الفتاوى

  • الحمار الوحشي والحمار الأهلي

    السلام عليكم ورحمة الله لدي سؤال، معي بعض الإخوة واختلفنا في حكم أكل لحم الحمار الوحشي أنا قلت لهم حلال وقالو لي إذا الحمار الوحشي حلال معناه الحمار العادي برضو حلال. قلت لهم بسال لكم الشيخ. السؤال لماذا الحمار الوحشي حلال والحمار العادي حرام؟ وهل الرسول صلى الله عليه وسلم أكل الحمار الوحشي. نحن في أشد الحاجة للإجابة وجزاكم الله خير.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فالواجب على المسلم ألا يتكلف الجواب عما سئل عنه بناءً على أقيسة عقلية أو ميول نفسية؛ وقد قال الله تعالى {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال سبحانه {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ} بل الواجب عليه أن يسأل من يثق في دينه وعلمه؛ عملاً بقول الله عز وجل {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} وقول النبي صلى الله عليه وسلم “هلا سألوا إذا جهلوا؟ إنما شفاء العي السؤال”

    وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أباح الحمار الوحشي لأصحابه؛ ففي موطأ مالك وصحيح البخاري من رواية أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم؛ فرأى حماراً وحشياً؛ فاستوى على فرسه فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا عليه؛ فسألهم رمحه فأبوا؛ فأخذه ثم شد على الحمار فقتله؛ فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبى بعضهم؛ فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه و سلم سألوه عن ذلك فقال “إنما هي طعمة اطعمكموها الله”

    وفي خصوص الأكل ثبت في الصحيحين من حديث الصعب بن جثامة رضي الله عنه أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه و سلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودان؛ فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما في وجهي قال “إنا لم نرده عليك إلا أنَّا حرم” وفي سنن النسائي عن بن أبي قتادة عن أبيه أبي قتادة قال: أصاب حمارا وحشيا فأتى به أصحابه وهم محرمون وهو حلال فأكلنا منه فقال بعضهم لبعض لو سألنا رسول الله صلى الله عليه و سلم عنه فسألناه فقال “قد أحسنتم” فقال لنا “هل معكم منه شيء” قلنا: نعم. قال “فاهدوا لنا” فأتيناه منه فأكل منه وهو محرم

    أما الحمار الأهلي فأكله حرام؛ لما ثبت في الصحيحين عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال “حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحوم الحمر الأهلية” وفي الصحيحين عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال “نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الإنسية نضيجاً ونيا” وعن ابن عمر رضي الله عنهما  قال “أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية” متفق عليه، وعن ابن أبي أوفى قال “نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن لحوم الحمر” رواه أحمد والبخاري، وعن زاهر الأسلمي وكان ممن شهد الشجرة قال “إني لأوقد تحت القدور بلحوم الحمر إذ نادى مناد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهاكم عن لحوم الحمر” رواه البخاري، وعن ابن أبي أوفى قال “أصابتنا مجاعة ليالي خيبر فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها فلما غلت بها القدور نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أكفؤا القدور لا تأكلوا من لحوم الحمر سيئا فقال ناس إنما نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنها لم تخمس وقال آخرون نهى عنها البتة” متفق عليه

    يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب (التبيان في أقسام القرآن): الغاذي شبيه بالمغتذى في طبعه وفعله وهذا كما أن حكمة الله سبحانه في خلقه فيه جرت حكمته في شرعه وأمره حيث حرم الأغذية الخبيثة على عباده لأنهم إذا اغتذوا بها صارت جزءا منهم فصارت أجزاؤهم مشابهة لأغذيتهم إذ الغاذي شبيه بالمغتذي بل يستحيل إلى جوهره فلهذا كان نوع الإنسان أعدل أنواع الحيوان مزاجا لاعتدال غذائه وكان الاغتذاء بالدم ولحوم السباع يورث المغتذى بها قوة شيطانية سبعية عادية على الناس فمن محاسن الشريعة تحريم هذه الأغذية وأشباهها إلا إذا عارضها مصلحة أرجح منا كحال الضرورة ولهذا لما أكلت النصارى لحوم الخنازير أورثها نوعا من الغلظة والقسوة وكذلك من أكل لحوم السباع والكلاب صار فيه قوتها ولما كانت القوة الشيطانية عارضة ثابتة لازمة لذوات الأنياب من السباع حرمها الشارع ولما كانت القوة الشيطانية عارضة في الإبل أمر بكسرها بالوضوء لمن أكل منها ولما كانت الطبيعة الحمارية لازمة للحمار حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية ولما كان الدم مركب الشيطان ومجراه حرمه الله تعالى تحريماً لازماً؛ فمن تأمل حكمة الله سبحانه في خلقه وأمره وطبق بين هذا وهذا فتحا له باباً عظيماً من معرفة الله تعالى وأسمائه وصفاته.ا.هـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • طهور إناء الكلب

    يقول النبي e {طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعاً الأولى بالتراب} فهل إذا اكتفى الإنسان بالماء فقط حتى زالت عين النجاسة لا يطهر الإناء أبداً وبالتالي يعتبر مصدراً لانتقال النجاسة؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا} متفق عليه، وفي رواية لأحمد ومسلم: {طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب} وعملاً بهذه الرواية الصحيحة فقد ذهب جمهور العلماء إلى وجوب التتريب والتسبيع لطهارة الإناء الذي ولغ فيه الكلب وأنه لا تتحقق طهارته إلا بذلك، أما المالكية فإن الأمر عندهم تعبدي لا لنجاسة عين الكلب، وحمل بعض العلماء الأمر على الندب، والراجح ـ والله أعلم ـ وجوب التسبيع والتتريب لثبوت ذلك في الرواية الصحيحة التي لا تعارضها رواية في مثل قوتها، والعلم عند الله تعالى.

  • علاج العجب والغرور

    السلام عليكم ورحمه الله وبركاته حفظكم الله شيخنا. شيخ ما هو علاج العُجب والغرور بالعبادة مع انني مثلا أصلي واقول الحمد الذي هداني واعانني ولكن أقولها بقلبي ونفسي معجبة ومتكبرة فهل من نصيحة جزاكم الله خيرا

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد

    قال الغزاليّ رحمه الله تعالى في الإحياء: علّة العجب الجهل المحض، ومن أعجب بطاعته (مثلا) فما علم أنّها بالتّوفيق حصلت، فإن قال: رآني أهلا لها فوفّقني، قيل له:

    فتلك نعمة من منّه وفضله فلا تقابل بالإعجاب.

    وقال الغزاليّ: وعلاجه المعرفة المضادّة لذلك الجهل، أي معرفة أنّ ذلك الّذي أثار إعجابه نعمة من الله عليه، من غير حقّ سبق له، ومن غير وسيلة يدلي بها، ومن ثمّ ينبغي أن يكون إعجابه بجود الله وكرمه وفضله. وإذا تمّ علم الإنسان لم ير لنفسه عملا ولم يعجب به لأنّ الله هو الّذي وفّقه إليه. وإذا قيس بالنّعم لم يف بمعشار عشرها، هذا إذا سلم من شائبة وسلم من غفلة، فأمّا والغفلات تحيط به، فينبغي أن يغلّب الحذر من ردّه ويخاف العقاب على التّقصير فيه.

    هذا في علاج العجب إجمالا، أمّا علاج حالاته تفصيلا فإنّ ذلك يختلف باختلاف ما يحدث به العجب:

    فإن كان ناشئا عن حالة البدن وما يتمتّع به صاحبه من الجمال والقوّة ونحوهما، فعلاجه التّفكّر في أقذار باطنه، وفي أوّل أمره وآخره، وفي الوجوه الجميلة والأبدان النّاعمة، كيف تمرّغت في التّراب وأنتنت في القبور حتّى استقذرتها الطّباع.

    وإن كان العجب ناشئا عن البطش والقوّة، فعلاج ذلك أنّ حمّى يوم تضعف قوّته، وأنّها ربّما سلبت منه بأدنى آفة يسلّطها الله عليه.

    وإذا كان العجب بالعقل والكياسة، فعلاجه شكر الله تعالى على ما رزق من عقل، والتّفكّر في أنّه بأدنى مرض يصيب دماغه، كيف يوسوس ويجنّ بحيث يضحك منه.

    وإن كان العجب بالنّسب الشّريف، فعلاجه أن يعلم أنّه إن خالف آباءه في أفعالهم وأخلاقهم وظنّ أنّه ملحق بهم فقد جهل، وإن اقتدى بهم فما كان العجب من أخلاقهم، وأنّهم شرفوا بالطّاعة والعلم والخصال الحميدة.

    وإذا كان العجب بنسب السّلاطين الظّلمة وأعوانهم، فعلاجه أن يتفكّر في مخازيهم، وأنّهم ممقوتون عند الله تعالى، وما بالك لو انكشف له ذّلهم يوم القيامة.

    وإذ كان العجب بكثرة الأموال والأولاد والخدم والأقارب والأنصار، فعلاجه أن يعلم ضعفه وضعفهم وأنّ للمال آفات كثيرة، وأنّه غاد ورائح ولا أصل له.

    أمّا إذا كان العجب بالرّأي الخطأ، فعلاجه أن يتّهم الإنسان رأيه وألّا يغترّ به

  • الكلام في العلماء

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛

    1/ ما حكم الشرع فيمن يدعي أنه ينتمي إلى السلفية ويتكلم في كبار علماء الأمة بغير علم بحجة أنهم يتكلمون في التلفاز وأن كل عالم يتكلم في التلفاز لا يعتبر عالماً ربانياً وما معني عالم رباني..!!

    2/ وما حكم الدين في من يقول إن الصوفية مشركون وعباد قبور,,.؟؟

    3/ وعندي سؤال أيضا…في الجملة.. “بفهم سلف الأمة” هل معناها أنه لا يجب أن نفكر.؟؟ يجب فقط أن نأخذ تفكير الآخرين..؟؟ وهل الممارسات الغير صحيحة للصوفية يمكن أن تسمى بأنها شرك أكبر..؟؟؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    ففي سنن أبي داود من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال “إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط” فثبت بهذا الحديث وجوب توقير العلماء وإحسان الظن بهم وحمل أقوالهم على أحسن المحامل، ولا يعني هذا اعتقاد عصمتهم وأنهم لا يخطئون، بل هم بشر معرَّضون للخطأ والصواب؛ فلا مانع من التنبيه على أخطائهم بما يُحق الحق ويُبطل الباطل، وذلك دون أن نتعمد تتبع عثراتهم وإحصاء هفواتهم، بل الواجب علينا أن نحفظ لأهل العلم حرمتهم وأن نعرف لهم فضلهم، وإن أخطأ الواحد منهم فإننا نعتقد أن ذلك الخطأ أو تلك الهفوة مغمورة في بحر فضائله.

    أما إدمان الحديث عنهم بالسوء وتتبع ما وقعوا فيه من أخطاء فهو مسلك أهل الضلالة والهوى؛ فتجد الواحد من هؤلاء لا همَّ له إلا الطعن في العلماء ـ أحياءً وأمواتاً ـ بدعوى أن مقصد ذلك الداعية خبيث، وأنه ذو نية خبيثة، وأنه صاحب فتنة عدو للسنة، أو أن فلاناً لا يحب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك التندر عليهم في المجالس وطباعة الأشرطة في التشنيع عليهم والتحذير منهم بزعم أن خطرهم يفوق خطر اليهود والنصارى ونحو ذلك من الدعاوى العارية عن الدليل، وتربية الناشئة على تلك الطريقة الكاذبة الخاطئة، والتي تشي بقلة الورع والخوف من الله تعالى.

    وعلى كل مسلم أن يعلم أنه لا أحدَ معصومٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال مالك رحمه الله (كل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم) ويقول ابن القيم رحمه الله (فلو كان كل من أخطأ أو غلط تُرِكَ جملةً، وأُهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معالمها) ويقول كذلك رحمه الله (ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعًا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدمٌ صالح، وآثارٌ حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته في قلوب المسلمين) ويقول رحمه الله: (من قواعد الشرع والحكمة أيضًا أن من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنه يحتمل له ما لا يحتمل لغيره، ويعفى عنها ما لا يعفى عن غيره) وقال الإمام الذهبي ملتمسًا العذر لقتادة في مسألة خالف فيها الصواب: (لعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبذل وسعه، والله حكم عدل لطيف بعباده، ولا يُسأل عما يفعل. ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كَثُرَ صوابه، وعُلم تحريه للحق واتسع علمه وظهر ذكاؤه، وعُرِف صلاحُه وورعُه واتباعُه، يغفر له زللـه ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك)

    وعليه أن يعلم أن الأمور التي تُنتقد على بعض الدعاة أو العلماء أمور اجتهادية يسوغ فيها الخلاف، وقد يكون الخلاف فيها قد حصل بين أسلافنا ولم ينكر بعضهم على بعض؛ فيأتي بعض هؤلاء محذِّراً بأن فلاناً قد خالف السنة وانحرف عن المنهج؛ إلى آخر تلك التهويلات التي غايتها صرف الناس عن أولئك الدعاة. إن الواجب على هؤلاء أن يتقوا الله عز وجل وأن يعلموا أن لحوم العلماء مسمومة، وأن سنة الله في أخذ من انتقصهم معلومة، ومن وقع في أعراض العلماء بالثلب، ابتلاه الله قبل موته بموت القلب، وأذكِّر الجميع بقوله تعالى {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا} والتلفاز شأنه شأن سائر الأجهزة يمكن أن تستعمل في طاعات الله أو في معصيته، في الخير أو الشر، في نشر السنة والدعوة إليها أو تزيين البدعة والدلالة على طرقها، فالداعية الذي يظهر على شاشة التلفاز وقد استحضر نية حسنة من نشر العلم والدلالة على الهدى وتحبيب الخير إلى الناس لا شك أنه مشكور مأجور، وقد هدى الله فئاماً من المسلمين بواسطة تلك البرامج في شتى بلاد الله، يعلم ذلك المنصفون ومن لهم بالدعوة اهتمام؛ وعليه فأن القول بأن ظهور العالم في التلفاز يدل على أنه ليس ربانياً إنما هو من التألي على الله والدخول في خفايا القلوب؛ نسأل الله السلامة والعافية.

    أما الصوفية فليسوا سواء، بل فيهم الخير السابق بالخيرات القائم على حدود الله المعظم لشعائره الحريص على هدي الكتاب والسنة، وفيهم من اتخذ التصوف شعاراً للوقوع فيما حرم الله من الشرك أو البدعة أو الفسوق والعصيان، ووما ينبغي التعميم حال الحكم عليهم فإن هذا ظلم بيِّن، وقد علمنا ربنا جل جلاله أن ننصف حتى في الحديث عن أهل الكتاب قال {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً} وقال عنهم {ليسوا سواء} فالأحكام لا تتعلق بالأسماء والعناوين بل بالحقائق والمضامين، ولن ينفع المرء تسميته نفسه صوفياً أو سلفياً إذا كان على غير الجادة؛ إذ المطلوب الاستقامة على أمر الله تعالى، ثم بعد ذلك لا يضرك ما سميت به نفسك أو سماك به الناس.

    فلا يجوز الحكم على المتصوفة – جملة – بأنهم مشركون عباد قبور، وليست هذه الطريقة النبوية في الدعوة إلى الله تعالى، بل علينا أن نجادلهم بالتي هي أحسن مع حب هدايتهم ودلالتهم على الحق؛ لا أن نتكلم عنهم بنوع من التشفي والانتقام والدلالة على السوآت والعورات فما هذا بمسلك الدعاة الهداة الذي يبحون للناس الخير ويحرصون على أن يأخذوا بنواصيهم إلى الحق، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ولا نُزع من شيء إلا شانه.

    وأما قول القائل: على فهم السلف الأمة. فليس مراده أن نجمد على ما قاله الأولون – رضوان الله عليهم – بل المقصود وضع ضابط يمنع الزيغ والانحراف في فهم النصوص الشرعية، وإلا فقد أدرك علماء المسلمين أن لكل زمان نوازله ولكل بلد أعرافه، وعلموا أن القرآن لا تفنى عجائبه، حتى قال قائلهم: لا تقل: ماذا ترك الأول للآخر؟ بل قل: كم ترك الأول للآخر. فالدين بحر لا شاطئ له، وهو مستوعب بنصوصه لقضايا الدين والدنيا والروح والجسد؛ كما قال جل جلاله {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء} فلا حرج على مسلم أن يجتهد في دين الله عز وجل وفي تقريبه للناس، وذلك حال توفر ملكة الاجتهاد عنده من العلم بالكتاب والسنة ومواطن الإجماع وأسباب الاختلاف وغير ذلك من آلة الاجتهاد التي لا بد منها لمن يتصدى لهذا الأمر.

    والأفعال التي يتورط فيها بعض المتصوفة لا شك أن بعضها يرقى إلى الشرك بالله عز وجل؛ كحال بعضهم حين يضفون على شيوخهم من صفات الربوبية ما لا ينبغي إلا لله عز وجل؛ كمن يزعمون أن للأولياء تصرفاً في الكون وأن ملك الموت لا يقبض روح أحدهم حتى يستأذن شيخه، أو شيخه هو الذي يرزق ويعطي ويرفع ويخفض، وكذلك من يصرفون أنواعاً من العبادة – كالنذر والدعاء والاستغاثة – إلى غير الله تعالى؛ فهؤلاء يقال لهم: إن هذه الأفعال شركية وإن الشريعة قد سمتها شركاً وحذرت منها، دون أن يقال لهم: إنكم مشركون؛ لأن ثمة فرقاً بين الحكم على الفعل والحكم على الفاعل كما هو مقرر في كتب أهل العلم، والله الموفق والمستعان.

  • اكتشفت أن زوجي يزني

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أريد أن أعرف تفسير قوله تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة}، أنا تزوجت وبعد الزواج عرفت أن زوجي كان يقيم علاقات جنسية مع بنات ونساء أجنبيات فهل عليَّ إثم من الاستمرار معه؟

    علما بأنه لم يقر بأنه تاب عن ذلك، ولم يقر بأنه سوف يستمر في الذنب، وهل عليَّ شيء إذا كنت أشك في أنه ما زال يمارس الزنا إذا لم يكن لي دليل أو شهود على ذلك؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فلا حرج عليك في الزواج من هذا الرجل لأنك ما كنت تعلمين بأمر علاقاته المشبوهة ولا تصرفاته المخزية؛ ولا حرج عليك في الاستمرار معه؛ لأن قوله تعالى {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة} ليس معناه أن من رضيت بالزواج منه أو الإقامة تحته أنها زانية؛ بل المراد أن الزاني لا يزني إلا بمن كانت مثله زانية أو شراً منه مشركة؛ وهذا التفسير هو الذي عليه أكثر أهل العلم من المفسرين والفقهاء.

    ثم إنني أنصحك في أن تحاولي الارتقاء بإيمان صاحبك؛ وذلك بتشجيعه على أداء الصلوات المكتوبات مع الجماعة، والحرص على الصحبة الصالحة، وتهيئة الأجواء الإيمانية له في البيت؛ لعل الله يأخذ بيده إلى الهدى، والشك الذي يعتريك حيناً بعد حين شك مبرر لأن في تاريخه ما يشي بإمكان وقوعه فيما حرم الله؛ لكن لا يجوز لك التصريح بذلك ولا تعييره، والله تعالى أعلم.

  • زيادة لفظ “سيدنا” في التشهد

    شيخنا الفاضل سمعنا أن لفظ السيادة لسيدنا محمد بالتشهد جائز وليس ببدعة وكلا الحالتين تجوز. نريد من حضرتكم توضيح هذا الامر ومن قال باستحباب لفظ السيادة من السلف والأدلة على ذلك

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد

    فالنبي صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم بغير خلاف بين المسلمين، ولا حرج البتة في إطلاق لقب السيادة عليه؛ بل في إطلاقه على من هو دونه؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام للأنصار (قوموا إلى سيدكم فأنزلوه) وقال عن الحسن رضي الله عنه (إن ابني هذا سيد) وقال عمر رضي الله عنه عن بلال رضي الله عنه (أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا) لكن صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد ثابتة في كتب السنة من رواية عدد من الصحابة رضوان الله عليهم – كأبي حميد الساعدي وكعب بن عجرة وأبي هريرة وأبي مسعود الأنصاري وبريدة الخزاعي وغيرهم – وليس في شيء منها ذكر (سيدنا) فالأولى اتباع ذلك وعدم زيادة لفظة (سيدنا) فلو كان خيراً لسبقونا إليه.

    وقد رجح ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى حيث قال: اتباع الألفاظ المأثورة أرجح، ولا يقال: لعله ترك ذلك تواضعاً منه صلى الله عليه وسلم، كما لم يكن يقول عند ذكره صلى الله عليه وسلم: “صلى الله عليه وسلم” وأمته مندوبة إلى أن تقول ذلك كلما ذكر، لأنا نقول: لو كان ذلك راجحاً لجاء عن الصحابة ثم عن التابعين، ولم نقف في شيء من الآثار عن أحد من الصحابة ولا التابعين لهم قال ذلك مع كثرة ما ورد عنهم من ذلك، وقد عقد القاضي عياض باباً في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، في كتاب الشفا ونقل آثاراً مرفوعة عن جماعة من الصحابة والتابعين ليس في شيء منها عن أحد من الصحابة وغيرهم لفظ “سيدنا” نعم ورد في حديث ابن مسعود أنه كان يقول في صلاته على النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعل فضائل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين. الحديث. أخرجه ابن ماجه ولكن إسناده ضعيف. انتهى مختصراً.

    وبعض العلماء ذهب إلى استحباب ذلك بناء على قاعدة أن الأدب أولى من الاتباع؛ استدلالاً بأن أبا بكر رضي الله عنه أبى أن يبقى إماماً للنبي صلى الله عليه وسلم بعدما أشار إليه بذلك؛ وأن علياً رضي الله عنه أبى أن يمحو صفة الرسالة عنه بعدما أمره بذلك حين كتابة الصلح مع سهيل بن عمرو، حيث قال الرملي في نهاية المحتاج: والأفضل الإتيان بلفظ السيادة -أي في التشهد في الصلاة- كما قاله ابن ظهيرة وصرح به جمع، وبه أفتى الشارح -المحلي- لأن فيه الإتيان بما أمرنا به وزيادة الإخبار بالواقع الذي هو أدب فهو أفضل من تركه وإن تردد في أفضليته الإسنوي، وأما حديث: لا تسيدوني في الصلاة. فباطل ولا أصل له كما قاله بعض متأخري الحفاظ، وقول الطوسي: إنها مبطلة غلط. انتهى

    ومثله قال به الحنفية رحمهم الله تعالى؛ حيث قال صاحب الدر المختار: وندب السيادة لأن زيادة الإخبار بالواقع عين سلوك الأدب فهو أفضل من تركه. انتهى

    ومهما يكن من أمر فليست هذه المسألة بداعية لحصول الخلاف والشقاق بين الناس؛ بل الأمر فيها واسع، والعلم عند الله تعالى

  • التأمين الصحي وشبهة الربا

    هل الاشتراك بالتأمين الصحي به شبهة ربا؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فالتأمين القائم على دفع قسط ثابت من قبل الشخص المؤمَّن له إلى جهة معينة وهي شركة التأمين؛ وتتعهد الشركة بموجب ذلك دفع مبلغ معيَّن عند تحقق خطر معيَّن ـ حسب العقد ـ من حَرَقٍ أو غَرَقٍ أو هَدْمٍ أو سرقة ونحو ذلك، ويكون العوض المدفوع إما إلى شخص المؤمَّن له أو ورثته؛ كالذي تفعله شركات التأمين على الحياة أو السيارات أو المباني؛ وعقد التأمين ـ بالصورة هذه ـ عقد فاسد قد أحاطت به عوامل البطلان من كل جانب، لكونه عقد معاوضة لا تبرع، وقد خالف الشريعة الإسلامية من وجوه عدة منها:

    أولاً: اشتماله على الغرر الفاحش المؤثر في عقود المعاوضات المالية؛ حيث يدفع الشخص المؤمن القسط الثابت، ثم هو لا يدري ـ وقت العقد ـ مقدار ما يعطي أو يأخذ؛ فقد يرجع إليه المال الذي دفعه أضعافاً مضاعفة، وذلك في حال حصول الحادث المشروط في العقد، وقد يضيع عليه ماله الذي دفعه، وكذلك شركة التأمين قد تغرم القسط أضعافاً مضاعفة، وقد تنال مال الشخص المؤمَّن له في غير مقابل، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر

    ثانياً: اشتماله على الربا بنوعيه ربا الفضل وربا النسيئة؛ حيث ينطبق على هذا العقد تعريف الربا الذي هو زيادة مال بلا مقابل في معاوضة مال بمال، فلو أن الشركة دفعت للمستأمن أو لورثته أكثر مما دفعه من النقود لها، فهو ربا فضل، ثم إنها تدفع ذلك بعد مدة من دفع المستأمن القسط فيكون ربا نسيئة، وكلاهما حرام داخل في عموم قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين $ فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله…}

    ثالثاً: اشتماله على أكل أموال الناس بالباطل؛ حيث تلتزم الجهة المؤمَّن لديها ـ الشركة ـ بضمان الشيء التالف بالغرق أو الحرق أو الهدم أو التلف أو السرقة دون أن تكون متسببة في ذلك ولا مباشرة له، وقد قال سبحانه {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون}

    رابعاً: في عقد التأمين بالصورة الشائعة الآن تحريض للناس على أسباب الفساد؛ حيث يعمد كثيرون إلى الاستهتار بأرواح الناس وممتلكاتهم؛ لعلمهم بأن شركة التأمين ستضمن ما يكون من تلف للأموال أو إزهاق للأنفس {والله لا يحب الفساد}

    خامساً: في عقد التأمين بالصورة الشائعة الآن شبه من الميسر؛ حيث يدفع الشخص المؤمَّن له مالاً، ويتوكف أن يرجع إليه أضعافاً مضاعفة، وقد لا يرجع إليه شيء أصلاً، وهذا هو القمار؛ لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية مالية، والغُنم بلا مقابل أو مقابل غير مكافئ، أو الغرم بلا جناية أو تسبب فيها؛ وقد قال سبحانه {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون $ إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون}

    وهذا الحكم يسري على التأمين الصحي مثلما يسري على غيره من أنواع التأمين ـ سوى التعاوني ـ إذ قد تحقق فيه الغرر والربا والقمار وأكل أموال الناس بالباطل؛ فلربما يدفع شخصٌ الأقساط زماناً طويلاً ولا يحتاج إلى علاج، ورب آخر لا يدفع إلا يسيراً ثم يصاب بداء عضال يحتاج علاجه إلى مال كثير، يربو على ما دفعه أضعافاً مضاعفة.

    ولو استدل بعض الناس على جوازه بأن فيه تحقيقاً لمصالح الناس، والشريعة ما جاءت إلا لجلب المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها، فإن الجواب على ذلك أن المصلحة التي شهد الشرع بإلغائها لا اعتبار لها؛ لأن الشريعة لم تلغها إلا لغلبة جانب المفسدة فيها على جانب المصلحة، وإن بدا للناس خلاف ذلك؛ ويشهد لهذا قوله تعالى {ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما} فلم تعتبر المصلحة في الخمر والميسر لكونها مرجوحة في جانب المفسدة الكبيرة. ولو استدل بعضهم بقاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) فالجواب أن المباح في كسب المال من طرقه المشروعة أكثر بكثير من المحرَّم، وليس هناك ضرورة معتبرة شرعاً تلجئ إلى ما حرَّمه الشرع من التأمين. وقد يقول بعضهم: إن هذا أمر متعارف عليه في دنيا الناس اليوم من غير نكير فوجب القول بإباحته!! والجواب على ذلك بأن العرف لا اعتبار له إذا خالف الشرع، وكذلك لا اغترار بكثرة الواقعين فيه؛ فإن الله تعالى قال {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله}

    والبديل الشرعي لذلك أن يُشجَّعَ المسلمون ـ أفراداً وجماعات ـ على التأمين التعاوني، وتُعمَّمَ فكرته على سائر المدن والقرى بحسب الأخطار التي يراد تغطيتها، والفئات التي يراد استفادتها منه؛ فيكون هناك قسم للتأمين الصحي، وآخر ضد العجز والشيخوخة، وثالث للباعة المتجولين، ورابع للتجار، وهكذا.

  • سيارة بالأقساط في عمان

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…. أريد أن أشتري سيارة جديدة من معرض وكيل سيارات هونداي بالأقساط لمدة عامين، قيمة السيارة ٩٠٠٠ ريال عماني سأدفع للمعرض ٢٠٠٠ ريال عماني وباقي المبلغ يقسط علي عامين بفائدة ٤,٥٪، علمًا بأنه ستقوم شركة تمويل تابعة لشركة الهيونداي العارضة للسيارة بتمويل السيارة.. ما الحكم في هذه المعاملة؟؟؟ جزاكم الله خيرًا

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فبيع التقسيط صورة من صور بيع النسيئة، الذي اتفق أهل العلم على جوازه للنصوص الثابتة في ذلك، ومنها ما رواه البخاري ومسلم ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً إلى أجل ورهنه درعاً من حديد)). وقد أجازت الشريعة المطهرة بيع النسيئة الذي يؤجَّل فيه الثمن؛ كما أجازت بيع السلم الذي يؤجَّل فيه المبيع؛ وفق شروط معلومة. وجواز بيع النسيئة يعني جواز بيع التقسيط؛ لأن هذا البيع ليس إلا بيعاً مؤجَّل الثمن قد قسط ثمنه على آجال معلومة، ولا فرق في الحكم الشرعي بين ثمن مؤجَّل لأجل واحد وثمن مؤجَّل لآجال متعددة.

    وأما بيع التقسيط إذا زيد فيه الثمن لمكان الأجل، بأن يكون ثمن السلعة حالَّة مائة جنيه مثلاً فإذا بيعت على أقساط كان ثمنها مائة وخمسين؟ فقد ذهب جمهور العلماء سلفاً وخلفاً إلى جوازه؛ لأدلة منها:

    – عموم الأدلة التي تقضي بحل البيع، وما البيع بالتقسيط إلا صورة من صور هذه البيوع المشروعة في الأصل، ولم يأت المانعون بما ينقل هذه الصورة إلى الحرمة.

    – قوله تعالى {وأحل الله البيع وحرم الربا} والآية تشمل بعمومها بيع السلعة المعينة بثمن مؤجل وهو بيع النسيئة، كما تشمل بيع السلعة في الذمة إلى أجل مسمي وهو السلم، وكما ينقص في بيع السلم لأجل تعجيل الثمن يمكن أن يزاد في بيع النسيئة لأجل تأجيله.

    – قوله صلى الله عليه وسلم {الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد}

    وفي هذا الحديث دلالة على الأمور الآتية:

    – إذا بيع ذهب بذهب أو بر ببر يُشْتَرَطُ التماثل والتقابض مثلاً بمثل يداً بيد فتحرم الزيادة ويحرم التأجيل.

    – إذا بيع ذهب بفضة أو بر بتمر أو شعير يشترط التقابض ولا يشترط التماثل، فيجوز التفاضل لاختلاف الصنفين، ويحرم التأجيل.

    – إذا بيع ذهب ببر أو فضة بتمر جاز التفاضل والتأجيل، وكما يكون التفاضل لاختلاف الصنفين يكون لاختلاف الزمنين.

    – أنه في بيع الذهب بالذهب مَثَلاً يمتنع ربا النساء وهو التأجيل؛ لأنه يخلُّ بالتساوي ولكن هذا لا يشترط في بيع الذهب بالبر مَثَلاً؛ فتحل فيه الزيادة سواء أكانت لأجل فارق الجودة أو لأجل فارق الزمن.

    وأما المانعون للزيادة في الثمن مقابل الأجل فقد احتجوا بأن كل زيادة نظير الأجل تعد ربا، وقد نوقش بأن هذه الزيادة لا تعد من قبيل الربا الحرام لما سبق من أنه في بيع الأموال الربوية إذا بيع الشيء بجنسه حرم الربا بنوعيه فضلا ونسيئة (ذهب بذهب أو دولار بدولار) وإذا بيع الشيء بغير جنسه مع اتحاد العلة ذهب بفضة أو دولار بجنيه حل الفضل وحرم النساء، وإذا بيع الشيء بغير جنسه مع اختلاف العلة ذهب ببر أو دولار بتمر حل الفضل والنساء جميعاً، فيجوز الفضل لاختلاف الصنفين أو لاختلاف الزمنين.

    واحتجوا أيضاً بعموم النصوص التي تقضي بتحريم الربا وأن هذا البيع مندرج تحتها، وقد قوبل هذا بعموم النصوص التي تقضي بحل البيع معجلاً ومؤجلاً وأن هذا البيع مندرج تحتها.

    وكما احتجوا أيضا بما ورد من النهي عن بيعتين في بيعة كقوله صلى الله عليه وسلم {من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا} وقد نوقش هذا الحديث بأنه – على فرض صحته – محمول على بيوع الآجال (بيوع العينة) لا على بيع الأجل، وهو أن يشتري السلعة إلى أجل ثم يعيد بيعها إلى البائع بثمن أقل حالاً، ولا يخفى التحيل على الربا بهذا العقد الصوري الذي لم تعد فيه السلعة أن تكون وسيطاً صورياً أقحم لاستباحة قرض بزيادة.

    والذي يلزم التنبيه عليه في هذا المقام أنه إذا تأخر المشتري في أداء بعض الأقساط فإن هذا – على حرمته – لا يبيح للبائع أن يفرض عليه غرامة مالية في مقابلة هذا التأخير، وإن كان من حقه أن يطالب بحلول بقية الأقساط عند حدوث المماطلة إذا كان قد اشترط ذلك عند التعاقد.

    وقد صدر بذلك قرار المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي فقد قرر في دورة مؤتمره السادس بجدة المنعقد في شعبان عام 1410هـ ما يلي:

    1- تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال ـ كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقداً، وثمنه بالأقساط لمدد معلومة، ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو بالتأجيل، فإن وقع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل، بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ثمن واحد محدد، فهو غير جائز شرعاً.

    2- لا يجوز شرعاً في بيع الأجل التنصيص في العقد على فوائد التقسيط مفصولة عن الثمن الحالِّ، بحيث ترتبط بالأجل، سواء اتَّفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطاها بالفائدة السائدة.

    3- إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد، فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين، بشرط سابق أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرَّم.

    4- يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حلَّ من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء.

    5- يجوز شرعاً أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها عند تأخر المدين في أداء بعضها، ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد.

    6- لا حقَّ للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده، لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة.

    وخلاصة الفتوى أن شركة التمويل هذه إذا كانت تشتري تلك السيارة وتسجلها باسمها ثم تبيعها عليك بالتقسيط فلا حرج في هذه المعاملة؛ أما إذا كنت أنت المشتري والشركة تمول ثم ترتب على ذلك التمويل الفائدة المذكورة في السؤال فلا تجوز تلك المعاملة لأنها من قبيل الربا المحرم وهو ربا الديون المجمع على تحريمه، والعلم عند الله تعالى.

  • إستمتاع الزوجين بمداعبة الدبر

    ماحكم إدخال الزوجة لجزء من أصبعها في دبر زوجها أثناء الجماع بغرض الإثارة الجنسية؟ علمًا بأنه هو من يطلب ذلك. وأيضا إدخال الرجل لجزء من أصبعه في دبر زوجته أثناء الجماع برضاءها التام؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فالرضا الذي يطلب هو ما كان موافقاً للشرع؛ ولا عبرة بالرضا حال مخالفته للشرع، ولا يخفى أن الزانيين أو المتعاملين بالربا يحصل بينهما الرضا، ومع ذلك فهما عاصيان لله تعالى واقعان في الإثم، وعليه فإنه لا يجوز للزوجين أن يستمتعا بالطريقة الواردة في السؤال؛ وذلك لأن الدبر هو محل الأذى، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسـلم عن الاستمتاع به بقوله “لا ينظر الله إلى من أتى امرأة في دبرها” وقوله “من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه فقد برئ مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسـلم” ولهما غنية وكفاية فيما أباح الله عز وجل؛ حيث أباح للزوجين أن يستمتع كل منهما بصاحبه اللهم إلا الجماع في الفرج حال الحيض أو النفاس، وكذلك الجماع في الدبر. وما ينبغي للإنسان أن يكون غاية همه قضاء شهوته من أي طريق كان، بل عليه أن يتقيد بالأحكام الشرعية والآداب المرعية ليحصل له بذلك الأجر والثواب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسـلم “وفي بضع أحدكم صدقة” قالوا: يأتي شهوته ويكون له أجر؟ قال “أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ كذلك لو وضعها في الحلال يكتب الله له أجرا” والله الموفق والمستعان.

  • دجاج نافق طعام للأسماك

    السلام عليكم ورحمة الله، ما حكم الانتفاع من الميتة، في شركات الدواجن يتم طحن المخلفات والدجاج النافق وتحويله الى طعام للأسماك يباع الطن منه بكذا وكذا. ما حكم ذلك وجزاكم الله خيرا

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد

    فقد اختلف أهل العلم في حكم إطعام الحيوان الذي يؤكل لحمه أو يحلب درُّه شيئاً من النجاسة؛ فذهب الشافعية إلى القول بالكراهة، وعند الإمام أحمد رواية بالجواز؛ حيث نقل صاحب الإنصاف ذلك فقال: يجوز له أن يَعْلِفَ النَّجَاسَةَ الْحَيَوَانَ الَّذِي لَا يُذْبَحُ، أَوْ لَا يُحْلَبُ قَرِيبًا. نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَابْنُ الْحَكَمِ. وَاحْتَجَّ بِكَسْبِ الْحَجَّامِ وَبِاَلَّذِينَ عَجَنُوا مِنْ آبَارِ ثَمُودَ، والمعتمد في مذهب الحنابلة، وهو جواز علف النجس مأكول اللحم إذا كان لا يذبح قريبا، وأما إذا كان يذبح قريبا فيحرم علفه النجس لئلا يصير جلالة وأكلها محرم على المذهب.

زر الذهاب إلى الأعلى