قضايا معاصرة

حكم ختان الإناث

بالاطلاع على ما يدور في الساحة حالياً وما يقدم من دعم ضخم من قبل المنظمات الأجنبية لتناول قضايا المرأة في السودان، وآخر ذلك تلك المحاولات المحمومة لطمس الرأي الفقهي الصحيح حول ختان الأنثى وباسم بعض من ينتسبون إلى الدين، عليه نرجو شاكرين تفضلكم بالاضطلاع بمسئولية الرد على هؤلاء ومن خلال التفعيل الحقيقي والصحيح للمحور الديني ولكم جزيل الشكر.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فإن مسألة ختان الإناث من المسائل التي يدور حولها جدل كثير في الآونة المتأخرة، والذي نقرره بادئ ذي بدء أن الختان شأن أُسَريٌّ محض مبناه على الستر والكتمان، وهذا ملاحظ في أمر الشريعة بإشهار النكاح مثلاً والاحتفاء به وبالمولود في يوم سابعه، ولا نجد أمراً مثله بإشهار الختان سواء للذكور أو الإناث مما يدل على أن الحديث عنه بمثل هذا السفور والإكثار من ذلك مع استعمال الصور التي تكبر العورة المغلظة للمرأة وتقديم ذلك في محاضرات وندوات يحضرها الرجال والنساء إنما هو لأمر يراد؛ من إشاعة الحديث عن العورات وأن يكون ذلك شيئاً مألوفاً عند الناس ذكرهم وأنثاهم مما يسقط المروءة ويذهب الحياء عياذاً بالله تعالى، وإذا أردنا أن نبين حكم الشريعة في ختان الإناث فلا بد من تقرير حقائق:

أولها: أن أهل العلم مجمعون على مشروعية ختان الأنثى، لكنهم مختلفون في درجة المشروعية بين قائل بالوجوب وهم الشافعية، وقائل بالسنية وهم الحنفية والمالكية، وقائل بالمكرمة وهم الحنابلة رحمة الله على الجميع، والمدار في ذلك على قوله تعالى )ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً( مع ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أن الختان من ملة إبراهيم عليه السلام، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه {الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب}ولم يفرِّق بين الذكور والإناث. ولمعرفة ذلك ينظر ما قاله الإمام النووي رحمه الله في المجموع شرح المهذب 1/349 وابن قدامة المقدسي رحمه الله في المغني 1/101

ثانيها: أنه قد تتابعت فتاوى علماء الإسلام المعاصرين في القول بمشروعية ختان الإناث، ومن هؤلاء صاحب الفضيلة الأستاذ العلامة الشيخ/ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار المصرية سابقاً في كتابه (فتاوى شرعية) 1/126ـ127 تحت عنوان (خفض البنات مشروع) ومنهم الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه (فتاوى معاصرة) 443 ومنهم العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز المفتي العام في السعودية سابقاً وذلك في (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) 5/119ـ 120ـ121 والعلامة الشيخ الدكتور محمد المختار الشنقيطي في كتابه (أحكام الجراحة الطبية) 167 وانظر كذلك الموسوعة الفقهية 19/28

ثالثها: بهذا يُعلم أنه لم  يقل أحد من أهل العلم المعتبرين في القديم ولا الحديث بالتحريم قط، بل الاتفاق قائم على المشروعية، والقول بالمنع قول محدَث يروِّج له من يريدون التلبيس والتدليس على الناس؛ لتحقيق مآرب خفية الله أعلم بها.

رابعها: إذا تبيَّن ذلك عُلم أن فعله خير من تركه، وأنك ـ أيها السائل ـ لو فعلته فقد أتيت بأمر واجب أو مستحب وحصَّلت في ذلك أجراً عظيماً إن شاء الله بحسب نيتك في اتباع السنة وتعظيم الشرع، والواجب عليك التحري عن الطبيبة الموثوقة الحاذقة التي تجري عملية الختان وفق الأصول  الطبية والضوابط العلمية التي تتم بها المصلحة وتنتفي المفسدة.

خامسها: أن الختان المسمى بالفرعوني والذي يتم فيه إيذاء الأنثى بقطع أعضائها أو جزء منها لا يجوز إجراء جراحته، ولا إسلام الأنثى لمن يفعل بها ذلك؛ لأنه شر كبير وضرره متفق عليه وليس فيه مصلحة البتة، وحسبك من فساده اسمه، قال تعالى )وما أمر فرعون برشيد(

نقولات عن أهل العلم

1ـ قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع 1/348: فرع: الختان واجب على الرجال والنساء عندنا وبه قال كثيرون من السلف, كذا حكاه الخطابي, وممن أوجبه أحمد وقال مالك وأبو حنيفة: سنة في حق الجميع وحكاه الرافعي وجها لنا, وحكى وجها ثالثا أنه يجب على الرجل وسنة في المرأة, وهذان الوجهان شاذان, والمذهب الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي رحمه الله وقطع به الجمهور أنه واجب على الرجال والنساء, ودليلنا ما سبق. فإن احتج القائلون بأنه سنة بحديث: الفطرة عشرة ومنها الختان, فجوابه قد سبق عند ذكرنا تفسير الفطرة والله أعلم.

2ـ قال الموفق ابن قدامة رحمه الله في المغني 1/101 فصل: فأما الختان فواجب على الرجال، ومكرمة في حق النساء، وليس بواجب عليهن. هذا قول كثير من أهل العلم. قال أحمد: الرجل أشد، وذلك أن الرجل إذا لم يختتن، فتلك الجلدة مُدَلَّاةٌ على الكَمَرَة، ولا يُنَقَّى ما ثَمَّ، والمرأة أهون.

3ـ في مجموع الفتاوى لابن تيمية 35/19- مسألة : في المرأة هل تختن أم لا؟ الجواب: الحمد لله, نعم تختن, وختانها: أن تقطع أعلى الجلدة التي كعرف الديك. قال رسول الله للخافضة – وهي الخاتنة: {أشمي ولا تنهكي فإنه أبهى للوجه وأحظى لها عند الزوج} يعني: لا تبالغي في القطع, وذلك أن المقصود بختان الرجل تطهيره من النجاسة المحتقنة في القلفة, والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها, فإنها إذا كانت قلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة. ولهذا يقال في المشاتمة: يا ابن القلفاء, فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر, ولهذا يوجد من الفواحش في نساء التتر, ونساء الإفرنج, ما لا يوجد في نساء المسلمين, وإذا حصل المبالغة في الختان ضعفت الشهوة, فلا يكمل مقصود الرجل, فإذا قطع من غير مبالغة حصل المقصود باعتدال والله أعلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى