السلام عليكم ورحمة الله لدي سؤال، معي بعض الإخوة واختلفنا في حكم أكل لحم الحمار الوحشي أنا قلت لهم حلال وقالو لي إذا الحمار الوحشي حلال معناه الحمار العادي برضو حلال. قلت لهم بسال لكم الشيخ. السؤال لماذا الحمار الوحشي حلال والحمار العادي حرام؟ وهل الرسول صلى الله عليه وسلم أكل الحمار الوحشي. نحن في أشد الحاجة للإجابة وجزاكم الله خير.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فالواجب على المسلم ألا يتكلف الجواب عما سئل عنه بناءً على أقيسة عقلية أو ميول نفسية؛ وقد قال الله تعالى {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال سبحانه {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ} بل الواجب عليه أن يسأل من يثق في دينه وعلمه؛ عملاً بقول الله عز وجل {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} وقول النبي صلى الله عليه وسلم “هلا سألوا إذا جهلوا؟ إنما شفاء العي السؤال”
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أباح الحمار الوحشي لأصحابه؛ ففي موطأ مالك وصحيح البخاري من رواية أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم؛ فرأى حماراً وحشياً؛ فاستوى على فرسه فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا عليه؛ فسألهم رمحه فأبوا؛ فأخذه ثم شد على الحمار فقتله؛ فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبى بعضهم؛ فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه و سلم سألوه عن ذلك فقال “إنما هي طعمة اطعمكموها الله”
وفي خصوص الأكل ثبت في الصحيحين من حديث الصعب بن جثامة رضي الله عنه أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه و سلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودان؛ فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما في وجهي قال “إنا لم نرده عليك إلا أنَّا حرم” وفي سنن النسائي عن بن أبي قتادة عن أبيه أبي قتادة قال: أصاب حمارا وحشيا فأتى به أصحابه وهم محرمون وهو حلال فأكلنا منه فقال بعضهم لبعض لو سألنا رسول الله صلى الله عليه و سلم عنه فسألناه فقال “قد أحسنتم” فقال لنا “هل معكم منه شيء” قلنا: نعم. قال “فاهدوا لنا” فأتيناه منه فأكل منه وهو محرم
أما الحمار الأهلي فأكله حرام؛ لما ثبت في الصحيحين عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال “حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحوم الحمر الأهلية” وفي الصحيحين عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال “نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الإنسية نضيجاً ونيا” وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال “أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية” متفق عليه، وعن ابن أبي أوفى قال “نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن لحوم الحمر” رواه أحمد والبخاري، وعن زاهر الأسلمي وكان ممن شهد الشجرة قال “إني لأوقد تحت القدور بلحوم الحمر إذ نادى مناد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهاكم عن لحوم الحمر” رواه البخاري، وعن ابن أبي أوفى قال “أصابتنا مجاعة ليالي خيبر فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها فلما غلت بها القدور نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أكفؤا القدور لا تأكلوا من لحوم الحمر سيئا فقال ناس إنما نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنها لم تخمس وقال آخرون نهى عنها البتة” متفق عليه
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب (التبيان في أقسام القرآن): الغاذي شبيه بالمغتذى في طبعه وفعله وهذا كما أن حكمة الله سبحانه في خلقه فيه جرت حكمته في شرعه وأمره حيث حرم الأغذية الخبيثة على عباده لأنهم إذا اغتذوا بها صارت جزءا منهم فصارت أجزاؤهم مشابهة لأغذيتهم إذ الغاذي شبيه بالمغتذي بل يستحيل إلى جوهره فلهذا كان نوع الإنسان أعدل أنواع الحيوان مزاجا لاعتدال غذائه وكان الاغتذاء بالدم ولحوم السباع يورث المغتذى بها قوة شيطانية سبعية عادية على الناس فمن محاسن الشريعة تحريم هذه الأغذية وأشباهها إلا إذا عارضها مصلحة أرجح منا كحال الضرورة ولهذا لما أكلت النصارى لحوم الخنازير أورثها نوعا من الغلظة والقسوة وكذلك من أكل لحوم السباع والكلاب صار فيه قوتها ولما كانت القوة الشيطانية عارضة ثابتة لازمة لذوات الأنياب من السباع حرمها الشارع ولما كانت القوة الشيطانية عارضة في الإبل أمر بكسرها بالوضوء لمن أكل منها ولما كانت الطبيعة الحمارية لازمة للحمار حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية ولما كان الدم مركب الشيطان ومجراه حرمه الله تعالى تحريماً لازماً؛ فمن تأمل حكمة الله سبحانه في خلقه وأمره وطبق بين هذا وهذا فتحا له باباً عظيماً من معرفة الله تعالى وأسمائه وصفاته.ا.هـــــــــــــــــــــــــــــــــــ