الفتاوى

  • حكم البيع بعد النداء الثاني لصلاة الجمعة

    من المعلوم أن البيع والشراء محرمان بعد النداء الثاني يوم الجمعة، ولكن أحياناً نصلي الجمعة في أحد المساجد التي تنتهي فيها الصلاة باكراً؛ فهل يجوز لمن صلى باكراً أن يشتري من بائع في منطقة أخرى أثناء صلاة الجمعة في تلك المنطقة، وهو يعلم أن البائع لم يصلي الجمعة؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فتعدد الجمعة في البلد الواحد سائغ ما دامت تؤدى في وقتها سواء في أوله أو في آخرة، وخير للمسلم أن يبكر إلى الجمعة في أول وقتها؛ لما في ذلك من المسارعة إلى الخير، وقد قال سبحانه ((سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض)) وما ينبغي لمن صلى أولاً أن يتبايع مع إنسان يعلم من حاله أنه لم يصل الجمعة؛ لما في ذلك من تشجيعه على التهاون بالجمعة وترك الاستجابة لندائها، وقد قال الله تعالى ((إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع)) وقد قال علماؤنا: يندب للمحتسبين أن يمنعوا الناس جميعاً – من تجب عليه الجمعة ومن لا تجب- من البيع والشراء في وقت النداء؛ بما في ذلك الصغار وغير المسلمين؛ حتى لا يستأثروا بالسوق وقت الصلاة؛ وحتى لا يشعر ضعاف النفوس ممن فاتهم السوق وقت الصلاة بالغبن لاستئثار غيرهم بالسوق؛ فيجب منع الجميع سداً للذريعة، والله تعالى أعلم.

  • قتلت نصرانيا خطأً فهل علي صيام؟

    كنت أقود عربة، وحصل لي حادث توفيت فيه امرأة جنوبية، ولأن العربة مؤمَّنة فقد دفعت لهم شركة التأمين الدية؛ فسؤالي هل عليَّ صيام شهريين متتاليين أم تجزيء عني الدية التي دفعتها شركة التأمين؟ علماً بأن أهل المتوفاة اختلفوا في دينها ما بين المسلمة والمسيحية!!! فآخر من سألنا كانت والدتها فأفادتنا بأن ابنتها كانت مسلمة، ولكن في أعياد المسيح الأخيرة احتفلت مع المسيحيين وعندما سألتها أفادت بأنها أصبحت مسيحية!!!! وجزاكم الله خيرا

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فالقاتل خطأ يجب عليه حقان: حق لأولياء الدم بأن يبذل لهم دية القتيل، وحق لله تعالى بعتق رقبة؛ فإن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين، هذا بالإجماع فيما لو كان القتيل مؤمناً؛ أما إذا كان كافراً ففي المسألة خلاف بين أهل العلم، والذي عليه مذهب المالكية أن الكفارة لا تجب إلا في قتل المؤمن عملاً بظاهر الآية.

    وبخصوص مسألتك فما دامت الأم قد شهدت على ابنتها بأنها أقرت على نفسها أنها نصرانية فلا صيام عليك، والله تعالى أعلم.

  • حبوب منع حمل لغير المتزوجات

    أنا أعمل دكتورة صيدلانية، وتأتي إليَّ بعض النساء غير المتزوجات من أجل طلب حبوب موانع الحمل، وصراحة أرفض صرفها لهن لفكرة أني أساعدهم علي الزنا؛ إلا أن صديقتي طبيبة رأت أن صرف الحبوب يمنع كارثة الأطفال اللقطاء؛ بغض النظر عن أي حاجة أخرى، ورأينا أن نرفع أنا وصديقتي لحضرتكم سؤالنا للحسم فيه دينياً؛ هل أصرف لهن مثل تلك الحبوب؟ وجزاكم الله خيرا

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد

    فجزاكما الله خيراً على تحريكما الحكم الشرعي وحرصكما على معرفته، والجواب على هذا السؤال أنه لا يجوز للطبيبة المسلمة أن تصرف هذه الحبوب لمن غلب على ظنها أنها ليست بذات زوج؛ وذلك لأن صرف هذه الحبوب لكل من هب ودب إنما يشجع من لا تتقي الله على أن ترتكب الفواحش وهي آمنة من العاقبة، وقد قال الله جل جلاله {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} ولا يخفى عليكما أن منظمات الصحة الإنجابية وغيرها حريصة على إباحة توزيع هذه الحبوب وكذلك العوازل الذكرية؛ حتى يتعلم الرجال والنساء كيفية ممارسة الجنس الآمن كما يسمونه، وهم بلا شك داخلون فيمن قال الله فيهم {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون}

    وأما قول صاحبتك بأن صرف الحبوب يمنع كارثة اللقطاء فليس بصواب؛ لأن كارثة اللقطاء ليست إلا عرضاً من أعراض كثيرة لمرض الزنا، وإلا فعليها أن تفكر في أن الزنا سبب لانتشار الأمراض وتهتك المجتمعات وانتشار الفساد وذهاب الحياء، وقبل هذا كله وبعده حلول الغضب من رب الأرض والسماء؛ فما ينبغي أن ينحصر التفكير في جانب مع إهمال الجوانب الأخرى، والله المستعان.

  • متى تبدأ طاعة الزوج؟

    هل طاعة الزوج تبدأ بمجرد العقد مع تأجيل الدخول وهل يجب أخذ إذنه في كل ما يتعلق بالزوجة؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فطاعة المرأة لزوجها واجبة بقوله تعالى {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة} وقوله تعالى {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} وهذه الطاعة واجبة في المعروف حيث لا معصية ولا انتهاك لحدود الله؛ وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي النساء خير؟ قال {التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر} رواه النسائي، وهذه الطاعة تبدأ من حين دخول المرأة بيت زوجها وتمكينه من نفسها، والله الموفق والمستعان.

  • قص الأظافر في حال الجنابة

    سمعت أن المرأة إذا كانت جنبا بحيض أو غيره لا يجوز لها أن تقص أظافرها أو تزيل شعر جسدها حتى تغتسل فهل هذا صحيح؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فلا حرج على المرأة أن تقص أظافرها أو تزيل شعر رأسها حال جنابتها، وليس من شرط ذلك أن تغتسل من الجنابة، والله تعالى أعلم.

  • حكم المزاد العلني

    ما حكم المزاد العلني؟ وما ضوابطه؟ وهل صحيح أن بردة عرضت في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: أنا أشتريها بكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يزيد؟ وجزاكم الله خيرا

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فالمزاد العلني ـ وهو المسمى في لساننا بالدلالة ـ من أوجه البيع المشروعة الداخلة في عموم قوله تعالى )وأحل الله البيع وحرم الربا( وقوله تعالى )إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم( وهو جائز بشرط أن لا يكون فيه إضرار بأحد، وأن يكون لدى من يشارك فيه الرغبة الأكيدة في شراء السلعة؛ لا أن يزيد في الثمن من أجل أن يوقع غيره فيها؛ لأن ذلك هو النجش الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله {ولا تناجشوا} وقد حصل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فروى أنس رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ، فَقَالَ لَهُ: مَا فِي بَيْتِك شَيْءٌ؟ قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ يُلْبَسُ بَعْضُهُ، وَيُبْسَطُ بَعْضُهُ، وَقَعْبٌ يُشْرَبُ فِيهِ الْمَاءُ، قَالَ: آتِنِي بِهِمَا، فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ؟ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا إيَّاهُ، وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ، فَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ، وَقَالَ: اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إلَى أَهْلِك، وَاشْتَرِ بِالْآخَرِ قَدُومًا، فَأْتِنِي بِهِ، فَأَتَاهُ بِهِ، فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُودًا بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَاحْتُطِبَ، وَبِعْ، وَلَا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ، فَجَاءَ، وَقَدْ أَصَابَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، فَاشْتَرى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا، وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَذَا خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةَ نُكْتَةً فِي وَجْهِك يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَصْلُحُ إلَّا لِثَلَاثَةٍ، لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ. رواه أصحاب السنن الأربعة.

  • الإخلاص في العبادة

    بلغني حديث شريف مفاده أن من عمل عملاً للآخرة يبتغي أو يريد به عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة، والحق أقول انه بعد علمي بذلك خفت كثيراً وترددت كثيراً في عبادات عدة، وأيضاً تغيرت لديَّ أمور كثيرة، وكذلك سمعت أن العمل – الديني – إذا دخله طلب شيء من الدنيا فإن ذلك محبط للعمل، والحقيقة أحدث ذلك لديَّ كثيراً من الالتباس والتعارض؛ وسؤالي هو: هل هذا الحديث صحيح وثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وإن صح فما المقصود تماماً من عرض الدنيا في هذا الحديث؟ وكيف أجمع بينه وبين كثير جداً مما ورد في القرآن والسنة مما يدل على فائدة دنيوية مرتبطة مع الكثير من العبادات مثل أن الاستغفار مجلبة للرزق؛ قال تعالى {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا} أرجو منكم إفادتي إفادة شافية كافية في هذا الأمر تزيل اللبس وتجلي الغشاوة حيث إن كثيراً من العبادات قد أجَّلتها لحين النظر في هذا الأمر

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فالنصوص الشرعية ناطقة بوجوب الإخلاص في القول والعمل؛ وأن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه؛ قال سبحانه {ألا لله الدين الخالص} وقال سبحانه {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين * وأمرت لأن أكون أول المسلمين * قل الله أعبد مخلصاً له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه} وقال سبحانه {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} ونبينا صلى الله عليه وسلم أمرنا بأن نخلص لله تعالى في شأننا كله؛ ولما سئل عن الرجل يقاتل شجاعة، والرجل يقاتل حمية، والرجل يقاتل ليرى مكانه أي ذلك في سبيل الله؟ قال {من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله} وقال عليه الصلاة والسلام {من غزا لا ينوي إلا عقالاً، فليس له إلا ما نوى} وأخبر أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة: قارئ ومنفق وشهيد؛ لأنهم ما أرادوا بأعمالهم وجه الله تعالى، وفي القرآن الكريم ]من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب} وقال تعالى {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون}

    فالأصل أن يراد بالعمل وجه الله تعالى وأن يطلب رضاه جل جلاله ثم بعد ذلك ما سيق من منفعة دنيوية ولذة عاجلة فلا بأس، ودونك تاريخ الصحابة الكرام رضوان الله عليهم فإنهم أرادوا بجهادهم وجه الله فسيقت لهم الدنيا وفتحوا البلاد وصاروا قادة وأصحاب أموال وضياع؛ ولا يؤثر ذلك في خلوص نيتهم وكمال أجرهم إن شاء الله.

    كما أن بعض الأمور قد تكون لذتها دنيوية محضة لكن من فعلها استجابة لأمر الله تعالى فهو مأجور؛ كما في لذة النكاح مثلاً؛ حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن في بضع أحدكم صدقة، وقد استقر في أذهاننا نحن المسلمين أن طاعة الله سبب لكل خير في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون}

  • حكم شراء الكلى لمريض الفشل الكلوي

    أصيب أخي بمرض الفشل الكلوي ـ عافاكم الله ـ قبل ستة أعوام، وكان عمره 13 سنة وهو الآن يغسل غسيل دموي، وتبرعنا له نحن أفراد الأسرة بالكلى، ولكن لم يحصل تطابق، وتبرع له عدة سودانيين لا يقربون لنا لوجه الله تعالى جزاهم الله عنا ألف خير، ولم يحصل تطابق أيضاً، ومضت السنوات وأصيب بلين العظام (من الآثار الجانبية للغسيل الطويل للأطفال) وتشوهت رجلاه وأصبح يمشى بصعوبة وهو الآن فى ال 18 من عمره، ولا يوجد حل إلا زراعة كلى له وبعد ذلك تجرى له عملية أخرى للأرجل (حسب أقوال الأطباء الاختصاصين).ولم نجد حلاً إلا في الذهاب لدولة باكستان لزراعة الكلى (تدفع مبلغ 15000 دولار شاملة كلية من متبرع +اجراء العملية) علماً بان المتبرع يبيع كليته، فهل ذلك جائز؟ أرجو فتوى خاصة بحالتي. وأفيدكم علماً بأنني أعلم مسبقاً أن شراء الأعضاء حرام ولكن ليس لنا حل الآن سوى ذلك، ونحن مضطرون بدليل أن أخي يغسل أكثر من ست سنوات ولم نلجأ إلى الشراء إلا الآن بعد تأخر حالته، وجزاكم الله ألف خير

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

     فأسأل الله تعالى لأخيك شفاء عاجلاً غير آجل وأن يجعل الله مرضه كفارة لذنوبه وخطاياه، وأن يبدله لحماً خيراً من لحمه ودماً خيراً من دمه، وأذكركم بقول ربنا جل جلاله {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} واعلم ـ أخي ـ أن التبرع بالكلى لمن احتاج إليها من أعمال البر وخصال الخير؛ لقول ربنا جل جلاله {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} وقوله صلى الله عليه وسلم (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل) وقوله عليه الصلاة والسلام (من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة) وذلك بالشروط الشرعية: ألا يكون ذلك معاوضة، وأن يغلب على الظن انتفاع المتبرَّع إليه بها، وألا يترتب على المتبرِّع ضرر شديد. فمن عرضوا التبرع من أسرتك أو غيرهم مأجورون على ما نووا وجزاهم الله خيراً.

    وأما بيع الكلى فكما ذكرت في سؤالك لا يجوز؛ لأن الإنسان لا يملك هذه الأعضاء بل هي ملك لخالقها عز وجل وقد قال عليه الصلاة والسلام (لا تبع ما لا تملك) لكن من اضطر إلى شرائها؛ لكونه لم يجدها إلا بالثمن ـ وهو مضطر إليها ـ فإنه يشتريها والإثم على من باع، والله تعالى أعلم.

  • حكم شراء حلاوة المولد

    ما حكم شراء حلاوة المولد؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فالحلاوة من المباحات الداخلة في قوله ربنا جل جلاله ((قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة)) وحبذا لو لم تقرن بالمولد؛ بل تشترى في وقت آخر؛ تخلصاً من أن يظن الصغار أنها من شعائر الإسلام، أو أنها لا تؤكل إلا في تلك الأيام، والله تعالى أعلم.

  • إمام يقرأ بالستين إلى المائة آية

    أنا إمام مسجد، ثبتني الله وإياكم على طريق الحق القويم، هل المقصود في معنى الحديث {إذا صلى أحدكم فليوجز فإن فيهم الضعيف والمريض وذا الحاجة} هو أن نقرأ في صلاتنا مثل ما كان يقرأ صلى الله عليه وسلم مابين الستين إلى المائة أو أن نخف من ذلك؟ أفيدوني أفادكم الله

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فصلاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت تامة خفيفة؛ كما قال الصحابي أنس بن مالك {مَا صَلَّيْت وَرَاءَ إمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلَاةً، وَلَا أَتَمَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم}، وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَفَّ النَّاسِ فِي تَمَامٍ} وكان هديه المضطرد عليه الصلاة والسلام أن يراعي أحوال الناس من خلفه فلا يطيل طولاً يشق عليهم، ولا يجعل التقصير كذلك دينه وديدنه، بل كان أمره عدلاً وسطاً، وفي الحديث {إنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ أُرِيدُ إطَالَتَهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأُخَفِّفُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ بِهِ}

    فعلى الإمام أن يخفف تخفيفاً غير مخل، وإليك ما قاله الإمام ابن القيم رحمه الله في (زاد المعاد) واصفاً قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته:

    وكان يقرأ في الفجر بنحو ستين آية إلى مائة آية وصلاها بسورة (ق) وصلاها بـ (الروم) وصلاها بـ (إذا الشمس كورت) وصلاها بـ (إذا زلزلت) في الركعتين كليهما وصلاها بـ (المعوذتين) وكان في السفر وصلاها فافتتح بـ (سورة المؤمنين) حتى إذا بلغ ذكر موسى وهارون في الركعة الأولى أخذته سعلة فركع، وكان يصليها يوم الجمعة بـ (ألم تنزيل السجدة) وسورة (هل أتى على الإنسان) كاملتين ولم يفعل ما يفعله كثير من الناس اليوم من قراءة بعض هذه وبعض هذه في الركعتين وقراءة السجدة وحدها في الركعتين، وهو خلاف السنة، وأما ما يظنه كثير من الجهال أن صبح يوم الجمعة فُضِّل بسجدة فجهل عظيم، ولهذا كره بعض الأئمة قراءة سورة السجدة لأجل هذا الظن، وإنما كان صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين لما اشتملتا عليه من ذكر المبدأ والمعاد وخلق آدم ودخول الجنة والنار، وذلك مما كان ويكون في يوم الجمعة؛ فكان يقرأ في فجرها ما كان ويكون في ذلك اليوم؛ تذكيرا للأمة بحوادث هذا اليوم، كما كان يقرأ في المجامع العظام كالأعياد والجمعة بسورة (ق) و (واقتربت) و (سبح) و (الغاشية)

    وأما الظهر فكان يطيل قراءتها أحيانا حتى قال أبو سعيد رضي الله عنه (كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي أهله فيتوضأ ويدرك النبي صلى الله عليه وسلي الركعة الأولى مما يطيلها) رواه مسلم، وكان يقرأ فيها تارة بقدر (ألم تنزيل) وتارة بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و (الليل إذا يغشى) وتارة بـ (السماء ذات البروج) و (السماء والطارق) وأما العصر فعلى النصف من قراءة صلاة الظهر إذا طالت وبقدرها إذا قصرت، وأما المغرب فكان هديه فيها خلاف عمل الناس اليوم فإنه صلاها مرة بـ (الأعراف) فرقها في الركعتين ومرة بـ (الطور) ومرة بـ (المرسلات)

     قال أبو عمر بن عبد البر: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في المغرب بـ (المص) وأنه قرأ فيها بـ (الصافات) وأنه قرأ فيها بـ (حم الدخان) وأنه قرأ فيها بـ (سبح اسم ربك الأعلى) وأنه قرأ فيها بـ (التين والزيتون) وأنه قرأ فيها بـ (المعوذتين) وأنه قرأ فيها بـ (المرسلات) وأنه كان يقرأ فيها بقصار المفصل قال: وهى كلها آثار صحاح مشهورة انتهى

     وأما المداومة فيها على قراءة قصار المفصل دائما فهو فعل مروان بن الحكم ولهذا أنكر عليه زيد بن ثابت وقال: ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل؟! وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بطولى الطوليين قال: قلت: وما طولى الطوليين؟ قال: (الأعراف) وهذا حديث صحيح رواه أهل السنن

     وذكر النسائي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بسورة (الأعراف) فرَّقها في الركعتين فالمحافظة فيها على الآية القصيرة والسورة من قصار المفصل خلاف السنة وهو فعل مروان بن الحكم

     وأما العشاء الآخرة فقرأ فيها صلى الله عليه وسلم بـ (التين والزيتون) ووقَّت لمعاذ فيها بـ (الشمس وضحاها) و (سبح اسم ربك الأعلى) و (الليل إذا يغشى) ونحوها وأنكر عليه قراءته فيها بـ (البقرة) بعدما صلى معه ثم ذهب إلى بني عمرو بن عوف فأعادها لهم بعدما مضى من الليل ما شاء الله وقرأ بهم بـ (البقرة) ولهذا قال له [أفتان أنت يا معاذ] فتعلق النقارون بهذه الكلمة ولم يلتفتوا إلى ما قبلها ولا ما بعدها

     وأما الجمعة فكان يقرأ فيها بسورتي (الجمعة) و (المنافقين) كاملتين و (سورة سبح) و (الغاشية) وأما الاقتصار على قراءة أواخر السورتين من {يا أيها الذين آمنوا} إلى آخرها فلم يفعله قط وهو مخالف لهديه الذي كان يحافظ عليه

     وأما قراءته في الأعياد فتارة كان يقرأ سورتي (ق) و (اقتربت) كاملتين وتارة سورتي (سبح) و (الغاشية) وهذا هو الهدي الذي استمر صلى الله عليه وسلم عليه إلى أن لقي الله عز وجل لم ينسخه شئ

     ولهذا أخذ به خلفاؤه الراشدون من بعده فقرأ أبو بكر رضي الله عنه في الفجر بسورة (البقرة) حتى سلم منها قريبا من طلوع الشمس فقالوا: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كادت الشمس تطلع!! فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين

     وكان عمر رضي الله عنه يقرأ فيها بـ (يوسف) و (النحل) و بـ (هود) و(بني إسرائيل) ونحوها من السور ولو كان تطويله صلى الله عليه وسلم منسوخاً لم يَخْفَ على خلفائه الراشدين ويطلع عليه النقارون

     وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر {ق والقرآن المجيد} وكانت صلاته بعد تخفيفاً فالمراد بقوله بعد أي: بعد الفجر أي: إنه كان يطيل قراءة الفجر أكثر من غيرها وصلاته بعدها تخفيفاً ويدل على ذلك قول أم الفضل وقد سمعت ابن عباس يقرأ و (المرسلات عرفا) فقالت: يا بني لقد ذكرتني بقراءة هذه السورة إنها لآخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب فهذا في آخر الأمر

     وأيضاً فإن قوله: وكانت صلاته بعد غاية قد حذف ما هي مضافة إليه فلا يجوز إضمار ما لا يدل عليه السياق وترك إضمار ما يقتضيه السياق، والسياق إنما يقتضي أن صلاته بعد الفجر كانت تخفيفاً ولا يقتضي أن صلاته كلها بعد ذلك اليوم كانت تخفيفاً، هذا ما لا يدل عليه اللفظ ولو كان هو المراد لم يخف على خلفائه الراشدين فيتمسكون بالمنسوخ ويدعون الناسخ

     وأما قوله صلى الله عليه وسلم (أيكم أم الناس فليخفف) وقول أنس رضي الله عنه {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة في تمام} فالتخفيف أمر نسبي يرجع إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وواظب عليه لا إلى شهوة المأمومين فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمرهم بأمر ثم يخالفه وقد علم أن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة فالذي فعله هو التخفيف الذي أمر به فإنه كان يمكن أن تكون صلاته أطول من ذلك بأضعاف مضاعفة فهي خفيفة بالنسبة إلى أطول منها وهديه الذي كان واظب عليه هو الحاكم على كل ما تنازغ فيه المتنازعون ويدل عليه ما رواه النسائي وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف ويؤمنا بـ (الصافات) فالقرءاة بـ (الصافات) من التخفيف الذي كان يأمر به والله أعلم

زر الذهاب إلى الأعلى