ما هي الفراسة؟ وما هي حدودها؟ وهل يستطيع شخص مؤمن أن يعرف خفايا شخص آخر مثلاً يعرف وظيفته؟ وكيف نرد على من يقول هذا؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فالفراسة هي الاستدلال بالأمور الظاهرة على الأمور الخفية، وأيضاً هي ما يقع في القلب بغير نظر وحجة، ففي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله} ثم قرأ {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} قال أبو عيسى: هذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه، وقد روي عن بعض أهل العلم في تفسير هذه الآية {إن في ذلك لآيات للمتوسمين} قال: للمتفرسين.ا.هـ وهذا الحديث أخرجه أيضاً البخاري في التاريخ وابن جرير وابن أبي حاتم وابن السني وأبو نعيم وابن مردويه والخطيب، وأخرجه الحكيم الترمذي والطبراني وابن عدي عن أبي أمامة، وأخرجه ابن جرير في تفسيره عن ابن عمر.
وقد قسَّم ابن الأثير الفراسة إلى قسمين: الأول ما دل ظاهر هذا الحديث عليه {اتقوا فراسة المؤمن} وهو ما يوقعه الله تعالى في قلوب أوليائه؛ فيعلمون أحوال بعض الناس بنوع من الكرامات وإصابة الظن والحدس. الثاني نوع يتعلم بالدلائل والتجارب والخلق والأخلاق فتعرف به أحوال الناس.ا.هـ وقال المناوي: اتقوا فراسة المؤمن، أي اطلاعه على ما في الضمائر بسواطع أنوار أشرقت في قلبه؛ فتجلت له بها الحقائق، فإنه ينظر بنور الله؛ أي يبصر بعين قلبه المشرق بنور الله تعالى.
وبخصوص ما ورد في سؤالك أذكر لك قصة حكم الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى عليها بالصحة؛ وهي ما أخرجه الحاكم عن قتيبة قال: رأيت محمد بن الحسن والشافعي قاعدين بفناء الكعبة؛ فمرَّ رجل فقال أحدهما لصاحبه: تعال حتى نزكن ـ أي نتفرس ـ على هذا الآتي؛ أي حرفة معه؟ فقال أحدهما: خياط. وقال الآخر: نجار. فبعثا إليه فسألاه؛ فقال: كنت خياطاً وأنا اليوم نجار!!
وعليه: فقد يستطيع الإنسان بفراسته أن يعرف وظيفة الآخر وما هو عليه، لكن ليحذر المرء من أناس يدعون الفراسة، وهم أهل حيل ومخرقة ولهم اتصال بالجن، ليمارسوا على الناس أنواعاً من الدجل والخرافة، والله تعالى أعلم.