الفتاوى

  • الشك في إدراك الركعة

    في بعض الأحيان وعند دخول المسجد والإمام راكع فإن المرء عند تكبيره للركوع يأتيه نوع من الشك هل أدرك الركعة فعلاً مع الإمام أم أن الإمام قد رفع قبل أن يتم المرء ركوعه، وعند هذه الحالة فإني أقوم باعتبار أن هذه الركعة قد فاتتني وبعد سلام الإمام آت بركعة وبعد ذلك سجود للسهو بعد السلام تحسباً بأن هنالك ركعة زائدة، فهل هذا الأمر صحيح؟ وجزاكم الله خيرا.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فما تفعله ليس بصحيح لأنك تأتي بركعة عامداً ثم تسجد للسهو، وفي هذا من التناقض ما لا يخفى، وأما ما ينبغي فعله فإنك إن أدركت الإمام قبل أن يستتم قائماً فقد أدركت الركعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم “من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة” أما إذا استتم الإمام قائماً فقد فاتتك الركعة وينبغي لك الإتيان بها بعد سلام الإمام، والعلم عند الله تعالى.

  • يلحن في قراءة الفاتحة

    ما حكم من لحن في قراءة سورة الفاتحة في الصلاة (مثلاً قرأ نستعين بكسر النون بدلاً من فتح النون)؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فإن الواجب على جماعة المسلمين أن يختاروا أحسن الناس قراءة وأكثرهم فقهاً ليكون إمامهم في الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا سواء فأعلمهم بالسنة) رواه البخاري، وكذلك على المسئولين عن المساجد ألا يعينوا في هذا المنصب العظيم إلا من ثبتت عدالته وتحققت كفاءته؛ لئلا يكون في قلوب المؤمنين حرج من الصلاة خلف من لا يحسن القراءة أو لا تطيب نفوسهم بالصلاة خلفه؛ لقلة مروءة أو سقوط عدالة. والواجب على من يتصدى لإمامة المصلين أن يتقي الله ويعلم أنها مهمة عظيمة الله تعالى سائله عنها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (يصلون لكم؛ فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم) وعلى الإمام أن يتعلم أحكام الصلاة في شروطها وواجباتها وسننها ومفسداتها، وواجب عليه كذلك أن يقيم لسانه بفاتحة الكتاب ويجتهد في ذلك ما استطاع.

    واللاحن في قراءة الفاتحة لا يخلو من حالين: إما أن يكون لحنه جلياً ـ وضابط اللحن الجلي  أنه يحيل المعنى ـ  كمن قرأ: إياك بتخفيف الياء أو كسر الكاف، أو قرأ: أنعمت بضم التاء، فمثل هذا لا تصح صلاته إلا بمن كان مثله أما إن كان في المأمومين من هو خير منه قراءة فإن صلاة الجميع تبطل، وإن كان اللحن خفياً ـ وضابط الخفي أنه  لا يحيل المعنىـ  كمن قرأ: الحمد بكسر الدال، أو قرأ: الرحمن بضم النون، أو قرأ: نعبد بكسر الباء، فمثله تصح صلاته لكن خير له أن يتنحى عن الإمامة إبراء للذمة ونصيحة للأمة خاصة مع كثرة الحفاظ المجيدين والعلم عند الله تعالى.

  • أعمل في الأمم المتحدة

    بحكم عملي في الأمم المتحدة أخالط كثيراً من النصارى، نتناول الطعام سوياً أثناء ساعات العمل، أشاركهم في بعض الدعوات والحفلات في منازلهم وبعض الأماكن العامة، فما مدى حرمة ذلك؟ مع العلم بأني ألتزم دائماً بالزي الإسلامي حتى في هذه الحفلات.

    الحمد لله وحده، الصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فالحكم على عملٍ مّا بالحلِّ أو الحرمة يتوقف على معرفة ماهية ذلك العمل، وهل يندرج تحت التعاون على البر والتقوى أم التعاون على الإثم والعدوان؟ وها هنا أسئلة تستطيعين من خلال الجواب عنها معرفة حكم عملك في تلك الهيئة: هل الأمم المتحدة تنتصر لقضايا المسلمين أم العكس؟ هل هي في أحكامها ونظمها تخضع لما أنزل الله أم العكس؟ هل الغلبة فيها للإسلام وأهله أم العكس؟ هل جاءت لهذه البلاد انتصاراً للضعفاء والمساكين ورفع الظلم عنهم كما يدَّعون أم جاءت لممارسة أنشطة جاسوسية وإملاء سياسات معينة؟

    أما علاقة الرجل المسلم بغير المسلم من خلال العمل فتحكمها تعاليم الإسلام التي لا تمنع البر والقسط ما دام الكافر لم يؤذ المسلمين في دينهم وديارهم، فلا مانع ـ والحال كذلك ـ من الأكل من طعامه وقبول هديته وكذلك إطعامه والإهداء إليه وعيادته إذا مرض وتعزيته إذا مات له ميت وتهنئته إذا حدث له أمر مشروع في ديننا كزواج أو ولادة، ولا بأس كذلك بزيارته في منزله واستزارته في منزلك وإجابة دعوته، لكن ممنوع على المسلم محبة ذلك الكافر لقوله تعالى ((لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله..)) وممنوع عليه التدليس عليه بتصوير أن ما عليه من الدين حق لا حرج فيه بل الواجب عليك دعوته إلى الإسلام إن كنت تستطيعين ذلك مباشرة أو بإهداء الكتب التي تعرِّفه بالإسلام.

  • حكم البخرات

    لاحظت أن بعض شيوخ التداوي بالقران يعطون مرضاهم وريقات مكتوباً فيها آيات قرآنية، ويطلبون منهم أن يحرقوها في النار ويدعوا دخانها يمس أجسادهم وأنوفهم؛ فما حكم هذه الأشياء التي يسمونها بخرات؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فلا يجوز كتابة الآيات وحرقها طلباً للشفاء؛ لأن ذلك لم يكن من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه رضي الله عنهم ولو كان خيراً لسبقونا إليه، بل كان هديه عليه الصلاة والسلام أنه يقرأ على المريض وينفث عليه ويدعو له، أما الحرق فهو أمر محدث {وشر الأمور محدثاتها} ثم إنه يخشى أن يكون في هذا الفعل امتهان للقرآن العزيز، والله تعالى أعلم

  • ملابس لمسها كلب

    السؤال: إذا لمس الكلب الإنسان بفمه أو بلعابه في جسده أو ملابسه هل يغسله سبع مرات؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فقد ثبت من حديث أبي هريرة وعبد الله بن مغفل رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً أولاهن بالتراب) متفق عليه، وقد أخذ بهذا الحديث جمهور العلماء فقالوا بغلظ نجاسة الكلب صغيراً كان أو كبيراً معلَّماً أو غيره، وأن الواجب غسل كل ما مسه لعابه من جسد أو ثوب أو فراش أو غير ذلك سبع مرات أولاهن بالتراب، قال النووي: حكى ابن المنذر وجوب الغسل سبعاً عن أبي هريرة وابن عباس وعروة بن الزبير وطاوس وعمرو بن دينار ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور. قال ابن المنذر: وبه أقول.أ.هـ وأما المالكية رحمهم الله فإنهم لا يقولون بنجاسة عين الكلب ولا لعابه، ويحملون الأمر الوارد في الحديث على التعبد، وعليه فإنهم لا يوجبون غسل ما سوى الإناء مما مسه الكلب. والله تعالى أعلم.

  • لبس النساء للسواد

    هل لبس الأسود للنساء من السنة؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فليس من السنة لبس الأسود، إذ لم يرد في تفضيل الأسود للنساء نص صريح، وقد فهم البعض ذلك من قول أم سلمة رضي الله عنها: لما نزلت هذه الآية {يدنين عليهن من جلابيبهن} خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية. قال في عون المعبود: شبهت الخمر في سوادها بالغراب.ا.هـــــــ

    ولو قال قائل بأن من السنة لبس البياض لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (البسوا من ثيابكم البياض وكفنوا فيهن موتاكم) لما كان بعيداً، والحق أن أمر التفريق بين ثياب الرجال والنساء راجع إلى العرف وليس فيه تقييد من الشرع، والله تعالى أعلم.

  • حكم ملك اليمين

    هل حكم ملك اليمين ساري إلى قيام الساعة أم نسخ؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فحكم ملك اليمين ساري إلى قيام الساعة لوروده في نصوص الشرع التي لم ينسخها شيء؛ كقوله تعالى {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم} وقوله تعالى {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم وما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر سعد بن معاذ رضي الله عنه على حكمه في بني قريظة بأن تقتل مقاتلتهم وتسبى نساؤهم وذراريهم وقال (قضيت فيهم بحكم الله) رواه مسلم، وفي بعض الروايات (من فوق سبع سموات) وفي بعضها (من فوق سبعة أرقعة) فالحكم باق متى ما وجد سببه، وليس للرق سبب سوى الكفر؛ وبابه هو الجهاد في سبيل الله عز وجل، ومن ادعى النسخ فليأت بالناسخ المزعوم، والله تعالى أعلم.

  • إيجار عقار منتهي بالتمليك

    فضيلة الشيخ عبد الحي …السلام عليكم ورحمة الله

     اشتريت عقار في إحدى دول الخليج عن طريق بنك إسلامي بصيغة الإيجار المنتهي بالتمليك؛ حيث يشتري البنك ما قيمته 85% من قيمة العقار من البائع بعقد بيع، على أن أدفع ما قيمته 15% للبائع ومن ثم يؤجر لي حصته بعد إضافة الأرباح بأجر معلوم لمدة معلومة مع وعد بالبيع عند نهاية المدة وبعد سداد كامل الأجرة.

    في أحد بنود عقد الإيجار:

     1/ لو تأخرت عن الدفع تماطلاً يجب عليَّ أن أتبرع بنسبة معينة لجهة خيرية وﻻ يأخذها البنك.

    2/ لو حصل تضخم في مؤشر الاقتصاد مثلاً كانخفاض في قيمة العملة يتم إعادة حساب قيمة حصة البنك في العقار بمعادلة حسابية لمجابهة مقدار التضخم ويخطرني البنك بتغيير قيمة الأجرة.

     ما حكم الشرع في صيغة الإجارة المنتهية بالتمليك؟ وما صحة العقد أعلاه؟ مع العلم أن هيئة الرقابة الشرعية في البنك يقرون هذا لكن قلبي غير مطمئن أشيروا عليَّ. وجزاكم الله خيراً

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فقد كان واجباً عليك – أحسن الله إليك – أن تسأل عن الحكم قبل مباشرة العقد؛ أما وقد فعلت فإن الحكم في هذه المسألة أنه قد صدر قرار من مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته الثانية عشرة المنعقدة بالرياض في 25/جمادى الآخرة/1421 لجواز بيع الإجارة المنتهي بالتمليك أن يكون هناك عقدان منفصلان يستقل كل منهما عن الآخر زماناً، بحيث يكون إبرام عقد البيع بعد عقد الإجارة، أو وجود وعد بالتمليك في نهاية مدة الإجارة، وأن تكون الإجارة فعلية وليست ساتراً للبيع، وأن يكون ضمان العين المؤجرة على المالك لا على المستأجر، وبذلك يتحمل المؤجر ما يلحق العين من غير ضرر ناشئ من تعدي المستأجر، أو تفريطه، ولا يلزم المستأجر بشيء إذا فاتت المنفعة. وإذا اشتمل العقد على تأمين العين المؤجرة فيجب أن يكون التأمين تعاونياً إسلامياً لا تجارياً، ويتحمله المالك المؤجر وليس المستأجر، وأن تطبَّق على عقد الإجارة المنتهية بالتمليك أحكام الإجارة طوال مدة الإجارة، وأحكام البيع عند تملُّك العين. وأن تكون نفقات الصيانة غير التشغيلية على المؤجر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة.

    وفي القرار نفسه أن من صور العقد الممنوعة: وجود عقد إجارة ينتهي بتملك العين المؤجرة مقابل ما دفعه المستأجر من أجرة خلال المدة المحددة، دون إبرام عقد جديد، بحيث تنقلب الإجارة في نهاية المدة بيعاً تلقائياً. وكذلك إجارة عين لشخص بأجرة معلومة ولمدة معلومة مع عقد بيع له معلق على سداد جميع الأجرة المتفق عليها خلال المدة المعلومة، أو مضاف إلى وقت في المستقبل.

    وعليه فإن الصورة الواردة في السؤال هي من الصور الممنوعة التي لا يجوز التعامل بها؛ ويكون العقد فاسداً، وتطبق عليه أحكام العقود الفاسدة من إعادة السلعة – إن كان موجودة – إلى بائعها، أو إعادة قيمتها إن كانت قد تلفت أو كان المشتري قد تصرف فيها بالبيع أو الهبة ونحوهما.

    أما الشرط الجزائي الوارد في العقد والمترتب على تأخير سداد الأجرة فلا إشكال فيه لانتفاء شبهة الربا عنه، وكذلك تغيير قيمة الأجرة مراعاة للتضخم الحاصل لا إشكال فيه، وعليه فإن المطلوب تغيير هذه الصيغة من أجل أن يسلم البيع من أسباب التحريم، والعلم عند الله تعالى.

    فهذه معاملة فاسدة لورود عقدين غير منفصلين – بيع وإجارة – على عين واحدة التي هي السيارة، وقد اشترط مجمع الفقه الإسلامي الدولي أن يكون ثمة عقدان منفصلان يستقل كل منهما عن الآخر زمانا.

  • نذر الصيام عند فعل المعصية

    السلام عليكم يا شيخ، نذرت نذرًا بينى ونفسي أنني إذا ارتكبت هذه المعصية مرة أخرى سوف أصوم ثلاثة أيام. فهل نذرى هذا صحيح من ناحية شرعية ويجب أن أفي به؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فهذا النذر إن لم تتلفظ به ولم تكتبه فلا يلزمك الوفاء به؛ لقول النبي صلى الله عليه وسـلم “إن الله تعالى عفا لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تفعل أو تتكلم” لكن يلزمك التوبة إلى الله تعالى من جميع المعاصي مع الثقة التامة في أن الله تعالى غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسـلم “ويتوب الله على من تاب” أسأل الله تعالى أن يتوب علينا جميعا.

  • أسباب علاج قسوة القلب

    السلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته

     فضيلة الشيخ عبدالحي يوسف

    أعاني كثيرا، أول شيء في الصلاة بكون في وسوسة علي طول ما قادر أعالج الكلام ده؟

    وثانيا: في قراءة القرآن حاولت أتدبر ولم أستطع!؟

    ثالثا: مشيت إلى الحرم ولم أبك نهائيا ولا أبكي في قيام الليل، أخشي أن يكون فيَّ خلل ما أدري به وفي الأوقات العادية أكون في ذكر الله فأنعس وإذا سكت ذهب النعاس عني!! أرجو الإفادة، ودعاءكم شيخنا

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فأسأل الله تعالى لي ولك قلباً خاشعاً أواهاً مخبتا، وأن يتوب علينا ويعفو عنا، وإن الذي تعاني منه – أخي – إنما هو قسوة في القلب نسأل الله السلامة والعافية، وإني أحمد لك أن سألت هذا السؤال بحثاً عن العلاج وطلباً للشفاء، أسأل الله أن يشفيني وإياك والمسلمين أجمعين؛ والمسلم الموفق دائماً يراقب قلبه؛ لأن التعويل على القلوب وقد علمنا يقيناً أنه لا ينجو يوم القيامة إلا {من أتى الله بقلب سليم} وأن الله تعالى لا ينظر إلى الصور والألوان ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال؛ وهذه القلوب لا تدوم على حال واحدة بل هي في تقلب دائم؛ قال عليه الصلاة والسلام “إنما سمي القلب من تقلبه، إنما مثل القلب كمثل ريشة معلَّقة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهراً لبطن” رواه أحمد، وقال عليه الصلاة والسلام “لقلب ابن آدم أسرع تقلباً من القدر إذا استجمعت غلياناً” رواه ابن أبي عاصم؛ ولذا كان أكثر دعائه عليه الصلاة والسلام “يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك” وكان إذا اجتهد في يمينه قال “لا ومقلب القلوب” وقسوة القلب يا أخي من المصائب العظام قال تعالى {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله} قال القرطبي رحمه الله تعالى: قال أهل المعاني: وصف الله قلوب الكفار بعشر صفات وهي المرض والموت والقسوة والرين والطبع والختم والغشاوة والانصراف والحمية الإنكار.ا.هـــــ ومن أسباب قسوة القلب:

    • الوقوع في المعاصي وارتكاب المحرمات؛ وكثرة الوقوع فيها يؤدي إلى تحولها إلى عادة مألوفة،
    • عدم إتقان العبادات؛ ومن ذلك شرود الذهن أثناء الصلاة، وتلاوة القرآن والأدعية ونحوها، وعدم التدبر والتفكر في معاني الأذكار، فتجد الواحد لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، لا يشعر للعبادة بلذة، ولا للمناجاة بحلاوة، بل هي حركات جوفاء لا روح فيها
    • التكاسل عن الطاعات والعبادات، وإضاعتها، وإذا أداها فإنما هي حركات جوفاء لا روح فيها، وقد وصف الله عز وجل المنافقين بقوله {وَإذَا قَامُوا إلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} ويدخل في ذلك عدم الاكتراث لفوات مواسم الخير وأوقات العبادة؛ وهذا يدل على عدم اهتمام الشخص بتحصيل الأجر.
    • الغفلة عن عن ذكر الله عز وجل ودعائه سبحانه وتعالى فيثقل الذكر على الذاكر، وإذا رفع يده للدعاء سرعان ما يقبضهما ويمضي؛ وقد وصف الله المنافقين بقوله {إنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإذَا قَامُوا إلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلاَّ قَلِيلاً}
    • التعلق بالدنيا، والشغف بها، والاسترواح إليها، فيتعلق القلب بالدنيا إلى درجة أن يحس بالألم إذا فاته شيء من حظوظها كالمال والجاه والمنصب والمسكن، ويعتبر نفسه سيئ الحظ، ويحس بألم أكثر إذا رأى أخاه المسلم قد نال بعض ما فاته هو من حظوظ الدنيا.
    • الابتعاد عن الأجواء الإيمانية فترة طويلة: وهذا مدعاة لضعف الإيمان في النفس، يقول الله عز وجل {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}.
    • الابتعاد عن طلب العلم الشرعي والاتصال بكتب السلف والكتب الإيمانية، التي تحيي القلب؛ فهناك أنواع من الكتب يحس القارئ بأنها تستثير في قلبه الإيمان، وتحرك الدوافع الإيمانية الكامنة في نفسه؛ وعلى رأس هذه الكتب: كتاب الله تعالى وكتب الحديث، ثم كتب العلماء المجيدين في الرقائق والوعظ.
    • وجود الإنسان في وسط يعج بالمعاصي؛ فهذا يتباهى بمعصية ارتكبها، وآخر يترنم بألحان أغنية وكلماتها، وثالث يدخن، ورابع يبسط مجلة ماجنة، وخامس لسانه منطلق باللعن والسباب والشتائم… وهكذا، أما القيل والقال والغيبة والنميمة وأخبار المباريات فمما لا يحصى كثرة.
    • طول الأمل؛ قال الله تعالى {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} وجاء في الأثر (أربعة من الشقاء: جمود العين، وقسوة القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا). وقيل {من قصر أمله قصر همه وتنوّر قلبه؛ لأنه إذا استحضر الموت اجتهد في الطاعة}
    • الإفراط في الأكل والنوم والسهر والكلام والخلطة، وكثرة الضحك ؛ فإن الوقت الذي لا يُملأ بطاعة الله تعالى ينتج قلباً صلداً لا تنفع فيه زواجر القرآن ولا مواعظ الإيمان

    وعلاج قسوة القلب – أخي – يكون بأمور منها:

    • المحافظة على الصلاة مع جماعة المسلمين مع حضور القلب واستدعاء الخشوع
    • المحافظة على ورد دائم من القرآن الكريم لا تخل به مهما يكن من أمر
    • عيادة المرضى؛ لتتذكر نعمة الله حين أسبغ عليك ثوب العافية وصرف عنك الأمراض والآفات فتستديم شكره جل جلاله
    • تغسيل الموتى واتباع الجنائز؛ لعل ذلك يحزنك فإن الحزين في ظل الله يوم القيامة يتعرض لكل خير
    • زيارة القبور لتتذكر الآخرة وتحسن الاستعداد لها
    • اصطناع المعروف بالمسح على رأس اليتيم وإكرام السائل وإجابة الداعي

    وأما تدبر القرآن فلا بد من الأخذ بالأسباب المؤدية إليه، ومن ذلك:

    1. الإكثار من تلاوة القرآن؛ لأن من أدام طرق الباب فتح له، وكما قيل: أعط للعلم كلك يعطك بعضه
    2. الإخلاص لله تعالى عند تلاوة القرآن؛ فلا يقرأ رياء ولا سمعة ولا طلباً للأجر الدنيوي من الناس
    3. فراغ القلب عن شواغل الدنيا؛ لأن ذلك أدعى لتحصيل الغرض المراد
    4. البعد عن الذنوب والمعاصي؛ لأن للذنوب تأثيراً في حجب القلب عن الاستنارة بنور القرآن، وهذا من شؤم المعصية
    5. محاولة البكاء عند تلاوته، أو التباكي؛ لما رواه ابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص t قال: سمعت رسول الله r يقول {إن هذا القرآن نزل بحزن؛ فإذا قرأتموه فابكوا؛ فإن لم تبكوا فتباكوا}
    6. تحري الأوقات التي يكون القلب فيها بعيداً عن الشواغل وأقرب إلى الخشوع؛ خاصة في جوف الليل وبعد صلاة الفجر )إن قرآن الفجر كان مشهودا(
    7. تأمل الأوامر والنواهي واعتقاد قبولها، وأن الله تعالى يخاطب بها القارئ قبل غيره؛ كما قال بعض السلف: من أراد أن يكلِّمه الله فليقرأ القرآن
    8. تحصيل الآداب المطلوبة عند التلاوة من الطهارة الظاهرة والباطنة، وأن يستقبل القبلة إن أمكنه ذلك بغير مشقة والسواك، وأن يقبل على القرآن بقلبه
    9. أن يكون عاملاً بالقرآن، وقافاً عند حدوده، منفذاً لأوامره، متخلقاً بأخلاقه
زر الذهاب إلى الأعلى