الفتاوى

  • ضمان الدين

    هلال ضمن لي مبلغ عند أقاربه، عليٌّ بعد أن أهدر عليَّ المال وخالف شروط العمل المتفق عليه أو قصر في عمله وبإقراره هو وأهله، وهلال نص ضمان هلال ببصمات صوته على الواتس اب: (أنا الضامن بعد الله سبحانه وتعالى، إن ذهب من مالك شي فلوسك عندي أنا الكفيل، وقال: هذا واجب عليه)

    وبعد ان اُقيمت الحُجة على علي وأثبت تهربه وإغلاقه للجوال وإعطائه مواعيد كاذبة لمدة سنتين رغم أنه من عائلة غنيه ذهبت أنا للضامن وقلت: المبلغ أريده منك أنت الضامن

    ثم قال الضامن: أنا غير ملزم لا في الدنيا ولا في الآخرة، وليس لك عندي شيء وأنا أردت أن أحسن إليك فقط.

    هل هلال الضامن ملزم بالمال دنيا وآخرة أم لا؟ وهل المال معلق في ذمته؟ أرجو التوضيح فضلاً؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد

    فإذا كان الحال كما ذكرت في السؤال، فإن هذا الرجل – أعني هلالا – قد ضمن عن صاحبه أو قريبه ذاك المال، حيث تعهد بسداده فيما لو تخلف المدين عن السداد؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الزعيم غارم) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن، والزعيم: هو الضامن، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (المسلمون على شروطهم) رواه الترمذي، والله الموفق والمستعان

  • أعمل في مباني الشرطة

    أنا عامل بناء، ولكني غير مطمئن أحلال أم حرام مالي! لأني الآن أعمل في أبراج لإسكان الشرطة، وأنظر حال الشرطة وكيف أنهم يمارسون الظلم على الناس! ويمكن أن يكون الميدان الذي نبني عليه نزع من حق الشعب! هل أبحث عن موقع عمل بناء آخر؟ وما حال من يعمل في المباني والفلل والفنادق؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فأسأل الله تعالى أن يزيدك ورعاً وتقى، وأن يرزقنا مثل الذي رزقك، وجواباً على سؤالك – أخي – أقول: إن وجود السلطان – ممثلاً في الجيش والشرطة والحكومة والقضاء وما كان مثلها من أجهزة – أمر لا بد منه، ولا تستقيم حياة الناس بدونه؛ فلا بد للناس من إمرة برَّة أو فاجرة؛ وهذه المفاسد التي ذكرتها في سؤالك موجودة في جهاز الشرطة وفي غيرها ولا يكاد يسلم منها مجموعة أو طائفة من الناس، لكن العبرة برجحان المصالح على المفاسد، والمنافع على المضار، وعليه فلا حرج عليك في العمل في تلك المباني، والمال الذي تجنيه من عملك حلال إن شاء الله.

    أما قولك باحتمال أن تكون الأرض منزوعة من الشعب فهذا ليس إلا احتمالاً أو شكاً منك، وهذه الشكوك لا ينبني عليها حكم، والأصل حمل حال المسلمين على السلامة حتى يبدو خلاف ذلك، والعلم عند الله تعالى

  • من الأولى بغسل الجنازة

    من هم الأولى بغسل الميت من الرجال والنساء؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فإذا مات أحد الزوجين فالأولى أن يتولى الحي منهما تغسيل الميت، ويقدم الزوج على الأقارب؛ لأن كشف أحد الزوجين عن جسد الآخر أولى من غيره؛ بدليل تغسيل أسماء بنت عميس زوجها أبا بكر الصديق رغم وجود أولاده، وتغسيل عليٍّ زوجه فاطمة رضي الله عنهم فإذا لم يكن أحد الزوجين موجوداً فيقدم أقرب الناس إلى الميت؛ فإن كان رجلاً فالأولى بتغسيله الابن، فابن الابن، فالأب، فالأخ، فابن الأخ، فالجد، فالعم، فابن العم؛ فإن لم يوجد أحد من هؤلاء غسله رجل أجنبي.

    وإن كانت الميت امرأة فإنه يلي غسلها ـ بعد الزوج ـ قرابتها من النساء: البنت، فبنت البنت، فالأم، فالأخت، فبنت الأخ، فالجدة، فالعمة، فبنت العم، فإن لم يوجد أحد من هؤلاء غسلتها امرأة أجنبية. والله تعالى أعلم.

  • المشاركة في تشييع الكافر

    ما حكم دخول البرهان كمسلم الكنيسة ومشاركته في تشييع الملكة أليزابيث؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد

    فالأصل عدم جواز دخول المسلم للكنيسة؛ وذلك لما يقع فيها من الشرك بالله عز وجل ومعصيته، وكذلك لا يجوز لمسلم أن يشارك في تشييع جنازة من مات على غير الإسلام؛ قال تعالى {ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون} اللهم إلا إذا كان من قرابته ولم يوجد من أهل ملته من يقوم عليه؛ استدلالا بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه حين مات أبو طالب (اذهب فواره ولا تحدث شيئاً حتى تأتيني} قال الإمام مالك رحمه الله تعالى في المدونة: ولا يغسل المسلم والده الكافر، ولا يتبعه، ولا يدخله قبره، إلا أن يخشى أن يضيع فيواريه.ا.هـــ

  • الحمار الوحشي والحمار الأهلي

    السلام عليكم ورحمة الله لدي سؤال، معي بعض الإخوة واختلفنا في حكم أكل لحم الحمار الوحشي أنا قلت لهم حلال وقالو لي إذا الحمار الوحشي حلال معناه الحمار العادي برضو حلال. قلت لهم بسال لكم الشيخ. السؤال لماذا الحمار الوحشي حلال والحمار العادي حرام؟ وهل الرسول صلى الله عليه وسلم أكل الحمار الوحشي. نحن في أشد الحاجة للإجابة وجزاكم الله خير.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فالواجب على المسلم ألا يتكلف الجواب عما سئل عنه بناءً على أقيسة عقلية أو ميول نفسية؛ وقد قال الله تعالى {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال سبحانه {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ * وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ} بل الواجب عليه أن يسأل من يثق في دينه وعلمه؛ عملاً بقول الله عز وجل {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} وقول النبي صلى الله عليه وسلم “هلا سألوا إذا جهلوا؟ إنما شفاء العي السؤال”

    وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أباح الحمار الوحشي لأصحابه؛ ففي موطأ مالك وصحيح البخاري من رواية أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم؛ فرأى حماراً وحشياً؛ فاستوى على فرسه فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا عليه؛ فسألهم رمحه فأبوا؛ فأخذه ثم شد على الحمار فقتله؛ فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبى بعضهم؛ فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه و سلم سألوه عن ذلك فقال “إنما هي طعمة اطعمكموها الله”

    وفي خصوص الأكل ثبت في الصحيحين من حديث الصعب بن جثامة رضي الله عنه أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه و سلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودان؛ فرده عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما في وجهي قال “إنا لم نرده عليك إلا أنَّا حرم” وفي سنن النسائي عن بن أبي قتادة عن أبيه أبي قتادة قال: أصاب حمارا وحشيا فأتى به أصحابه وهم محرمون وهو حلال فأكلنا منه فقال بعضهم لبعض لو سألنا رسول الله صلى الله عليه و سلم عنه فسألناه فقال “قد أحسنتم” فقال لنا “هل معكم منه شيء” قلنا: نعم. قال “فاهدوا لنا” فأتيناه منه فأكل منه وهو محرم

    أما الحمار الأهلي فأكله حرام؛ لما ثبت في الصحيحين عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال “حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحوم الحمر الأهلية” وفي الصحيحين عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال “نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الإنسية نضيجاً ونيا” وعن ابن عمر رضي الله عنهما  قال “أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية” متفق عليه، وعن ابن أبي أوفى قال “نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن لحوم الحمر” رواه أحمد والبخاري، وعن زاهر الأسلمي وكان ممن شهد الشجرة قال “إني لأوقد تحت القدور بلحوم الحمر إذ نادى مناد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهاكم عن لحوم الحمر” رواه البخاري، وعن ابن أبي أوفى قال “أصابتنا مجاعة ليالي خيبر فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها فلما غلت بها القدور نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أكفؤا القدور لا تأكلوا من لحوم الحمر سيئا فقال ناس إنما نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنها لم تخمس وقال آخرون نهى عنها البتة” متفق عليه

    يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب (التبيان في أقسام القرآن): الغاذي شبيه بالمغتذى في طبعه وفعله وهذا كما أن حكمة الله سبحانه في خلقه فيه جرت حكمته في شرعه وأمره حيث حرم الأغذية الخبيثة على عباده لأنهم إذا اغتذوا بها صارت جزءا منهم فصارت أجزاؤهم مشابهة لأغذيتهم إذ الغاذي شبيه بالمغتذي بل يستحيل إلى جوهره فلهذا كان نوع الإنسان أعدل أنواع الحيوان مزاجا لاعتدال غذائه وكان الاغتذاء بالدم ولحوم السباع يورث المغتذى بها قوة شيطانية سبعية عادية على الناس فمن محاسن الشريعة تحريم هذه الأغذية وأشباهها إلا إذا عارضها مصلحة أرجح منا كحال الضرورة ولهذا لما أكلت النصارى لحوم الخنازير أورثها نوعا من الغلظة والقسوة وكذلك من أكل لحوم السباع والكلاب صار فيه قوتها ولما كانت القوة الشيطانية عارضة ثابتة لازمة لذوات الأنياب من السباع حرمها الشارع ولما كانت القوة الشيطانية عارضة في الإبل أمر بكسرها بالوضوء لمن أكل منها ولما كانت الطبيعة الحمارية لازمة للحمار حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية ولما كان الدم مركب الشيطان ومجراه حرمه الله تعالى تحريماً لازماً؛ فمن تأمل حكمة الله سبحانه في خلقه وأمره وطبق بين هذا وهذا فتحا له باباً عظيماً من معرفة الله تعالى وأسمائه وصفاته.ا.هـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • طهور إناء الكلب

    يقول النبي e {طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعاً الأولى بالتراب} فهل إذا اكتفى الإنسان بالماء فقط حتى زالت عين النجاسة لا يطهر الإناء أبداً وبالتالي يعتبر مصدراً لانتقال النجاسة؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا} متفق عليه، وفي رواية لأحمد ومسلم: {طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب} وعملاً بهذه الرواية الصحيحة فقد ذهب جمهور العلماء إلى وجوب التتريب والتسبيع لطهارة الإناء الذي ولغ فيه الكلب وأنه لا تتحقق طهارته إلا بذلك، أما المالكية فإن الأمر عندهم تعبدي لا لنجاسة عين الكلب، وحمل بعض العلماء الأمر على الندب، والراجح ـ والله أعلم ـ وجوب التسبيع والتتريب لثبوت ذلك في الرواية الصحيحة التي لا تعارضها رواية في مثل قوتها، والعلم عند الله تعالى.

  • علاج العجب والغرور

    السلام عليكم ورحمه الله وبركاته حفظكم الله شيخنا. شيخ ما هو علاج العُجب والغرور بالعبادة مع انني مثلا أصلي واقول الحمد الذي هداني واعانني ولكن أقولها بقلبي ونفسي معجبة ومتكبرة فهل من نصيحة جزاكم الله خيرا

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد

    قال الغزاليّ رحمه الله تعالى في الإحياء: علّة العجب الجهل المحض، ومن أعجب بطاعته (مثلا) فما علم أنّها بالتّوفيق حصلت، فإن قال: رآني أهلا لها فوفّقني، قيل له:

    فتلك نعمة من منّه وفضله فلا تقابل بالإعجاب.

    وقال الغزاليّ: وعلاجه المعرفة المضادّة لذلك الجهل، أي معرفة أنّ ذلك الّذي أثار إعجابه نعمة من الله عليه، من غير حقّ سبق له، ومن غير وسيلة يدلي بها، ومن ثمّ ينبغي أن يكون إعجابه بجود الله وكرمه وفضله. وإذا تمّ علم الإنسان لم ير لنفسه عملا ولم يعجب به لأنّ الله هو الّذي وفّقه إليه. وإذا قيس بالنّعم لم يف بمعشار عشرها، هذا إذا سلم من شائبة وسلم من غفلة، فأمّا والغفلات تحيط به، فينبغي أن يغلّب الحذر من ردّه ويخاف العقاب على التّقصير فيه.

    هذا في علاج العجب إجمالا، أمّا علاج حالاته تفصيلا فإنّ ذلك يختلف باختلاف ما يحدث به العجب:

    فإن كان ناشئا عن حالة البدن وما يتمتّع به صاحبه من الجمال والقوّة ونحوهما، فعلاجه التّفكّر في أقذار باطنه، وفي أوّل أمره وآخره، وفي الوجوه الجميلة والأبدان النّاعمة، كيف تمرّغت في التّراب وأنتنت في القبور حتّى استقذرتها الطّباع.

    وإن كان العجب ناشئا عن البطش والقوّة، فعلاج ذلك أنّ حمّى يوم تضعف قوّته، وأنّها ربّما سلبت منه بأدنى آفة يسلّطها الله عليه.

    وإذا كان العجب بالعقل والكياسة، فعلاجه شكر الله تعالى على ما رزق من عقل، والتّفكّر في أنّه بأدنى مرض يصيب دماغه، كيف يوسوس ويجنّ بحيث يضحك منه.

    وإن كان العجب بالنّسب الشّريف، فعلاجه أن يعلم أنّه إن خالف آباءه في أفعالهم وأخلاقهم وظنّ أنّه ملحق بهم فقد جهل، وإن اقتدى بهم فما كان العجب من أخلاقهم، وأنّهم شرفوا بالطّاعة والعلم والخصال الحميدة.

    وإذا كان العجب بنسب السّلاطين الظّلمة وأعوانهم، فعلاجه أن يتفكّر في مخازيهم، وأنّهم ممقوتون عند الله تعالى، وما بالك لو انكشف له ذّلهم يوم القيامة.

    وإذ كان العجب بكثرة الأموال والأولاد والخدم والأقارب والأنصار، فعلاجه أن يعلم ضعفه وضعفهم وأنّ للمال آفات كثيرة، وأنّه غاد ورائح ولا أصل له.

    أمّا إذا كان العجب بالرّأي الخطأ، فعلاجه أن يتّهم الإنسان رأيه وألّا يغترّ به

  • الكلام في العلماء

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛

    1/ ما حكم الشرع فيمن يدعي أنه ينتمي إلى السلفية ويتكلم في كبار علماء الأمة بغير علم بحجة أنهم يتكلمون في التلفاز وأن كل عالم يتكلم في التلفاز لا يعتبر عالماً ربانياً وما معني عالم رباني..!!

    2/ وما حكم الدين في من يقول إن الصوفية مشركون وعباد قبور,,.؟؟

    3/ وعندي سؤال أيضا…في الجملة.. “بفهم سلف الأمة” هل معناها أنه لا يجب أن نفكر.؟؟ يجب فقط أن نأخذ تفكير الآخرين..؟؟ وهل الممارسات الغير صحيحة للصوفية يمكن أن تسمى بأنها شرك أكبر..؟؟؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    ففي سنن أبي داود من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال “إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط” فثبت بهذا الحديث وجوب توقير العلماء وإحسان الظن بهم وحمل أقوالهم على أحسن المحامل، ولا يعني هذا اعتقاد عصمتهم وأنهم لا يخطئون، بل هم بشر معرَّضون للخطأ والصواب؛ فلا مانع من التنبيه على أخطائهم بما يُحق الحق ويُبطل الباطل، وذلك دون أن نتعمد تتبع عثراتهم وإحصاء هفواتهم، بل الواجب علينا أن نحفظ لأهل العلم حرمتهم وأن نعرف لهم فضلهم، وإن أخطأ الواحد منهم فإننا نعتقد أن ذلك الخطأ أو تلك الهفوة مغمورة في بحر فضائله.

    أما إدمان الحديث عنهم بالسوء وتتبع ما وقعوا فيه من أخطاء فهو مسلك أهل الضلالة والهوى؛ فتجد الواحد من هؤلاء لا همَّ له إلا الطعن في العلماء ـ أحياءً وأمواتاً ـ بدعوى أن مقصد ذلك الداعية خبيث، وأنه ذو نية خبيثة، وأنه صاحب فتنة عدو للسنة، أو أن فلاناً لا يحب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك التندر عليهم في المجالس وطباعة الأشرطة في التشنيع عليهم والتحذير منهم بزعم أن خطرهم يفوق خطر اليهود والنصارى ونحو ذلك من الدعاوى العارية عن الدليل، وتربية الناشئة على تلك الطريقة الكاذبة الخاطئة، والتي تشي بقلة الورع والخوف من الله تعالى.

    وعلى كل مسلم أن يعلم أنه لا أحدَ معصومٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال مالك رحمه الله (كل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم) ويقول ابن القيم رحمه الله (فلو كان كل من أخطأ أو غلط تُرِكَ جملةً، وأُهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معالمها) ويقول كذلك رحمه الله (ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعًا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدمٌ صالح، وآثارٌ حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته في قلوب المسلمين) ويقول رحمه الله: (من قواعد الشرع والحكمة أيضًا أن من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنه يحتمل له ما لا يحتمل لغيره، ويعفى عنها ما لا يعفى عن غيره) وقال الإمام الذهبي ملتمسًا العذر لقتادة في مسألة خالف فيها الصواب: (لعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبذل وسعه، والله حكم عدل لطيف بعباده، ولا يُسأل عما يفعل. ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كَثُرَ صوابه، وعُلم تحريه للحق واتسع علمه وظهر ذكاؤه، وعُرِف صلاحُه وورعُه واتباعُه، يغفر له زللـه ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك)

    وعليه أن يعلم أن الأمور التي تُنتقد على بعض الدعاة أو العلماء أمور اجتهادية يسوغ فيها الخلاف، وقد يكون الخلاف فيها قد حصل بين أسلافنا ولم ينكر بعضهم على بعض؛ فيأتي بعض هؤلاء محذِّراً بأن فلاناً قد خالف السنة وانحرف عن المنهج؛ إلى آخر تلك التهويلات التي غايتها صرف الناس عن أولئك الدعاة. إن الواجب على هؤلاء أن يتقوا الله عز وجل وأن يعلموا أن لحوم العلماء مسمومة، وأن سنة الله في أخذ من انتقصهم معلومة، ومن وقع في أعراض العلماء بالثلب، ابتلاه الله قبل موته بموت القلب، وأذكِّر الجميع بقوله تعالى {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا} والتلفاز شأنه شأن سائر الأجهزة يمكن أن تستعمل في طاعات الله أو في معصيته، في الخير أو الشر، في نشر السنة والدعوة إليها أو تزيين البدعة والدلالة على طرقها، فالداعية الذي يظهر على شاشة التلفاز وقد استحضر نية حسنة من نشر العلم والدلالة على الهدى وتحبيب الخير إلى الناس لا شك أنه مشكور مأجور، وقد هدى الله فئاماً من المسلمين بواسطة تلك البرامج في شتى بلاد الله، يعلم ذلك المنصفون ومن لهم بالدعوة اهتمام؛ وعليه فأن القول بأن ظهور العالم في التلفاز يدل على أنه ليس ربانياً إنما هو من التألي على الله والدخول في خفايا القلوب؛ نسأل الله السلامة والعافية.

    أما الصوفية فليسوا سواء، بل فيهم الخير السابق بالخيرات القائم على حدود الله المعظم لشعائره الحريص على هدي الكتاب والسنة، وفيهم من اتخذ التصوف شعاراً للوقوع فيما حرم الله من الشرك أو البدعة أو الفسوق والعصيان، ووما ينبغي التعميم حال الحكم عليهم فإن هذا ظلم بيِّن، وقد علمنا ربنا جل جلاله أن ننصف حتى في الحديث عن أهل الكتاب قال {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً} وقال عنهم {ليسوا سواء} فالأحكام لا تتعلق بالأسماء والعناوين بل بالحقائق والمضامين، ولن ينفع المرء تسميته نفسه صوفياً أو سلفياً إذا كان على غير الجادة؛ إذ المطلوب الاستقامة على أمر الله تعالى، ثم بعد ذلك لا يضرك ما سميت به نفسك أو سماك به الناس.

    فلا يجوز الحكم على المتصوفة – جملة – بأنهم مشركون عباد قبور، وليست هذه الطريقة النبوية في الدعوة إلى الله تعالى، بل علينا أن نجادلهم بالتي هي أحسن مع حب هدايتهم ودلالتهم على الحق؛ لا أن نتكلم عنهم بنوع من التشفي والانتقام والدلالة على السوآت والعورات فما هذا بمسلك الدعاة الهداة الذي يبحون للناس الخير ويحرصون على أن يأخذوا بنواصيهم إلى الحق، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ولا نُزع من شيء إلا شانه.

    وأما قول القائل: على فهم السلف الأمة. فليس مراده أن نجمد على ما قاله الأولون – رضوان الله عليهم – بل المقصود وضع ضابط يمنع الزيغ والانحراف في فهم النصوص الشرعية، وإلا فقد أدرك علماء المسلمين أن لكل زمان نوازله ولكل بلد أعرافه، وعلموا أن القرآن لا تفنى عجائبه، حتى قال قائلهم: لا تقل: ماذا ترك الأول للآخر؟ بل قل: كم ترك الأول للآخر. فالدين بحر لا شاطئ له، وهو مستوعب بنصوصه لقضايا الدين والدنيا والروح والجسد؛ كما قال جل جلاله {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء} فلا حرج على مسلم أن يجتهد في دين الله عز وجل وفي تقريبه للناس، وذلك حال توفر ملكة الاجتهاد عنده من العلم بالكتاب والسنة ومواطن الإجماع وأسباب الاختلاف وغير ذلك من آلة الاجتهاد التي لا بد منها لمن يتصدى لهذا الأمر.

    والأفعال التي يتورط فيها بعض المتصوفة لا شك أن بعضها يرقى إلى الشرك بالله عز وجل؛ كحال بعضهم حين يضفون على شيوخهم من صفات الربوبية ما لا ينبغي إلا لله عز وجل؛ كمن يزعمون أن للأولياء تصرفاً في الكون وأن ملك الموت لا يقبض روح أحدهم حتى يستأذن شيخه، أو شيخه هو الذي يرزق ويعطي ويرفع ويخفض، وكذلك من يصرفون أنواعاً من العبادة – كالنذر والدعاء والاستغاثة – إلى غير الله تعالى؛ فهؤلاء يقال لهم: إن هذه الأفعال شركية وإن الشريعة قد سمتها شركاً وحذرت منها، دون أن يقال لهم: إنكم مشركون؛ لأن ثمة فرقاً بين الحكم على الفعل والحكم على الفاعل كما هو مقرر في كتب أهل العلم، والله الموفق والمستعان.

  • اكتشفت أن زوجي يزني

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أريد أن أعرف تفسير قوله تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة}، أنا تزوجت وبعد الزواج عرفت أن زوجي كان يقيم علاقات جنسية مع بنات ونساء أجنبيات فهل عليَّ إثم من الاستمرار معه؟

    علما بأنه لم يقر بأنه تاب عن ذلك، ولم يقر بأنه سوف يستمر في الذنب، وهل عليَّ شيء إذا كنت أشك في أنه ما زال يمارس الزنا إذا لم يكن لي دليل أو شهود على ذلك؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فلا حرج عليك في الزواج من هذا الرجل لأنك ما كنت تعلمين بأمر علاقاته المشبوهة ولا تصرفاته المخزية؛ ولا حرج عليك في الاستمرار معه؛ لأن قوله تعالى {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة} ليس معناه أن من رضيت بالزواج منه أو الإقامة تحته أنها زانية؛ بل المراد أن الزاني لا يزني إلا بمن كانت مثله زانية أو شراً منه مشركة؛ وهذا التفسير هو الذي عليه أكثر أهل العلم من المفسرين والفقهاء.

    ثم إنني أنصحك في أن تحاولي الارتقاء بإيمان صاحبك؛ وذلك بتشجيعه على أداء الصلوات المكتوبات مع الجماعة، والحرص على الصحبة الصالحة، وتهيئة الأجواء الإيمانية له في البيت؛ لعل الله يأخذ بيده إلى الهدى، والشك الذي يعتريك حيناً بعد حين شك مبرر لأن في تاريخه ما يشي بإمكان وقوعه فيما حرم الله؛ لكن لا يجوز لك التصريح بذلك ولا تعييره، والله تعالى أعلم.

  • زيادة لفظ “سيدنا” في التشهد

    شيخنا الفاضل سمعنا أن لفظ السيادة لسيدنا محمد بالتشهد جائز وليس ببدعة وكلا الحالتين تجوز. نريد من حضرتكم توضيح هذا الامر ومن قال باستحباب لفظ السيادة من السلف والأدلة على ذلك

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد

    فالنبي صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم بغير خلاف بين المسلمين، ولا حرج البتة في إطلاق لقب السيادة عليه؛ بل في إطلاقه على من هو دونه؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام للأنصار (قوموا إلى سيدكم فأنزلوه) وقال عن الحسن رضي الله عنه (إن ابني هذا سيد) وقال عمر رضي الله عنه عن بلال رضي الله عنه (أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا) لكن صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد ثابتة في كتب السنة من رواية عدد من الصحابة رضوان الله عليهم – كأبي حميد الساعدي وكعب بن عجرة وأبي هريرة وأبي مسعود الأنصاري وبريدة الخزاعي وغيرهم – وليس في شيء منها ذكر (سيدنا) فالأولى اتباع ذلك وعدم زيادة لفظة (سيدنا) فلو كان خيراً لسبقونا إليه.

    وقد رجح ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى حيث قال: اتباع الألفاظ المأثورة أرجح، ولا يقال: لعله ترك ذلك تواضعاً منه صلى الله عليه وسلم، كما لم يكن يقول عند ذكره صلى الله عليه وسلم: “صلى الله عليه وسلم” وأمته مندوبة إلى أن تقول ذلك كلما ذكر، لأنا نقول: لو كان ذلك راجحاً لجاء عن الصحابة ثم عن التابعين، ولم نقف في شيء من الآثار عن أحد من الصحابة ولا التابعين لهم قال ذلك مع كثرة ما ورد عنهم من ذلك، وقد عقد القاضي عياض باباً في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، في كتاب الشفا ونقل آثاراً مرفوعة عن جماعة من الصحابة والتابعين ليس في شيء منها عن أحد من الصحابة وغيرهم لفظ “سيدنا” نعم ورد في حديث ابن مسعود أنه كان يقول في صلاته على النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعل فضائل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين. الحديث. أخرجه ابن ماجه ولكن إسناده ضعيف. انتهى مختصراً.

    وبعض العلماء ذهب إلى استحباب ذلك بناء على قاعدة أن الأدب أولى من الاتباع؛ استدلالاً بأن أبا بكر رضي الله عنه أبى أن يبقى إماماً للنبي صلى الله عليه وسلم بعدما أشار إليه بذلك؛ وأن علياً رضي الله عنه أبى أن يمحو صفة الرسالة عنه بعدما أمره بذلك حين كتابة الصلح مع سهيل بن عمرو، حيث قال الرملي في نهاية المحتاج: والأفضل الإتيان بلفظ السيادة -أي في التشهد في الصلاة- كما قاله ابن ظهيرة وصرح به جمع، وبه أفتى الشارح -المحلي- لأن فيه الإتيان بما أمرنا به وزيادة الإخبار بالواقع الذي هو أدب فهو أفضل من تركه وإن تردد في أفضليته الإسنوي، وأما حديث: لا تسيدوني في الصلاة. فباطل ولا أصل له كما قاله بعض متأخري الحفاظ، وقول الطوسي: إنها مبطلة غلط. انتهى

    ومثله قال به الحنفية رحمهم الله تعالى؛ حيث قال صاحب الدر المختار: وندب السيادة لأن زيادة الإخبار بالواقع عين سلوك الأدب فهو أفضل من تركه. انتهى

    ومهما يكن من أمر فليست هذه المسألة بداعية لحصول الخلاف والشقاق بين الناس؛ بل الأمر فيها واسع، والعلم عند الله تعالى

زر الذهاب إلى الأعلى