الفتاوى

  • أشجار نبتت في أماكن النجاسة

    ما حكم أكل الثمار من أشجار نبتت في أماكن النجاسة؟ شكراً وجزاكم الله خيرا.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد

    فقد اختلف العلماء في الأشجار والزروع إذا سقيت بماء نجس، أو كان سمادها نجساً كما لو كان من فضلات الحيوانات غير مأكولة اللحم؛ وأكثر العلماء – ومنهم أبو حنيفة ومالك والشافعي – على أنها مباحة؛ لأنها لا يحكم بنجاستها لأن النجاسة تستحيل في باطنها فتطهر بالاستحالة كالدم يستحيل في أعضاء الحيوان، لحماً ويصير لبناً، وهذا قول أكثر الفقهاء منهم أبو حنيفة والشافعي ومالك، أما الحنابلة فقد قالوا بنجاستها وحرمة أكلها حتى تسقى بماء طاهر يستهلك عين النجاسة، ولهم قول آخر كقول الجمهور، والله تعالى أعلم.

    وذهب الحنابلة إلى نجاسته وحرمة أكله حتى يسقى بماء طاهر يستهلك عين النجاسة، وفي قول آخر لهم هو طاهر. قال المواق من علماء المالكية عند قول خليل: ” وزرع بنجس ” القمح النجس يزرع فينبت وهو طاهر، وكذلك الماء النجس يسقى به شجر أو بقل فالثمرة والبقلة طاهرتان

  • سر التعبير في قصة موسى والخضر

    في سورة الكهف قال الخضر عليه السلام: ((فأردت أن أعيبها))، وفي الثانية قال: ((فأردنا أن يبدلهما))، وفي الثالثة قال: ((فأراد ربك أن يبلغا))، فلماذا قال في الأولى “فأردت”، وفي الثانية “فأردنا”، وفي الثالثة “فأراد ربك”؟ وجزاك الله خيراً.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فقد اعتنى المفسرون رحمهم الله تعالى ببيان أوجه الخلاف بين هذه التعابير الثلاثة؛ فقالوا: فقال العلامة ابن عاشور رحمه الله في التحرير والتنوير 16/14: إن قال قائل: كيف أضاف الخضر قصة استخراج كنز الغلامين لله تعالى، وقال في خرق السفينة ((فأردت أن أعيبها)) فأضاف العيب إلى نفسه؟ قيل له: إنما أسند الإرادة في الجدار إلى الله تعالى لأنها في أمر مستأنف في زمن طويل غيب من الغيوب، فحسن إفراد هذا الموضع بذكر الله تعالى، وإن كان الخضر قد أراد ذلك الذي أعلمه الله تعالى أنه يريده. وقيل: لما كان ذلك خيراً كله أضافه إلى الله تعالى، وأضاف عيب السفينة إلى نفسه رعاية للأدب؛ لأنها لفظة عيب، فتأدب بأن لم يسند الإرادة فيها إلا إلى نفسه كما تأدب إبراهيم عليه السلام في قوله ((وإذا مرضت فهو يشفين)) فأسند الفعل قبل وبعد إلى الله تعالى، وأسند إلى نفسه المرض، إذ هو معنى نقص ومصيبة، فلا يضاف إليه سبحانه وتعالى من الألفاظ إلا ما يستحسن منها دون ما يستقبح، وهذا كما قال تعالى ((بيدك الخير)) واقتصر عليه فلم ينسب الشر إليه، وإن كان بيده الخير والشر والضر والنفع، إذ هو على كل شيء قدير، وهو بكل شيء خبير. وقال في الغلام: }فأردنا{ فكأنه أضاف القتل إلى نفسه، والتبديل إلى الله تعالى.

    قال: }فأردت أن أعيبها{ ولم يقل: فعبتها، ليدل على أن فعله وقع عن قصد وتأمل؛ وضميرا الجماعة في قوله }فخشينا{ وقوله }فأردنا{ عائدان إلى المتكلم الواحد بإظهار أنه مشارك لغيره في الفعل. وهذا الاستعمال يكون من التواضع لا من التعاظم لأن المقام مقام الإعلام بأن الله أطلعه على ذلك وأمره فناسبه التواضع فقال (فخشينا.. فأردنا)، ولم يقل مثله عند ما قال }فأردت أن أعيبها{ لأن سبب الإعابة إدراكه لمن له علم بحال تلك الأصقاع.

    وقد أسند الإرادة في قصة الجدار إلى الله تعالى دون القصتين السابقتين لأن العمل فيهما كان من شأنه أن يسعى إليه كل من يقف على سره لأن فيهما دفع فساد عن الناس بخلاف قصة الجدار فتلك كرامة من الله لأبي الغلامين.

    وقال ابن المنير رحمه الله تعالى في حاشيته على الكشاف2/399: ولقد تأملت من فصاحة هذه الآي والمخالفة بينها في الأسلوب عجبا، ألا تراه في الأولى أسند الفعل إلى ضميره خاصة بقوله ((فأردت أن أعيبها)) وأسنده في الثانية على ضمير الجماعة والمعظم نفسه في قوله ((فأردنا أن يبدلهما ربهما)) وقوله ((فخشينا أن يرهقهما)) ولعل إسناد الأول إلى نفسه خاصة من باب الأدب مع الله تعالى؛ لأن المراد ثَمَّ عيب فتأدب بأن نسب الإعابة إلى نفسه، وأما إسناد الثاني إلى الضمير المذكور فالظاهر أنه من باب قول خواص الملك: أمرنا بكذا أو دبرنا كذا، وإنما يعنون أمَرَ الملك ودبَّر ويدل على ذلك قوله في الثالثة: ((فأراد ربك أن يبلغا أشدهما)) فانظر كيف تغايرت هذه الأساليب ولم تأت على نمط واحد مكرر يمجها السمع وينبو عنها ثم انطوت هذه المخالفة على رعاية الأسرار المذكورة فسبحان اللطيف الخبير.

    وقال النسفي رحمه الله تعالى في تفسيره3/23: وإنما ذكر أولاً }فأردت{ لأنه إفساد في الظاهر وهو فعله، وثالثاً }فأراد ربك{ لأنه إنعام محض وغير مقدور للبشر، وثانياً }فأردنا{ لأنه إفساد من حيث الفعل وإنعام من حيث التبديل.

    وقال الرازي رحمه الله تعالى في مفاتيح الغيب 16/162: بقي في الآية سؤال، وهو أنه قال ((فأردت أن أعيبها)) وقال ((فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة)) وقال ((فأراد ربك أن يبلغا أشدهما)) كيف اختلفت الإضافة في هذه الإرادات الثلاث وهي كلها في قصة واحدة وفعل واحد؟ والجواب: أنه لما ذكر العيب أضافه إلى إرادة نفسه فقال: ((فأردت أن أعيبها)) ولما ذكر القتل عبر عن نفسه بلفظ الجمع تنبيهاً على أنه من العظماء في علوم الحكمة فلم يقدم على هذا القتل إلا لحكمة عالية، ولما ذكر رعاية مصالح اليتيمين لأجل صلاح أبيهما أضافه إلى الله تعالى؛ لأن المتكفل بمصالح الأبناء لرعاية حق الآباء ليس إلا الله سبحانه وتعالى.

    وقال الألوسي رحمه الله تعالى: قيل: ولعل إسناد الإرادة أولاً إلى ضمير المتكلم وحده أنه الفاعل المباشر للتعييب، وثانياً إلى ضمير المتكلم ومعه غيره لأن إهلاك الغلام بمباشرته وفعله وتبديل غيره موقوف عليه وهو بمحض فعل الله تعالى وقدرته، فضمير (نا) مشترك بين الله تعالى والخضر عليه السلام[1]، وثالثاً إلى الله وحده لأنه لا مدخل له عليه السلام في بلوغ الغلامين. وقيل في وجه تغاير الأسلوب: إن الأول شر فلا يليق إسناده إليه سبحانه وإن كان هو الفاعل جل وعلا، والثالث خير فأفرد إسناده إلى الله عز وجل، والثاني ممتزج خيره وهو تبديله بخير منه وشر وهو القبل فأسند إلى الله تعالى وإلى نفسه نظراً لهما. وقيل إنه أسند الإرادة في الأولين إلى نفسه لكنه تفنن في التعبير فعبر عنها بضمير المتكلم مع الغير بعد ما عبر بضمير المتكلم الواحد لأن مرتبة الانضمام مؤخرة عن مرتبة الانفراد مع أن فيه تنبيهاً على أنه من العظماء في علوم الحكمة فلم يقدم على هذا القتل إلا لحكمة عالية بخلاف التعييب، وأسند فعل الإبدال إلى الله تعالى إشارة إلى استقلاله سبحانه بالفعل وأن الحاصل للعبد مجرد مقارنة إرادة الفعل دون تأثير فيه

    قال العلامة ابن عاشور رحمه الله تعالى: والأظهر أن الخضر نبي عليه السلام وأنه كان موحى إليه بما أوحي؛ لقوله )وما فعلته عن أمري( وأنه قد انقضى خبره بعد تلك الأحوال التي قصت في هذه السورة، وأنه قد لحقه الموت الذي يلحق البشر في أقصى غاية من الأجل يمكن أن تفرض، وأن يحمل ما يعزى إليه من بعض الصوفية الموسومين بالصدق أنه محوك على نسج الرمز المعتاد لديهم، أو على غشاوة الخيال التي قد تخيم عليهم، فكونوا على حذر ممن يقول: أخبرني الخضر.

    [1] قال الألوسي رحمه الله: وأنا لا أقول باشتراك هذا الضمير بين الله تعالى والخضر عليه السلام؛ لا لأن فيه ترك الأدب  بل لأن الظاهر أنه كضمير (خشينا) والظاهر في ذاك عدم الاشتراك لأنه محوج لارتكاب المجاز على أن النكتة التي ذكروها في اختيار التشريك في ضمير (أردنا) لا تظهر في اختياره في ضمير (فخشينا) لأنه لم يتضمن الكلام الأول فعلين على نحو ما تضمنهما الكلام الثاني فتدبر.

  • شبهة انتحار النبي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما ردك على شبهة انتحار الرسول صلى الله عليه وسلم؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد

    فهذه الرواية من بلاغات ابن شهاب الزهري رحمه الله؛ وفيها «ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلّى الله عليه وسلّم- فيما بلغنا – حزناً غدا منه مراراً كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدّى له جبريل، فقال: يا محمد إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدّى له جبريل فقال له مثل ذلك»

    فهذه الرواية ليست على شرط البخاري رحمه الله؛ لأنها من البلاغات، وهي من قبيل المنقطع؛ الذي هو من أقسام الضعيف؛ ولذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري: «ثم إن القائل فيما بلغنا هو الزهري، ومعنى الكلام أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذه القصة، وهو من بلاغات الزهري وليس موصولا»

    فليست هي بالرواية الصحيحة التي يُعوَّل عليها ويُلتمَس لها التأويل؛ يقول الأستاذ الدكتور محمد أبو شهبة رحمه الله تعالى في كتابه (السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة): وليس أدلَّ على ضعف هذه الزيادة وتهافتها من أن جبريل عليه السلام كان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم كلما أوفى بذروة جبل: يا محمد، إنك رسول الله حقًّا ـ وأنه كرر ذلك مرارًا، ولو صح هذا لكانت مرة واحدة تكفي في تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم، وصرفه عما حدّثته به نفسه، كما زعموا. اهـ.

    وقد ضعفها أيضًا القاضي عياض في الشفا، ثم قال: مع أنه قد يُحمل على أنه كان أول الأمر، كما ذكرناه، أو أنه فعل ذلك لما أحرجه من تكذيب من بلغه، كما قال تعالى: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفًا} أو خاف أن الفترة لأمر، أو سبب منه، فخشي أن تكون عقوبة من ربه، ففعل ذلك بنفسه.. ولم يَرِد بَعْدُ شرعٌ بالنهي عن ذلك، فيُعترض به، ونحو هذا فرار يونس عليه السلام؛ خشية تكذيب قومه له لما وعدهم به من العذاب. اهـ.

    ومما يدل على ضعفها ما استفاض من سيرته صلّى الله عليه وسلّم من رباطة جأشه وثبات قلبه وحسن ظنه بربه تبارك وتعالى، حيث مرت له حالات أثناء الدعوة إلى ربه أشد وأقسى من هذه الحالة، فما فكر في الانتحار بأن يلقي نفسه من شاهق جبل أو يبخع نفسه، فقد ألقى المشركون على ظهره ورأسه القاذورات وهو ساجد، ووضع أحدهم قدمه على رقبته وهو ساجد، وضُرب بالحجارة حتى سال منه الدم حين ذهب إلى الطائف، وطلب منه عمه أن يكف عن دعوته حتى ظن أن عمه مُسْلمُه، وفي يوم أحد كُسِرت رباعيته وجُحِشت ركبتاه وشُجَّت جبهته وتهشمت البيضة على رأسه، فواجه تلك الشدائد كلها مواجهة البطل الصنديد، وما وهن لما أصابه في سبيل الله وما ضعف وما استكان.

    يقول الشيخ أبو شهبة رحمه الله تعالى: والتعليل الصحيح لكثرة غشيانه صلّى الله عليه وسلّم في مدة الفترة رؤوس الجبال وشواهقها، أنّ الإنسان إذا حصل له خير أو نعمة في مكان ما فإنه يحب هذا المكان، ويتلمس فيه ما افتقده، فلما انقطع الوحي صار صلّى الله عليه وسلّم يكثر من ارتياد قمم الجبال، ولا سيما حراء، رجاء أنه إن لم يجد جبريل في حراء، فليجده في غيره، فراه راوي هذه الزيادة وهو يرتاد الجبال، فظن أنه يريد هذا، وقد أخطأ الراوي المجهول في ظنه قطعا.ا.هــــــ والعلم عند الله تعالى

  • ما يقول المأموم في القنوت

    فضيلة الشيخ: إذا أثنى الإمام على ربنا في دعاء الوتر فماذا نقول؟ كما لو قال: إنه لا يعز من عاديت…

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فمن أدب المأموم أن يؤمِّن على دعاء الإمام؛ لأن المؤمِّن داع؛ بدليل قوله تعالى {قد أجيبت دعوتكما} في خطاب موسى وهارون عليهما السلام مع أن الداعي موسى وحده، وهارون ليس إلا مؤمِّناً على الدعاء؛ وقد قال أكثر أهل العلم بأن المأموم يؤمِّن في دعاء القنوت كله سواء ما كان منه مسألة كقوله {اهدني فيمن هديت..} أو ما كان منه ثناء كقوله {إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت} وذهب بعضهم إلى أن المأموم يسكت أو يردد في سره ما يقوله الإمام من الثناء على الله تعالى؛ قال النووي رحمه الله تعالى في المجموع: والمشاركة أولى؛ لأنه ثنا وذكر لا يليق فيه التأمين.ا.هـــ ولعل الأمر في ذلك واسع إن شاء الله، أما ما يقوله بعضهم: أشهد أو حقاً ونحو ذلك فلا أصل له، بل ذهب بعض أهل العلم إلى بطلان الصلاة به، والله تعالى أعلم.

  • صلاة الجمعة مرتين

    السلام عليكم يا شيخ والله أنا أحبك في الله، هل يجوز للإنسان أن يصلي الجمعة مرتين في اليوم الواحد للإمام أو المأموم؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأحبك الله الذي أحببتني فيه، أما بعد.

    أما صلاة المأموم فلا إشكال فيها إن شاء الله لكونها نافلة؛ وصلاة الإمام ثانية تعد نافلة تصح معها صلاته بالمفترضين عند جمع من أهل العلم، لكن ما ينبغي أن يتخذ ذلك عادة، وذلك خروجاً من الخلاف وحرصاً على وحدة الصف، والله تعالى أعلم.

  • كيف يكون الحب في الله؟

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا فتاة لديَّ صديقة أحببتها كثيراً – ربما لشخصيتها المميزة –  وهي ليست متدينة كثيراً، كما أنها لا تعرف كثيراً عن الدين أو كما أعتقد وتسمع أغاني تحوي موسيقى، ورغم ذلك أحببتها، بالرغم من أني كنت أود أن أصاحب فتاة متدينة ونتحابب في الله ونكون ممن يظلهم الله يوم لا ظلّ إلا ظلّه، ولكن هذه طغت على قلبي وشعرت بأني أحببتها لا إرادياً، وبعد أن حاولت أن أقنع نفسي بتركها (لأنها غير متدينة وأن هذا الحب ليس في الله وكل حب ليس كذلك مصيره إلى الزوال)؛ فشلت تماماً فقررت أن أشاركها بعض المقتطفات الدينية وأدعو لها بالهداية وأن يحبب الله الإيمان إليها ويزينه في قلبها، وأحاول إقناعها بترك ما هي عليه من سماع للموسيقى، هل هكذا يصبح حبي لها في الله؟ إن كان كذلك كيف أفك تعلقها بالأغاني (لأنها متعلقة بإحدى أنواع الأغاني بشدة)؟ وهل إذا فشلت أتركها وأقطع علاقتي معها؟؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فأسأل الله لي ولك ثباتاً في الأمر وعزيمة على الرشد وغنيمة من كل بر وسلامة من كل إثم، وأن يجعلنا جميعاً هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، وجواباً على سؤالك أقول:

    أولاً: الذي ينبغي أن يحبه المسلم أكثر من ولده ووالده والناس أجمعين هو النبي المصطفى والرسول المجتبى محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، وأما من دونه – مهما بلغ من علم أو عمل – فما ينبغي أن يبلغ به مسلم تلك المنزلة وإلا وقع في الضلال والخبال

    ثانياً: عليك أن تحبي من أمرك الله بحبه من النبيين والمرسلين وأولياء الله المقربين وعباده الصالحين من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى ممن أطبقت الأمة على فضلهم وجلالتهم، وختم الله لهم بالحسنى وأجرى ألسنة الخلق بالثناء عليهم والاعتراف بجميل فعالهم وطيب خصالهم

    ثالثاً: الحب في الله من أوثق عرى الإيمان، ففي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسـلم قال “سبعة يظلهم  الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه” ومعنى قوله في الحديث “تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه” أي أحب كل منهما الآخر من أجل خصاله وأفعاله التي يحبها الله ويرضاها، فكان سبب اجتماعهما حب الله تعالى، واستمرا على ذلك حتى فرق بينهما الموت، وهما صادقان في حب كل واحد منهما صاحبه لله تعالى حال اجتماعهما وافتراقهما، قال أهل العلم: ذكر الرجال في الحديث لا مفهوم له، بل يشترك النساء معهم في هذه الخصال؛ فالمسلم يحب في الله من كان مطيعاً لله معظماً لشعائره وحرماته رجلاً كان أو امرأة، وكذلك المسلمة تحب من كان بهذه الصفة، من أي جنس كانوا

    رابعاً: عليك ألا تعتقدي فيمن تحبين عصمة أو أنه لا يخطئ، أو أن كلامه هو الحق المحض والصواب الخالص، بل عليك أن تعلمي أن كلاً يؤخذ من قوله ويُترك إلا محمداً عليه الصلاة والسلام، وإذا أحببت واحداً من أهل العلم أو العبادة أو البذل أو الجهاد فعليك أن تحبيه باعتدال؛ فإن الحي لا تؤمَن عليه الفتن، واجعلي قلبك معلَّقاً بالله لا بأحد سواه. واعرفي الحق تعرفي أهله.

    خامساً: محبتك لصاحبتك ليست محبة في الله؛ وإنما هي محبة طبعية تحصل بين من اتفقوا في بعض الصفات أو الأعمال؛ وأنت مأجورة على نصحك إياها وطلبك الخير لها، ولا تفتتحي نصحك لها بموضوع الأغاني بل احرصي على أن تجعليها ممن يحافظن على صلاتهن ويكثرن من ذكر الله تعالى، وحببي إليها قراءة القرآن؛ فهذا إن شاء الله يطرد من قلبها حب الأغاني، والله تعالى أعلم.

  • دعاء الوالدة على أبنائها

    يا شيخ امي بتدعي علينا بالشر في اي شي حتى وهي بتهظر معاك بتداعيك وكلمة ما عافيه ليكم دايما في خشمها في اقل شي تقول ما عافيه ليكم مثلا قالت اليخش الحمام ده ما عافيه ليهو السؤال هل ربنا بستجيب دعواتها السيئه دي وموضوع العفو نتعامل معاهو كيف؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد

    فبداية أنصحك بالاجتهاد في بر الوالدة، والحرص على نيل رضاها، ولا بد أن تعلم أن دعوة الوالدة مستجابة؛ فعن أَبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَات لاَ شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ عَلَى وَلَدِه. رواه أَبُو داود والترمذي.

    وأوجه نصيحة إلى كل والد بألا يدعو على أولاده بالسوء، بل يدعو لهم بالهداية ويسأل الله لهم السداد؛ وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم؛ ولا تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء؛ فيستجيب لكم) رواه مسلم.

    هذا ومن فضل الله علينا وعلى الناس أن الدعاء الذي يكون في ساعة غضب بغير قصد لا يستجاب له؛ فقد قال سبحانه {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: خبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده: أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم -والحالة هذه -لطفا ورحمة.ا.هــــ

    فالدعاء المستجاب من الأم على ولدها إنما يكون في حال ظلمه لها أو عقوقه؛ وهذا الذي نص عليه أهل العلم؛ فقد قال قال ابن علان رحمه الله تعالى في شرحه على رياض الصالحين: ودعوة الوالد على ولده أي إذا ظلمه ولو بعقوقه.ا.هـــــــ وقال المناوي في فيض القدير: ثم الظاهر أن ما ذكر في الولد مخصوص بما إذا كان الولد كافراً أو عاقاً غالياً في العقوق لا يرجى بره.ا.هـــــ والعلم عند الله تعالى

  • الصدقة الخفية

    ما هي الصدقة الخفية مع ذكر نماذج لها؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    الصدقة الخفية هي صدقة التطوع؛ قال الله U ((إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم سيئاتكم والله بما تعملون خبير)) وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم رجلاَ تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه} وقال عليه الصلاة والسلام {صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر} أخرجه الطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة رضي الله عنه وإسناده حسن كما قال الهيثمي في المجمع؛ وقال ابن عباس رضي الله عنهما {صدقة السر في التطوع أفضل من صدقة العلانية بسبعين ضعفاً.

    قال ابن العربي رحمه الله في أحكام القرآن: والتحقيق فيه أن الحال في الصدقة يختلف بحال المعطي لها والمعطى إياها والناس الشاهدين لها؛ أما المعطي فله فائدة إظهار السنة وثواب القدوة، وآفتها الرياء والمن والأذى. وأما المعطى إياها فإن السر أسلم له من احتقار الناس له، أو نسبته إلى أنه أخذها مع الغنى وترك التعفف. وأما حال الناس فالسر عنهم أفضل من العلانية لهم، من جهة أنهم ربما طعنوا على المعطي لها بالرياء، وعلى الآخذ لها بالاستغناء، ولهم فيها تحريك القلوب إلى الصدقة. لكن هذا اليوم قليل. ويقول الخطيب: إن كان المتصدق ممن يقتدى به، وأظهرها ليقتدى به من غير رياء ولا سمعة، فهو أفضل.

    أما صدقة الفرض فلا خلاف أن إظهارها أفضل كصلاة الفرض وسائر الفرائض. والصدقة الخفية تشمل عدة أنواع؛ فلو أنك أطعمت مسلماً على جوع أو كسيته على عري أو سقيته على ظمأ، أو بنيت مسجداً أو تبرعت له، أو كفلت يتيماً أو تصدقت على مسكين أو قضيت عن مسلم ديناً أو كشفت عنه كربة؛ دون أن يعلمك بك أحد فهذا كله من الصدقة الخفية التي يعظِّم الله لك بها الأجر والثواب، والله الموفق والمستعان.

  • الزواج من مطلقة تكبرني سِنا

    أود الزواج بامرأة مطلقة وتكبرني سناً، ولها طفلان وهذا أقام الدنيا ولم يقعدها عند والديَّ، وهما يرفضان الموضوع رفضاً باتاً، وقرروا إما نحن أو هي، وهذا بصراحة أمر يؤرقني لأنني أريدها؛ وقد خرجت من البيت لذلك الرفض منهم؛ وهم يخافون كلام الناس ونظرة المجتمع؛ وأما أنا فأنظر إلى حياتي بجوارها فأفيدوني

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فالكفاءة غير معتبرة في السن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بخديجة رضي الله عنها، وكان في الخامسة والعشرين من عمره وهي في الأربعين، وتزوج بعائشة بنت الصديق رضي الله عنهما وكان فوق الخمسين وهي دون العاشرة، لكنني أنصحك – أخي – بأن تطيع والديك ولا تغضبهما فما أرادا لك إلا الخير، ثم إن الشريعة نفسها ترغب في نكاح البكر؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما {هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك، وتداعبها وتداعبك} وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه {انكحوا الجواري الأبكار فإنهن أطيب أفواهاً وأعذب وأفتح أرحاما} رواه عبد الرزاق في مصنفه، فالذي أنصحك به أن ترضي والديك، وإن كنت شغوفاً بتلك المرأة لا تستطيع لها فراقاً فشَفِّع الشفعاء لدى أبويك لعل الله يصلح ذات بينكم، والله المستعان.

  • جريمة الإجهاض

    ما هو الحكم الشرعي فيمن يقوم بعملية الإجهاض وذلك إثر جريمة زنا كان من نتيجتها الحمل؟ وهل يعاقب الطرفان بنفس العقوبة؟ وهل يغفر الله لهما؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    أولاً: كل الذنوب ـ عدا الشرك ـ تحت المشيئة، إن شاء ربنا غفر لأهلها وإن شاء عذبهم، قال سبحانه {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} ويشمل ذلك الإجهاض والزنا

    ثانياً: الزنا من كبائر الذنوب التي توعد الله عليها بالعقاب الأليم؛ فقال سبحانه {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً $ يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا $ إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما}

    ثالثاً: الإجهاض ـ أي إسقاط الجنين ـ لا يجوز إلا في حال تحقق الخوف على حياة الأم؛ إذ حياته ليست أولى من حياتها، أما في غير ذلك من الأحوال فلا يجوز خاصة إذا نفخت فيه الروح؛ إذ الفقهاء متفقون على تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح، وأما قبل نفخ الروح فأكثر الفقهاء على منعه إلا لعذر كما لو انقطع لبنها بعد ظهور الحمل، وليس لأبي الصبي ما يستأجر به ظئراً ـ أي مرضعة ـ ويخاف هلاكه، وهذا هو المعتمد عند المالكية كما نقل ذلك الدردير والدسوقي وغيرهما.

    رابعاً: الحامل إذا شربت دواء أو باشرت ـ متعمدة ـ عملاً ما تقصد طرح الجنين فالواجب عليها التوبة إلى الله مما فعلت، وكذلك لو باشر الإسقاط غيرها، وقد اتفق الفقهاء على أن الواجب في الجناية على الجنين هو غرة؛ أي نصف عشر الدية الكاملة؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وغيره أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى؛ فطرحت جنينها؛ فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة عبد أو وليدة. رواه الشيخان. وأما الكفارة ـ بصيام شهرين متتابعين ـ فهي عند المالكية والحنفية مندوبة لا واجبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقض بها. والله تعالى أعلم.

زر الذهاب إلى الأعلى