أود أن توضحوا لي معنى {ومن يضلل الله فما له من هاد} ومعنى {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فالمقرر عند المسلمين أن الله تعالى خالق كل شيء كما قال سبحانه {الله خالق كل شيء} وأنه سبحانه خالق العباد وأفعالهم {والله خلقكم وما تعملون} فالهداية والضلال والكفر والإيمان والطاعة والعصيان كلها بخلق الله وإيجاده سبحانه، وأن مشيئته جل جلاله فوق مشيئة العباد {وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيما}{وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين} فمن شاء الله أضله بعدله ومن شاء هداه بفضله، وهو سبحانه {لا يُسأل عما يفعل} فقوله سبحانه {ومن يضلل الله فما له من هاد} معناه أن من شاء الله أن يضله فلن يجد سبيلاً إلى الهداية والرشاد؛ كقوله سبحانه {من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون} وقوله سبحانه {من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا} وقوله سبحانه {من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون} ولا يعني هذا أن العبد مجبر مسير، بل الاختيار له كما قال سبحانه {إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا} والقدر المسطور سر مكنون لم يطلع الله العباد عليه، فلا يقولن عاقل: إن الله كتب الضلالة عليَّ فلا سبيل إلى هداية!! فهذه حجة المشركين الذين قالوا {لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء} بل الواجب على العبد أن يسعى في تحصيل أسباب الهداية بالتزام الأوامر واجتناب النواهي ويسأل الله أن يقدر له الخير حيث كان.
وأما قوله سبحانه {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} معناها أن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك كل مصلح لا يملك أن يخلق في قلب العبد هداية توفيق وإيمان فهذه بيد الله وحده، وإن كان يملك هداية الدلالة والإرشاد كما قال سبحانه {ولكل قوم هاد} وقال سبحانه {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} وعلى هذا فلا تعارض بين الآيتين، والعلم عند الله تعالى.