الفتاوى

  • الأحكام الشرعية للحرب في السودان

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
    فقد ابتلى الله عباده في السودان بتلك الحرب المدمرة التي انطلقت يوم السبت الخامس والعشرين من رمضان 1445، والتي كان سببها تمرد قائد قوات الدعم السريع بمن معه على سلطان الدولة، وخروجه عليها، والتي نتج عنها إزهاق عدد كبير من الأرواح مع تدمير للممتلكات العامة والخاصة ونزوح أعداد كبيرة من الناس، إلى غير ذلك من المفاسد.
    وقد كانت الكلمة الأولى التي وجهتها عصر اليوم الأول لاندلاع المعارك منطلقة من تكييف فقهي لذلك التمرد بأنه بغي، وأن أولئك المتمردين بغاة، يصدق عليهم قول ربنا جل جلاله {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} وقد وجهت إليهم خطاباً منادياً إياهم بإخواننا في (الدعم السريع) ودعوتهم إلى اعتزال ذلك المعترك وكفِّ اليد عن الدم الحرام؛ وقلت لهم: صاحبكم يسعى للملك ليس إلا! وقد وضع يده في يد من لا يرجو لله وقارا من أحزاب الشمال الكارهين لما أنزل الله، ودعوت الناس إلى فتح أبواب المساجد لهم واستقبالهم فيها من أجل أن يأووا إليها ويتخلصوا من ثياب القتال فيها.
    لكن بعدما مضى على هذه الحرب شهور قاربت العام، وبعد الجرائم المروعة التي ارتكبها أفراد تلك القوات الباغية المعتدية فإن الحكم قد تغير، وذلك أن هذه القوات لا تخلو من ثلاثة أحكام:
    الحكم الأول: يصدق على قائد الدعم السريع ونائبه ومستشاريه وكبار ضباطه – وكذلك من تابعهم على رأيهم – ممن صرحوا بأنهم يقاتلون من أجل توقيع الاتفاق الإطاري القائم على تنحية شرع الله وتقرير العلمانية نظاماً للحكم في السودان؛ فهؤلاء ليسوا مجرد بغاة بل هم إلى الكفر أقرب، ويصدق عليهم قول ربنا جل جلاله {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا} خاصة وأن قائد الدعم السريع تدعمه دولة تحارب الله ورسوله في كل مكان، والأحزاب التي تتحالف معه وتمثل حاضنة سياسية له لا يخفى على لبيب موقفها من شرع الله عز وجل، وأن قادة تلك الأحزاب منادون بالعلمانية مدافعون عنها وهم عملاء لأجهزة مخابرات عالمية، منها يتمولون وبأمرها يعملون، وهؤلاء قتالهم واجب وقتلهم متعيِّن؛ مثلما فعل الصديق أبو بكر رضي الله عنه مع المتنبئين الكذابين ومع المرتدين عن دين الإسلام بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام.
    الحكم الثاني: من كان من أفراد الدعم السريع يقاتل عصبية تحت راية جاهلية، مما نضحت به مقالاتهم المكتوبة والمسموعة، حيث صرحوا بأنهم الجنس الأفضل والعنصر الأرقى، وأنه لا بد من التخلص من قبائل معينة – سمَّوها بأسمائها – وظهر من فلتات ألسنتهم بل من صريح أقوالهم حقد دفين يشي بالقضاء على الأخضر واليابس، وقد علم العقلاء جميعا أنه ليس ثمة جنس راقٍ ابتداءً (أي خلْقاً وإنشاءً)، وآخر وضيع (طبعاً وسجيةً)، فالجميع عند الله سواء، ولا تفاضل بين الأجناس والقوميات إلا بما يقدِّمه كل فصيل من عمل صالح وجهد نافع لذاته ولغيره {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
    وهؤلاء – أعني دعاة التفوق العنصري والتميز القبلي – الذين يقاتلون بهذا الفهم المعوج، ممن تصدُق فيهم النصوص النبوية التي توعدتهم؛ كقوله صلى الله عليه وسلم (من قاتل تحت راية عُمِّيَّة يغضب لعصَبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة، فقُتل فقِتْلةٌ جاهليةٌ) رواه مسلم، والعمية هي الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه. وقال صلى الله عليه وسلم (ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية) رواه مسلم. فهؤلاء قتالهم – أيضاً – واجب، ومن لم يتب إلى الله تعالى من مقالته تلك وممارساته فقتله واجب تخليصاً لأهل الإسلام من شره.
    الحكم الثالث: هؤلاء الذين يقاتلون من أجل الإفساد في الأرض – سرقة للأموال وانتهاكاً للفروج وترويعاً للآمنين واستهانة بدماء المسلمين – فهؤلاء محاربون لله ورسوله، يصدق فيهم قول ربنا جل جلاله {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم} وأحسب أن كثيراً من هؤلاء إنما هم من هذا الصنف النكد {قاتلهم الله أنى يؤفكون}
    وقد ظهر من حالهم أنه لا تؤثر فيهم موعظة، ولا يجدي معهم تسامح ولا إغضاء، بل إن قيادة الجيش قد أحسنت معاملتهم وأطلقت سراحهم حين أسروا في الأيام الأولى عدداً منهم، لكنهم ما لبثوا أن عادوا ثانية لإفسادهم وشرورهم وآثامهم، فلا سبيل إلى وقاية عموم المسلمين من شرهم إلا اجتثاثهم وتخليص الناس من ممارساتهم الوقحة.
    والظاهر من حال هؤلاء أنهم ممتنعون عن واجبات الإسلام الظاهرة المتواترة، تاركون لشعائر الإسلام؛ حتى بلغ من استهانتهم بحرمات الله أنه ما سلمت من شرِّهم بيوت الله عز وجل، بل جعلوها سوحاً للممارسات المحرّمة والأفعال المجرّمة، وقد قال سبحانه {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} وهؤلاء قاتلهم الله فتنوا الناس في دينهم؛ حين استباحوا ما حرم الله من النفوس والأموال والفروج
    أسأل الله تعالى أن ينصر من نصر دينه، وأن يخذل من خذل دينه، والحمد لله في البدء والختام، وصلواته وسلامه على خير الأنام، وعلى آله وصحبه الأعلام

  • ما هي العقيقة؟

    ما هي العقيقة قي الإسلام؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فالعقيقة يراد بها النسيكة أو الذبيحة التي تذبح شكراً لله تعالى على نعمة الذرية، وهي التي تكون في اليوم السابع من قدوم المولود، أو في تضاعيف السابع، وقد أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال {كل مولود مرتهن بعقيقته تعق عنه في يوم سابعه، عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة واحدة} والله تعالى أعلم.

  • لماذا النساء أكثر أهل النار

    لماذا يكون النساء أكثر أهل النار؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد

    فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم العلة في ذلك فقال (تكثرن اللعن، وتكفرن العشير) فأكثرهن معرضات عن الآخرة بأنفسهن صارفات عنها لغيرهن، سريعات الانخداع لداعيهن من المعرضين عن الدين، عسيرات الاستجابة لمن يدعوهن إلى الأخرى، وأعمالها من المتقين. ومع ذلك ففيهن صالحات كثير، يقمن حدود الله، ويلتزمن شريعته ويطعن الله ورسوله، ويدخل منهن الجنة خلق كثير، وفيهن من يسبقن كثيراً من الرجال بإيمانهن وأعمالهن الصالحة. لكن لا بد أن تعلم أن النساء هن أكثر أهل النار وهن كذلك أكثر أهل الجنة؛ وقد احتج أبو هريرة رضي الله عنه على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضوأ كوكب دري في السماء، لكل امرئ منهم زوجتان اثنتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب) وقد احتج بعضهم على أن الرجال أكثر بحديث: (رأيتكن أكثر أهل النار) والجواب أنه لا يلزم من كونهن أكثر أهل النار أن يكن أقل ساكني الجنة كما يقول ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى، فيكون الجمع بين الحديثين أن النساء أكثر أهل النار وأكثر أهل الجنة، وبذلك يكن أكثر من الرجال وجوداً في الخلق. ويمكن أن يقال: إن حديث أبي هريرة يدل على أن نوع النساء في الجنة أكثر سواء كن من نساء الدنيا أو من الحور العين، والسؤال هو: أيهما أكثر في الجنة: رجال أهل الدنيا أم نساؤها؟ وقد وفق القرطبي بين النصين بأن النساء يكن أكثر أهل النار قبل الشفاعة وخروج عصاة الموحدين من النار، فإذا خرجوا منها بشفاعة الشافعين ورحمة أرحم الراحمين كن أكثر أهل الجنة.

  • أشك في زوجتي

    أنا متزوج وأب لأربعة أبناء، منذ مدة وأنا أشك أن زوجتي تخونني!! وحاولت مراراً أن أجد دليلاً على ذلك لكن دون جدوى، سألت شيخاً فنهاني عن تطليقها حتى وإن كانت قد أخطأت وعليَّ متابعتها ونصحها!! هل هذا صحيح؟ ألا أعتبر ديوثاً كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم؟ نوّروني أنار الله طريقكم إلى الجنة فأنا أكاد أفقد صوابي. بارك الله فيكم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فالأصل حمل حال المسلم ـ رجلاً كان أم امرأة ـ على السلامة، والواجب عليك ـ أخي ـ أن تتقيد بضوابط الشرع لا بهوى النفس ووساوس الشيطان، ومن ضوابط الشرع في هذا الباب قوله تعالى {اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم} وقوله صلى الله عليه وسلم (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث) وسل نفسك: هل لشكوكك من موجب؟ هل الزوجة تخرج بغير إذنك؟ هل تأذن في بيتك لغير محارمها فتخلو بهم؟ هل تتزين وتتعطر وتتبرج حال خروجها؟ ثم لو أنها تفعل شيئاً من ذلك هل نصحتها فلم تنتصح ونهيتها فلم تنته؟ وسل نفسك هل هذه الشكوك تصحبك منذ زواجك بها أم هي طارئة عليك؟ ومتى طرأت؟ وما الباعث عليها؟ وأكثر من الدعاء بأن يهدي الله قلبك ويصلح بالك.

  • الطريقة المثلى لاستغلال الوقت

    أقضي حوالي ساعتين أتنقل فيها بين المواقع الدينية الموثوقة، وكذلك أقضي حوالي ساعة أتابع فيها برنامجاً سياسياً على قناة الجزيرة أو أي برنامج يناقش أي قضية مهمة على أي قناة، سؤالي مرة أخرى هل أترك ما أنا أقضيه من هذه الساعات أمام الإنترنت أو القنوات الفضائية مع العلم أن الأمر لا يتعدى ما سبقت الإشارة إليه، وأستغل هذا الوقت الطويل في تحصيل العلم أم أستمر ما دمت أستفيد من ذلك في أمور ديني وكذلك تثقيف نفسي في شتى مجالات الحياة السياسية والاجتماعية، مع العلم أيضاً أني لا أعمل في الوقت الحاضر؛ أي عندي وقت كافي يمكن استغلاله.

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فالواجب على المسلم أن يستثمر وقته فيما يقرِّبه إلى الله تعالى من طلب لعلم نافع أو سعي في عمل صالح، ويكون ذلك بتقديم الأهم على المهم والواجب على المندوب وما كان نفعه متعدياً على ما كان نفعه قاصراً، وعليك ـ وفقك الله ـ أن تُعنى أولاً بالعلم الواجب عليك معرفته فيما يتعلق بالإيمان الله عز وجل ومعرفة أسمائه وصفاته وبقية أركان الإيمان، ثم العلم المتعلق بالعبادة الواجبة عليك من طهارة وصلاة ونحوهما، ويكون ذلك بحضور مجالس العلم وسؤال العلماء والقراءة في الكتب النافعة، ولا مانع مع هذا كله من حضور البرامج النافعة في التلفاز بالضابط الذي سبق ذكره من تقديم ما كان مهماً على ما دونه أهمية، والحرص على ما كان نافعاً دون سواه.

    واعلم وفقك الله أن العمر قصير والعلم كثير ولا يستطيع امرؤ أن يحصِّل في مدة عمره كل ما يريد، فعليك باستشارة أهل العلم والخبرة وسؤالهم عن أنفع المواقع والبرامج وأغزرها فائدة؛ لتوفر على نفسك وقتاً وجهدا، والله الموفق والمستعان.

  • طاعة الزوج في النقاب

    السلام عليكم فضيلة الشيخ؛ فقد اطلعت على آراء العلماء في موضوع النقاب واختلافهم في وجوبه أو استحبابه.. وارتحت للراي الذي يقول بوجوبه، ارتديتُ النقاب قبل ست سنوات، وتزوجت بعدها من رجل ملتزم وكان لا يرفض النقاب بل يأمرني بتغطية عيني … ولكن قبل فتره ظهرت لزوجي فرصة هجرة لأمريكا، وقبل السفر كان يتكلم معي في موضوع النقاب وقال: إنه يخاف عليَّ، ونصحني بأن لا ارتدي النقاب في الفترة الأولى حتى أتعلم اللغة حتى أستطيع الدفاع عن نفسي إذا تعرض لي أحد، وبعد أن اطمئن للأوضاع هناك يمكن أن أرتديه ثانية، وعندما سافرنا إلى أمريكا كنت أرتدي النقاب عندما أخرج وأحيانا ألاحظ نظراتهم لي باستغراب!!!

    المشكلة أن زوجي أصبح يأمرني حينما أخرج معه ألا ألبس النقاب!! بل فقط الحجاب، مع العلم أني أنوي تعلم قياده السيارة حتى أتولى قيادة أبنائي إلى المدرسة لأني لا آمن عليهم في باص المدرسة وأخاف أن لا أستطيع الحصول علي رخصة القياده بسبب النقاب.

    زوجي لاينوي الإقامة في أمريكا بصورة دائمة، فقط الفترة التي ينوي فيها الدراسة وبعد ذلك نرجع، وقال لي يمكن أن ترتدي النقاب ثانيةً بعدما نخرج من أمريكا؛ وأحس أنه أصبح يتضايق كثيراً من خروجي بالنقاب، ويقول لي أنتِ لا تطيعينني، وأنا لا أريد أن أزيد من حدة المشكلة. أرجو نصيحتكم لي وجزاكم الله خيرا

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فقد علمت من خلال قراءتك أن المسألة من مواطن الخلاف القوي بين أهل العلم قديماً وحديثا، وحتى لو كان النقاب واجباً فالواجبات منوطة بالقدرة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها؛ وعليه فما ينبغي لك تكدير زوجك بهذا الأمر، ويكفيك إن شاء الله حجابك الساتر حتى يجعل الله لكم فرجاً ويردكم إلى بلادكم سالمين، وحينها تأخذين بالرأي الذي تحبين، والله الموفق والمستعان. 

  • الحبة السوداء

    فضيلة الشيخ الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    رجل لديه لبس في أحاديث التحصين والاستشفاء، ففي جانب التحصين يقول إنه يأتي بالأذكار والتحصينات المختلفة ثم يحصل له مكروه، ووجد نصراني يتحدى المسلمين أن يقولوا (أعوذ بكلمات الله التامات من شر من خلق) ويعطيهم سم ولا يؤثر فيهم

    وفي جانب الاستشفاء يقول هناك أحاديث كثيرة تذكر بعض المأكولات أو المشروبات أنها شفاء من كل داء مثل الحبة السوداء وحليب البقر والحجامة وغيرها، فهل تعني أنها شفاء من كل مرض بحيث يمكن الاعتماد عليها والاستغناء عما سواها من أمور العلاج المختلفة؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد

    فإن الله تعالى يقول عن العسل {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس} وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الحبة السوداء (في الحبة السوداء شفاء من كل داء، إلا السام) قال ابن شهاب: والسام الموت. متفق عليه

    وهذه النصوص لا تدل على أن تلك المأكولات والمشروبات فيها شفاء من كل داء أو أنها شفاء لكل أحد، بل هو من باب العموم الذي أريد به الخصوص؛ فليست هي لكل علة ولا لكل إنسان؛ بل إخبار أنها تشفي كما يشفي غيرها من الأدوية في بعض دون بعض، وعلى حال دون حال. قال ابن عطية رحمه الله تعالى في (المحرر الوجيز): ففائدة الآية إخبار منه في أنه دواء كما كثر الشفاء به وصار خليطًا ومعينًا للأدوية في الأشربة والمعاجين، وقد روي عن ابن عمر أنه كان لا يشكو شيئاً إلا تداوى بالعسل، حتى إنه كان يدهن به الدمل والقرحة ويقرأ: (فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ). قال القاضي أبو محمد: وهذا يقتضي أنه يرى الشفاء به على العموم. اهـ.

    وفي قوله صلى الله عليه وسلم (في الحبة السوداء شفاء من كل داء) قال ابن القيم رحمه الله تعالى في (زاد المعاد): وقوله: (شفاء من كل داء) مثل قوله تعالى: {تدمر كل شيء بأمر ربها} أي: كل شيء يقبل التدمير ونظائره، وهي نافعة من جميع الأمراض الباردة، وتدخل في الأمراض الحارة اليابسة بالعرض، فتوصل قوى الأدوية الباردة الرطبة إليها بسرعة تنفيذها إذا أخذ يسيرها. اهـ.

    وجاء في فتح الباري: قيل إن قوله (كل داء) تقديره يقبل العلاج بها، فإنها تنفع من الأمراض الباردة، وأما الحارة فلا، وقال الخطابي: قوله: (من كل داء) هو من العام الذي يراد به الخاص؛ لأنه ليس في طبع شيء من النبات ما يجمع جميع الأمور التي تقابل الطبائع في معالجة الأدواء بمقابلها، وإنما المراد أنها شفاء من كل داء يحدث من الرطوبة، وقال أبو بكر بن العربي: العسل عند الأطباء أقرب إلى أن يكون دواء من كل داء من الحبة السوداء، ومع ذلك فإن من الأمراض ما لو شرب صاحبه العسل لتأذى به، فإن كان المراد بقوله في العسل فيه شفاء للناس الأكثر الأغلب فحمل الحبة السوداء على ذلك أولى، وقال غيره: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصف الدواء بحسب ما يشاهده من حال المريض فلعل قوله في الحبة السوداء وافق مرض من مزاجه بارد فيكون معنى قوله (شفاء من كل داء) أي من هذا الجنس الذي وقع القول فيه والتخصيص بالحيثية كثير شائع. اهـ.

  • هل الإعاقة من العيوب القادحة في الزواج؟

    هل تعتبر الإعاقة عيباً قادحاً في الزوج؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فالعيوب القادحة التي تبيح لأحد الزوجين فسخ العقد حال حصول الإخفاء والتدليس، هي الجنون والبرص والجذام، ثم هناك عيوب تختص بكل واحد من الزوجين وهي العيوب التي تتعلق بالفرج، وعليه فإن الإعاقة من عمى أو عرج أو شلل أو خرس أو طرش ونحوها لا تعد من العيوب القادحة في الزوج، لكن ينبغي إعلام الزوجة وأهلها بها؛ لئلا يكون ثمة تغرير أو غش، والله تعالى أعلم.

  • خصلة من الشعر على شكل ذيل فرس

    أوصتني امرأة بسؤالكم عن الحكم الشرعي لارتداء خصلة من الشعر على شكل ذيل الفرس أو أي شكل آخر، ترتديها المرأة في بيتها فقط لنفسها ولا يراها إلا بناتها؛ وذلك للتزين في أوقات تكون بها تكاسلت عن ترتيب شعرها الأصلي، أو أحبت التغيير، كما أنه هل يجوز ارتداؤها أمام ضيوفها من النساء فقط ؛علماً بأنها بفضل الله ملتزمة بالزي الشرعي ولا تخلعه خارج بيتها أبداً؛ ولكنها تحب التزين في بيتها؛ فهل يحق لها ارتداء الباروكة أو البستيج (كمية من الشعر تغطي جزء من الرأس ويبقى معظم الشعر الأصلي ظاهراً ولكنها تعطي شكلاً آخر وكثافة) أما الباروكة فهي شعر يغطي كامل الرأس ويظهر الشعر المستعار فقط

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فلا يجوز وصل شعر الآدمي بشعر آخر سواء كان طبيعياً أو صناعياً، ولا يجوز وصله بما يشبه الشعر ويحصل به التدليس من صوف أو وبر أو خيوط صناعية؛ لأن علة تحريم الوصل قد تحققت فيه، وأما إذا كان الموصول به لا يشبه الشعر الطبيعي ولا يحصل به تغرير، ويدرك الناظر إليه بداهة أنه ليس شعراً فلا يحرم الوصل به سواء كان صوفاً أو خيطاً أو غير ذلك لعدم وجود علة التحريم؛ سواء كانت العلة هي تغيير خلق الله عز وجل أو التدليس. وقد دلت على ذلك النصوص الشرعية، منها ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن جارية من الأنصار تزوجت وأنها مرضت، فتمعَّط[1] شعرها، فأرادوا أن يصلوها، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لعن الله الواصلة والمستوصلة)، وروى البخاري في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أنكحت ابنتي، ثم أصابها شكوى، فتمرَّق[2] رأسها، وزوجها يستحثني بها، أفأصل شعرها؟ فسبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة. وفي رواية أن ذلك المرض كان الحصبة[3] وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله الواصلة والموصولة. قال ابن قدامة في المغني: فلا يجوز وصل شعر المرأة بشعر آخر؛ لهذه الأحاديث، وأما وصله بغير الشعر فإن كان بقدر ما تشدُّ به رأسها فلا بأس به؛ لأن الحاجة داعية إليه ولا يمكن التحرز منه، وإن كان أكثر من ذلك ففيه روايتان: إحداهما أنه مكروه غير محرم؛ لحديث معاوية في تخصيص التي تصله بالشعر، فيمكن جعل ذلك تفسيراً للفظ العام، وبقيت الكراهة لعموم اللفظ في سائر الأحاديث، وروي عنه أنه قال: لا تصل المرأة برأسها الشعر ولا القرامل ولا الصوف نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال، فكل شيء يصل فهو وصال. قال ابن قدامة رحمه الله: والظاهر أن المحرَّم إنما هو وصل الشعر بالشعر؛ لما فيه من التدليس واستعمال الشعر المختلف في نجاسته، وغير ذلك لا يحرم لعدم هذه المعاني فيها، وحصول المصلحة من تحسين المرأة لزوجها من غير مضرة. والله تعالى أعلم.

    [1] قال الحافظ في الفتح: أي خرج من أصله، وأصل المعط المد؛ فكأنه مد إلى أن تقطع، ويطلق أيضاً على من سقط شعره

    [2] قال الحافظ في الفتح: فتمزق بالزاي أي تقطع وهي رواية مسلم، وبالراء أي مرق من أصله وهي أبلغ، ويحتمل أن يكون من المَرْق وهو نتف الصوف

    [3] بَثْرٌ تخرج في الجلد، ومنه يقال: حصب جلده يحصب

  • رؤيا الله في المنام

    في فقه الرؤيا يوجد كلام عن رؤية الله سبحانه وتعالي بالمنام، هل هذا الكلام جائز؟ وإذا كان جائزاً أكيداً الشيء الذي تراه ليس الله بنفسه لأنه (ليس كمثله شيء) ويستدلون بحديث رأيت ربي في صورة، أرجو من الشيخ عبد الحي يوسف الإجابة جزاه الله خيراً.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فقد كتب في هذه المسألة كثير من أهل العلم، ومن أجمع ما كتب في ذلك حديثاً البحث الذي رقمه العلامة الشيخ الدكتور/ عبد الله الزبير – حفظه الله – حيث قرر ما خلاصته أن العلماء رحمهم الله متفقون على جواز ذلك في حق النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما وعبد الرحمن بن عائش الحضرمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {رَأَيْتُ رَبِّيَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ فَقَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَيْ رَبِّي أَيْ رَبِّي مَرَّتَيْنِ فَوَضَعَ كَفَّهُ بيَنَ كَتِفَيَّ؛ فَوَجَدْتُ برَدَهَا بيَنَ ثَدْيَيَّ فَعَلِمْتُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ تَلا ((وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)) قَالَ :فِيمَ يَختَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى يَا مُحَمَّدُ؟ قُلْتُ: فِي الْكَفَّارَاتِ يَا رَبِّ. قَالَ: وَمَا هُنَّ؟ قُلْتُ: الْمَشْيُ إِلَى الجُمُعَاتِ وَالجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَوَاتِ وَإِسْبَاغُ الْوضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ. فَقَالَ اللَّهُ: مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ يَعِشْ بِخَيْرٍ وَيَمتْ بِخَيْرٍ وَيَكُونُ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. وَمِنِ الدَّرَجَاتِ إِطْعَامُ الطَّعَامِ وَطَيِّبُ الْكَلامِ وَأَنْ تَقُومَ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الطَّيِّبَاتِ وتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينَ وَأَنْ تَتُوبَ عَلَى وَتَغْفِرَ لِي وَتَرْحمَنِي وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم {تَعَلَّمُوهُنَّ فوَالَّذِي نفَسِي بِيَدِهِ إِنهَّنَّ لحَقٌّ} رواه ابن خزيمة والبزار وأبو يعلى والطبراني في المعجم الكبير

    ثم اختلف أهل العلم في جواز ذلك بالنسبة لغير النبي صلى الله عليه وسلم من الناس على ثلاثة أقوال:

    القول الأول: جواز رؤية الله تعالى في المنام، وهو الذي عليه جماهير أهل السنة، منهم القاضي عياض والقاضي أبو يعلى والقاضي الباقلاني والقرافي والنووي وابن حجر وابن تيمية وغيرهم، بل نقل غير واحد الاتفاق والإجماع ونفى في ذلك الخلاف بين العلماء، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى ج ٣ ص ٣٩٠ :قد يرى المؤمن ربه في المنام في صور متنوعة على قدر إيمانه ويقينه؛ فإذا كان إيمانه صحيحاً لم يره إلا في صورة حسنة وإذا كان في إيمانه نقص رأى ما يشبه إيمانه ورؤيا المنام لها حكم غير رؤيا الحقيقة في اليقظة ولها تعبير وتأويل لما فيها من الأمثال المضروبة للحقائق (ا.هــ وذكر البغوي في كتابه شرح السنة ج ١٢ ص ٢٢٧ عن الإمام وهو شيخه القاضي حسين بن محمد بن أحمد أبو علي المروذي شيخ الشافعية في زمانه أنه قال:  رؤية الله في المنام جائزة، فإن رآه فوعد له جنة أو مغفرة أو نجاة من النار فقوله حق ووعده صدق. وإن رآه ينظر إليه فهو رحمته، وإن رآه معرضًا عنه فهو تحذير من الذنوب لقوله سبحانه وتعالى: {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لهَمُ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا ينَظُرُ إِلَيْهِمْ} وإن أعطاه شيئًا من متاع الدنيا فأخذه فهو بلاء ومحن وأسقام تصيب بدنه يعظم أجره لا يزال يضطرب فيها حتى يؤديه إلى الرحمة وحسن العاقبة ا. هــــ

    القول الثاني: قول من أنكر رؤيته تعالى في المنام، وهو المشهور عن الماتريدية، وهو الذي عليه أكثر الحنفية والمحكي عن شيوخهم السمرقنديين: جاء في (البحر الرائق شرح كنز الدقائق (ج ٨ ص ٢٠٥ رؤية الله تعالى في الآخرة حق يراه أهل الجنة في الآخرة بلا كيفية ولا تشبيه ولا محاذاة، أما رؤية الله تعالى في المنام أكثرهم قالوا: لا تجوز والسكوت في هذا الباب أحوط” ا.هـــ.

    القول الثالث: قول من توقّف، وقد وجدت الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قد توقّف فيها فقال: أنا أتوقف في أن الإنسان يرى ربه في المنام رؤيةً حقيقة، أما إذا كان الله تعالى يضرب له مثلاً يبيِّن له تمسكه بدينه فهذا شيءٌ ليس بغريب.ا.هــــ

    ونقل الشيخ عليش في فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك عن القرافي أنه عقّب  كلام عياض فقال: هذا إن ادعاها من هو من أهلها كولي يوثق به ويكون ذلك مخصصاً للعمومات مثل قوله تعالى ((لا تدركه الأبصار)) وإذا قُبل خبر الولي في الكرامة الخارقة للعادة المخصصة للعمومات القطعية فأولى في تخصيص العموم الظني وأما إن دعاها من ليس من أهلها كالعاصي والمقصر فإنه يكذب هذا كله إذا رآه تعالى على ما يليق بجلاله وكماله كما يُرى في الآخرة، وأما رؤيته تعالى على ما يستحيل عليه تعالى كرؤيته على صورة رجل يتقاضى من الرائي أمراً أو يأمره بأمر أو ينهاه عن شر ويقول له: أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني فهو أيضاً جائز وتكون رؤيا تأويل فتدل على ما كان أو سيكون كغيرها من الرؤيات فيسأل عن تعبيرها ويجب أن يعلم الرائي أن مرئيه أمر وارد من الله تعالى وخلق من خلقه يدل على أمر من الأمور وإطلاق اسم الله على مرئيه مجاز ا.هـ والعلم عند الله تعالى.

زر الذهاب إلى الأعلى