الفتاوى

  • سد الذريعة والمصلحة الراجحة

    يقول العلماء: ما حرم سداً للذرائع أبيح للمصلحة الراجحة!! والسؤال هل كلمة الراجحة قيدٌ في القاعدة؟ وهل يُحترز بكلمة الراجحة عن شيء؟ برجاء الإيضاح مع ذكر الأمثلة. ومن الذي يحدِّد أن هذه المصلحة راجحة من عدمها؟ وما هو الضابط؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فهذه قاعدة فقهية تعني أن أموراً قد حرَّمها الشرع؛ لا لكونها حراماً في ذاتها، بل لأنها مؤدية إلى الحرام وذريعة موصلة إليه، وهذه التي حرمت سداً للذريعة فإنها تباح إذا كان ثمة مصلحة راجحة، ومن ذلك مثلاً تحريم النظر إلى الأجنبية لأنه ذريعة إلى الزنا؛ فقد أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب من جملة النظر المُحرَّم لأن المصلحة هنا راجحة.

    وكذلك اختلاط الرجال بالنساء ممنوع في الشريعة لكونه ذريعة على الحرام، لكنه يباح إذا كان ثمة مصلحة راجحة؛ في حديث فاطمة بنت قيس في الصحيحين: “فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ, ثُمَّ قَالَ: تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي, اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى, تَضَعِينَ ثِيَابَكَ, فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي} فلما كانت الزيارة ها هنا لأم شريك من أناس فضلاء ثقات مشهود لهم بالخيرية والورع والإيمان لامرأة هي كذلك من أهل التقوى والورع، ومع وجود المصلحة المعتبرة ومع أمن الخلوة والفتنة انتفت حرمة الاختلاط. قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى 23/214: ما كان من باب سد الذريعة إنما يُنهى عنه إذا لم يُحتج إليه، وأما مع الحاجة للمصلحة التي لا تحصل إلا به فلا ينهى عنه.ا.هـــــ

    وقال ابن القيم في إعلام الموقعين 2/161: “ما حُرِّم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، كما أبيحت العرايا من ربا الفضل، وكما أبيحت ذوات الأسباب من الصلاة بعد الفجر والعصر، وكما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب والمعامل من جملة النظر المحرم، وكذلك تحريم الذهب والحرير على الرجال حرم لسد ذريعة التشبُّه بالنساء الملعون فاعله، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة” انتهى

    وكلمة الراجحة قيد في القاعدة؛ إذ اعتبار المصلحة لا يكون إلا بكونها حقيقية لا متوهمة راجحة لا مرجوحة، وهذا الرجحان يقرره أهل العلم والبصيرة الذين يحسنون استخدام ميزان الشرع في ترجيح المصالح والمفاسد ويفقهون الواقع وما عليه الناس، وليس ذلك متروكاً لأهواء الناس ورغباتهم، والله تعالى أعلم.

  • الواجب على المأذون

    أنا مأذون شرعي بمحافظة جدة؛ وأقوم بإجراء الأنكحة على الصفة التالية: قراءة خطبة الحاجة مع آيات التقوى، ثم صيغة الإيجاب والقبول، ثم الدعاء النبوي {اللهم بارك لهما وعليهما، واجمع بينهما في خير} والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء، سؤالي: هل فعلي صحيح؟ وهل يجوز تشبيك الأيدي: يد والد العروس مع يد العريس لطلب بعض الناس ذلك؟ وما هو الوارد في السنة؟ وجزاكم الله خيراً

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فالواجب عليك التأكد من توافر أركان النكاح وشروطه من حضور الولي والشهود وتحقُّق حلِّ كلٍ من الزوجين لصاحبه ورضاه به، وأن يكون القبول موافقاً للإيجاب مقترناً به، وأما ما ذكرته في سؤالك من قراءة خطبة الحاجة والدعاء النبوي فهو موافق للسنة، وأما تشبيك يد الولي مع يد الزوج فالأمر فيه واسع، وليس فيه شيء في السنة، لكن جرت عادة العرب أنهم كانوا إذا تعاقدوا أو تبايعوا أن يضرب بعضهم بيده على يد الآخر، وعليه فلا حرج في فعله أو تركه، والله تعالى أعلم.

  • صوت المرأة عند قراءة القرآن

    ما حكم صوت المرأة عند قراءة القرآن الكريم لحوجة الحلقات القرآنية أو مشرفها للاختبار أو تحديد المستوى للتدريس؟

    ولا يخفى عليكم أن هذا الأمر فيه فريقان: منهم من يجوزه، والآخر لا يجوزه وأنا أعمل مدرساً في حلقات القرآن أفيدونا جزاكم الله خيرا؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فالأصل أن صوت المرأة ليس بعورة؛ لأن النساء كن يخاطبن النبي صلى الله عليه وسلم ويسألنه بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ولم يقع منه عليه الصلاة والسلام نهي لهن، والمحرَّم هو الخضوع بالقول؛ لقوله تعالى {فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض} والمحرَّم هو التلذذ بصوت المرأة الأجنبية، ولا يخفى أن قراءة القرآن بالتجويد مستلزمة لترخيم الصوت وتحسينه؛ فينبغي أن يقتصر في ذلك على قدر الضرورة أو الحاجة؛ ومحل ذلك إذا لم توجد امرأة تقوم باختبار الفتيات، والله تعالى أعلم.

  • هل في هذا المال زكاة؟

    كان لديَّ مبلغ من المال، وقد كنت أودعته عند أخي بغرض شراء أرض لبناء سكن لعائلتي، ولكن لم يتم الحصول على الأرض المناسبة إلاّ بعد ثلاث سنوات، فهل عليَّ زكاة في المبلغ الذي كان مودعاً لدى أخي؟ وكم مقدار الزكاة؟ وعلى كل سنة أم سنة واحدة تكفي؟ علماً بأني سمعت بأنه إذا كان المبلغ المودع بغرض الانتفاع الشخصي ولم يكن بغرض الاستثمار لا تجب فيه الزكاة؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فالزكاة واجبة في المال الذي بلغ نصاباً وحال عليه الحول، ويستوي في ذلك أن يكون مدَّخراً في بنك أو مرصوداً لزواج أو شراء مسكن أو غير ذلك، وعليه فإن الواجب عليك إخراج الزكاة الواجبة في ذلك المبلغ عن كل سنة من السنوات الثلاثة التي مضت، تخرج ربع العشر عن كل عام، والله تعالى أعلم.

  • أخذ الزكاة بالقوة

    هل يجوز أخذ المال بالقوة من الأغنياء الفجار الذين لا يدفعون حق الله من الزكاة وكل ما يشبه ذلك، وعندهم الأموال الكثيرة، وربما تصل إلى الملايين التي جاءت من وراء سرقة أموال الشعب الفلسطيني؛ حيث إنا نريد هذه الأموال في العمل الجهادي؟ مع العلم بأن هؤلاء الأغنياء الفجار هم سبب الفساد في فلسطين من انتشار الرذيلة والمخدرات والماريجوانا وغيرها من المحرمات؛ كما أنهم يقومون بمنع المجاهدين من الجهاد؛ وجزاكم الله خيراً عما توضحون.

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فالجهاد ـ أخي ـ عمل شريف؛ لا بد أن تكون وسائله شريفة، ولو تأملت في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم تجد أنه عليه الصلاة والسلام كان يمارس جهاداً شريفاً، بعيداً عن الغدر والخيانة والغلول وغير ذلك من مساوئ الأخلاق، ولا تبيح لك نية الجهاد أن تسرق أو تستولي على أموال الناس، ولو كانوا كفاراً؛ ما داموا غير محاربين.

    وأما أخذ المال بالقوة من الغني الذي لا يؤدي زكاته؛ فليس ذلك لآحاد الناس بل هو ـ على قول بعض أهل العلم ـ من سلطة ولي الأمر؛ عملاً بحديث {من أعطاها مؤتجراً فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر إبله؛ عزمة من عزمات ربنا تبارك وتعالى لا يحل لآل محمد منها شيء} رواه أحمد وأبو داود والنسائي؛ وما يقوم به هؤلاء المفسدون من سرقات أو سعي بالفساد في الأرض فالواجب على من ولاه الله الأمر أن يحاسبهم، وإن لم يفعل فسيأتي الله ـ إن شاء ـ بمن يصدق عليه وصف القرآن {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور} وأسأل الله أن يصلح من في صلاحه صلاح المفسدين.

  • شركة تضع أموالها في بنك ربوي

    أعمل في شركة صناعية كمحاسب، اكتشفت بعد فترة أنها تضع أموالها بالبنك وتأخذ الفائدة الناتجة كأحد مصادر الدخل للشركة – ملاحظة أصحاب الشركة مقتنعون بأنهم لا يأخذون حراماً من هذه الفوائد!!!-، هنا ظننت أن راتبي من الشركة حرام -بما أن مالها دخل فيه وخالطه الحرام من إحدى الكبائر وهو الربا- وكنت أهم بترك العمل، لكني سألت أحد أهل العلم فأخبرني انه هذا الأمر أصبح شائعاً لذا لا يمكن اعتبار راتبي حراماً 100% وبنفس الوقت لا يمكن اعتباره حلالاً 100 % فالراتب الذي آخذه من الشركة هل فيه شبهة، وكانت نصيحة هذا الشخص أن أستمر في العمل مع السعي لإيجاد عمل آخر…. النقطة الهامة أنه لما علم أحد زملائي بالشركة بذلك قال لي إنه لا علاقة لي بما يفعلوه وبأن راتبي هو لقاء عمل مباح عندهم وأن مالهم جزء منه حرام “القليل” و الباقي حلال

    “الغالب”، وبالتالي راتبي حلال 100 % ، فلما أخبرته بالفتوى قال هل هناك دليل؟؟؟ حيث قال لي أنه الأصل في المعاملات الإباحة طالما لا يوجد دليل بالحرمانية ، فما هي الفتوى الصحيحة بالأدلة؟؟؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فالذي عليه إجماع علماء المسلمين أن الفوائد البنكية المشترطة هي من الربا الصريح الذي يدخل آكله وموكله تحت الوعيد الوارد في قوله تعالى {فأذنوا بحرب من الله ورسوله} وقوله صلى الله عليه وسلم {لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء} وقد صدرت بذلك الفتاوى المعتبرة من المجامع الفقهية التي تضم خيرة أهل العلم في بلاد الإسلام، وكفى بإجماعهم حجة ودليلاً، وكون أكل الربا قد أصبح شائعاً عند كثير من الناس لا ينبغي أن يدفع بالمفتي إلى القول بحلِّه أو التغاضي عن التحذير من شرِّه؛ إذ شيوع الأمر لا يسوغ الإقدام عليه، وقد قال الله تعالى {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} وعليه فإن الواجب عليك توجيه النصح إلى القائمين على هذه الشركة بأنهم محتقبون إثماً عظيماً بأكلهم ذلك الربا المسمَّى ـ زوراً ـ فوائد، وأعظم من ذلك اعتقادهم حله، أقول لك: ابذل النصح لهؤلاء واجتهد في ذلك {معذرةً إلى ربكم ولعلهم يتقون}

    وراتبك الذي تتقاضاه في مقابل عملك الذي تؤديه حلال إن شاء الله؛ ولا يقدح في حله كون القائمين على الشركة قد خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً؛ بل واصل في عملك على نية أن ما تتقاضاه هو جزء من الكسب الحلال الذي تحرزه الشركة بعيداً عن الأموال الربوية، وفي الوقت نفسه ـ إن لم ينتصحوا ـ اجتهد في البحث عن عمل آخر، والله الموفق والمستعان.

  • عرض الأزياء الشرعية

     أعمل في مجال الدعاية والإعلان، وقد جاءني عرض من إحدى الشركات العاملة في تصنيع الأزياء الشرعية بعمل عرض أزياء في السودان؛ وذلك لتعميم هذا الزي بالسودان الذي من المزمع إن شاء الله أن يقام بإحدى الصالات، وسوف يصوَّر للتلفزيون، فما حكم العمل في مثل هذا العرض؟ جزاكم الله خيراً وهل هو جائز؟ أرجو الإفادة ولكم الشكر من بعد الله

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فالذي أعلمه من عرض الأزياء أنه يقام على مرأى من أناس ـ فيهم رجال ونساء ـ ويقوم مجموعة من النساء وهن في كامل زينتهن بالخروج على المشاهدين، والمشي أمامهم جيئة وذهاباً؛ بخطوات رتيبة من أجل أن يتمكنوا ملياً من رؤية الأزياء المراد عرضها وهي على أجساد لابسيها.

    ولا ريب أن العرض بالصورة التي عُلِمَتْ لا يجوز شرعاً لما يتضمنه من محاذير شرعية؛ إذ فيها تزيُّن النساء أمام الرجال الأجانب، وقد قال الله تعالى {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن..الآية} وفيها نظر الرجال إليهن ونظرهن إليهم، وقد قال سبحانه {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} ولو كان المشاهدات من النساء فقط؛ فلا حرج إن شاء الله سوى أنه لا ينبغي تصوير ذلك للتلفاز لما فيه من المحاذير التي سبق ذكرها، والعلم عند الله تعالى.

  • وأنزل لكم ثمانية أزواج

    السؤال عن قوله تعالى في سورة الزمر {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} هل هذا يعني أنها أنزلت من السماء كما أنزل آدم عليه السلام وكما أنزل الحديد؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فهذه الأزواج الثمانية المذكورة في سورة الزمر بيَّن ربنا جل جلاله أنواعها في سورة الأنعام في قوله سبحانه {من الإبل اثنين ومن البقر اثنين} وقوله {ومن الضأن اثنين ومن المعز اثنين} وقوله سبحانه {وأنزل} الإنزال حقيقته نقل الجسم من علو إلى سُفل، وهذا هو المعنى المتبادر من ظاهر الآية، ويجوز أن يكون المعنى إنزال أصولها من سفينة نوح، ويطلق مجازاً على تذليل الأمر الصعب؛ كما يقال: نزلوا على حكم فلان؛ فيكون إطلاق الإنزال هنا بمعنى التذليل والتمكين على نحو قوله تعالى {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس} أي سخرناه للناس، ومن المفسرين من تأول الإنزال في الآية بمعنى الخلق؛ لأن خلقها بأمر التكوين الذي ينزل من حضرة القدس إلى الملائكة.

    قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره: أخبر عن الأزواج بالنزول، لأنها تكونت بالنبات والنبات بالماء المنزل، وهذا يسمى التدريج، ومثله قوله تعالى {قد أنزلنا عليكم لباسا} وقيل: أنزل أنشأ وجعل. وقال سعيد بن جبير: خلق. وقيل: إن الله تعالى خلق هذه الأنعام في الجنة ثم أنزلها إلى الأرض، كما قيل في قوله تعالى {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد} فإن آدم لما هبط إلى الأرض أنزل معه الحديد. وقيل {وأنزل لكم من الأنعام} أي أعطاكم. وقيل: جعل الخلق إنزالاً، لأن الخلق إنما يكون بأمر ينزل من السماء؛ فالمعنى: خلق لكم كذا بأمره النازل.ا.هـ

  • كافر يفتتح مسجدا

    ما حكم افتتاح الكفار للمساجد؟ بمعنى أدق: هل يجوز لرئيس بلدية نصراني أو يهودي أن يفتتح مساجد؟ وهل يجوز أن يبنى مسجد على أرض تبرعت بها جهة غير مسلمة كالبلدية أو الحكومة الغربية؟ أرجو الإجابة مع توضيح آراء أصحاب المذاهب في المسألتين، وإن كان هناك أي موقع على النت يمكن أن أستفيد منه حول هذه المواضيع؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فإن دخول الكافر إلى مسجد من مساجد المسلمين ـ سوى المسجد الحرام ـ جائز بإذن المسلمين؛ إذا دعت إلى ذلك حاجة أو مصلحة كتأليفه أو دعوته إلى الإسلام أو الاستعانة به في عمل يعود نفعه على المسجد أو جماعة المسلمين؛ لأنه ثبت أن بعض الكفار ـ كثمامة بن أثال الحنفي وأبي سفيان بن حرب وعمير بن وهب الجمحي ـ قد دخلوا المسجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يُنكر عليهم، وقد رزقهم الله جميعاً الإسلام؛ فإذا كان دخول هذا المسئول الكافر بغرض افتتاح المسجد قد تم بإذن من المسلمين على رجاء منفعة تعود مصلحتها على مجموعهم فلا حرج إن شاء الله.

    وأما التبرع بالأرض من جهة غير مسلمة لبناء مسجد من غير أن يكون لهم توجيه وكلمة في تسييره وإدارة شئونه فلا حرج في ذلك؛ لأن الأرض كلها لله، وقد جعلها سبحانه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم مسجداً وطهوراً، وأما إذا كان ذلك مؤدِّياً لأن يكون للكفار توجيه ومشاركة في المسئولية فلا يجوز لما يترتب عليه من إشراك هؤلاء الكفار في دين المسلمين وعباداتهم، وقد قال سبحانه {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا} والأصل في قبول هدية الكفار ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم حين قبل هدايا الملوك الكفرة كهرقل والمقوقس وغيرهما، والله تعالى أعلم.

  • هل من الصبر ترك الدعاء؟

    جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة سوداء أتت النبي فقالت: إني امرأة أصرع، وإني أتكشف؛   فادع الله لي؛ فقال {إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك} فقالت: أصبر. كما جاء في حديث آخر قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الأعمى {إن شئت صبرت وإن شئت دعوت لك}
    والسؤال: هل من الصبر ترك الدعاء على العموم أم أن هذا خاص بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغيره؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فقد أمرنا ربنا جل جلاله بالدعاء واللجوء إليه سبحانه فقال{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ} وقال {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} وعلَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يرد القدر إلا الدعاء، وأن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وأن ندعو الله ونحن موقنون بالإجابة؛ فالمطلوب من المسلم إذا نزل به بلاء أن يصدق في اللجوء إلى ربه جل جلاله ويلح عليه بالدعاء ولا يستبطئ الإجابة، فإن البلاء من قدر الله، والدعاء من شرعه سبحانه، والعاقل يتعامل مع القدر بالشرع؛ ويأخذ بالأسباب النافعة مع اعتقاده بأن الله تعالى فعال لما يريد، ولا يقع في كونه إلا ما قدَّره، وأنه جل جلاله )لا يُسأل عما يفعل( وأن أمر المؤمن كله خير فإن أصابته سراء شكر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر؛ فكان خيراً له. فلا تنافي بين الصبر على قضاء الله، وبين الدعاء بأن يرفعه سبحانه بما شاء، وأما حديث المرأة التي كانت تُصرع فقد رواه الشيخان من حديث عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي e فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف؛ فادع الله لي؟ قال {إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوت الله أن يعافيك} فقالت: أصبر!! فقالت: إني أتكشف؛ فادع الله لي أن لا أتكشف؛ فدعا لها.

    وقولها في هذا الحديث: إني أتكشف، من الانكشاف؛ أي أنها خشيت أن تظهر عورتها وهي لا تشعر، قال ابن حجر رحمه الله تعالى: وفي الحديث أن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن التزام الشدة، وفيه دليل على ترك التداوي، وفيه أن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير، وأن تأثير ذلك وانفعال البدن عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية، ولكن إنما ينجع بأمرين: أحدهما من جهة العليل وهو صدق القصد، والآخر من جهة المداوي وهو قوة توجهه وقوة قلبه بالتقوى والتوكل.ا.هـ

    وأما حديث الأعمى فقد رواه أحمد والترمذي وابن ماجه عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه أن رجلاً ضرير  البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم  فقال: ادع الله أن يعافيني؟ قال {إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت؛ فهو خير لك} قال: فادعه قال: فأمره أن يتوضأ؛ فيحسن وضوءه؛ ويدعو بهذا الدعاء {اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة؛ إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي؛ اللهم فشفعه فيَّ}

    ومجموع الحديثين دالٌ ـ والله أعلم ـ على أن الدعاء من النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب البلاء مستجاب؛ لكون جاهه عليه الصلاة والسلام عند ربه عظيم بحيث إذا دعاه أجابه، وإذا سأله أعطاه؛ فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى ما هو أفضل من ذلك، وهو الصبر على البلاء، على رجاء أن يعوِّض الله صاحبه ما هو خير وأبقى، جنة عرضها السموات والأرض، ولا يعني ذلك أن يترك العبد الدعاء لنفسه؛ فإن الدعاء ـ في ذاته ـ مستوجب للأجر والثواب سواء حصلت الإجابة من الله تعالى أم لم تحصل؛ لقوله جل جلاله {الدعاء هو العبادة} والله تعالى أعلم.

زر الذهاب إلى الأعلى