الفتاوى

  • حكم البوتكس والفيلر

    سؤالي عن حقن الفلر والبوتكس. هي مواد مؤقتة تختفي مع الزمن.  هل هي حلال؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد

    فالأصل في التداوي الإباحة، وقد يرقى لدرجة الوجوب إذا كان المرض مما يخشى الهلاك به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (تداووا عباد الله؛ فما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء) لكن التداوي مشروط فيه ألا يكون بشيء محرم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم (ولا تتداووا بمحرم) وبخصوص السؤال عن الحقن بالمادتين المذكورتين في السؤال فإن الجواب يتلخص فيهما:

    أولاً: بخصوص مادة الفيلر، علم من كلام ذوي الاختصاص أنه مادة تُحقن لملء الفراغات في بعض أعضاء البدن كالخدود، والخطوط حول الفم، ومنطقة الذقن، وتحت الأنف عند الفم وغير ذلك، فهي من المواد التي تستعمل في عمليات التجميل، وهذه العمليات إذا كانت بغرض العلاج كتشوه جلد ونحوه فلا مانع منها؛ إذ هي من قبيل الجراحة الحاجية، أما إذا كانت بغرض التجميل والتحسين فلا تجوز لأنها من تغيير خلق الله، ولما يرتكب فيها من محظور – كالتخدير – من غير ضرورة ولا حاجة.

    ثانياً: بخصوص البوتكس؛ فقد قال الدكتور صالح بن محمد الفوزان في كتابه (الجراحة التجميلية عرض طبي ودراسة فقهية)  البوتوكس عبارة عن مادة سمّية طبيعية تُسْتخرج من بكتيريا توجد بكثرة في التربة ـ تُدعى كلوستريديوم بوتيلينيوم ـ ويتركّز تأثيره في منع الإشارات العصبية من المرور في النهايات الطرفية للأعصاب الموصلة للعضلات، أي أنه يساعد في شلل العضلات وارتخائها. ورغم أنه من أشد المواد سميّة إلا أن إعطاءه بكميات قليلة مدروسة يمكن أن يكون له عدة آثار صحية إيجابية ـ إلى أن قال: مضى أن البوتوكس مادة شديدة السمّية تُسْتخرج من بعض أنواع البكتيريا، وحكم حقنه ينبني على أمرين:

    1ـ حكم التداوي بالسموم.

    2ـ الغرض من الحقن.

    أما التداوي بالسموم: فقد أجازه كثير من الفقهاء إذا كان السم قليلاً لا يُخشى منه الهلاك، وكان الغالب على الدواء السلامة ورُجِي نفعه، لأن تناول السم وإن كان فيه مفسدة الإقدام على ما فيه ضرر إلا أن في تناوله دفعاً لمفسدة أعظم وضرر أشد. وأما ما فيه من ضرر يُخشى منه: فغالب الأدوية يُخشى من أثره الجانبي، وإنما العبرة في زيادة المنفعة على المضرة والبوتوكس وإن كان أصله مادةً سمّية إلا أنه يُستعمل في مجال الجراحة التجميلية على هيئة حقن لا تحوي إلا مقداراً يسيراً جداً ليس فيه ضرر.

    وبناءً على ما سبق يظهر جواز استعماله في الأصل، وليس له أضرار دائمة، بل هو إجراء مؤقّت. اهـ باختصار.

    ويقال فيها ما قيل في مادة الفيلر إنها إذا كانت لغرض علاج تشوه ونحوه فلا حرج فيها، وأما إذا كانت لمجرد التجميل كإزالة التجاعيد وآثار الشيخوخة ونحوها فلا يجوز استعمالها؛

     وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي، بشأن الجراحة التجميلية وأحكامها: لا يجوز إزالة التجاعيد بالجراحة، أو الحقن، ما لم تكن حالة مرضية، شريطة أمن الضرر.اهـ

  • زوجي يسيء إليّ ويخاصمني

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يا شيخنا والله مصيبتي مصيبة، زوجي عند حدوث أي خلاف بيننا وإذا كان هو الغلط، يقول علينا الانفصال، حتى إذا قال هو من غلط يلومني ولا يعتذر حتى إذا مضى أسبوعا كامل حتى أعتذر أنا، ويقول إن أختي مثقفة وأنا لا شيء!! يقولها بشكل مزاح بس لقد كسرني كثير حتى إذا تحدثت معه أتذكر كلامه الذي يؤلمني وأبكي كثير، ولان لدينا بنت وعلاقتنا لم تتم سنة.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد

    فإنني أسأل الله تعالى أن يرزقك وزوجك عيشة هنية وحياة سعيدة، وأن يؤلف بين قلوبكما ويصلح ذات بينكما، وجواباً على مسألتك أنصحك بأمور:

    أولها: أكثري من الدعاء وقولي (اللهم اهدني وزوجي لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت)

    ثانيها: اعلمي أن الحياة لا تصفو من مكدرات ومنغصات، لكن لو فكرت في نعم الله عليك ستجدينها بحمد الله كثيرة؛ فاشكري الله على نعمه وسليه المزيد من فضله

    ثالثها: عليك العمل بقول الله عز وجل {ادفع بالتي هي أحسن} وقول نبينا صلى الله عليه وسلم (وخالق الناس بخلق حسن) وقوله صلى الله عليه وسلم (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن) وقوله (إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم) فقابلي إساءة زوجك بالإحسان، وأطيعي الله فيه وإن عصاه فيك

    رابعها: أنت على خير ما دمت تبدئينه بالسلام فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان؛ فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) ولا يوسوسن لك الشيطان بأن في هذا ذلاً منك أو حطاً لكرامتك، بل هذا عين العز، وقد قال عليه الصلاة والسلام (ما ظُلم عبد مظلمة فعفا إلا زاده الله بها عزا)

    خامسها: الأصل أن تكون المعاشرة بالمعروف بين الزوجين، ومن قصر في ذلك فحسابه على الله تعالى، وقد قال سبحانه {وعاشروهن بالمعروف} ومن المعروف إفشاء السلام ولين الكلام وكثرة الابتسام وحسن الطلب، والله الموفق والمستعان.

  • العلوم المفروضة

    ما هي الأشياء التي حكم تعلمها فرض عين؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    ففرض على كل مكلف أن يتعلم من أمور الديانة ما يتعلق بأركان الإيمان الستة، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، كما أن واجباً عليه أن يتعلم كيف يتطهر وكيف يصلي، وإذا وجبت عليه زكاة تعلَّم أحكامها، وإذا كان تاجراً وجب عليه أن يتعلم أحكام التجارات، وهكذا صاحب كل تخصص أو حرفة يجب عليه أن يتعلم من الأحكام ما يتعلق بها، والله تعالى أعلم.

  • زنا بابنته ثم زوّجها

    حكم من زنا بابنته مرات عديدة وزوجها لشاب بعد أن أرهقه مادياً وأخذ عليه مؤخر صداق كبير، والشاب تزوجها على أنها عذراء ولكن الله فضحهم أمامه ولا يستطيع طلاقها خوفا من الفضيحة أولاً وخوفاً من المحاكم؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فالزنا بذات المحرم من كبائر الذنوب الدالة على انتكاس الفطرة وانطماس البصيرة عياذاً بالله، وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أن من زنا بإحدى محارمه فحكمه القتل بكراً كان أم ثيباً؛ استدلالاً بقوله صلى الله عليه وسلم {من وقع على ذات محرم فاقتلوه} رواه أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفي سنن أبي داود من حديث البراء بن عازب قال: لقيت عمى ومعه الراية فقلت له: إلى أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله إلى رجل نكح امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله.

    وأنت يا أخي بخير النظرين إما أن تستر على زوجك وتعامل الله تعالى فيها رجاء ما عنده من ثواب؛ بقطع النظر عن حال أبيها وما جبل عليه من اللؤم والغدر، وإما أن تلجأ إلى القضاء لينتصف لك، ولا تذكر زنا أبيها لأنه لا دليل لك عليه ولكن يمكنك أن تذكر أنها ما كانت بكراً حين تزوجت بها، وأنه قد حصل نوع من التدليس والغش؛ ليأخذ لك القاضي بحقك، والله المستعان.

  • الإجتماع لصلاة التهجد

    سلام الله عليكم ورحمته .. لقد ناقشت أحد الأخوة المتصوفة فى قضية المولد وأنه لا يجوز الاحتفال به وأنه من البدع!! فرد على أنه لماذا الناس يجتمعون فى صلاة التهجد على إمام واحد؟ فقلت له: إن هذا كان من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم!! فقال لى: أنا أقصد التهجد تحديدًا؟ فأجبته: أنه لا فرق كلها صلاة قيام!! فرفض وقال: إن فعلها النبي فهى كانت فى التراويح وليس فى التهجد!!!؟ فما رأى الدين فى ذلك؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فالاحتفال بالمولد النبوي إن كان المقصود به ما جرت عليه عادة الناس في هذه البلاد وغيرها من الاجتماع على الرقص والطرب والسهر وكثرة الأكل وما يصحب ذلك من اختلاط الرجال بالنساء وارتكاب ما حرم الله تعالى فلا شك في أن النبي صلى الله عليه وسـلم برئ من ذلك وممن فعله، وقد شابهوا في فعالهم تلك النصارى الضالين حين يرتكبون ما حرم الله عز وجل بزعم الاحتفال بميلاد المسيح عليه السلام، وإن كان المقصود بالاحتفال التذكير بمكارم أخلاقه وعظيم شمائله وحسن سيرته صلوات الله وسلامه عليه فلا يمنع من هذا مسلم سواء وافق ذلك ذكرى مولده أو كان في يوم آخر، لكننا لا نسميه عيداً إذ لا عيد في الإسلام سوى يومي الفطر والأضحى ويوم الجمعة، ولو اجتمع قوم من أجل أن يقرأوا شيئاً من سيرة النبي صلى الله عليه وسـلم في ذكرى مولده أو ليجددوا العهد بالعمل بسنته والسير على نهجه ولم يأتوا بأمر منكر فهم على خير إن شاء الله ويرجى لهم الأجر والقبول، وقد كان من دأب بعض العلماء العاملين أنهم يخصصون شهر ربيع لقراءة كتاب في السيرة تذكيراً بهدي المصطفى صلى الله عليه وسـلم وإحياء لذكراه في قلوب الناس ليزدادوا شوقاً إليه ومحبة له.

    أما صلاة التهجد فهي نافلة تجوز في المنزل والمسجد، بل هي في المنزل أفضل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم «أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة» اللهم إلا في حق المعتكف لأنه لا يبرح المسجد، ولا حرج في اجتماع الناس خلف إمام واحد، وما ذكرته صواب في أن عموم الأدلة تتناولها من استحباب قيام الناس جماعة في رمضان كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين جمع الناس خلف أبي بن كعب رضي الله عنه، وقد قال “نعمت البدعة الحسنة هي، وللتي ينامون عنها خير من التي يقومون لها” يعني صلاة آخر الليل، والله تعالى أعلم.

  • شخص لاط بآخر فهل يتزوج أخته؟

    شخص لاط بشخص أو كلاهما لاط بالآخر، ثم الآن تابا إلى الله من فترة عما فعلا في فترة الضلال؛ فهل يجوز للائط أو الملوط به أن يتزوج بأخت الآخر؟  أرجو منكم الرد على هذا السؤل بشكل واضح وبإسناد صحيح.

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فاللواط من أقبح الخطايا وأكبر الذنوب، وقد عاقب الله فاعليه بعقوبة بليغة لم ينزلها بأمة قبلهم ولا بعدهم؛ قال سبحانه )فجعلناها عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود $ مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد( وقال النبي e {لعن الله من عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط} وليحمد الله من كان مبتلى بهذه الفاحشة القبيحة، ثم وفقه الله للتوبة منها.

    وأما زواج الفاعل أو المفعول به بأخت من فعل معه تلك الفاحشة فجائز؛ لأن الله تعالى ذكر المحرمات من النساء، ولم يذكر هذا السبب، وكذلك من يحرم تزويجهم من الرجال ـ لعارض مؤقت ـ كالمشرك والزاني عند بعض أهل العلم ـ فما دام الفاعل أو المفعول به قد تاب فلا حرج في تزويجه؛ لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والله تعالى أعلم.

  • الشروط الجزائية في العقود

    1/ نسيت صلاة العصر، وما تذكرتها إلا بعد أن صليت العشاء والشفع والوتر، هل أصليها وأعيد المغرب والعشاء؟ أم أصليها ولا أعيد ما صليت؟

    2/ ما حكم الشروط الجزائية في العقود؟ مثلاً في حالة عدم الالتزام بالمواعيد يوجد في العقد بند ينص على خصم نسبة معينة عن كل يوم تأخير، على ألا تتجاوز النسبة 10% من جملة مبلغ العقد.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فمن نسي صلاة أو نام عنها فواجب عليه أن يصليها متى ما ذكرها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم {من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك} قال تعالى ((وأقم الصلاة لذكري)) وفي خصوص ما سألت عنه فإن عليك أن تقضي العصر ثم تعيد المغرب والعشاء؛ لوجوب الترتيب بين الفوائت في قول جمهور العلماء؛ استدلالاً بما ثبت في الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه  أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه  جاء يوم  الخندق بعد ما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش. قال: يا رسول الله، ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب؟ فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم {والله ما صليتها} فقمنا إلى بطحان؛ فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها؛ فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب. فهذا الحديث المتفق عليه فيه التصريح بان النَّبي e صلى العصر قضاء بعد غروب الشمس وقدمها على المغرب؛ وهو نص صحيح صريح في تقديم الفائتة على الحاضرة

    وأما الشروط الجزائية في عقود المقاولات ونحوها فقد نصت قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي على جوازها إذا ذكرت في العقد ابتداء؛ وذلك عملاً بالقواعد الشرعية القاضية برفع الضرر؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم {لا ضرر ولا ضرار} وما تفرع عن ذلك من قول العلماء: الضرر يزال، والله تعالى أعلم.

  • مشاهدة مباريات كرة القدم

    هل يجوز مشاهدة مباريات كرة القدم على التلفاز؛ مع العلم أن اللاعبين قد يكونون كفاراً؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فالواجب على المسلم أن يحفظ وقته من الضياع؛ لأن الله سائله عنه يوم القيامة؛ كما في الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم {لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه} وفي الحديث الآخر {نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ}

    وعليه أن ينفق وقته في طاعة ربه وفيما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه، ولا حرج عليه من الترويح المباح في أوقات معلومة؛ لأن القلوب إذا كلت ملت، وهذا الترويح مشروط بألا يشتمل على ما يسخط الله عز وجل، وعليه فإذا كانت هذه المباريات خالية من المحرمات ـ كتبرج النساء وكشف العورات من الرجال والسباب والفسوق ـ فلا حرج على المسلم في مشاهدتها سواء كان اللاعبون مسلمين أو كفاراً، وليحذر المسلم من تعظيم أولئك الكفار أو محبتهم؛ لقوله تعالى {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم} والعلم عند الله تعالى.

  • وسوسة في الطهارة

    السلام عليكم الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف، يا شيخ أريد سؤالك عن الوسواس في الطهارة ماذا أفعل معه، انا عندي متلازمة القولون العصبي وأخشى دايما خروج الريح وصرت موسوسة في الوضوء والغسل وأعيد وأكرر كثيراً لدرجة أني صرت أخاف من مواعيد الصلاة مع أني أحب الصلاة كثيرا؛ شور علي يا شيخ، وجزاك الله خيرا

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله تعالى لك شفاء وعافية وكفارة وطهورا، أما بعد

    فإن الوسوسة في شأن الطهارة ليست بالأمر الجديد، بل هو داء قديم حذَّر منه النبي صلى الله عليه وسلم حيث ثبت عنه في الحديث أنه قال {لا يبولن أحدكم في مستحمه فإن عامة الوسواس منه} رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وفي مسند أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن أحدكم إذا كان في الصلاة جاءه الشيطان فأبس به كما يأبس الرجل بدابته؛ فإذا سكن له أضرط بين أليتيه ليفتنه عن صلاته، فإذا وجد أحدكم شيئاً من ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً لا يشك فيه} وقوله (أبس به) أي ذلله وحقَّره وروَّعه

    لكن هذا الداء قد استشرى في عصرنا وصار ملازماً لكثير من الناس؛ حيث تجد بعضهم موسوساً في الوضوء والغسل وطهارة ثيابه وفراشه؛ حتى إن بعضهم ليمكث في الحمام الساعات الطوال في الاستبراء من البول والاستنجاء من الغائط وغسل ما يظنه قد تنجس من ثيابه، ويتشكك في كل مكان يجلس فيه أو يمشي عليه، ويعيد الوضوء مرات ومرات، ويظن أن ذلك من الورع والتقى، ولربما يلجأ إلى بعض أهل العلم ليسألهم واحداً تلو الآخر، فلا يزداد بجوابهم إلا تعاسة وشقاء؛ حيث يحار في عباراتهم ويتشكك في علمهم، وقد يصادف بعض المتنطعين فلا يزيدونه إلا خبالاً، والشيطان يريد أن يصل إلى غاية مذكورة في السؤال وهي أن يبغض إليك الصلاة حتى تتركيها، وعلاج ذلك الداء يتمثل في الآتي:

    أولاً: المحافظة على الأذكار والأدعية والصلوات والأوراد؛ فإن ذكر الله يرضي الرحمن ويطرد الشيطان، وذكر الله موجب لحصول عناية الله بك وغشيان الرحمة لك وحفوف الملائكة من حولك، وما زال الشيطان لذكر الله كارهاً {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون} وإن الشيطان جاثم على صدر ابن آدم؛ فإذا غفل وسوس؛ فإذا ذكر الله خنس، فاحرصي ـ عافاك الله ـ على الاعتصام بحبل الله والإكثار من ذكره، يكفك شر كل ذي شر، وهو سبحانه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

    ثانياً: المشاركة في المجالس الطيبة من حلق العلم والذكر؛ فإن هذه المجالس المباركة مجالس نور وهدى ورحمة، والملائكة قريبة منها والشياطين نافرة عنها كارهة لها، وقد حثَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن نرتع فيها ونلتمس الخير في أهلها (فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم) ولربما تجدين في أول أمرك صعوبة وعنتاً من أجل أن تحافظي عليها، لكنك ـ إن شاء الله ـ بعد حين ستعتادين الجلوس فيها، وستكون لك غذاء الروح الذي لا تستغنين عنه، فاستعيني بالله ولا تعجزي، واعلمي بأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً، فلا تستسلمي لعدوك، بل اصبري وجاهدي، ولك البشرى من ربك {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}

    ثالثاً: متابعة العلاج النافع عند الطبيب الموثوق؛ فإن بعض أنواع الوسواس تحتاج إلى نوع من العلاج العضوي، فالزمي طبيباً حاذقاً فطناً ذا دين ـ وما أكثرهم والحمد لله ـ شاوريه في أمرك، ولا تُخْفِي عنه شيئاً؛ فما في المرض عيب ولا حرج، واحْكِي له ما يدور في نفسك وما يجول بخاطرك، وأطيعيه فيما يأمرك به، ولا تكوني كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً؛ فإن بعض الناس يتنقل بين الأطباء والمفتين، ولعله يحكي لبعضهم ما يخفيه عن آخرين، فيختلف العلاج ويحار المداوي ويعجز الطبيب فلا يزداد الموسوس إلا رهقاً وعنتاً؛ وذلك بما جنت يداه.

    رابعاً: احرصي على الانهماك في الأعمال الجادة المختلفة التي تستنزف الطاقة وتستفرغ الجهد سواء في بيتك أو وظيفتك، ولا تستسلمي للخلوة والانزواء فتلك غاية الشيطان؛ حتى يتسنى له أن يلقي في نفسك ما يريد، كوني للناس مخالطة وعن همومك معرضة، وأقبلي على عملك الذي كلفت به، وقد أرشدنا إلى هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرنا بأن نتمادى في الصلاة إذا وسوس لنا الشيطان بأن الوضوء قد انتقض، وأن يقول أحدنا (آمنت بالله وحده) إذا وسوس له الشيطان قائلاً: فمن خلق الله؟ وهكذا لا استسلام لعدو الله، بل جد وذكر وعمل وحالنا مع الشيطان كحال من قالوا لشياطين الإنس {وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون}

    خامساً: اعلمي أن شريعتنا ـ والحمد لله ـ شريعة سمحة هينة سهلة، قائمة على اليسر في وأحكامها، متدرجة في تشريعاتها، قليلة تكليفاتها، بعيدة عن الإعنات والمشقة؛ رافعة للحرج عن الناس؛ ففي كتاب الله {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ} {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} {يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} وصفة نبينا أنه {يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} ويقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن أحب الأديان إلى الله الحنيفية السمحة) رواه الإمام أحمد، ويوصي أصحابه وأمته بالتبشير والتيسير، فيقول (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا) رواه الشيخان، ويتوعد صلى الله عليه وسلم المتشددين والمتزمتين والمعسّرين فيقول (ألا هلك المتنطعون قالها ثلاثاً) رواه  مسلم، ولما أفتى بعض الصحابة فتوى خاطئة فيها تشديد وتعسير، وأدت إلى موت إنسان ما كان له أن يغتسل فأمروه بالاغتسال، قال عليه الصلاة والسلام وهو في قمة غضبه (قتلوه قتلهم الله؛ ألا سألوا إذا لم يعلموا؛ فإنما شفاء العي السؤال) رواه أبو داود، ولم يقر صلى الله عليه وسلم أحداً على أن يشدد على نفسه بل كان نكيره سريعاً على أولئك المشددين، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال  (بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا  هو برجل قائم في الشمس، فسأل عنه، قالوا: هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد، ولا يستظل، ولا يتكلم، ويصوم؟ قال (مروه فليتكلم وليستظل وليقعد، وليتم صومه) رواه البخاري، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً  يُهادَى بين ابنيه، فسأل عنه، فقالوا: نذر أن يمشي، فقال (إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه) وأمره أن يركب. رواه البخاري.

    وهكذا كان الصحابة الكرام متابعين لنبيهم صلى الله عليه وسلم في هذا التوجيه الكريم؛ فها هو عمرو بن العاص رضي الله عنه يرسله النبي صلى الله عليه وسلم في سرية ذات السلاسل يقول: فاحتلمت في ليلة باردة، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال (يا عمرو! صليت بأصحابك وأنت جنب؟) فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}[1] فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً. رواه أبو داود

    سادساً: عليك العناية بطلب العلم الشرعي سبيل أكيد للنجاة من الوسواس، فحين تطلبين العلم سترين كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ وكيف كان يصلي؟ وكيف كان يعبد ربه؟ وكيف كان يتعامل مع الناس، وستعلمين يقيناً أن هديه صلوات الله وسلامه عليه أبعد ما يكون عن التنطع والتكلف، بل دينه دين اليسر، وكان عليه السلام حريصاً على التيسير (فما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً)

    سابعاً: عليك الإلحاح على الله تعالى بالدعاء ليعيذك من وساوس الشيطان؛ فإن الله تعالى بيده ملكوت السماوات والأرض، وهو سبحانه رب كل شيء ومليكه، وبين أصابعه قلوب العباد يقلبها كيف يشاء، فإذا لجأ المسلم إلى ربه خاشعاً متذللاً مخبتاً متضرعاً، يسأله أن يقيه من نزغات الشيطان، بكل إخلاص وصدق، وافتقار إلى الله تعالى، وتحيَّن أوقات الإجابة وأحوالها التي بيّنها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كالثلث الأخير من الليل، وحال الصيام، وحال خشوع القلب، وعند  السجود، وقبل السلام، وفي الساعة الأخيرة من الجمعة، فإنه لحريّ أن يظفر بالإجابة، وعليه أن يعنى بالأدعية الشرعية الواردة في الكتاب والسنة، ولا يشغل نفسه بما ألفه الناس وكتبوه من أدعية محدثة فخير الدعاء ما كان في القرآن ثم ما ثبتت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى {رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ  أَن يَحْضُرُونِ} والاستعاذة الواردة في قوله سبحانه {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام لصلاة الليل (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من نفثه ونفخه وهمزه) وربنا سبحانه وتعالى تعهد الله بأن يحمي من التجأ إليه واستعاذ به من كيد الشيطان ومكره. وقد علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم آيات من القرآن وسوراً نتلوها وأدعية واستعاذات نقرؤها في مناسبات مختلفة لنتحصن بها من الشياطين؛ فمن تحصن بها نجا، ورد الله كيد الشيطان في نحره؛ وأعظم ذلك قراءة سورة البقرة؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (اقرؤوا سورة البقرة في بيوتكم، فإن الشيطان لا يدخل بيتاً يقرأ فيه سورة البقرة) رواه البخاري. وفي صحيح البخاري حديث أبي هريرة رضي الله عنه حينما أمسك الشيطان الذي كان يحاول السرقة من بيت الصدقة فعرض عليه الشيطان مقابل إطلاق سراحه أن يعلمه كلمات ينفعه الله بها، قال (إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح!! فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أما إنه صدقك وهو كذوب)

    أسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك، اللهم رب الناس، أذهب الباس، اشف وأنت الشافي؛ لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما.

    [1]

  • سبب تكرار فبأي آلاء ربكما تكذبان

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. بسأل من سبب نزول قوله تعالى (فبأي الاء ربكما تكذبان) ولماذا تكررت أكثر من مره في سورة الرحمن؟ وجزاكم الله خيرا

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد

    فليس لهذه الآية سبب نزول معيَّن؛ وقد ذُكِرَتْ هذه الآيةُ إحدى وثلاثينَ مرَّةً؛ ثمانيةٌ منها ذُكِرَتْ عَقِبَ آياتٍ فيها تَعدادُ عَجائبِ خَلْقِ اللهِ، وبدائعِ صُنْعِه، ومَبْدَأِ الخَلْقِ ومَعادِهم، ثمَّ سَبعةٌ منها عَقِبَ آياتٍ فيها ذِكْرُ النَّارِ وشَدائدِها بعَدَدِ أبوابِ جهنَّمَ، وحَسُنَ ذِكْرُ الآلاءِ عَقِبَها؛ لأنَّ مِن جملةِ الآلاءِ رَفْعَ البلاءِ، وتأخيرَ العِقابِ، وبَعْدَ هذه السَّبعةِ ثمانيةٌ في وَصْفِ الجنَّتَينِ وأهلِهما بعَدَدِ أبوابِ الجَنَّةِ، وثمانيةٌ أُخرى بَعْدَها في الجنَّتَينِ اللَّتَينِ هما دونَ الجَنَّتَينِ الأُولَيَينِ؛ أَخْذًا مِن قَولِه تعالى: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}؛ فمَنِ اعتقدَ الثَّمانيةَ الأُولى وعَمِلَ بموجَبِها استحقَّ هاتينِ الثَّمانِيَتَينِ مِن اللهِ، ووقاه السَّبعةَ السَّابِقةَ.

زر الذهاب إلى الأعلى