الفتاوى

  • زكاة الشركات

    هنالك شركة مسجَّلة في برطانية ولديها فرع مسجَّل في السودان منذ عشرات السنين، هذا الفرع لم يكن لديه ملف زكاة في السودان ولم تكن عليه زكاة، المساهمون فى الشركة أعلاه (وهم شركة) باعوا أسهمهم لشركة أخرى، وحسب قانون الشركات فإن بيع الأسهم لا يغيِّر في شخصية الشركة الاعتبارية بمعنى أنها تكون بنفس الرقم ونفس الأهداف واللوائح وما لها وما عليها من إلتزامات.

    المساهمون الجدد قرَّروا تغيير إسم الشركة وجاء الاسم الجديد منسوباً لدولة عربية وتم تغيير الإسم في كل من بريطانية والسودان، سلطات الزكاة في السودان طالبتهم باستخراج الزكاة بعد حول من تغيير الإسم.

    السؤال: هل يجوز أن نطلق وصف (شخص مسلم) على الشركة وبالتالي تجب عليه الزكاة؟ وهل مجرد تغيير اسم الشركة إلى اسم متضمناً اسم دولة عربية موجباً للزكاة مع العلم أن رقم الشركة وجنسيتها والتزاماتها لم تتغير؟ أفيدونا أفادكم الله

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فمعلوم أن الزكاة واجبة في سائر الأموال الزكوية – وهي بالإجماع في بهيمة الأنعام والزروع والثمار والنقود الورقية وعروض التجارة – سواء كانت لفرد واحد أم شركة بين أفراد كثيرين، وفي الشركات التي يملكها أفراد متعددون يكون كل شريك مسئولاً عن تزكية نصيبه في الشركة إذا كان بالغاً نصاباً وحال عليه الحول، اللهم إلا إذا اتفق الشركاء على توكيل مدير الشركة في تزكية جميع أموال الشركاء، سواء كانت الشركة رابحة أم خاسرة ما دامت الموجودات الزكوية فيها من أموال وأعيان قد تمت فيها شروط الزكاة

    وعليه فإن الجواب عن هذا السؤال يدور مع هوية القائمين على تلك الشركة أمسلمون هم أم غير مسلمين؟ فإن كانوا مسلمين فالزكاة عليهم واجبة ولا أثر للاسم سواء أكان عربياً أم أعجميا، ولا تأثير كذلك لقانون الشركات الذي لا يرى أثراً لتغيير الاسم في شخصية الشركة الاعتبارية لأن هذا الأمر خارج عن محل السؤال ها هنا، والعلم عند الله تعالى

  • قراءة القرآن جماعة

    هل يجوز قراءة القرآن جماعة؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فإن قراءة القرآن جماعة لا تشرع إلا إذا كانت على سبيل التعليم، أما في حال التعبد فإما أن يقرأ الإنسان وحده، وإما أن يستمع إلى غيره كما كان حال رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، قال وهب: سألت مالكاً: أرأيت القوم يجتمعون فيقرؤون جميعاً سورة واحدة حتى يختموها؟ فأنكر ذلك وعابها وقال: ليس هكذا تصنع الناس؛ إنما كان يقرأ الرجل على الآخر يعرضه. والله أعلم.

  • مقابلة الرجال في فترة العدة

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    س1: رجل خصص له مكان عمله موتر للحركة ويُعطى تذاكر وقود، ولما كان لا يحتاج الي كل كمية الوقود المصدقة له فإنه يبيع بعض تذاكر الوقود وجالونات الزيت  لصيانة الموتر هل يحق له ذلك؟ وهل يحق له أن  يستخدم بعض تذاكر الوقود لمشاوير خاصة في سيارة غير الموتر؟

    س2: هل يصح للمرأة المتوفى عنها زوجها أن تقابل رجالاً من غير المحارم أثناء عدتها؟

    س3: ما حكم القنوت في الصلاة؟ وهل تصح صلاة من نسيه سهوا؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فتصرف هذا الرجل في وقود الموتر وتذاكره، وما يكون منه من صرف هذا في صيانة ذالك ينبغي له الرجوع فيه إلى مسئوليه في المؤسسة من أجل مراجعة اللائحة المنظمة لهذا الشأن والالتزام بها؛ عملاً بعموم قوله تعالى {أوفوا بالعقود} وقوله صلى الله عليه وسـلم “المسلمون على شروطهم”

    ولا حرج على المرأة المعتدة في مقابلة رجال من غير المحارم؛ إما لأجل تعزيتها أو لغير ذلك من الأغراض المشروعة، على أن تكون في كامل حجابها ولا يحصل مصافحة ولا خلوة ولا غير ذلك من المحاذير الشرعية، يدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسـلم دخل على آل جعفر بعد وفاته بثلاثة أيام فعزى زوجه أسماء بنت عميس رضي الله عنها، ودعا بالحلاق فحلق رأسي عبد الله ومحمد ابني جعفر رضي الله عنهم أجمعين.

    ولا حرج على من ترك القنوت في الصلاة عمداً أو سهواً، ولا يلزمه سجود سهو بتركه، والعلم عند الله تعالى.

  • كيفية العزاء

    التعزية بتقاليدها المعروفة بأن تذهب للمأتم وترفع يديك وبصوت مسموع تقول: (الفاتحة) ليقوم من بالصيوان ليرفع معك الفاتحة، ومنهم من يقرأ سورة الفاتحة، ومنهم من يقرأ سورة الإخلاص، ومنهم من يحرك شفتيه فقط، ما حكم هذا؟ وما هي التعزية الشرعية؟ وجزاكم الله خيراً

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فإذا كان السؤال متعلقاً بما جرت عليه عادة بعض الناس من قراءة الفاتحة عند تقديم العزاء؛ فنقول هذا ليس من السنة، ولا هو من مقاصد العزاء؛ إذ العزاء مشروع كما يقول علماؤنا من أجل تحقيق عدة فوائد، إحداها: تهوين المصيبة على المعزَّى وتسليته عنها وحضُّه على التزام الصبر واحتسابه الأجر والرضا بالقدر والتسليم لأمر الله تعالى، ثانيها: الدعاء بأن يعوضه الله عن مصابه جزيل الثواب، ثالثها: الدعاء للميت والترحم عليه والاستغفار له، شرح مختصر خليل للخرشي 2/130، وقال النووي رحمه الله: وهي مشتملة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي داخلة أيضاً في قوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى وثبت في الصحيح أن رسول الله قال {والله ُفي عون العبد ما كان العبد في عون أخيه} الأذكار/135

    فإذا كان رفع اليدين إنما يكون للدعاء للميت فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى، والله أعلم.

  • رد السنة والتشكيك في حد الرجم

     أطل علينا من قناة الشروق في برنامج مقاربات دكتور يدرس في جامعة النيلين (لا داعي لذكر اسمه) كان يقول إن الأحاديث التي يجب أن نقر بصحتها هي فقط التي لها تأييد من آيات القرآن، أما غير ذلك فهو مشكوك فيها بحجة أن الأحاديث لم يتم جمعها إلا في عهد عمر بن عبد العزيز أي بعد قرن ويزيد من وفاة المصطفى عليه أفضل السلام … وكذلك ينكر عذاب القبر بحجة أن العذاب لا يجدي إلا إذا كان الإنسان حياً وليس هناك حياة بعد الموت إلا عند البعث يوم القيامة وجاء بآيات استدل بها منها علي سبيل المثال {من بعثنا من مرقدنا….} ما حكم هذا الكلام؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

     فقول هذا القائل إن السنة لم تدوَّن إلا بعد مائتي سنة من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم هو قولٌ مجافٍ للحقيقة؛ إذ في الأمر تفصيل يحسن الإحاطة به؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قد منع من ذلك في بداية الأمر حيث روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن، ومن كتب عني شيئاً سوى القرآن فليمحه” رواه مسلم. ثم أباحه بعد ذلك بدليل قصة أبي شاهٍ اليمني – التي رواها أبو هريرة رضي الله عنه – حين التمس من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب له شيئاً سمعه في خطبته عام فتح مكة” فقال صلى الله عليه وسلم ” اكتبوا لأبي شاة” متفق عليه، ويدل على أن الكتابة قد حصلت من زمان النبي صلى الله عليه وسلم حديث عليٍّ رضي الله عنه في الصحيحين حين سئل: هل خصَّكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء من الوحي؟ فقال: “لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهماً يؤتيه الله رجلاً في كتابه وما في هذه الصحيفة” ثم ذكر أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مكتوبة فيها. وفي البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: “لم يكن أحد أكثر حديثاً عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب” وفي رواية: “استأذن رسول الله في الكتابة فأذن له” وفي السنن: أن عبد الله بن عمرو قال يا رسول الله: أكتب عنك في الرضا والغضب؟ فقال اكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق” وأشار بيده إلى فيه.

    وليس في ذلك غرابة فإن أموراً أخرى من جنس ذلك قد نهي عنها ثم أبيحت؛ كنهيه صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور ثم ترخيصه فيها، ونهيه عن القراءة في كتب أهل الكتاب ثم إباحته ذلك، فلعل النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك أولاً خشية اختلاط كلامه بالقرآن حين يكون في الصحف؛ ثم إذن حين أمن ذلك. أو لعله أذن في الكتابة عنه لمن خشي عليه النسيان، ونهى عن الكتابة عنه لمن وثق بحفظه مخافة الاتكال على الكتابة، ثم زال الاختلاف، وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته، ولولا التدوين لدرس في الأعصر الأخيرة.

    وقد كان الصحابة يكتب بعضهم لبعض؛ ففي مسند الإمام أحمد عن أبي عثمان النَّهدي قال: كنا مع عتبة بن فَرقَد فكتب إليه عمر بأشياء يحدثه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكان فيما كتب إليه أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “لا يَلبَسُ الحريرَ في الدنيا إلا من ليس له في الآخرة منه شيء، إلا هكذا” وقال بإصبعيه السبابة والوسطى. قال أبو عثمان: فرأيت أنها أزرار الطيالسة، وكذلك التابعون لهم بإحسان؛ فهذا عروة بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ ينقل عن خالته السيدة عائشة رضوان الله عليها فتقول له: يا بنيَّ، بلغني أنك تكتب عنِّي الحديث ثم تعود فتكتبه. فقال لها: أسمعه منك على شيء ثم أعود فأسمعه على غيره. فقالت: هل تسمع في المعنى خلافًا؟ قال: لا. قالت: لا بأس بذلك. وهذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى يرسل إلى أبي بكر بن حزم عامله وقاضيه على المدينة قائلاً: (انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء) وأمره أن يكتب ما عند عمرة بنت عبد الرحمن، والقاسم بن محمد. ورغب إلى محمد بن مسلم الزهري أن يكتب بقية حديث أهل المدينة. بل أرسل إلى ولاة الأمصار كلها وكبار علمائها يطلب منهم مثل هذا، فقد أخرج أبو نعيم في تاريخ أصبهان أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أهل الآفاق (انظروا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه)

    يقول الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى: فلما كان عهد عثمان سُمح للصحابة أن يتفرقوا في الأمصار واحتاج الناس إلى الصحابة، وخاصة صغارهم، بعد أن أخذ الكبار يتناقصون يومًا بعد يوم، فاجتهد صغار الصحابة بجمع الحديث من كبارهم فكانوا يأخذونه عنهم. كما كان يرحل بعضهم إلى بعض من أجل طلب الحديث، فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد، وأحمد والطبراني والبيهقي، واللفظ له، عن جابر بن عبد الله قال: بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم أسمعه، فابتَعتُ بعيرًا فشددتُ عليه رَحلي ثم سرت إليه شهرًا حتى قدمت الشام، فإذا هو عبد الله بن أُنيس الأنصاري، فأتيته فقلت له: حديثٌ بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المظالم لم أسمعه، فخشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه. فقال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: “يُحشر الناس غُرْلًا بُهْمًا” قلنا: وما بُهْمٌ؟ قال: “ليس معهم شيء، فيناديهم نداء يَسمعه من بعُد كما يَسمعه من قرُب: أنا الدَّيَّان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وأحدٌ من أهل الجنة عنده مَظلَمة حتى أقتَصَّها منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وأحدٌ من أهل النار يطلبه بمَظلَمة حتى أقتَصَّها منه حتى اللطمة. قلنا: كيف وإنما نأتي عُراةً غُرْلًا بُهْمًا؟ قال: “بالحسنات والسيئات”.

    وأخرج البيهقي وابن عبد البر عن عطاء بن أبي رباح أن أبا أيوب الأنصاريَّ رحل إلى عتبة ابن عامر يسأله عن حديث سمعه من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يبق أحد سمعه منه غيره، فلما قدم إلى منزل مَسلَمة بن مَخلَد الأنصاري، وهو أمير مصر، فخرج إليه فعانقه ثم قال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ قال: حديث سمعته من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ستر المؤمن. فقال: نعم، سمعتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: “من ستر مؤمنًا في الدنيا على كُربته ستره الله يوم القيامة” ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته، فركبها راجعًا إلى المدينة، فما أدركته جائزة مَسلَمة إلا بعريش مصر.

    وخلاصة القول أن السنة قد بدأ تدوينها من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استكمل الصحابة ذلك بعد وفاته.

    وأما قوله بأن عذاب القبر لا فائدة فيه لأن العذاب لا يؤثر إلا على الحي فقول باطل؛ وهذا القائل إنما أتي من جهة أنه يحكِّم عقله في نصوص الشرع؛ فما قَبِلَه عقله فبها وما لا فلا!! ولا شك أن في هذا المسلك افتياتاً على الشرع لأن الغيبيات لا مدخل للعقول في تكييفها، بل ينبغي الاقتصار فيها على السمعيات، أعني ما جاء في القرآن وما ثبت في صحيح سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ويكفينا أن عالم الأرواح لا نملك تكييفاً له وقد قال الله تعالى {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} فلا يحق لعاقل أن يحتج بمثل هذا الكلام على نصوص ثابتة متواترة في القرآن والسنة؛ كقوله تعالى {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق} وقوله تعالى {النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} وقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه “تعوذوا بالله من عذاب القبر” وقوله دبر كل صلاة “اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر” وقوله “إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير؛ بلى إنه لكبير” وقوله عليه الصلاة والسلام “إن هؤلاء يعذبون في قبورهم عذاباً تسمعه البهائم” إلى غير ذلك من النصوص، ويمكن للسائل أن يحيل هذا المشكك – إن كان طالباً للحق لا تابعاً للهوى – إلى بعض كتابات أهل العلم ككتاب (التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة) للإمام أبي عبد الله القرطبي رحمه الله تعالى، أو كتاب (الروح) للإمام أبي عبد الله بن القيم رحمه الله تعالى، أو كتاب (شرح الصدور) للإمام الجلال السيوطي رحمه الله تعالى، والله الهادي إلى سواء السبيل.

  • شبهات حول حد الرجم وعذاب القبر

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. لى زميل في العمل في بريطانيا لديه شكوك عدة حول عذاب القبر وحد الرجم وصحة الأحاديث النبوية والإكراه في الدين وأمور أخرى، يسألني ولستُ مؤهلاً للرد عليه، وأشفق عليه بشدة من هذه الأفكار، وهو حالياً يصوم ويشهد الجمعة ويصلي، وأقنعته أن يتحدث إلى أحد العلماء المؤهلين للرد العلمي على كل هذه الشبهات التي تعصف به، فهل يمكن أن ترسلوا لنا رقما هاتفياً خاصاً للتحدث معكم؟ جزاكم الله خيرا

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فعلى صاحبك – هدانا الله وإياه – التأمل في هذا الجواب فإن كان مقنعاً فالحمد لله، وإلا فيمكن حينها إحالته إلى من يتحدث معه شفاهة لإزالة ما علق بنفسه من شبهات، وإليك الجواب مفصلا:

    أولاً: عذاب القبر حق ثبتت به النصوص، وأكثر المنكرين له إنما أتي من جهة أنه يحكِّم عقله في نصوص الشرع؛ فما قَبِلَه عقله فبها وما لا فلا!! ولا شك أن في هذا المسلك افتئاتاً على الشرع لأن الغيبيات لا مدخل للعقول في تكييفها، بل ينبغي الاقتصار فيها على السمعيات، أعني ما جاء في القرآن وما ثبت في صحيح سنة النبي عليه الصلاة والسلام، ويكفينا أن عالم الأرواح لا نملك تكييفاً له وقد قال الله تعالى {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} فلا يحقُّ لعاقل أن يحتج بمثل هذا الكلام على نصوص ثابتة متواترة في القرآن والسنة؛ كقوله تعالى {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق} وقوله تعالى {النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} وقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه “تعوذوا بالله من عذاب القبر” وقوله دبر كل صلاة “اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر” وقوله “إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير؛ بلى إنه لكبير” وقوله عليه الصلاة والسلام “إن هؤلاء يعذبون في قبورهم عذاباً تسمعه البهائم” إلى غير ذلك من النصوص، ويمكن للسائل أن يحيل هذا المشكك – إن كان طالباً للحق لا تابعاً للهوى – إلى بعض كتابات أهل العلم ككتاب (التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة) للإمام أبي عبد الله القرطبي رحمه الله تعالى، أو كتاب (الروح) للإمام أبي عبد الله بن القيم رحمه الله تعالى، أو كتاب (شرح الصدور) للإمام الجلال السيوطي رحمه الله تعالى، والله الهادي إلى سواء السبيل.

    ثانياً: الأحاديث التي فيها ذكر الرجم وأن النبي صلى الله عليه وسـلم رجم من زنى بعد إحصان رواها من الصحابة الجم الغفير منهم عمر بن الخطاب وأبي بن كعب وعبد الله ابن عباس وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وزيد بن خالد الجهني وعبد الله بن مسعود وأم المؤمنين عائشة وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم أجمعين.

    وقد دلت على ذلك السنة العملية بعد القولية فرجم صلى الله عليه وسـلم ماعز بن مالك الأسلمي رضي الله عنه، ورجم الغامدية التي أقرت على نفسها بالزنا، وأمر برجم المرأة التي زنا بها العسيف، ورجم كذلك اليهودي الذي زنا بيهودية بعدما تحاكم إليه اليهود.

    وقد أجمع أهل العلم على وجوب رجم من زنا بعدما أحصن، متى ما ثبت زناه ببينة أو إقرار، وهذا الحكم يشمل الذكر والأنثى، وما خالف في ذلك إلا أهل البدع – كطائفة من المعتزلة كالنظام وأصحابه وطائفة من الخوارج وهم الأزارقة- وهم الذين خالفوا في كثير من أصول الدين وفروعه، حتى قال الإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله تعالى في كتابه (المحلى): فأما الأزارقة – فليسوا من فرق الإسلام؛ لأنهم الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم بأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فإنهم قالوا: لا رجم أصلا وإنما هو الجلد فقط.. وقال في موضع آخر: فأما قول من لم ير الرجم أصلا فقول مرغوب عنه؛ لأنه خلاف الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد كان نزل به قرآن ولكنه نسخ لفظه وبقي حكمه.ا.هــ وقال في كتابه (مراتب الإجماع): وَاتَّفَقُوا انه إذا زنا – كَمَا ذكرنَا – وَكَانَ قد تزوج قبل ذَلِك – وَهُوَ بَالغ مُسلم حر عَاقل – حرَّة مسلمة بَالِغَة عَاقِلَة نِكَاحاً صَحِيحاً، وَوَطئهَا وَهُوَ فِي عقله قبل ان يَزْنِي، وَلم يتب وَلَا طَال الامر أَن عَلَيْهِ الرَّجْم بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوت.ا.هــــــ

    وقد نقل هذا الإجماع غير واحد من أهل العلم، قال الموفق ابن قدامة المقدسي رحمه الله تعالى في (المغني): الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي وُجُوبِ الرَّجْمِ عَلَى الزَّانِي الْمُحْصَنِ، رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ، وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا إلَّا الْخَوَارِجَ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: الْجَلْدُ لِلْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}. وَقَالُوا – يعني الخوارج -: لَا يَجُوزُ تَرْكُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الثَّابِتِ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ وَالْيَقِينِ، لِأَخْبَارِ آحَادٍ يَجُوزُ الْكَذِبُ فِيهَا، وَلِأَنَّ هَذَا يُفْضِي إلَى نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ.

    وَلَنَا – يعني جمهور المسلمين – أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ الرَّجْمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، فِي أَخْبَارٍ تُشْبِهُ الْمُتَوَاتِرَ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ فِي مَوَاضِعِهِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، وَإِنَّمَا نُسِخَ رَسْمُهُ دُونَ حُكْمِهِ، فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: “إنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْتُهَا وَعَقَلْتُهَا وَوَعَيْتُهَا، وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ. فَأَخْشَى إنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فيضلوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَالرَّجْمُ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أُحْصِنَ، مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ، أَوْ الِاعْتِرَافُ، وَقَدْ قَرَأْتهَا: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. ثم قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

    وَأَمَّا آيَةُ الْجَلْدِ، فَنَقُولُ بِهَا، فَإِنَّ الزَّانِيَ يَجِبُ جَلْدُهُ، فَإِنْ كَانَ ثَيِّبًا رُجِمَ مَعَ الْجَلْدِ، وَالْآيَةُ لَمْ تَتَعَرَّضْ لِنَفْيِهِ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ جَلَدَ شُرَاحَةَ، ثُمَّ رَجَمَهَا، وَقَالَ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ رَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    ثُمَّ لَوْ قُلْنَا: إنَّ الثَّيِّبَ لَا يُجْلَدُ لَكَانَ هَذَا تَخْصِيصًا لِلْآيَةِ الْعَامَّةِ، وَهَذَا سَائِغٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ، فَإِنَّ عُمُومَاتِ الْقُرْآنِ فِي الْإِثْبَاتِ كُلَّهَا مُخَصَّصَةٌ.

    وَقَوْلُهُمْ: إنَّ هَذَا نَسْخٌ. لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَخْصِيصٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ نَسْخًا، لَكَانَ نَسْخًا بِالْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ رَوَيْنَا أَنَّ رُسُلَ الْخَوَارِجِ جَاءُوا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا عَابُوا عَلَيْهِ الرَّجْمُ، وَقَالُوا: لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إلَّا الْجَلْدُ. وَقَالُوا: الْحَائِضُ أَوْجَبْتُمْ عَلَيْهَا قَضَاءَ الصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ أَوْكَدُ. فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: وَأَنْتُمْ لَا تَأْخُذُونَ إلَّا بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَأَخْبِرُونِي عَنْ عَدَدِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ، وَعَدَدِ أَرْكَانِهَا وَرَكَعَاتِهَا وَمَوَاقِيتِهَا، أَيْنَ تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَأَخْبِرُونِي عَمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ، وَمَقَادِيرِهَا وَنُصُبِهَا؟ فَقَالُوا: أَنْظِرْنَا فَرَجَعُوا يَوْمَهُمْ ذَلِكَ، فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا مِمَّا سَأَلَهُمْ عَنْهُ فِي الْقُرْآنِ. فَقَالُوا: لَمْ نَجِدْهُ فِي الْقُرْآنِ. قَالَ: فَكَيْفَ ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ؟ قَالُوا: لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ وَفَعَلَهُ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ. فَقَالَ لَهُمْ فَكَذَلِكَ الرَّجْمُ، وَقَضَاءُ الصَّوْمِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ وَرَجَمَ خُلَفَاؤُهُ بَعْدَهُ وَالْمُسْلِمُونَ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ دُونَ الصَّلَاةِ، وَفَعَلَ ذَلِكَ نِسَاؤُهُ وَنِسَاءُ أَصْحَابِهِ.

    وقال الحافظ العراقي رحمه الله تعالى في (طرح التثريب): بعد أن أورد حديث نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ “إنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟ قَالُوا نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدْنَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ إنَّ فِيهَا لَآيَةُ الرَّجْمِ فَأَتَوْا التَّوْرَاةَ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ فَقَرَأَ مَا بَعْدَهَا وَمَا قَبْلَهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ارْفَعْ يَدَك فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالُوا صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَرَأَيْته رَجُلًا يَجْنَأُ عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ”: فِيهِ رَجْمُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ أَمْرٌ أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَقِّ عَلَيْهِ وَهُمْ الْجَمَاعَةُ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ وَلَا يُخَالِفُ فِيهِ مِنْ بَعْدِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ خِلَافًا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ لَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ إلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنْ الْخَوَارِجِ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ كَالنَّظَّامِ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا بِالرَّجْمِ.ا.هـــ

    ثالثا: صحة الأحاديث النبوية إنما تأتي الشبهة حولها من جهة أن بعضهم صدَّق الفرية القائلة بأن السنة لم تدوَّن إلا بعد عقود من وفاة النبي صلى الله عليه وسـلم، فمقولة بعضهم من أن السنة لم تدون إلا بعد مائتي سنة من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم هو قول مجاف للحقيقة؛ إذ في الأمر تفصيل يحسن الإحاطة به؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قد منع من ذلك في بداية الأمر حيث روى أبو سيعد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن، ومن كتب عني شيئاً سوى القرآن فليمحه” رواه مسلم. ثم أباحه بعد ذلك بدليل قصة أبي شاهٍ اليمني – التي رواها أبو هريرة رضي الله عنه – حين التمس من النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب له شيئاً سمعه في خطبته عام فتح مكة” فقال صلى الله عليه وسلم ” اكتبوا لأبي شاة” متفق عليه، ويدل على أن الكتابة قد حصلت من زمان النبي صلى الله عليه وسلم حديث علي رضي الله عنه في الصحيحين حين سئل: هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء من الوحي؟ فقال: “لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهماً يؤتيه الله رجلاً في كتابه وما في هذه الصحيفة” ثم ذكر أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مكتوبة فيها. وفي البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: “لم يكن أحد أكثر حديثاً عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب” وفي رواية: “استأذن رسول الله في الكتابة فأذن له” وفي السنن: أن عبد الله بن عمرو قال يا رسول الله: أكتب عنك في الرضا والغضب؟ فقال اكتب فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق” وأشار بيده إلى فيه.

    وليس في ذلك غرابة فإن أموراً أخرى من جنس ذلك قد نهي عنها ثم أبيحت؛ كنهيه صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور ثم ترخيصه فيها، ونهيه عن القراءة في كتب أهل الكتاب ثم إباحته ذلك، فلعل النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك أولاً خشية اختلاط كلامه بالقرآن حين يكون في الصحف؛ ثم إذن حين أمن ذلك. أو لعله أذن في الكتابة عنه لمن خشي عليه النسيان، ونهى عن الكتابة عنه لمن وثق بحفظه مخافة الاتكال على الكتابة، ثم زال الاختلاف، وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته، ولولا التدوين لدرس في الأعصر الأخيرة.

    وقد كان الصحابة يكتب بعضهم لبعض؛ ففي مسند الإمام أحمد عن أبي عثمان النَّهدي قال: كنا مع عتبة بن فَرقَد فكتب إليه عمر بأشياء يحدثه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكان فيما كتب إليه أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “لا يَلبَسُ الحريرَ في الدنيا إلا من ليس له في الآخرة منه شيء، إلا هكذا” وقال بإصبعيه السبابة والوسطى. قال أبو عثمان: فرأيت أنها أزرار الطيالسة، وكذلك التابعون لهم بإحسان؛ فهذا عروة بن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ ينقل عن خالته السيدة عائشة رضوان الله عليها فتقول له: يا بنيَّ، بلغني أنك تكتب عنِّي الحديث ثم تعود فتكتبه. فقال لها: أسمعه منك على شيء ثم أعود فأسمعه على غيره. فقالت: هل تسمع في المعنى خلافاً؟ قال: لا. قالت: لا بأس بذلك. وهذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى يرسل إلى أبي بكر بن حزم عامله وقاضيه على المدينة قائلاً: (انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء) وأمره أن يكتب ما عند عمرة بنت عبد الرحمن، والقاسم بن محمد. ورغب إلى محمد بن مسلم الزهري أن يكتب بقية حديث أهل المدينة. بل أرسل إلى ولاة الأمصار كلها وكبار علمائها يطلب منهم مثل هذا، فقد أخرج أبو نعيم في تاريخ أصبهان أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أهل الآفاق (انظروا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه)

    يقول الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى: فلما كان عهد عثمان سُمح للصحابة أن يتفرقوا في الأمصار واحتاج الناس إلى الصحابة، وخاصة صغارهم، بعد أن أخذ الكبار يتناقصون يومًا بعد يوم، فاجتهد صغار الصحابة بجمع الحديث من كبارهم فكانوا يأخذونه عنهم. كما كان يرحل بعضهم إلى بعض من أجل طلب الحديث، فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد، وأحمد والطبراني والبيهقي، واللفظ له، عن جابر بن عبد الله قال: بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم أسمعه، فابتَعتُ بعيراً فشددتُ عليه رَحلي ثم سرت إليه شهرًا حتى قدمت الشام، فإذا هو عبد الله بن أُنيس الأنصاري، فأتيته فقلت له: حديثٌ بلغنى عنك أنك سمعته من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المظالم لم أسمعه، فخشيت أن أموت أو تموت قبل أن أسمعه. فقال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: “يُحشر الناس غُرْلًا بُهْمًا” قلنا: وما بُهْمٌ؟ قال: “ليس معهم شيء، فيناديهم نداء يَسمعه من بعُد كما يَسمعه من قرُب: أنا الدَّيَّان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وأحدٌ من أهل الجنة عنده مَظلَمة حتى أقتَصَّها منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وأحدٌ من أهل النار يطلبه بمَظلَمة حتى أقتَصَّها منه حتى اللطمة. قلنا: كيف وإنما نأتي عُراةً غُرْلًا بُهْمًا؟ قال: “بالحسنات والسيئات”.

    وأخرج البيهقي وابن عبد البر عن عطاء بن أبي رباح أن أبا أيوب الأنصاريَّ رحل إلى عتبة ابن عامر يسأله عن حديث سمعه من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يبق أحد سمعه منه غيره، فلما قدم إلى منزل مَسلَمة بن مَخلَد الأنصارى، وهو أمير مصر، فخرج إليه فعانقه ثم قال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ قال: حديث سمعته من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ستر المؤمن. فقال: نعم، سمعتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: “من ستر مؤمنًا في الدنيا على كُربته ستره الله يوم القيامة” ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته، فركبها راجعًا إلى المدينة، فما أدركته جائزة مَسلَمة إلا بعريش مصر. وخلاصة القول أن السنة قد بدأ تدوينها من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استكمل الصحابة ذلك بعد وفاته، والعلم عند الله تعالى.

  • زوج يشاهد الأفلام الإباحية

    إنني متزوجة منذ سنين، وزوجي مدمن على مشاهدة الأفلام الإباحية، ويصر على معاشرتي من المكان الذي حرَّمه الله، رفضت وحاولت أن أصلحه بدون فائدة، وأصبح ينام بغرفة لوحده مع التلفزيون والكمبيوتر..ولا يعاشرني معاشرة الأزواج إلا قليلاً مع العلم أنني أصغر منه سناً؛ فعمري 30 سنة بينما عمره هو40 سنة، الأمر الذي اضطرني لممارسة العادة السرية، لاعتقادي بأنها أخف من الزنا.. وأنني لا أجد سوى هذا الحل.. هل هو حرام بحالتي؟..أليس أفضل من الزنا وأعف لي؟!..ما هو الحل؟ هل أطلب الطلاق وأخرب بيتي وأترك أولادي وبيتي لأنني سنين حاولت معه وبدون فائدة؟ وأنه لا يوجد بي أي شيء ينفره مني على العكس أرجو الرد، ولكم الشكر

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد، فإنَّ مِن حقِّ الزوجةِ على زوجِها أنْ يُعِفَّها، ويَحْرُمُ عليه أنْ يُفَرِّطَ في ذلك ويَنشَغِلَ عنها بالحلال؛ فكيف بالحرام؟! وقد آخَى النَّبِيُّ r بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا…فَقَالَ سَلْمَانُ لأبي الدرداء {إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا؛ فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ!} فَأَتَى النَّبِيَّ r فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ r {صَدَقَ سَلْمَانُ} رواه البخاري. قال ابن حجر رحمه الله تعالى: “فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ تَزَيُّنِ الْمَرْأَة لِزَوْجِهَا، وَثُبُوتُ حَقّ الْمَرْأَة عَلَى الزَّوْج فِي حُسْن الْعِشْرَة، ويُؤْخَذ مِنْهُ ثُبُوتُ حَقِّها فِي الْوَطْء لِقَوْلِهِ {وَلأهْلِك عَلَيْك حَقًّا}، ثُمَّ قَال {وَائْتِ أَهْلَك}، وَقَرَّرَهُ النَّبِيّ r عَلَى ذَلِكَ”[فتح الباري 6/236].

    وإنَّ في شَقاءِ هذا الزوجِ الْمُعْرِضِ عن الطيِّبِ اللاهِثِ وراءَ الخبيثِ لَعِبْرَةً لأولي الألباب بأنَّ أهلَ الخبائثِ يشْقَوْن ولا يُفْلِحُون )قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون( فقد ابتلى الله هذا الزوجَ الذي ضيَّعَ حقَّ امرأتِه بالحرمانِ من لَذةِ الحلالِ وأجْرِه؛ وأرْهَقَه بشِقْوَةِ الحرامِ ووِزْرِه! فحالُ هذا الزوج ـ عياذاً بالله ـ كحالِ اليهودِ الذين زهِدُوا فيما ينفع وتعلقوا بما يضر، قال السعدي: “فتركوا علم الأنبياء والمرسلين، وأقبلُوا على علمِ الشياطين، وكلٌّ يصبُو إلى ما يُناسِبُه” و”من العوائد القدرية والحكمة الإلهية أن من ترك ما ينفعه وأمكَنَه الانتِفاعُ به فلم ينتَفِعْ؛ ابتُلِيَ بالاشتِغالِ بما يَضُرُّه” [السعدي1/60-61].

    وقد وسَّعَ الله U على عبادِه، وحَصَّنَهم بالزواج وغضِّ البصر؛ وأما الاستمناء (العادةُ السِّريةُ) فحرامٌ؛ لقول الله U )والذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ! إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ! فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ( قال البغوي رحمه لله: )فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُون( الظالمون المتجاوِزُون من الحلالِ إلى الحرام؛ وفيه دليلٌ على أنَّ الاستِمناءَ باليدِ حرامٌ، وهو قولُ أكثَرِ العلماء” [تفسير البغوي 5/410]. وقال ابنُ عَطِية رحمه الله: “قوله )إلا على أزواجِهم أو ما مَلَكَتْ أيمانُهم( الآية، يقتضي تحريم الزِّنا والاستِمناء” [المحرر الوجيز 5/14]. وقال ابنُ كثير رحمه الله: “استدلَّ الإمام الشافعي رحمه الله ومن وافَقَه على تحريم الاستِمناء باليد بهذه الآية الكريمة )وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ( قال: فهذا الصنيعُ خارجٌ عن هذين القِسْمَين، وقد قال: )فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُون( [تفسير ابن كثير 5/463].

    وليس الاستمناء حَلاًّ معاذَ الله! فقد اقتضَتْ حِكمةُ الله U أن لا يكونََ العفافُ إلا في الحلالِ الطيِّب! )والذي خبُثَ لا يخرج إلا نَكِداً( وللسائلةِ أن تتدرَّجَ في أمرين على هذا الترتيب: أولهما: أنْ تُكْثِرَ مِن نُصْحِ زوجِها وتخويفِه من الله U أنْ يُنْزِلَ عليه غضبَه أو يقبِضَ رُوحَه على معصيتِه، وننصَحُها أنْ تَصْبِرَ عليه ولا تيأسَ من رَوْحِ الله؛ وأنْ تكثرَ من الدعاءِ له بالهداية، وتجتهدَ مع ذلك في التزيُّنِ لزوجِها وحُسنِ التبعُّلِ له وأنْ تتَحبَّبَ إليه بأحسنِ الكلامِ والزِّينة؛ فربما كان إهمالُها لنفسِها سبباً دفعَه إلى الحرام؛ بحثاً عن الإثارة وهو آثِمٌ في ذلك، وعليها أن تسعى إلى تقريبِه من الصالحين وإبعادِه عن رِفاقِ السُّوء؛ فقلما يُضَيِّعُ الرجلُ حُقُوقَ الزوجية إلا وله شياطينُ من الإنس والجن يُبْعِدُونه عن الحلالِ ويُقرِّبونه من الحرام. والأمر الآخَرُ: أنَّ لها أنْ تستَعِينَ ببعضِ الأخيارِ من أهلِها وأهلِ زوجِها لإنقاذ الأسرة واختيارِ حَكَمٍ من أهلِه وحَكَمٍ من أهلِها من أصحابِ الدِّين والمروءة والحكمة؛ فإنْ لم يزدَجِرْ وفضَّلَ عيشَ البهائمِ فلها أنْ تُقاضِيَه بعد إقامةِ الحجةِ عليه. وننصَحُ السائلةَ بالصَّبرِ واحتِسابِ الأجرِ والاستِعانةِ بالله U، ثم بالتعاوُن مع الثقاتِ من أهلِ الدِّينِ والعِلمِ والرأي؛ ونبشِّرُها بقولِ الله U )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم( )وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا(

  • أفلام إباحية في الحج

    أنا شاب قد وفقني الله بأن حججت، ولكن مازلت أشاهد الأفلام الإباحية وأمارس العادة السرية. أريد أن أعرف هل فسد حجي؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فيا أخي ليست المشكلة في أن يفسد حجك أو لا يفسد، بل الخوف كل الخوف أن يأتيك الموت بغتة في ساعة من ليل أو نهار، وأنت مقيم على معصية ربك، مبارز إياه بهذه القاذورات التي تذهب بهاء الوجه ونور القلب وبركة العمر؛ يا أخي البدار البدار، تب إلى الله تعالى ولا تسوِّف؛ واعلم بأن الله تعالى يغار على حرماته أن تنتهك؛ وسارع بإحصان نفسك بالزواج؛ فإن لم تكن لك طاقة فأكثر من الصيام لعل الله يذهب عنك همزات الشياطين، واصرف وقتك في طاعة ربك، وفي النافع المفيد من الرياضة والقراءة ومخالطة الأخيار، واعلم أن الله تعالى سائلك عن شبابك وصحتك وفراغك.

    وأما حجك فإذا استكمل شروطه وأركانه فهو صحيح، والمعاصي لا تفسد الحج، لكنها تجلب على العبد سخط الرب وضيق الرزق وسواد الوجه والبغض في قلوب الخلق، وأسأل الله أن يتوب عليَّ وعليك.

  • مستحضرات تجميل صينية

    السلام عليكم أتردد في استخدام مستحضرات التجميل الصينية نسبة لأنهم يتعاملون مع الكلاب ويأكلونها فهل يجوز استخدام هذه المستحضرات؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فهذه مهمة جهات الاختصاص التي أوكل إليها المحافظة على حياة الناس ودينهم في مطعمهم ومشربهم وملبسهم وهيئتهم كهيئة المواصفات والمقاييس وما أشبهها من الهيئات؛ فإن عليها أن تتأكد من خلو تلك المستحضرات من المحرمات وخلوصها للحلال المحض، وإلى أن يحصل ذلك فالواجب عليك العمل بما غلب على ظنك فإن غلب على الظن أن القوم لا يتورعون من استخدام المحرمات في تجهيز تلك المستحضرات فلا يجوز استعمالها؛ لأن الأحكام الشرعية مبناها على غلبة الظن، وإن كان ذلك مجرد شك أو توهم فلا يترتب عليه حكم، والله تعالى أعلم.

  • لعب أطفال في شكل حيوانات

    أود السؤال عن حكم ألعاب الأطفال والتي تكون على شكل حيوانات، وبالتحديد التي توضع كمناظر في العربات والبيوت؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فقد رخص أكثر أهل العلم في المجسمات التي يستعملها الأطفال في ألعابهم؛ لما ثبت في صحيح مسلم من حديث أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمصن منه، فيسربهن لي فيلعبن معي) وفي رواية أبي داود أنه دخل عليها ورأى فرساً له جناحان من رقاع. فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس. قال: وما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان. قال: فرس له جناحان؟! قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه. ويستوي في ذلك الحكم أن تكون تلك اللعب مجسمة أو غير مجسمة، وسواء أكانت مصنوعة من القماش أو البلاستيك أو الحلوى أو الطين.

    وأما تعليقها كمناظر في السيارات أو البيوت فلا يجوز؛ لأن الأصل المنع والتحريم، والترخيص إنما في حق الأطفال فقط، فلا يتعدى بالرخصة محلها، والله تعالى أعلم.

زر الذهاب إلى الأعلى