الفتاوى

  • هل الرسول ﷺ أول الخلق؟

    ما صحة قول بعض الناس أن الرسول صلى الله عليه وسلم أول خلق الله وأن القرآن منه وإليه؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فالقول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول الخلق قول بلا دليل صحيح، بل المستند فيه أحاديث واهية قد بيَّن أهل العلم سقوطها وعدم صحة الاستدلال بها، من جنس ما رواه الحاكم في المستدرك من حديث جابر رضي الله عنه (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر) والصحيح أن أول المخلوقات هو عرش الرحمن جل جلاله وأما القول بأن القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم وإليه فهو والعياذ بالله قول أهل وحدة الوجود ممن زاغ معتقدهم حتى ظنوا أن الخالق هو عين المخلوق عياذاً بالله من الضلال.

    هذا وإني أنصح كل مسلم بأن يُعنى بما يقربه إلى ربه من العلم الذي يترتب عليه عمل دون أن يشغل نفسه بمثل هذه الترهات التي يفوه بعض الناس بها وكما قال سبحانه {وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم} والله تعالى أعلم.

  • حقوق الجار في البناء

    السلام عليكم حسب بيئتنا السودانية أسكن في بيت عادي أرضي وبجوارنا بيتان يطلان على بيتنا أحدهما سطوح، والآخر به صالة حائطها زجاج وبلكونة، أي من بداخل الصالة ممكن أن يرى بيتنا الذي به الحوش والحمام والمطبخ، وتكلمنا معهم مرات ومرات ولكنهم اكتفوا بأن عملوا الزجاج من النوع المظلل. السؤال: هل عليَّ إثم إن رآني رجل أو ولد وأنا في بيتي بدون حجاب (علماً بأن كل من يدخل الشقة العليا أو يخرج منها لابد من أن يقع نظره على بيتنا) وإذا كان ذلك لا يصح فماذا على أن أفعل؟ ملحوظة: لا نملك أي مال للتعديل في خرطة بيتنا.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فالواجب على المسلم أن يرعى حرمة الجار ولا يؤذيه بقول أو فعل؛ لأن الله تعالى أوصى بذلك حين قال {والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب} وقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه» وقال «ما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» وفي شعب الإيمان من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ دُونَ جَارِهِ مَخَافَةً عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَلَيْسَ ذَاكَ بِمُؤْمِنٍ، وَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ مَنْ لَمْ يَأْمَنْ جَارُهُ بَوَائِقَهُ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْجَارِ: إِذَا اسْتَعَانَكَ أَعَنْتُهُ، وَإِذَا اسْتَقْرَضَكَ أَقْرَضْتَهُ، وَإِذَا افْتَقَرَ عُدْتَ عَلَيْهِ، وَإِذَا مَرِضَ عُدْتَهُ، وَإِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ هَنَّأْتَهُ، وَإِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ عَزَّيْتَهُ، وَإِذَا مَاتَ اتَّبَعْتَ جِنَازَتَهُ، وَلَا تَسْتَطِيلُ عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ تَحْجُبُ عَنْهُ الرِّيحَ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تُؤْذِيهِ بِقُتَارِ قِدْرِكَ إِلَّا أَنْ تَغْرِفَ لَهُ مِنْهَا، وَإِنِ اشْتَرَيْتَ فَاكِهَةً فَاهْدِ لَهُ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَأَدْخِلْهَا سِرًّا، وَلَا يَخْرُجُ بِهَا وَلَدُكَ لِيَغِيظَ بِهَا وَلَدَهُ، أَتَدْرُونَ مَا حَقُّ الْجَارِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَبْلُغُ حَقُّ الْجَارِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ رَحِمَ اللهُ» فَمَا زَالَ يُوصِيهِمْ بِالْجَارِ حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ

    وعليه فإن الواجب على هذا الجار أن يحفظ حرمة جاره فيغلق تلك النوافذ التي تطل عليه وتكشف عورته، والواجب على الجهات المصدقة بالبناء أن تراعي ذلك؛ من أجل ألا يعدو الناس بعضهم على بعض، وأما أنت فتحفظي قدر الاستطاعة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والله الموفق والمستعان.

  • حكم حلاقة شعر الإبط

    السلام عليكم، أسأل عن حكم حلاقة شعر الإبط والعانة وبأي الطرق تزال؟ علماً بأني أبلغ من العمر 33 ولم أكن أعلم شيئاً عن هذا الموضوع إلى أن قرأت في بعض الصفحات الالكترونية. فأرجو الافادة.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسـلم “خمس من الفطرة الاستحداد والختان وقص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار”

    والاستحداد هو حلق العانة؛ سمي استحداداً لاستعمال الحديدة وهي الموسى، وهو سنة بالاتفاق، قال أهل العلم: ويكون بالحلق والقص والنتف والنورة ـ وهي مادة تزيل الشعر ـ قال النووي: والأفضل الحلق، والمراد بالعانة الشعر فوق ذكر الرجل وحواليه، وكذلك الشعر حول فرج المرأة، ونقل عن أبي العباس بن سريج أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر. قال النووي: فيحصل من مجموع هذا استحباب حلق جميع ما على القبل والدبر وحولهما.ا.هــــــــــ

    ونتف الإبط سنة بالاتفاق أيضاً، قال النووي: الأفضل فيه النتف إن قوي عليه ويحصل أيضاً بالحلق والنورة، وحكى عن يونس بن عبد الأعلى قال: دخلت على الشافعي وعنده المزين يحلق إبطه؛ فقال الشافعي: علمت أن السنة النتف ولكن لا أقوى على الوجع.ا.هـــــــــ

    والمقصود أن المراد إزالة الشعر من تلك الأماكن تنقية لها وطلباً لنظافتها وتيسيراً لطهارتها، وأما الآلة المستعملة أو الطريقة فليست مقصودة لذاتها، وعليك ألا تدع الشعر في تلك المواضع أكثر من أربعين يوماً؛ لقول أنس بن مالك رضي الله عنه “وقت لنا ألا ندع أكثر من أربعين” والله تعالى أعلم.

  • لماذا تسبون الكفار؟

    أرجو من الشيخ الدعاء للحكومة أن يسدد الله خطواتها، فهي أمل الحفاظ على الدين والشريعة من تلكم الأحزاب المعارضة التي تنادي بالعلمانية، أليست حكومتنا تنادي بالشريعة وواجب علينا الحفاظ عليها أم لا؟ وأرجو من الشيخ أن لا يدعو بالاسم على الكفار مثل سب جون قرنق، فهل نحن مطالبون بسب الكفار اسما؟! نعم نحن نتبرأ من الكفار ونوالي المسلمين فأنا واحد منهم! وأسال عن سب البابا، هل يجوز؟ فهل نعلم بم تكون نهايته، لعل الله أن يهديه في آخر عمره؟ وكذلك السب لأوباما وبوش فنحن لا نعلم كيف ستكون خواتمهم! وإن كان الظاهر هو الكفر، أرجو تصحيح أفكاري إن كانت خاطئة. إنا لنراك من المحسنين الأقوياء في الحق، وإني لأحبك في الله وفي قول الحقيقة بدون خوف؛ مع بعض الخلاف البسيط عسى أن أكون من الخاطئين. وألف شكر ممزوج برياحين الحب في الله.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فأحبك الله الذي أحببتني فيه، وشكر الله لك حسن ظنك بي، وأسأل الله تعالى أن يرزقني وإياك الإخلاص في القول والعمل، وأن يسددنا ويثقل موازيننا، ويجنبنا الزلل، وجواباً على ما سألت أخي أقول: إننا – معشر المسلمين – مأمورون بأن ندعو إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن نترفق بالناس ما استطعنا، فهكذا كان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد علمنا أن الله تعالى يحب الرفق، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف، وأن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه، وهذا هو المعهود من سيرته العملية صلوات الله وسلامه عليه.

    ولا تعارض بين الرفق وبين الدعاء على الكفار والمجرمين ممن تتابع شرهم، وبدا على الإسلام ضررهم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام دعا على صناديد قريش لما طرح أحدهم على رأسه سلا جزور وهو ساجد عند الكعبة، وضحك الآخرون فقال {اللهم عليك بالملأ من قريش: اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط وأمية بن خلف أو أبي بن خلف} شك شعبة!! قال عبد الله: فلقد رأيتهم قتلوا يوم بدر وألقوا في القليب. وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ {قَنَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَيَقُولُ عُصَيَّةُ عَصَتِ اللهَ وَرَسُولَهُ} وهكذا دعا على عامر بن الطفيل ودعا على كفار مكة فقال {اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سبعاً كسبع يوسف}

    وأما الخواتيم فعلمها عند ربي فقد يعيش امرؤ كافراً ثم يختم له بالحسنى كما حصل لأصيرم بني عبد الأشهل؛ فقد كَانَ أبو هريرة رضي الله عنه يَقُولُ: حَدِّثُونِي عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَمْ يُصَلِّ قَطُّ؟ فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ النَّاسُ سَأَلُوهُ: مَنْ هُوَ؟ فَيَقُولُ: أُصَيْرِمُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ، قَالَ: كَانَ يَأْبَى الْإِسْلَامَ عَلَى قَوْمِهِ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ بَدَا لَهُ الْإِسْلَامُ فَأَسْلَمَ، فَأَخَذَ سَيْفَهُ فَغَدَا حَتَّى أَتَى الْقَوْمَ فَدَخَلَ فِي عُرْضِ النَّاسِ، فَقَاتَلَ حَتَّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ، قَالَ: فَبَيْنَمَا رِجَالُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَلْتَمِسُونَ قَتْلَاهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ إِذَا هُمْ بِهِ، فَقَالُوا: وَاللهِ إِنَّ هَذَا لَلْأُصَيْرِمُ، وَمَا جَاءَ؟ لَقَدْ تَرَكْنَاهُ وَإِنَّهُ لَمُنْكِرٌ لِهَذَا الْحَدِيثَ، فَسَأَلُوهُ مَا جَاءَ بِهِ؟ قَالُوا: مَا جَاءَ بِكَ يَا عَمْرُو، أَحَدَبًا عَلَى قَوْمِكَ، أَوْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: بَلْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ، آمَنْتُ بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ أَخَذْتُ سَيْفِي فَغَدَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ فَقَاتَلْتُ حَتَّى أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي، قَالَ: ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فِي أَيْدِيهِمْ، فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: {إِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ} رواه أحمد في المسند. وقد يكون ظاهر الإنسان مسلماً ويختم له بالسوء والعياذ بالله كما حصل لقزمان يوم أحد؛ فقد روى البخاري في صحيحه من حديث سهل بن سعد بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا؛ فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه؛ فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحدٌ كما أجزأ فلان!! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {أما إنه من أهل النار} فقال رجل من القوم: أنا صاحبه!! قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه وإذا أسرع أسرع معه؛ قال: فجرح الرجل جرحاً شديداً فاستعجل الموت؛ فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه؛ ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه!!! فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنك رسول الله!! قال {وما ذاك؟} قال الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك؛ فقلت: أنا لكم به؛ فخرجت في طلبه؛ ثم جرح جرحاً شديداً فاستعجل الموت؛ فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه؛ ثم تحامل عليه فقتل نفسه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك {إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة}

    فالمسلم لا يدعو على أحد بأن يختم الله له بالسوء، أو يميته على الكفر، بل يتمنى الهداية لجميع الخلق، وفي الوقت نفسه قد يدعو على من آذى الإسلام وأهله وسعى في الأرض بالفساد؛ ولا تعارض بين هذا وذاك، وكلٌ سنةٌ، والله الموفق والمستعان.

  • الوضوء مع زيت في الشعر

    هل يبطل الوضوء بوجود زيت على الشعر؟؟ أنا اقصد الزيت العادي الموجود في الأسواق وأرجو من فضيلتكم إخباري بنعم أو لا والرد على بصورة مبسطة لأنني أرسلت هذا السؤال لعدة مواقع ولكنى لم أفهم الإجابة!!

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فوجود الزيت العادي على الشعر لا يبطل الوضوء؛ لأنه لا يشكل قشرة أو جرماً يمنع وصول الماء إلى البشرة، والله تعالى أعلم.

  • مؤذن لا يبلّغ خلف الإمام

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السؤال: بعض الاوقات أقوم بالآذان في المسجد ولا أُبلغ بعد الإمام فكرِه المصلون ذلك فتركت الآذان فما توجيهكم؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فالأذان أجره عظيم لمن ابتغى به وجه الله عز وجل، وقد قال المفسرون إن المؤذنين داخلون دخولاً أولياً فيمن قال الله فيهم {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين} وقد دعا لهم النبي صلى الله عليه وسـلم بقوله “اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين” وأخبر أنهم أطول الناس أعناقا ًيوم القيامة، وأنه لا يسمع صوت المؤذن شيء إلا شهد له يوم القيامة، وكفى بذلك شرفاً وفخراً.

    وأما التبليغ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسـلم فلم يكن سوى مرتين مرة صرع النبي صلى الله عليه وسـلم عن فرس ركبه؛ فصلى في بيته قاعداً؛ فبلَّغ أبو بكر عنه مع التكبير. كذا رواه مسلم في صحيحه، ومرة أخرى في مرض موته بلَّغ عنه أبو بكر، ولم يذكر أحد من العلماء تبليغاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسـلم إلا هاتين المرتين.

    وعليه فإن التبليغ بعد الإمام يُشرع إذا كانت بالناس إليه حاجة؛ كأن يكون صوت الإمام لا يُسمع إما لعلة بالإمام أو لكون المسجد كبيراً ولا توجد مكبرات للصوت، أو لا تعمل بشكل جيد، ونحو ذلك من الأعذار؛ أما إذا انتفى هذا كله فلا يشرع التبليغ بعد الإمام بل يكون مكروهاً؛ لما فيه من إذهاب الخشوع أو بعضه، وإذهاب السكينة والوقار أيضاً وإيقاع التشويش والتخليط؛ كما بيّن ذلك أهل العلم كابن الحاج المالكي رحمه الله تعالى حيث قال في كتاب المدخل: وقد اختلف العلماء في صحة صلاة المسمِّع الواحد وبطلانها على أربعة أقوال: تصح، لا تصح، الفرق بين أن يأذن الإمام فتصح أو لا يأذن فلا تصح، والفرق بين أن يكون صوت الإمام يعمهم فلا تصح أو لا يعمهم فتصح. وفي فتح العلي المالك للشيخ عليش رحمه الله: سمع ابن وهب من مالك رحمه الله تعالى: لو جهر المأموم بالتكبير وبربنا لك الحمد جهراً يسمع به من يليه فلا بأس وتركه أحب أليّ.ا.هــ وعليه فالواجب على كل مصل أن يصون صلاته من العبث والبطلان وأن يحرص على اتباع السنة ليكمل له الأجر والثواب وأن يخرج من الخلاف ما استطاع إلى ذلك سبيلاً،

    وقد قال أهل العلم: إن التبليغ لغير حاجة ليس بمستحب، بل صرح كثير منهم أنه مكروه، قال في تبيين المسالك: والجهر بتكبيرة الإحرام عندنا ـ أي المالكية ـ مستحب للإمام والفذ والمأموم، أما غيرها من التكبير فيستحب الجهر به للإمام فقط، وأما الفذ والمأموم فيندب لهما الإسرار به، ونظم ذلك أحد فقهائنا فقال:

    الجهرُ في تكبيرة الإحرامِ                    يُندَب مطلقاً وللإمـامِ

    يُندب فيما غيرُها وغيرُه                    يُندبُ سرُّه وكُرِه جهرُه

     وأما عند الحاجة فلا بأس به، كما لو كان المسجد كبيراً وصوت الإمام لا يسمع لمن كان بعيداً عنه، أو كان في مكبر الصوت خلل؛ فاحتاج الناس إلى شخص أو أكثر يبلغون صوت الإمام لهم فلا حرج في ذلك إن شاء الله؛ اقتداءً بفعل الصديق أبي بكر رضي الله عنه.

    وعليه فإن المطلوب منك تبليغ هؤلاء المصلين – وفقهم الله – بهذه النقول والأحكام؛ فإن أصروا على ما هم عليه وكان هناك غيرك ممن يحسن رفع الأذان فلا حرج عليك في تركه، والعلم عند الله تعالى.

  • إنفاق الزكاة للطاقة الشمسية في غزة

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد

    فمصارف الزكاة محدَّدة في قول ربنا سبحانه وتعالى {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم}

    وإخواننا أهل غزة يصدق على أغلبهم أنهم من الفقراء أو المساكين أو الغارمين؛ حيث يعانون من حصار خانق وعدو متربص، وفي الوقت نفسه قد جعلهم الله في نحر هذا العدو يثخنون فيه حيناً بعد حين، في ظل وجود أنظمة طاغوتية قد أعطت الدنية في الدين ورضيت بأن تفرط في الكرامة والأرض مقابل سلام زائف يضمن لهم عروشهم وشهواتهم

    وقد سأل بعض الإخوة عن مشروعية الصرف من الزكاة على إنشاء محطات طاقة شمسية تغذي غزة بالكهرباء؛ فتعين أهلها على جهادهم لعدوهم وتدبير شئون دنياهم في مدارسهم ومعاهدهم ومشافيهم وغير ذلك مما لا غنى لهم عنه.

    والجواب أن ذلك سائغ مشروع إن شاء الله وذلك من عدة وجوه:

    أولها: باعتبار أن أهل غزة مرابطون في سبيل الله، ومجاهدون لأعداء المسلمين اليهود، وفي الوقت نفسه يواجهون ظروفاً صعبة وأحوالاً تجعل أغلبهم مصنفين في دائرة الفقراء والمساكين، والكهرباء قد صارت من ضرورات الحياة التي لا غنى عنها في تدبير شئون الحياة كافة

    ثانياً: أن جمعاً من العلماء المحدثين – كالسيد جمال الدين القاسمي والسيد رشيد رضا والشيخ حسنين محمد مخلوف والشيخ محمود شلتوت – قد توسعوا في معنى “سبيل الله” فلم يقصره على الجهاد وما يتعلق به، بل فسره بما يشمل سائر المصالح والقربات وأعمال الخير والبر، وفقاً للمدلول الأصلي للكلمة وضعاً.

    ثالثاً: باعتبار ما قاله جمهور العلماء من أن مصرف (سبيل الله) يشمل الجهاد وما يعين عليه، من النفقات والدواب والكراع والسلاح وما يحتاج إليه من آلة الحرب وكف العدو عن الحوزة، حتى قال بعضهم: يأخذ المجاهد من الزكاة ولو كان غنيا؛ لأن أخذه بوصف الجهاد لا بوصف الفقر. ويُعطى منها جاسوس يُرسَل للاطلاع على عورات العدو ويعلمنا بها ولو كان كافراً؛ ومعلوم أن إعداد الأسلحة وتجهيز المقاتلين وتدريبهم لا يستغنى فيه عن الكهرباء.

    رابعاً: باعتبار أن أغلب المجاهدين في غزة إنما هم متطوعون وليسوا جنوداً نظاميين يتقاضون راتباً من حكومة؛ وهذا ما نص عليه الشافعية والحنابلة – كما في المنهاج للنووي وشرحه لابن حجر الهيثمي – أو بعبارة ابن حجر: لا سهم لهم في ديوان المرتزقة بل هم متطوعة يغزون إذا نشطوا، وإلا فهم في حرفهم وصنائعهم..

    والحنابلة يرون أن من أهل الزكاة الغزاة المتطوعة الذين ليس لهم راتب، أو لهم دون ما يكفيهم، فيُعطى المجاهد منهم ما يكفيه لغزوه. ولو كان غنياً. وإن لم يغز بالفعل رد ما أخذه. ويتوجه عندهم: أن الرباط على الثغور كالغزو كلاهما في سبيل الله.

    خامساً: أن هذه المحطات يستفاد منها في تشغيل المدارس والجامعات والمشافي ووسائل الإعلام وغير ذلك مما لا غنى للمجاهدين عنه في عصرنا؛ فإن الجهاد يكون بالقلم واللسان كما يكون بالسيف والسنان، والجهاد يكون بالفكر والتربية والاجتماع والاقتصاد والسياسة كما يكون بالآلة العسكرية وكل هذه الأنواع من الجهاد تحتاج إلى الإمداد والتمويل. المهم أن يتحقق الشرط الأساسي لذلك كله، وهو أن يكون “في سبيل الله” أي في نصرة الإسلام، وإعلاء كلمته في الأرض، فكل جهاد أريد به أن تكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. أياً كان نوع هذا الجهاد وسلاحه.

    وعليه فإنه لا مانع من الإنفاق من مال الزكاة في تجهيز تلك المحطات، والله الموفق والمستعان.

  • حكم أكل لحم الحصان

    ما حكم أكل لحم الحصان؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد

    فجمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة – وهو قول عند المالكية – أن الحصان مباح أكله، بينما يرى الحنفية في الراجح عندهم وهو قول ثان للمالكية أن أكله مباح مع الكراهة التنزيهية، ودليل الجمهور على الإباحة ما رواه البخاري من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَال: نَهَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأْهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْل. وما رواه من حديث أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ. أما القائلون بالكراهة فقد استدلوا بقوله تعالى {وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} فَالاِقْتِصَارُ عَلَى الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ يَدُل عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَأْكُولَةً، إِذْ لَوْ كَانَتْ مَأْكُولَةً لَقَال: وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، كَمَا قَال قَبْل ذَلِكَ: {وَالأَْنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}.

  • تلاوة بعض سور القرآن جماعة

    نحن سبعة مساجد درجنا على ختم القرآن سويًا فى كل مرة بمسجد من المساجد فى المنطقة، وندعوا بعضنا البعض لهذا الأمر، ونختم ثم نجلس سويًا نستأنس ونشرب الشاى، ثم ننطلق إلى أحوالنا، وقد حصل لنا فائدة التآلف والتراحم والمودة والتواصل بين هذه المساجد، وهم من مختلف المشارب، ولكن هناك أمر اختلفنا فيه وهو تلاوة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات ومن ثم الفاتحة وأول البقرة حيث درجنا على تلاوتها جماعيًا عند بلوغها فى القراءة.. فهل هنالك بيان واضح حول بدعية هذا الأمر، ودليل ذلك من السنة؟

    وهذا الأمر أصبح مثار اختلاف، الرجاء الرد عاجلًا اليوم، فغدًا لدينا ختمة، ونود أن نعرف ما هو الصحيح حتى نتبع السنة، ونخالف البدعة، ونجمع الناس ولا نفرقهم، وجزاكم الله خيرًا.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فحلقة القرآن في بيت الله عز وجل أو في بيوت الناس من أفضل الطاعات وأعظم القربات، سواء كانت يومية أو أسبوعية أو في اليوم مرتين، وهي داخلة في عموم قوله صلى الله عليه وسلم “وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم الرحمة وغشيتهم السكينة وحفتهم الملائكة” وكذلك عموم النصوص الآمرة بالاجتماع على ذكر الله عز وجل، ومن قال بأن هذه الحلقة بدعة فهو لا يعرف معنى البدعة، وأما استدلاله بأنها لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسـلم وصحابته فغير مسلَّم؛ إذ عدم وجود الشيء على عهده صلى الله عليه وسـلم لا يقتضي الحكم ببدعيته بإطلاق ما دامت الأصول قد دلت على أصل مشروعيته؛ ومثال ذلك لو اتفق الناس على درس في الفقه أو الحديث أو العقيدة أو غيرها من العلوم الشرعية في يوم معين من الأسبوع في المسجد أو في بيت أحدهم هل يقال بأن ذلك بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسـلم وأصحابه لم يكن لهم يوم معين يجتمعون فيه على موعظة أو ذكر؟ لا يقول هذا عاقل لأن أصل المشروعية ثابت بالنصوص الدالة على السعي في طلب العلم وتحصيله، أما كون الناس يتفقون على يوم معين أو وقت مخصوص فذلك راجع إلى أصل الإباحة من حيث التكيُّف مع ظروفهم وما يسهِّل عليهم عبادة ربهم جل جلالـه، والأمر في ذلك على الإباحة الأصلية؛ لأن تلاوة القرآن ودروس العلم غير مقيَّدة بوقت معلوم كالصلوات الخمس أو صيام رمضان مثلاً؛ فليتق الله امرؤ أن يؤثِّم إخوانه المسلمين أو يزهدهم في الخير أو يصرفهم عن هدى كانوا عليه في زمان قلَّ فيه من يذكِّر بالله عز وجل؛ خاصة وأن المقصود الأغلب من هذه الحلقات أن يتعلم الناس قراءة كتاب الله تعالى بصورة صحيحة وفق ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، بإسلاح اللاحن وتصحيح المخطئ وتعليم الجاهل؛ لعل المعلم والمتعلم يدخلان في قول النبي صلى الله عليه وسلم {الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران}

    أما القراءة الجماعية – للإخلاص والمعوذتين – أو لغير ذلك من سور القرآن فإنها لا تشرع على سبيل التعبد؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل الوارد عنه أنه كان يقرأ أو يطلب من واحد من أصحابه أن يقرأ وهو صلى الله عليه وسلم يسمع كما قال لابن مسعود رضي الله عنه “إني أحب أن أسمعه من غيري” لكنها تُشرع على سبيل التعلُّم؛ بمعنى أنه يجوز للمعلم أن يلقن تلاميذه مجموعين ويطلب منهم أن يرددوا خلفه، وكذلك يطلب منهم أن يقرؤوا جماعة من أجل أن يرسخ حفظهم، والله تعالى أعلم.

  • القراءة الجماعية لسورة يس

    إخواننا هنا في المعتقل درجوا على قراءة سورة يس والإخلاص والمعوذتين بعد صلاة الفجر والعشاء جماعة وبصوت عالي يومياً، وكذلك في البص أثناء تحركنا لجلسات المحاكمة ذهاباً وإياباً، الاثنين الماضي وبعد رجوعنا من الجلسة وبعد أن قرأنا قام نقيب يتبع للشرطة كان ضمن الحراسة بفتوانا ان هذه بدعة وغير صحيحة القراءة الجماعية

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد

    فقد ذهب الشافعية والحنابلة إلى جواز قراءة الكل مجتمعين بصوت واحد، وهو القول الثاني عند الأحناف، وممن أطال النفس في تقرير ذلك الإمام أبو زكريا النووي رحمه الله تعالى في كتاب (التبيان) ونصر هذا المذهب أبو العباس بن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى حيث قال: وقراءة الإدارة حسنة عند أكثر العلماء، ومن قراءة الإدارة قراءتهم مجتمعين بصوت واحد، وللمالكية قولان في كراهتها.ا.هــــ

    وذهب جماعة من أهل العلم – وهم الحنفية والمالكية – إلى كراهة ذلك لما فيه من ترك الاستماع والإنصات، ولما يلزم منه تخليط بعضهم على بعض؛ حيث عقد ابن الحاج المالكي رحمه الله فصلاً في كتابه (المدخل) لتقرير ذلك والرد على الإمام النووي، ومثله الطرطوشي في (البدع والحوادث) حيث قال: لم يختلف قوله – يعني الإمام مالكا – أنهم إذا قرروا جماعة في سورة واحدة أنه مكروه.ا.هـــــــ وقال أبو الوليد ابن رشد: إنما كرهه مالك للمجاراة في حفظه والمباهاة والتقدم فيه.ا.هــ

    فهي من مسائل الخلاف التي ينبغي أن تتسع لها الصدور ولا ينكر على المخالف، وإذا رأى الإخوة أن ذلك أنشط لهم على القراءة وأعون على الحفظ فلا حرج عليهم في فعله، وهم مأجورون ولهم أسوة حسنة فيمن مضى ذكرهم من أئمة الدين من الشافعية والحنابلة رحم الله الجميع، والله تعالى أعلم.

زر الذهاب إلى الأعلى