حان وقت حصاد زرعي واستدنت مبلغاً للحصاد هل يجوز أن أخصم هذا الدين قبل إخراج الزكاة؟ ثانياً: لو كان المال الذي أنفقته في الحصاد (2مليون) ليس ديناً بل هو مالي هل أسترده من بيع المحصول قبل أن أخرج الزكاة؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فالنصاب المحدد لزكاة الزروع هو ما يعادل ستمائة وسبعة وأربعين كيلو جراما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) فنصاب الزروع خمسة أوسق، والوسق ستون صاعاً؛ فيكون النصاب ثلاثمائة صاع، والصاع النبوي يعادل نحواً من 2156 جراماً؛ فيكون النصاب ستمائة وسبعة وأربعين كيلو جراماً. وأما ما لا يكال – كالقطن والمطاط وقصب السكر – فإن زكاته بالقيمة؛ فينظر في قيمة الخمسة الأوسق من غلة متوسطة وتؤخذ من أرباب تلك الزروع.
وأما النفقة على الزرع فإن كانت ديناً على صاحب الزرع؛ فإنه يُخرج هذا الدين ويزكي الباقي إن كان بالغاً نصابا؛ لما روى أبو عبيد في الأموال بسنده عن جابر بن زيد، قال في الرجل يستدين فينفق على أهله وأرضه، قال: قال ابن عباس: يقضى ما أنفق على أرضه، وقال ابن عمر: يقضى ما أنفق على أرضه وأهله. وقال ابن عباس: يقضي ما أنفق على الثمرة ثم يزكِّي ما بقى. فقد اتفق ابن عباس وابن عمر على قضاء الدّيْن الذي أنفقه على الأرض والثمرة، وزكاة الباقي فقط، واختلفا في الدّيْن إذا كان على نفسه وأهله. وكذلك روى أبو عبيد عن مكحول أنه قال في صاحب الزرع المدين: لا تؤخذ منه الزكاة حتى يقضى دينه، وما فضل بعد ذلك زكّاه، إذا كان مما تجب فيه الزكاة . وبهذا قال سفيان الثوري وأحمد بن حنبل
وإن لم تكن تلك النفقات مثل ما ينفقه الزارع من ماله على البذر والسماد والحرث والري والتنقية والحصاد وغير ذلك؛ إذا لم تكن ديناً على صاحب الزرع فقد اختلف أهل العلم هل ترفع هذه النفقات والتكاليف -أعنى القدر المقابل لها من المحصول ويزكِّى الباقي، تخصم أم لا؟
فذهب ابن حزم الظاهري إلى أنها لا تحتسب، بل يجب إخراج الزكاة عن الزرع كله دون اعتبار لما أنفق فيه؛ قال رحمه الله: لا يجوز إسقاط حق أوجبه الله تعالى بغير نص قرآن ولا سُنَّة ثابتة قال: وهذا قول مالك والشافعي وأبى حنيفة وأصحابنا أ.هـ .
وتعرض ابن العربي في شرح الترمذي لهذه المسألة فقال في عارضة الأحوذي 3/143: اختلف قول علمائنا، هل تحط المؤونة من المال المزكى، وحينئذ تجب الزكاة -أي في الصافي- أو تكون مؤونة المال وخدمته -حتى يصير حاصلاً- في رب المال، وتؤخذ الزكاة من الرأس -أي من إجمالي الحاصل؟ فذهب إلى أنه الصحيح أن تحط وترفع من الحاصل، وأن الباقي هو الذي يؤخذ عُشره، واستدل لذلك بحديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: “دعوا الثلث أو الربع”، وأن الثلث أو الربع يعادل قدر المؤونة تقريبًا، فإذا حسب ما يأكله رطبًا، وما ينفقه من المؤونة تخلص الباقي ثلاثة أرباع، أو ثلثين، قال: ولقد جربناه فوجدناه كذلك في الأغلب
قال العلامة القرضاوي حفظه الله تعالى: الذي يلوح لنا أن الشارع حكم بتفاوت الواجب في الخارج بناء على تفاوت المشقة والجهد المبذول في سقي الأرض، فقد كان ذلك أبرز ما تتفاوت به الأراضي الزراعية، أما النفقات الأخرى فلم يأت نص باعتبارها ولا بإلغائها، ولكن الأشبه بروح الشريعة إسقاط الزكاة، عما يقابل المؤونة من الخارج، والذي يؤيد هذا أمران:
الأول: أن للكلفة والمؤونة تأثيرًا في نظر الشارع، فقد تقلل مقدار الواجب، كما في سقي بآلة، جعل الشارع فيه نصف العُشر فقط، وقد تمنع الوجوب أصلاً كما في الأنعام المعلوفة أكثر العام، فلا عجب أن تؤثر في إسقاط ما يقابلها من الخارج من الأرض.
الثاني: أن حقيقة النماء هو الزيادة، ولا يعد المال زيادة وكسبًا إذا كان أنفق مثله في الحصول عليه، ولهذا قال بعض الفقهاء: إن قدر المؤونة بمنزلة ما سلم له بعوض، فكأنه اشتراه، وهذا صحيح.
هذا على ألا تحسب في ذلك نفقات الري التي أنزل الشارع الواجب في مقابلها من العُشر إلى نصفه فمن كانت له أرض أخرجت عشرة قناطير من القطن تساوى مائتي جنيه، وقد أنفق عليها -في غير الري- مع الضريبة العقارية، مبلغ ستين جنيهًا (أي ما يعادل ثلاثة قناطير) فإنه يخرج الزكاة عن سبعة قناطير فقط، فإذا كانت سقيت سيحًا ففيها العُشر أو بآلة فنصف العُشر، والله أعلم