الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
فمصارف الزكاة محدَّدة في قول ربنا سبحانه وتعالى {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}
وإخواننا أهل غزة يصدق على أغلبهم أنهم من الفقراء أو المساكين أو الغارمين؛ حيث يعانون من حصار خانق وعدو متربص، وفي الوقت نفسه قد جعلهم الله في نحر هذا العدو يثخنون فيه حيناً بعد حين، في ظل وجود أنظمة طاغوتية قد أعطت الدنية في الدين ورضيت بأن تفرط في الكرامة والأرض مقابل سلام زائف يضمن لهم عروشهم وشهواتهم
وقد سأل بعض الإخوة عن مشروعية الصرف من الزكاة على إنشاء محطات طاقة شمسية تغذي غزة بالكهرباء؛ فتعين أهلها على جهادهم لعدوهم وتدبير شئون دنياهم في مدارسهم ومعاهدهم ومشافيهم وغير ذلك مما لا غنى لهم عنه.
والجواب أن ذلك سائغ مشروع إن شاء الله وذلك من عدة وجوه:
أولها: باعتبار أن أهل غزة مرابطون في سبيل الله، ومجاهدون لأعداء المسلمين اليهود، وفي الوقت نفسه يواجهون ظروفاً صعبة وأحوالاً تجعل أغلبهم مصنفين في دائرة الفقراء والمساكين، والكهرباء قد صارت من ضرورات الحياة التي لا غنى عنها في تدبير شئون الحياة كافة
ثانياً: أن جمعاً من العلماء المحدثين – كالسيد جمال الدين القاسمي والسيد رشيد رضا والشيخ حسنين محمد مخلوف والشيخ محمود شلتوت – قد توسعوا في معنى “سبيل الله” فلم يقصره على الجهاد وما يتعلق به، بل فسره بما يشمل سائر المصالح والقربات وأعمال الخير والبر، وفقاً للمدلول الأصلي للكلمة وضعاً.
ثالثاً: باعتبار ما قاله جمهور العلماء من أن مصرف (سبيل الله) يشمل الجهاد وما يعين عليه، من النفقات والدواب والكراع والسلاح وما يحتاج إليه من آلة الحرب وكف العدو عن الحوزة، حتى قال بعضهم: يأخذ المجاهد من الزكاة ولو كان غنيا؛ لأن أخذه بوصف الجهاد لا بوصف الفقر. ويُعطى منها جاسوس يُرسَل للاطلاع على عورات العدو ويعلمنا بها ولو كان كافراً؛ ومعلوم أن إعداد الأسلحة وتجهيز المقاتلين وتدريبهم لا يستغنى فيه عن الكهرباء.
رابعاً: باعتبار أن أغلب المجاهدين في غزة إنما هم متطوعون وليسوا جنوداً نظاميين يتقاضون راتباً من حكومة؛ وهذا ما نص عليه الشافعية والحنابلة – كما في المنهاج للنووي وشرحه لابن حجر الهيثمي – أو بعبارة ابن حجر: لا سهم لهم في ديوان المرتزقة بل هم متطوعة يغزون إذا نشطوا، وإلا فهم في حرفهم وصنائعهم..
والحنابلة يرون أن من أهل الزكاة الغزاة المتطوعة الذين ليس لهم راتب، أو لهم دون ما يكفيهم، فيُعطى المجاهد منهم ما يكفيه لغزوه. ولو كان غنياً. وإن لم يغز بالفعل رد ما أخذه. ويتوجه عندهم: أن الرباط على الثغور كالغزو كلاهما في سبيل الله.
خامساً: أن هذه المحطات يستفاد منها في تشغيل المدارس والجامعات والمشافي ووسائل الإعلام وغير ذلك مما لا غنى للمجاهدين عنه في عصرنا؛ فإن الجهاد يكون بالقلم واللسان كما يكون بالسيف والسنان، والجهاد يكون بالفكر والتربية والاجتماع والاقتصاد والسياسة كما يكون بالآلة العسكرية وكل هذه الأنواع من الجهاد تحتاج إلى الإمداد والتمويل. المهم أن يتحقق الشرط الأساسي لذلك كله، وهو أن يكون “في سبيل الله” أي في نصرة الإسلام، وإعلاء كلمته في الأرض، فكل جهاد أريد به أن تكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. أياً كان نوع هذا الجهاد وسلاحه.
وعليه فإنه لا مانع من الإنفاق من مال الزكاة في تجهيز تلك المحطات، والله الموفق والمستعان.