الفتاوى

  • احتكار السلع

    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، سؤالي هو ما حكم شراء السلعة وتخزينها حتى يرتفع سعرها وبصفة خاصة الحبوب كالذرة أو الحبوب الزيتية وزيوت الطعام وغيرها من السلع التجارية، حيث درج بعض أهلنا على فعل ذلك؟ وماذا لو كانت الكميات التي يخزنونها قليلة وجزاكم الله خيرا..

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فهذه المعاملة داخلة في عموم قوله تعالى ((وأحل الله البيع وحرم الربا)) وليس هذا هو الاحتكار الذي توعد النبي صلى الله عليه وسلم فاعله؛ لأن الاحتكار هو تخزين الطعام مع حاجة الناس إليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {لا يحتكر إلا خاطئ} رواه مسلم، والخاطئ هو العاصي الآثم، قال النووي رحمه الله تعالى: قال أصحابنا: الاحتكار المحرَّم هو الاحتكار في الأقوات خاصة، وهو أن يشتري الطعام في وقت الغلاء للتجارة، ولا يبيعه في الحال، بل يدخره ليغلو ثمنه، فأما إذا جاء من قريته، أو اشتراه في وقت الرخص وادخره، أو ابتاعه في وقت الغلاء لحاجته إلى أكله، أو ابتاعه ليبيعه في وقته، فليس باحتكار ولا تحريم فيه.ا.هـ والحكمة في تحريم الاحتكار دفع الضرر عن عامة الناس، ولذلك أجمع العلماء على أنه لو كان عند إنسان طعام، واضطر الناس إليه ولم يجدوا غيره، أجبر على بيعه دفعاً للضرر عن الناس.

    وأما غير الأقوات فلا يحرم الاحتكار فيه بكل حال؛ وهذا مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم في رواية ابن ماجه عن عمر رضي الله عنه {من احتكر على المسلمين طعامهم} فدل على جوازه في غير الطعام، قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا احتكار الطعام، ورخص بعضهم في الاحتكار في غير الطعام، وقال ابن المبارك: لا بأس بالاحتكار في القطن والسختيان ونحو ذلك والعلم عند الله تعالى.

  • مسبوق صلاة الجنازة

    السلام عليكم ورحمه الله وبركاته سؤالي يا شيخنا إذا أتيت إلى صلاة جنازة ووجدت أنهم قد سبقوني بتكبيرة أو تكبيرتين عندما يسلم الإمام هل أسلم معه أم أكمل ما فاتني؟ جزاكم الله خيرا

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فالمسبوق في صلاة الجنازة عليه أن يأتي بالتكبيرات التي فاتته، وذلك بعد سلام الإمام؛ فإذا كانت الجنازة لا تزال موضوعة على الأرض فإنه يأتي بالتكبيرات والأذكار؛ أما إذا رفعت فإنه يأتي بالتكبيرات فقط؛ لأنها ركن الصلاة، والله تعالى أعلم.

  • السفر إلى الصين دون محرم

    أنا موظفة في إحدى الشركات، وتريد هذه الشركة أن أسافر إلى الصين لدراسة كورس؛ فهل يجوز لي السفر من غير محرم؟

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فلا يجوز للمسلمة السفر بغير محرم؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة} متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وهو في موطأ مالك كذلك، وفي رواية لمسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما {لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم} وفي رواية له وللترمذي وأبي داود عن أبي سعيد رضي الله عنه {لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو أخوها أو ذو محرم منها} وروى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها} وفي رواية ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه {لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم واحد ليس لها ذو حرمة} وروى أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر يوماً إلا مع ذي محرم} وروى مالك في الموطأ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم منها} وقد نقل الحافظ ابن حجر الإجماع على ذلك فقال: استدل به على عدم جواز السفر للمرأة بلا محرم، وهو إجماع في غير الحج والعمرة والخروج من دار الشرك.أ.هـ

    هذا وقد يتعلق بعض الناس باختلاف الروايات المذكورة في تحديد المدة التي يحرم فيها سفر المرأة بلا محرم؛ فيقول: إن النهي خاص بالزمن الماضي نسبة لطول المدة التي يستغرقها سفر المرأة حتى تصل إلى الغاية التي تريد، أما في زماننا فالسفر ما عاد يستغرق سوى ساعات معدودات وقد تطورت وسائله فلا يشمله النهي، والجواب كما قال العلماء: اختلاف هذه الألفاظ لاختلاف السائلين واختلاف المواطن؛ وليس في النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة الليلة أو البريد. قال البيهقي رحمه الله: كأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة تسافر ثلاثاً بغير محرم؟ فقال: لا. وسئل عن سفرها يومين بغير محرم؟ فقال: لا. وسئل عن سفرها يوماً؟ فقال: لا. وكذلك البريد. فأدَّى كلٌ منهم ما سمعه، وما جاء منها مختلفاً عن رواية واحدٍ فسمعه في مواطن، فروى تارة هذا وتارة هذا، وكله صحيح، وليس في هذا كله تحديد لأقل ما يقع عليه اسم السفر، ولم يُرد صلى الله عليه وسلم تحديد أقل ما يسمى سفراً؛ فالحاصل أن كل ما يسمى سفراً تنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين أو يوماً أو بريداً أو غير ذلك لرواية ابن عباس المطلقة، وهي آخر روايات مسلم السابقة {لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم} وهذا يتناول جميع ما يسمى سفراً. والله أعلم.أ.هـ بنقل النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم. وقال المنذري رحمه الله: وليس في هذه تباين؛ فإنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قالها في مواطن مختلفة بحسب الأسئلة، ويحتمل أن يكون ذلك كله تمثيلاً لأقل الأعداد؛ واليوم الواحد أول العدد وأقله، والاثنان أول الكثير وأقله، والثلاثة أول الجمع؛ فكأنه أشار إلى أن هذا في قلة الزمن لا يحل لها السفر مع غير محرم، فكيف إذا زاد.أ.هـ وقال الحافظ رحمه الله: وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقييدات.أ.هـ

    والعلة في هذا النهي والله تعالى أعلم أن المرأة فتنة وانفرادها سبب للمحظور؛ لأن الشيطان يجد السبيل بانفرادها فيغري بها ويدعو إليها. وقوله صلى الله عليه وسلم {لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر… الحديث} قال الباجي رحمه الله: والنهي خرج بمعنى التغليظ؛ يريد أن مخالفة هذا ليست من أفعال من يؤمن بالله ويخاف عقوبته في الآخرة؛ أ.هـ وقد عدَّها بعض أهل العلم في الكبائر كما قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: الكبيرة المائة: سفر المرأة وحدها بطريق تخاف فيها على بُضعها. إلى أن قال: عدُّ هذا بالقيد الذي ذكرته ظاهر لعظيم المفسدة التي تترتب على ذلك غالبا، وهي استيلاء الفجرة وفسوقهم بها؛ فهو وسيلة إلى الزنا وللوسائل حكم المقاصد؛ وأما الحرمة فلا تتقيد بذلك بل يحرم عليها السفر مع غير محرم وإن قصر السفر وكان أمناً ولو لطاعة كنفل الحج أو العمرة ولو مع النساء من التنعيم، وعلى هذا يحمل عدهم ذلك من الصغائرأ.هـ

    وعليه: فلا يجوز للمرأة السفر إلى الصين أو إلى غيرها من بلاد الله إلا بصحبة محرم، وهو الذكر البالغ العاقل الذي يحرم نكاحه على التأبيد، وقوله صلى الله عليه وسلم إلا مع ذي محرم يدل على أن جميع المحارم سواء في ذلك، فيجوز لها المسافرة مع محرمها بالنسب كابنها وأخيها وابن أخيها وابن أختها وخالها وعمها، ومع محرمها بالرضاع كأخيها من الرضاع وابن أخيها وابن أختها منه ونحوهم، ومع محرمها من المصاهرة كأبي زوجها وابن زوجها، ولا كراهة في شيء من ذلك.

    وعلى الأخت السائلة أن تعلم أن الرزق مكتوب مقسوم، وأنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، وأن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، والعلم عند الله تعالى.

  • آيات شيطانية

    السلام عليكم فضيلة الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف، لديَّ استفسار هام عن قصة الآيات الشيطانية التي تطرق لها المفكر سلمان رشدي في كتابه آيات شيطانية حيث قال:

    إن بعض آيات القرآن أنزلت للموافقة على أكثر ثلاثة أرباب مشهورة ومحببة كانت توجد في مكة ذلك الوقت؛ لتكون القادة على الأرباب، وهي ما يقول عنه المفسرون أن الشيطان ألقاه في أمنية محمد عند قراءته سورة النجم ((أرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهم لترجى)) هناك من فسروا الآيات على أنها كانت مناورة تكتيكية من محمد لمراضاة أهل مكة، لكنه اكتشف بالنهاية أنها تضر باستراتيجيته المستغلة لفكرة وحدانية الله، فنسخ هذه الآيات بالآية: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك مِنْ رَسُول وَلَا نَبِيّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَان فِي أُمْنِيَّته فَيَنْسَخ اللَّه مَا يُلْقِي الشَّيْطَان ثُمَّ يُحْكِم اللَّه آيَاته وَاللَّه عَلِيم حَكِيم)) وبعضهم قال أن الشيطان دخل على الخط بينما كان جبريل يلقن محمد صلى الله عليه وسلم الآية. وآخر قال أن تلك الآيات لم تتنزل عن طريق جبريل وإنما كان الشيطان هو الذي وسوس بتلك الآيات ولم يعلم بذلك النبي محمد صلى الله عليه وسلم ذلك الوقت!! وبعض ذهب لـ أنه ظل الرسول عليه الصلاة والسلام يرددها قبل الوحي، ورددها بعد الوحي في هذه الحادثة، وقال إنها آية شيطانية وأنها ليست آية ولكنها تلبية لقريش، ظلت قريش عشرات السنين ترددها ورددها محمد أيضاً في سورة النجم، وكانت في السنة الثامنة قبل الهجرة، وظل المسلمون يرددون عبارة الغرانيق العلى في سجودهم حتى السنة الخامسة بعد الهجرة، أي أنهم ظلوا يصلون بها من حوالي 12- 13 سنة، حتى قويت شوكة محمد وحتى عندما تقرر أن الله هو الإله الوحيد بين آلهة العرب!!

    أريد أن اعرف ما هي صحة هذا؟ إذا كان هناك نسبة من الصحة في هذه الرواية أصلاً فما هي تلك النسبة؟ كل ما أرجوه أن تذكر الرواية الحقيقية لما حدث بارك الله فيك ووفقك لما هو فيه خير للناس.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فقبل الإجابة على ما طرحت من أسئلة أرجو التنبيه على أمور:

    أولها: أنه ما ينبغي للمسلم أن يَعْمَدَ إلى قراءة الكتب التي حَكَمَ عليها أهل العلم الثِّقات بأنها حاويةٌ تُرَّهاتٍ وأباطيل، لا خوفاً من تلك الكتب، وإنما خوفاً على ذلك المسلم من أن تقع في قلبه شبهة تفسد عليه دنياه وآخرته، وقد قرَّر علماؤنا أن القلوب ضعيفة والشُّبَهَ خطَّافة، وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى في يد عمر رضي الله عنه صحيفة من التوراة وقال له {أمتهوكون يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي} وذلك في أول الإسلام، وقال عليه الصلاة والسلام {من سمع بالدجال فلينأ عنه – أي يبتعد -؛ فوالذي نفسي بيده إن الرجل ليأتيه يحسب نفسه مؤمناً فيتبعه لكثرة ما يبعث من الشبهات}

    ثانيها: هذه الكتب يتفرغ لقراءتها وتفنيد باطلها ثلةٌ من أهل العلم ممن رسخت أقدامهم وقوي يقينهم؛ ولذلك لما رسخ الإسلام في القلوب وتعلَّم الناس الفرائض والأحكام أذن صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن يقرأ في كتب يهود لما أصاب زاملتين من كتبهم يوم خيبر، وما زال أهل العلم يتصدَّون لمناظرة المبطلين من الكفار والمشركين والمبتدعة ويدفع الله بهم شراً عظيما، أما عامة الناس فما ينبغي لهم التعرض لمثل ذلك حذراً عليهم من الضلال؛ وما ينبغي لمسلم أن يحمل نفسه من البلاء ما لا تطيق.

    ثالثاً: أراك تصف ذلك الأفاك (بالمفكر) وما رأيت مسلماً قط أنعم عليه بتلك الصفة، بل الاتفاق حاصل على أنه كذاب أشر، ليس في كتابه ذاك أثارة من علم أو فن أو أدب، بل هي مجموعة من التخرصات والأكاذيب مدعومة بجملة من الشتائم الرخيصة التي تدل على فساد ذوق وقلة حياء عياذاً بالله من الخذلان، ولو كان مفكراً لتصدى لمناقشة الأمور كلِّها بتجرد العلماء ودأب المخلصين، لا أن ينزوي كالفأر المذعور، ويعيش حياةً الموت خير منها. وقد تعلَّمنا من كتاب ربنا ألا نفخِّم أهل الباطل؛ فترى ربنا في القرآن يشنع على المشركين ويضع من قيمتهم فيقول ((تبت يدا أبي لهب)) ولا يسميه باسمه!! ويقول عن عقبة بن أبي معيط ((ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا)) ويقول عن الوليد بن المغيرة ((ذرني ومن خلقت وحيدا)) ويقول عن طواغيت البشر ((إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين)) ويقول ((وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون))

    رابعاً: ليس فيما طرحه هذا الأفاك جديد، بل هو مُقتاتٌ على موائد من سبقه، ولربما أثبتت الأيام في قابلها أنه ما كتب شيئاً، وإنما كُتب له؛ يدلك على ذلك أن هذه القصة ما زال المستشرقون والمبشِّرون يطبلون لها ويزمِّرون وينفخون فيها ويزيدون من أجل أن يثبتوا أنه قد دخل في القرآن ما ليس من كلام الله!! وهيهات هيهات فما ضر شمسَ الضحى في الأفق ساطعة ألا يرى نورها من ليس ذا بصر؟

    ومهما يكن من أمر فقد اعتنى أهل العلم – جزاهم الله خيراً – بتبديد ظلمات تلك الشبهات أمام أنوار الوحي، وخلاصة ما ذكروه:

    1ـ أن هذه القصة باطلة نقلاً؛ حيث طعن فيها كثيرون من المحدِّثين والمحققين الجامعين بين الرواية والدراية؛ كابن خزيمة والبيهقي والقاضي عياض بن موسى اليحصبي والقاضي أبي بكر بن العربي المالكي والحافظ عماد الدين ابن كثير الدمشقي، ومن ذلك ما قاله القاضي عياض في كتابه (الشفا): إن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب؛ المتلقِّفون من الصحف كل صحيح وسقيم، ومن حُكيت عنه هذه المقالة من المفسرين والتابعين لم يسندها أحد منهم، ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية..الخ

    2ـ الاضطراب الفاحش واضح في سياق القصة برواياتها المختلفة؛ فمرة تُروى أنه كان صلى الله عليه وسلم في الصلاة، ومرة أنه خارج الصلاة، وقائل يقول: حدث بها نفسه؛ وآخر يقول: بل ألقاها الشيطان على لسانه، وقائل يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قالها وهو ناعس، وآخر يقول: أعلمهم الشيطان أن النبي قالها!! ومن قائل يقول: إن الشيطان انتهز سكتة من سكتات النبي صلى الله عليه وسلم فقرأها حاكياً صوت النبي صلى الله عليه وسلم!!

    3- هذه القصة لم يخرجها أحد من أصحاب الكتب المعتمدة؛ فلا تجد لها ذكراً في الصحيحين ولا موطأ مالك ولا مسند أحمد، ولا سنن الدارمي ولا السنن الأربعة، بل الثابت في البخاري من رواية ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ النجم وهو بمكة، فسجد معه المسلمون والمشركون والإنس والجن}

    4- لم يعرف في لغة العرب وصف الآلهة على سبيل المدح بالغرانيق؛ وما أُثِر ذلك في نظمهم ولا خُطَبهم، والذي تعرفه اللغة أن الغرنوق والغرنيق اسم لطائر مائي أسود أو أبيض، ومن معانيه الشاب الأبيض الجميل، وقد يطلق على غير ذلك، ولا شيء من تلك المعاني يلائم معنى الإلهية أو الأصنام حتى يطلق في فصيح الكلام الذي يُعرَض على أمراء الفصاحة والبيان

    5- القصة مصادمة للقرآن في قوله تعالى ((إن عبادي ليس عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين)) وقوله تعالى ((إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون)) وقوله تعالى ((قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين . إلا عبادك منهم المخلصين)) ومحمد صلى الله عليه وسلم هو سيد عباد الله المخلصين المؤمنين المتوكلين؛ فأنى أن يكون للشيطان عليه سبيل؟!!

    6- نقل القاضي عياض رحمه الله تعالى إجماع الأمة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من أن يجري لفظ الكفر على قلبه أو لسانه لا عمداً ولا سهوا، أو أن يشتبه عليه ما يلقيه الملك بما يلقيه الشيطان، أو يكون للشيطان عليه سبيل، أو أن يتقول على الله لا عمداً ولا سهواً ما لم ينزل عليه؛ قال تعالى ((ولو تقول علينا بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين. فما منكم من أحد عنه حاجزين))

    7- مما يدل على كذب القصة أن الآيات التي أعقبت تلك الآيات التي زعمها المفترون هي قوله تعالى ((إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى)) فأيُّ مناسبةٍ بين الثناء على الآلهة المدَّعاة في الآيات التي اختلقوها وبين هذه الآيات التي فيها تشديد النكير على عابديها؟ وكيف يطمئن إلى هذا التناقض السامعون وهم أهل اللَّسَن والفصاحة؟

    8- وأما قول الكذاب بأنها كانت مناورة من النبي صلى الله عليه وسلم وحاشاه من ذلك، فإنه مردود بداهة بأنه عليه الصلاة والسلام من يومه الأول في الدعوة جابه المشركين بذم آلهتهم والدعوة إلى عبادة الإله الواحد جل جلاله؛ فكيف يتأتى له ذلك، وكيف يقبل المشركون أن يذمَّ آلهتهم بالليل والنهار ثم يفرحون حين يشبهها بالغرنوق الذي هو طائر مائي كما تقدم؟ ((سبحانك هذا بهتان عظيم))

    9- وأما قوله بأن المسلمين طفقوا يرددونها في سجودهم حتى السنة الخامسة من الهجرة؛ فتلك فرية ما سبقه إليها أحد!! ولو كان الكذاب مسلماً لعلم أن السجود لا يُقرأ فيه القرآن أصلاً، فقد نهينا أن نقرأ القرآن راكعين وساجدين، لكنه لعظيم جهله وكفره لا يفرِّق بين الركن الذي يقرأ فيه القرآن وغيره.

    10- سجود المشركين غير مستغرب؛ فإن القرآن قد أسرهم بفصاحته وبهتهم ببلاغته؛ وقد تكرر منهم ما يدل على أن القرآن قد أخذ بمجامع قلوبهم؛ كقول الوليد بن المغيرة: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما يقول هذا بشر!! وكذلك عتبة بن ربيعة لما تلا عليه النبي صلى الله عليه وسلم صدر سورة فصلت إلى أن بلغ قوله تعالى ((فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود)) فألقى الله الرعب في قلبه، حتى وضع يده على فم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ناشدتك الله والرحم أن تكف!! فما الذي يستغرب من سجودهم والسورة تقرع أسماعهم وتزلزل أفئدتهم، والذي يتلوها هو النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم الذي ما كان أحد أحسن صوتاً ولا تلاوة منه؟!

    وأخيراً أيها السائل أقول: قد كتب علماؤنا المعاصرون في تفنيد تلك الشبهة ودحضها كتابات كثيرة، ومن ذلك ما رقمه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله في رسالة سماها (نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق) وكذلك اعتنى بالرد عليها الأستاذ سيد قطب رحمه الله في تفسير سورة النجم في الظلال وكذلك الشيخ العلامة محمد أبو شهبة في (السيرة النبوية) وغيرهم من أهل العلم، فارجع إلى تلك المصادر تجد فيها ما يشفي العليل ويروي الغليل، والله الهادي إلى سواء السبيل.

  • قرأ سورة النجم وما سجد

    السلام عليكم، قرأ الإمام آخر سورة النجم ثم ركع ولم يسجد. ظن بعض المصلين في الصفوف الأخيرة أنه كبر للسجدة فسجدوا ثم لما سمعوا الإمام يقول “سمع الله لمن حمده” قاموا من سجودهم ووافقوا الإمام في بقية الصلاة فماذا عليهم؟؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ أما بعد.

    فالإمام مسيء فيما فعل؛ إذ ما كان ينبغي له أن يقرأ آية سجدة دون أن ينبه المأمومين قبل الصلاة؛ وذلك لما يحدثه من الإلباس والاشتباه والتشويش عليهم في صلاتهم؛ وحيث قرأها كان ينبغي له السجود خاصة وأن جمهور العلماء – من الحنفية والشافعية والحنابلة – يسجدون فيها؛ لكنه أخطأ مرتين غفر الله لنا وله؛ وهؤلاء المأمومون ليس عليهم شيء؛ لأنهم ما تعمدوا مخالفة الإمام؛ بل سارعوا إلى متابعته بعد علمهم بالخلل الذي كان، والله تعالى أعلم.

  • زوجي سيء الخلق وأرفض معاشرته

    السلام عليكم ورحمة الله…وصلت وزوجي إلى طريق مسدود وطلبت منه الطلاق وهو يرفض، ويعاملني أسوأ معاملة وأصبح كرهي له يزداد يوماً بعد يوم .. لدينا أطفال حاولت التحمل لأجلهم، ولكن تصرفات زوجي تزداد سوءً، فهو كاذب ومخادع وكثير التحدث في أعراض الناس، ولا يثق بأحد ويلجأ إلى المشعوذين لمواجهة خلافاته في العمل، ويسلطهم على كل من يختلف معه، حتى أنا يهددني بأنه سيؤذيني ويسيء إليَّ بكلامه ويسب أهلي .. وإذا قرأت القرآن يسخر مني ويقول لي بأني ملعونة ولا تقبل صلاتي لأني أرفض معاشرته!! بت أكرهه ولا أستطيع معاشرته وأنفر منه وألح عليه في الطلاق خوفاً على أطفالي من أفكاره الهدامة؛ فهو يثنى على الشيعة وأفكارهم!! أرجوكم أفيدوني فيما يجب عليَّ فعله وهل عليَّ إثم في رفضي معاشرته؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فإذا كان الرجل بالوصف الذي ورد في السؤال فلا خير لك في البقاء تحته، بل عليك السعي سعياً حثيثاً في الطلاق منه لأنه جمع بين فساد المعتقد وسوء الخلق والتعدي على خلق الله بما لا يبقى معه خير نسأل الله العافية والسلامة، فعليك السعي في الفكاك منه ولو بالخلع؛ فإن أبى فلا حل لك سوى اللجوء إلى القضاء وطلب الطلاق لأجل الضرر، والله ولي التوفيق.

  • تأخير الصلاة بسبب نزول المذي

    زوجتي يحدث لها نزول للمذي بصورة متواصلة تصل أحياناً إلى 19 ساعة!! مما يجعلها تؤخر بعض الصلوات إلى اليوم الثاني فماذا تفعل؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فلا يحل لزوجتك أن تؤخر الصلاة عن وقتها، والواجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يضرها ما يخرج منها من مذي أو غيره؛ لأنها مصابة بالسلس، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والله تعالى أعلم.

  • هل المني طاهر؟

    كيف يستقيم القول فيمن يقول بان المني طاهر لأنه أصل الإنسان ومن يقول بان ملابس المحتلم يجب أن تغسل بماء طهور لان غسلها بماء طاهر يزيل النجاسة عينا ويبقيها حكما؟

     الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد، فقد اختلف العلماء رحمهم الله في طهارة المني، حيث روى البخاري رحمه الله عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: (سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَتْ: كُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَثَرُ الْغَسْلِ فِي ثَوْبِهِ بُقَعُ الْمَاءِ). وترجم له أبو عوانة [في مستخرجه 1/448، حديث 395] (بيان تطهير الثوب الذي يصلي فيه من المني والدم والدليل على أن المني طاهر). وفي صحيح مسلم (أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ بِعَائِشَة فَأَصْبَحَ يَغْسِل ثَوْبه فَقَالَتْ عَائِشَة: إِنَّمَا كَانَ يُجْزِئك إِنْ رَأَيْته أَنْ تَغْسِل مَكَانه فَإِنْ لَمْ تَرَ نَضَحْت حَوْله. لَقَدْ رَأَيْتنِي أَفْرُكهُ مِنْ ثَوْب رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيهِ) قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي طَهَارَة مِنِّي الْآدَمِيّ، فَذَهَبَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة إِلَى نَجَاسَته، إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَة قَالَ: يَكْفِي فِي تَطْهِيره فَرْكُهُ إِذَا كَانَ يَابِسًا، وَهُوَ رِوَايَة عَنْ أَحْمَد، وَقَالَ مَالِك: لَا بُدّ مِنْ غَسْلِهِ رَطْبًا وَيَابِسًا، وَقَالَ اللَّيْث: هُوَ نَجِسٌ وَلَا تُعَاد الصَّلَاة مِنْهُ، وَقَالَ الْحَسَن: لا تُعَاد الصَّلَاة مِنْ الْمَنِيّ فِي الثَّوْب وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا، وَتُعَاد مِنْهُ فِي الْجَسَد إِنْ قَلَّ، وَذَهَبَ كَثِيرُونَ إِلَى أَنَّ الْمَنِيّ طَاهِر، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ وَابْن عُمَر وَعَائِشَة وَدَاوُدُ وَأَحْمَد فِي أَصَحّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَأَصْحَاب الْحَدِيث، وَقَدْ غَلَط مَنْ أَوْهَمَ أَنَّ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى مُنْفَرِد بِطَهَارَتِهِ. وَدَلِيل الْقَائِلِينَ بِالنَّجَاسَةِ رِوَايَة الْغَسْل. وَدَلِيل الْقَائِلِينَ بِالطَّهَارَةِ رِوَايَة الْفَرْك، فَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمْ يَكْفِ فَرْكه كَالدَّمِ وَغَيْره، قَالُوا: وَرِوَايَة الْغَسْل مَحْمُولَة عَلَى الِاسْتِحْبَاب وَالتَّنَزُّه وَاخْتِيَار النَّظَافَة”. [شرح النووي على مسلم 1/467].

    وقد مال القرطبي المالكي إلى مخالفة المذهب في هذه المسألة وردَّ على ابن العربي رحمهما الله في تفسير آية النحل: (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ). قال القرطبي: قوله تعالى: (من بين فرث ودم لبنا خالصا) نبَّه سبحانه على عظيم قدرته بخروج اللبن خالصاً بين الفرث والدم.. والمعنى: أن الطعام يكون فيه ما في الكرش ويكون منه الدم، ثم يخلص اللبن من الدم، فأعلم الله سبحانه أن هذا اللبن يخرج من بين ذلك وبين الدم في العروق… (خالصا) يريد من حمرة الدم وقذارة الفرث وقد جمعهما وعاء واحد. قال النقاش: في هذا دليل على أن المني ليس بنجس. وقاله أيضاً غيره، واحتج بأن قال: كما يخرج اللبن من بين الفرث والدم سائغاً خالصاً كذلك يجوز أن يخرج المنى على مخرج البول طاهرا. قال ابن العربي: إن هذا لجهل عظيم وأخذ شنيع، اللبن جاء الخبر عنه مجيء النعمة والمنة الصادرة عن القدرة ليكون عبرة، فاقتضى ذلك كله وصف الخلوص واللذة، وليس المنى من هذه الحالة حتى يكون ملحقاً به أو مقيساً عليه. قلت: قد يعارض هذا بأن يقال: وأي منة أعظم وأرفع من خروج المنى الذي يكون عنه الإنسان المكرَّم، وقد قال تعالى: (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ)، وقال: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)؛ وهذا غاية في الامتنان. فإن قيل: إنه يتنجس بخروجه في مجرى البول، قلنا: هو ما أردناه، فالنجاسة عارضة وأصله طاهر، وقد قيل: إن مخرجه غير مخرج البول وخاصة المرأة، فإن مدخل الذكر منها ومخرج الولد غير مخرج البول على ما قاله العلماء. فإن قيل: أصله دم فهو نجس، قلنا ينتقض بالمسك، فإن أصله دم وهو طاهر. وممن قال بطهارته الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وغيرهم، لحديث عائشة رضى الله عنها قالت: كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابساً بظفري. قال الشافعي: فإن لم يفرك فلا بأس به. وكان سعد بن أبى وقاص يفرك المني من ثوبه. وقال ابن عباس: هو كالنخامة أمطه عنك بإذخرة وامسحه بخرقة. فإن قيل: فقد ثبت عن عائشة أنها قالت: كنت أغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه. قلنا: يحتمل أن تكون غسلته استقذاراً كالأشياء التي تزال من الثوب لا لنجاسة، ويكون هذا جمعاً بين الأحاديث”. [تفسير القرطبي 10/124-126].

    والقول بطهارة المني اختيار العلامة الشنقيطي رحمه الله حيث قال: “أظهر الأقوال دليلاً في هذه المسالة والله أعلم أن المني طاهر لحديث إسحاق الأزرق عن شريك عن محمد بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عباس: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما هو بمنزله المخاط والبصاق، وإنما يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة)، وهذا نص في محل النزاع. وقد قدَّمْنا عن صاحب (المنتقى) أن الدارقطني قال: لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك، وأنه هو قال: قلت: وهذا لا يضر؛ لأن إسحاق إمام مخرَّج عنه في الصحيحين، فيقبل رفعه وزيادته. انتهى. وقد قدمنا مراراً: أن هذا هو الحق. فلو جاء الحديث موقوفاً من طريق وجاء مرفوعاً من طريق أخرى صحيحة حُكِم برفعه؛ لأن الرفع زيادة، وزيادات العدول مقبولة، قال في مراقي السعود:

    والرفع والوصل وزيد اللفظ   مقبولة عند إمام الحفظ- إلخ

    وبه تعلم صحة الاحتجاج برواية إسحاق المذكور المرفوعة، ولا سيما أن لها شاهداً من طريق أخرى. قال ابن حجر (في التلخيص) ما نصه: فائدة: روى الدارقطني والبيهقي من طريق إسحاق الأزرق عن شريك عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس، قال: سئل النَّبي صلى الله عليه وسلم عن المني يصيب الثوب؟ قال: (إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق – وقال – إنما يكفيك أن تمسحه بخرقة وإذخرة)، ورواه الطحاوي من حديث حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً، ورواه البيهقي من طريق عطاء عن ابن عباس موقوفاً، قال البيهقي: الموقوف هو الصحيح انتهى. فقد رأيت الطريق الأخرى المرفوعة من حديث حبيب بن أبي عمرة عن سعيد عن ابن عباس، وهي مقوية لطريق إسحاق الأزرق المتقدمة. واعلم أن قول البيهقي رحمه الله: والموقوف هو الصحيح لا يسقط به الاحتجاج بالرواية المرفوعة؛ لأنه يرى أن وقف الحديث من تلك الطريق علة في الطريق المرفوعة. وهذا قول معروف لبعض العلماء من أهل الحديث والأصول، ولكن الحق: أن الرفع زيادة مقبولة من العدل، وبه تعلم صحة الاحتجاج بالرواية المرفوعة عن ابن عباس في طهارة المني، وهي نص صريح في محل النزاع، ولم يثبت في نصوص الشرع شيء يصرح بنجاسة المني”. [أضواء البيان 3/30-31].

  • حكم صلاة الجمعة للمسافر

    السلام عليكم ورحمة الله السؤال: شخص مسافر بالطائرة والإقلاع مع توقيت الجمعة الثالثة بعد الظهر، فكيف الصلاة مع العلم أنه لا يوجد مسجد داخل صالة المغادرة للجمعة حسب علمي؟ كما أرجو الدعاء بإصلاح الحال والتوفيق

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ أما بعد.

    فالسفر من الأعذار التي تبيح ترك الجمعة والجماعة؛ يدلك على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوم عرفة – وهو يوم جمعة – ومع ذلك لم يصل بأصحابه الجمعة، بل صلى الظهر، قال ابن قدامة في المغني: وأما المسافر فأكثر أهل العلم يرون أنه لا جمعة عليه كذلك، قاله مالك في أهل المدينة والثوري في أهل العراق، والشافعي وإسحاق وأبو ثور، وروي ذلك عن عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن والشعبي. وحكي عن الزهري والنخعي أنها تجب عليه لأن الجماعة تجب عليه، فالجمعة أولى، ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر فلا يصلي الجمعة في سفره وكان في حجة الوداع بعرفة يوم جمعة فصلى الظهر والعصر وجمع بينهما ولم يصل جمعة.ا.هـــــ

    والوعيد الوارد في ترك الجمعة إنما يصدق على من تركها تهاونا؛ أما من تركها لعذر – كما في حالتك – فلا شيء عليه؛ والواجب عليك اللجوء إلى البدل وهو صلاة الظهر، والله تعالى أعلم.

  • تضييع صلاة الجمعة بسبب العمل

    أنا هاجرت إلى كندا مرافق لزوجتي للدراسات العليا، وحائر في موضوع العمل هنا، وذلك لأني لو اشتغلت ستضيع منى صلاة الجمعة. بالنسبة للحاجة تقدر تقول حاجتي للعمل متوسطة يعنى لست في ضنك من العيش، ولكن لا أريد سؤال الأهل لمساعدتي إن احتجت.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فبداية لا بد من التنبيه على خطورة التهاون بصلاة الجمعة؛ لأنها فرض الله بإجماع المسلمين؛ قال سبحانه {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع} وقال النبي صلى الله عليه وسلم «من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه» رواه أبو داود والنسائي والترمذي عن أبي الجعد الضمري رضي الله عنه. وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: «لينتهينَّ أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمنَّ الله على قلوبهم ثم ليكوننَّ من الغافلين».

    والواجب على من وقع في شيء من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحاً، وعليه أن يتعرض لنفحات ربنا في ذلك اليوم العظيم الذي هو خير يوم طلعت عليه الشمس، وفيه من الأجر ما لا يعلمه إلا الله؛ قال عليه الصلاة والسلام «من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فأنصت كان له بكل خطوة يخطوها أجر صيام سنة وقيامها وذلك على الله يسير» رواه الإمام أحمد من حديث أوس بن أوس رضي الله عنه.

    ومن لم يدرك الجمعة سواء أكان عامداً أم لعذر فإنه يصليها ظهراً؛ لأنه بدل عن الجمعة، وقد نقل الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى الإجماع على ذلك، ولا حرج عليهم أن يصلوها جماعة؛ لما ثبت من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب الناس في حجة الوداع بعرفات – وكان وقوفه يوم جمعة – أذّن المؤذن ثم أقام فصلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بأصحابه، ثم أقام المؤذن فصلى النبي، صلى الله عليه وسلم، بهم العصر ولم يصل بينهما شيئاً.

    هذا والذي يظهر من حالك أنه لا ضرورة تلجئك إلى ترك صلاة الجمعة، كما أن القوانين المعمول بها في تلك البلاد تعطي المسلم الحق في أن يصلي يوم الجمعة، ويمكنك سؤال أهل الخبرة ومراجعة إخوانك المسلمين هناك ليبينوا لك السبيل إلى نيل هذا الحق، والله تعالى أعلم.

زر الذهاب إلى الأعلى