الفتاوى

  • وسواس في المذي

    ما تعريف الرجل المذاء؟ أنا لست رجلاً مذاء بطبعي لكنني مصاب بمرض الوسواس القهري؛ فيستغل الشيطان ذلك بعرض أفكار كثيفة حتى يخرج مني المذي فانا أحتاط وأعيد الوضوء لكل وقت صلاة؛ لكن هل يجب عليَّ غسل الثياب أو رشها لأن ذلك يسبب إحراجاً ومشقة عليَّ؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فالواجب عليك أيها الأخ السائل أن تعلم أن دين الله تعالى يسر لا حر ج فيه، وقد قال سبحانه {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون} فاستعن بالله ولا تعجز، واعمل على مقاومة هذه الوساوس بالإكثار من ذكر الله تعالى والتسلح بالعلم النافع الذي تقمع به الشيطان وتصرف عنك كيده، واعلم بأن المذاء هو من كان كثير المذي كما قال علي رضي الله عنه {كنت رجلاً مذاء} والواجب على المسلم إذا خرج منه المذي أن يغسل ذكره كله من أصله إلى رأسه وأن يتوضأ وضوء الصلاة؛ لأن خروج المذي ناقض كخروج البول؛ وأما بالنسبة للثياب فقد قال بعض أهل العلم يجب غسلها، وقال بعضهم: يكتفى بالنضح وهو الرش بالماء، ولعل النضح هو المناسب لمثل حالتك؛ لحديث سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: كنت ألقى من المذي شدة، وكنت أكثر من الاغتسال، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال {إنما يجزئك من ذلك الوضوء} قلت: يا رسول الله فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال {يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه أصاب منه} رواه الترمذي وأبو داود، والله تعالى أعلم.

  • مبلغ في الكريسماس

    أعمل في دولة غير مسلمة، يعطي صاحب العمل في نهاية العام مع المرتب مبلغاً مجملاً، علمت مؤخراً أنه يشتمل على مبلغ لعيد الكريسماس، هل يجوز أخذه والتصدق بهذا الجزء دون أن يكون لي أجر في ذلك؟ أم أرده لصاحب العمل؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فالذي أراه لك أن تنتفع بهذا المبلغ فيما ترى من الوجوه المشروعة، سواء كانت مصلحة خاصة لك أو لغيرك، أو تتصدق به لو شئت؛ فإن الظاهر من سؤالك أن نظام العمل يقضي بمنح هذا الراتب في الأعياد؛ وأنت كغيرك لك أعيادك المرتبطة بدينك، ومن حقك أن تنال ما ينال غيرك في أعيادهم، ثم إن صاحب العمل يعلم أنك مسلم، ومع ذلك طابت نفسه بأن يعطيك هذا المبلغ، وعليه فلا حرج عليك في الانتفاع به، والله تعالى أعلم.

  • دفع المرأة زكاتها لزوجها

    هل يجوز للمرأة أن تعطي من زكاتها لزوجها الذي لا يملك قوت يومه لسداد رسوم في عمله، علماً بأنها يمكن أن تعطيه من مالها دون الزكاة؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فيجوز للمرأة أن تعطي زوجها من زكاتها؛ إن كان من الأصناف الذين أباح الله لهم الأخذ من الزكاة، وهم المذكورون في آية سورة التوبة {إنما الصدقات للفقراء والمساكين…الآية} استدلالاً بحديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما حين قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّكَ أَمَرْتَ الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ لِي فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَوَلَدَهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ} قال ابن حجر رحمه الله تعالى: واستدل بهذا الحديث على جواز دفع المرأة زكاتها إلى زوجها، وهو قول الشافعي والثوري وصاحبي أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك وعن أحمد كذا أطلق بعضهم ورواية المنع عنه مقيدة بالوارث وعبارة الجوزقي: ولا لمن تلزمه مئونته، فشرحه ابن قدامة بما قيدته قال: والأظهر الجواز مطلقا إلا للأبوين والولد.ا.هـــــ

  • تأخير العشاء

    ما حكم تحويل النية في الصلاة النافلة من ٤‏ ركعات إلى٢‏ أثناء الصلاة إنقاذاً لطفلي من خطر ما؟؟

    وكذلك حمل الطفل من فوق السرير أثناء الصلاة مخافة وقوعه إذا بدأ يقفز بشدة؟ وأيضا تأخير صلاة العشاء حتى ينام الأطفال لأصلي بتركيز؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فلا حرج في حمل الطفل أثناء الصلاة إذا دعت لذلك حاجة، وقد حمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة بنت زينب رضي الله عنهما؛ فكان إذا سجد وضعها، فإذا قام رفعها، وتأخير صلاة العشاء لا حرج فيه إلى ما قبل منتصف الليل، وأما تغيير النية ففيه تفصيل خلاصته أنه إذا كان النفل الذي تصلينه نفلاً مطلقاً فلا حرج عليك في أن تنتقلي إلى نفل آخر؛ أقل منه أو أكثر؛ أما إذا كان نفلاً معيناً كنافلة الصبح أو المغرب أو العشاء فلا يجزئ التحول من نفل معين إلى نفل معين؛ مثال ذلك من دخل في صلاة الضحى ثم تذكر أنه لم يصل نافلة الفجر؛ فلا يجزئه في تلك الحال أن يحوِّل نيته، ومن باب أولى لا يجزئ التحول من نية فرض إلى نية فرض آخر، لأن النية شرطها أن تكون سابقة على الفعل، والعلم عند الله تعالى

  • توسل سيدنا آدم بالنبي

    عندما ارتكب سيدنا آم u الخطيئة هل توسل برسول الله e عندما رفع رأسه فوجد مكتوباً عند قوائم العرش: لا إله إلا الله محمد رسول الله؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    الحديث رواه الحاكم في المستدرك من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي. فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال: يا رب لما خلقتني بيدك، ونفخت فيَّ من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. فقال الله: صدقت يا آدم؛ إنه لأحب الخلق إليَّ؛ ادعني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك}

    قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في سلسلة الأحاديث الضعيفة (1/88): موضوع، أخرجه الحاكم في “المستدرك” (2/615) وعنه ابن عساكر (2/323) وكذا البيهقي في باب ما جاء فيما تحدث به e بنعمة ربه من “دلائل النبوة” (5/488) من طريق أبي الحارث عبد الله بن مسلم الفهري، حدثنا إسماعيل ابن مسلمة، نبأنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب مرفوعا، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، و هو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب؛ فتعقبه الذهبي بقوله: بل موضوع، و عبد الرحمن واه، و عبد الله بن مسلم الفهري لا أدري من هو. قلت: والفهري هذا أورده في “ميزان الاعتدال” لهذا الحديث، وقال: خبر باطل رواه البيهقي في “دلائل النبوة” وقال البيهقي: تفرد به عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم وهو ضعيف. وأقره ابن كثير في “تاريخه” (2/323) ووافقه الحافظ ابن حجر في “اللسان” أصله “الميزان” على قوله: خبر باطل وزاد عليه قوله في هذا الفهري: لا أستبعد أن يكون هو الذي قبله فإنه من طبقته، وقال الهيثمي في “المجمع” (8/253): رواه الطبراني في “الأوسط” و”الصغير” وفيه من لم أعرفهم.ا.هـ

  • الدليل على صحة قول آمين بعد الفاتحة في صلاة الجماعة

    ما الدليل علي صحة قول آمين بعد الفاتحة في الصلاة الجهرية؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فقد ورد في الجهر بالتأمين عدة أحاديث ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) وما رواه أبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال: آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول) وفي رواية (فيرتج بها المسجد) وفي مسند أحمد وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين) وحديث ابن عباس عند ابن ماجه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على قول آمين فأكثروا من قول آمين) وحديث وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال آمين يمد بها صوته) أخرجه أبو داود والدارقطني وابن حبان؛ قال الحافظ: وسنده صحيح.

    فهذه الأحاديث دالة على مشروعية التأمين للإمام والجهر ومد الصوت به؛ قال الترمذي: وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم يرون أن الرجل يرفع صوته بالتأمين ولا يخفيها وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق اه

  • الشك في الزوجة

    هل الشك في الزوجة يستوجب التحريم أو الطلاق علماً بأنه يأتي في بعض اﻷحيان وليس في سائر اﻷوقات..وجزاكم الله خيرا

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فإن المرء ليأسى لحال الناس حين يتكرر هذا السؤال مراراً، وحين يبلغ الحال ببعض الأزواج أن يظلم زوجته في أعز شيء تحرص عليه وهو عرضها؛ ولا شك أن كل زوج لو وضع نصب عينيه قول ربنا سبحانه {اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم} وقول النبي صلى الله عليه وسلم “إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث” فإنه سيريح نفسه من كثير من الشكوك والوساوس التي يلقيها الشيطان في روعه رغبة في التفريق بينه وبين زوجته، وكذلك لو أنزل هذه الزوجة منزلة أخته وتفكر فيما يحب أن يصنع زوج أخته معها من الستر وحسن المعاملة وطيب المعاشرة وكرم الأخلاق فإنه سيتقي الله في هذه المسكينة.

    ومهما يكن من أمر فإن الزوج مطلوب منه الإقلاع عن تلك الوساوس، وألا يحدث بها أحداً، ويستأنف حياته مع زوجته على تقوى من الله ورضوان، ولا يترتب على الشك تحريم للزوجة كما يعتقد كثير من الناس، بل هي حلال له متى ما تراضيا على حال حسنة، والله تعالى أعلم.

  • أتأخر عن الصلاة بسبب العمل

    أحياناً أتأخر في الصلاة بسبب العمل؛ وعندما أصل إلى المسجد أجد الإمام في التشهد الأخير، وأعلم أن هنالك عدداً من الناس يتوضئون؛ فهل أدخل وأصلي مع الجماعة الأولي؛ ولن أدرك ولا ركعة؟ أم أنتظر حتى يسلِّم الإمام وأصلي مع جماعة ثانية من بداية الجماعة؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فالواجب على المسلم أن يبادر إلى الصلاة متى ما حضرت، ولا يتشاغل بغيرها عنها؛ لتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك حين قال (ما يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) لكن لو حصل ذلك أحياناً لأمر خارج عن الطاقة ودخل الإنسان المسجد فعليه أن يدخل مع الإمام على الحالة التي هو عليها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام) رواه الترمذي، وإذا علم الله من حاله الحرص على الجماعة فإنه يكتب له أجرها وإن لم يدرك منها إلا شيئاً يسيراً، والله تعالى أعلم.

  • زنى بنصرانية ويريد الزواج منها

    سؤالي هو أنى قد وقعت في الزنا من أجنبية أو من نصرانية، وأنا الذي فتحت غشاء البكارة لها، أنا معترف بذلك أمام الله ونفسي، ولقد حصلت بيننا خلافات، ورجعت لي مره ثانية، وأنا عندي النية أن أدخلها في الإسلام، وأنها لا تشرب الخمر، وأنا أعرف بأنها بسيطة وطيبه القلب، لهذا قلبي يؤلمني بأني جمعتنا علاقة جنسية، وأريد أن أتزوج بها وان شاء الله سوف أهدبها إلى الإسلام، سؤالي هو هل يصح لي بالزواج بها أم لا؟ وأنا كنت من فتحت غشاء بكارتها؟ وأسال الله أن يكفر لي سيئاتي لهذا نويت الزواج بها فهل يجوز؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    أولاً: سارع إلى الله تعالى بتوبة نصوح؛ لكونك قد أتيت ذنباً عظيماً، هو أكبر الذنوب عند الله بعد الشرك وقتل النفس، وقد قال سبحانه )والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً ! يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً ! إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما(

    ثانياً: اتق الله في نفسك واقطع علاقتك بكل أجنبية ولا تسمح لنفسك ـ تحت دعوى أنك تدعوها إلى الإسلام ـ أن تقيم معها علاقة، واحرص على أن تعرف الإسلام أنت أولاً قبل أن تدعو إليه

    ثالثاً: لا تتزوج بهذه المرأة إلا إذا تابت من الزنا وأعلنت إسلامها؛ ولا تتزوج بها على أنك ستدخلها؛ إذ ربما لا تقبل بالإسلام، وعندها ستكون جانياً على ذريتك منها؛ فلا تدخل في الأمر باحتمال بل بيقين؛ وزناك بها لا يمنع الزواج منها إذا تبتما؛ فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والله تعالى أعلم.

  • الديون وزكاة المحصول

    حان وقت حصاد زرعي واستدنت مبلغاً للحصاد هل يجوز أن أخصم هذا الدين قبل إخراج الزكاة؟ ثانياً: لو كان المال الذي أنفقته في الحصاد (2مليون) ليس ديناً بل هو مالي هل أسترده من بيع المحصول قبل أن أخرج الزكاة؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فالنصاب المحدد لزكاة الزروع هو ما يعادل ستمائة وسبعة وأربعين كيلو جراما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) فنصاب الزروع خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً؛ فيكون النصاب ثلاثمائة صاع، والصاع النبوي يعادل نحواً من 2156 جراماً؛ فيكون النصاب ستمائة وسبعة وأربعين كيلو جراماً. وأما ما لا يكال – كالقطن والمطاط وقصب السكر – فإن زكاته بالقيمة؛ فينظر في قيمة الخمسة الأوسق من غلة متوسطة وتؤخذ من أرباب تلك الزروع.

    وأما النفقة على الزرع فإن كانت ديناً على صاحب الزرع؛ فإنه يُخرج هذا الدين ويزكي الباقي إن كان بالغاً نصابا؛ لما روى أبو عبيد في الأموال بسنده عن جابر بن زيد، قال في الرجل يستدين فينفق على أهله وأرضه، قال: قال ابن عباس: يقضى ما أنفق على أرضه، وقال ابن عمر: يقضى ما أنفق على أرضه وأهله. وقال ابن عباس: يقضي ما أنفق على الثمرة ثم يزكِّي ما بقى. فقد اتفق ابن عباس وابن عمر على قضاء الدّيْن الذي أنفقه على الأرض والثمرة، وزكاة الباقي فقط، واختلفا في الدّيْن إذا كان على نفسه وأهله. وكذلك روى أبو عبيد عن مكحول أنه قال في صاحب الزرع المدين: لا تؤخذ منه الزكاة حتى يقضى دينه، وما فضل بعد ذلك زكّاه، إذا كان مما تجب فيه الزكاة . وبهذا قال سفيان الثوري وأحمد بن حنبل

    وإن لم تكن تلك النفقات مثل ما ينفقه الزارع من ماله على البذر والسماد والحرث والري والتنقية والحصاد وغير ذلك؛ إذا لم تكن ديناً على صاحب الزرع فقد اختلف أهل العلم هل ترفع هذه النفقات والتكاليف -أعنى القدر المقابل لها من المحصول ويزكِّى الباقي، تخصم أم لا؟

    فذهب ابن حزم الظاهري إلى أنها لا تحتسب، بل يجب إخراج الزكاة عن الزرع كله دون اعتبار لما أنفق فيه؛ قال رحمه الله: لا يجوز إسقاط حق أوجبه الله تعالى بغير نص قرآن ولا سُنَّة ثابتة قال: وهذا قول مالك والشافعي وأبى حنيفة وأصحابنا أ.هـ .

    وتعرض ابن العربي في شرح الترمذي لهذه المسألة فقال في عارضة الأحوذي 3/143: اختلف قول علمائنا، هل تحط المؤونة من المال المزكى، وحينئذ تجب الزكاة -أي في الصافي- أو تكون مؤونة المال وخدمته -حتى يصير حاصلاً- في رب المال، وتؤخذ الزكاة من الرأس -أي من إجمالي الحاصل؟ فذهب إلى أنه الصحيح أن تحط وترفع من الحاصل، وأن الباقي هو الذي يؤخذ عُشره، واستدل لذلك بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: “دعوا الثلث أو الربع”، وأن الثلث أو الربع يعادل قدر المؤونة تقريبًا، فإذا حسب ما يأكله رطبًا، وما ينفقه من المؤونة تخلص الباقي ثلاثة أرباع، أو ثلثين، قال: ولقد جربناه فوجدناه كذلك في الأغلب

    قال العلامة القرضاوي حفظه الله تعالى: الذي يلوح لنا أن الشارع حكم بتفاوت الواجب في الخارج بناء على تفاوت المشقة والجهد المبذول في سقي الأرض، فقد كان ذلك أبرز ما تتفاوت به الأراضي الزراعية، أما النفقات الأخرى فلم يأت نص باعتبارها ولا بإلغائها، ولكن الأشبه بروح الشريعة إسقاط الزكاة، عما يقابل المؤونة من الخارج، والذي يؤيد هذا أمران:

    الأول: أن للكلفة والمؤونة تأثيرًا في نظر الشارع، فقد تقلل مقدار الواجب، كما في سقي بآلة، جعل الشارع فيه نصف العُشر فقط، وقد تمنع الوجوب أصلاً كما في الأنعام المعلوفة أكثر العام، فلا عجب أن تؤثر في إسقاط ما يقابلها من الخارج من الأرض.

    الثاني: أن حقيقة النماء هو الزيادة، ولا يعد المال زيادة وكسبًا إذا كان أنفق مثله في الحصول عليه، ولهذا قال بعض الفقهاء: إن قدر المؤونة بمنزلة ما سلم له بعوض، فكأنه اشتراه، وهذا صحيح.

    هذا على ألا تحسب في ذلك نفقات الري التي أنزل الشارع الواجب في مقابلها من العُشر إلى نصفه فمن كانت له أرض أخرجت عشرة قناطير من القطن تساوى مائتي جنيه، وقد أنفق عليها -في غير الري- مع الضريبة العقارية، مبلغ ستين جنيهًا (أي ما يعادل ثلاثة قناطير) فإنه يخرج الزكاة عن سبعة قناطير فقط، فإذا كانت سقيت سيحًا ففيها العُشر أو بآلة فنصف العُشر، والله أعلم

زر الذهاب إلى الأعلى