفقهاء، ولعل الأخذ بهذا القول يعضده ما عُلِم من تشوف الشارع إلى الستر على العصاة وكذلك تشوف الشارع إلى إثبات النسب، وهو أولى في هذه الحالة من القول بفساد النكاح وعدم صحة نسبة البنت إلى أبيها؛ لما يترتب على ذلك من مفاسد لا تخفى، من حيث افتضاح أمر الفتاة، وخروج هذا الجنين إلى الدنيا وهو لا يعرف له أباً، مع ما يترتب على ذلك من نبذ المجتمع إياه ونشأته على جملة من العاهات النفسية التي يصعب علاجها، وهذه المفاسد كما لا يخفى كثيرة.
ومهما يكن من أمر فحضوركم ذلك العقد وشهادتكم عليه لا يلحقكم فيها إثم؛ لأنكم لا تعلمون الغيب، وما قصدتم بذلك افتئاتاً على الشرع ولا تعدياً للحدود، وقد قال سبحانه {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم} والله الهادي إلى سواء السبيل.