الفتاوى

  • كيفية رفع اليدين عند التكبير

    السلام عليكم، ما هي كيفية رفع اليدين في الصلاة عند التكبير؟ هل تكون مع محاذاة الكتفين أم فقط رفعهما إلى حد دون ذلك؟ كثيراً ما رأيت إمام الحرم المكي قد رفع يديه قليلاً ثم أنزلها

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فرفع اليدين في الصلاة مسنون في أربعة مواضع: عند تكبيرة الإحرام، وعند التكبير للركوع، وعند الرفع من الركوع، وعند القيام للركعة الثالثة، وصفة الرفع كما ورد في الأحاديث مختلفة، من ذلك ما رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربعة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدا» وأخرجه الترمذي أيضا بهذا اللفظ وبلفظ «كان إذا كبر للصلاة نشر أصابعه» وعن وائل بن حجر رضي الله عنه «أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يديه مع التكبيرة» رواه أحمد وأبو داود، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا بحذو منكبيه ثم يكبر فإذا أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضا وقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد» متفق عليه، وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال « رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه» رواه أبو داود والدارقطني

    فالحاصل من مجموع هذه الروايات أنه كان يرفع يديه حذو منكبيه أو حذو أذنيه، وجمع بعض العلماء بين الروايتين بما ثبت عند أبي داود من رواية وائل بن حجر رضي الله عنه قال «حتى كانتا حيال منكبيه وحاذى بإبهاميه أذنيه» وأخرج الحاكم في المستدرك والدارقطني من طريق عاصم الأحول عن أنس رضي الله عنه قال «رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كبر فحاذى بإبهاميه أذنيه» وأخرج أبو داود أيضا عن البراء رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه» وفي حديث وائل عند أبي داود أنه رأى الصحابة يرفعون أيديهم إلى صدورهم.

    قال الشوكاني رحمه الله تعالى: والأحاديث الصحيحة وردت بأنه صلى الله عليه وآله وسلم رفع يديه إلى حذو منكبيه وغيرها لا يخلو عن مقال إلا حديث مالك بن الحويرث؛ ففي الصحيحين عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث «أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه وإذا رفع رأسه من الركوع فقال سمع الله لمن حمده فعل مثل ذلك» رواه أحمد ومسلم وفي لفظ لهما «حتى يحاذي بهما فروع أذنيه»

    وقد اختلف في الحكمة في رفع اليدين؛ فقال الشافعي: هو إعظام لله تعالى وإتباع لرسوله. وقيل: استكانة واستسلام وانقياد وكان الأسير إذا غلب مد يديه علامة لاستسلامه. وقيل: هو إشارة إلى استعظام ما دخل فيه. وقيل: إشارة إلى طرح أمور الدنيا والإقبال بكليته على صلاته ومناجاته ربه كما تضمن ذلك قوله الله أكبر فيطابق فعله قوله. وقيل: إشارة إلى تمام القيام. وقيل: إلى رفع الحجاب بينه وبين المعبود. وقيل: ليستقبل بجميع بدنه. وقيل: ليراه الأصم ويسمعه الأعمى. وقيل: إشارة إلى دخوله في الصلاة وهذا يختص بالرفع لتكبيرة الإحرام. وقيل: لأن الرفع نفي صفة الكبرياء عن غير الله والتكبير إثبات ذلك له عز وجل والنفي سابق على الإثبات كما في كلمة الشهادة. وقيل غير ذلك. قال النووي: وفي أكثرها نظر.

     قال الشوكاني رحمه الله تعالى: واعلم أن هذه السنة تشترك فيها الرجال والنساء ولم يرد ما يدل على الفرق بينهما فيها وكذا لم يرد ما يدل على الفرق بين الرجل والمرأة في مقدار الرفع . وروي عن الحنفية أن الرجل يرفع إلى الأذنين والمرأة إلى المنكبين لأنه أستر لها ولا دليل على ذلك كما عرفت.ا.هـــــــــــــــ

  • فقه السفر

    السلام عليكم ورحمة الله، حياك الله يا شيخنا عبد الحي وسلّمك من كل سوء، وبعد فأستفتيكم في تلكم المسائل:

    1- أيُّ المكانيْن أفضل للمأموم في الصف الأول في منتصفه خلف الامام  أم في الميمنة؟

    2- هل هناك دليل ثابت في تحديد مسافة السفر المُجيزة لقصر الصلوات؟ فإن لم يكن فما مُعْتمَد المالكيّة في تحديدها؟

    3- قال لي قائل إن الإنسان يجوز له أن يجمع صلاتيْن تقديماً أو تأخيرا من غير سفر أو مشقة شديدة، كأن يكون في السوق ليبتاع شيئاً ما، فإنه إذا نودي لصلاة الظهر مثلا له أن يجمعها مع العصر تأخيراً. وقال أيضاً إن قصر الصلوات لا يجوز إلا لمن سافر من مكان إقامته إلى مكان آخر بصرف النظر عن الأيام التي يقضيها هناك إذْ لم يرد دليلٌ في تحديدها أربعة أيام صحاح، وإن الانسان إذا انتقل من بلد أجنبي يعمل هناك إلى بلده الأصلي ليقضي هناك يومين أو ثلاثة ثم يرجع إلى عمله فلا يجوز له القصر سواء كان متزوجاً أو لا، لأنه في مكان إقامته.   أَمُصيبٌ هو في كل هذا؟

    بارك الله فيكم وأحسن إليكم وجزاكم عن الاسلام والمسلمين خير الجزاء

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فمن كان من أهل القرآن وأصحاب الفقه في الدين فخير له أن يصلي خلف الإمام؛ عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسـلم “ليلني منكم أولو الأحلام والنهى” ولعل الإمام يحتاج إلى من يفتح عليه إذا نسي، أو يذكره إذا سها أو ينوب عنه إذا طرأ له طارئ في صلاته، وأما إن لم يكن من أولي الأحلام والنهى فخير له أن يصلي على ميمنة الصف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسـلم «إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى مَيَامِنِ الصُّفُوفِ» رواه أبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها

    وأما تحديد المسافة التي تبيح القصر في السفر فهي مأخوذة من جملة من الأحاديث منها ما رواه مسلم عن شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائي قال: سألت أنساً عن قصر الصلاة فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين) شعبة الشاك. وحديث ابن عباس عند الطبراني أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان) وفي المسألة خلاف طويل حتى عد الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى فيها نحواً من عشرين قولا

    وأما الجمع فقد ثبت من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: جمَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ مَطَرٍ. فَقِيلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: أَرَادَ أَنْ لاَ يُحْرِجَ أُمَّتَهُ. رواه أبو داود والنسائي والترمذي، فمن احتاج إلى الجمع جاز له ذلك شريطة ألا يتخذها عادة وديدنا، والله الموفق والمستعان.

  • صلاة التراويح في السفر

    أنا على سفر لا أدري متى أعود لذا أجمع وأقصر؛ سؤالي عن صلاة التراويح هل يجوز لى أن اصليها مباشرة بعد صلاة المغرب والعشاء جمع تقديم؟ جزاك الله خير

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فقيام الليل لا يدخل وقته إلا بدخول وقت العشاء، وعليه فما ينبغي لك الشروع في التراويح قبل ذلك الوقت حال جمعك بين العشائين، بل تصبر إلى حين دخول وقت العشاء فتصليها؛ والله تعالى أعلم.

  • طالق إن شربت الشيشة

    وجدت زوجتي تشرب الشيشة وأغضبني ذلك المنظر وقلت لها: إذا أنت شربت الشيشة تاني أنت طالق وتأكد لي بعد ذلك أنها لم تنته وشربت الشيشة مرة أخرى، ما الحكم علماً أنها مطلقة مرتين؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فالشيشة محرمة لكونها من الخبائث، وقد قال الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} وهي سبب للأمراض الفتاكة القاتلة، وقد قال سبحانه {ولا تقتلوا أنفسكم} كما أن فيها إنفاقاً للمال في غير نفع، وقد قال سبحانه {ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا} وهي إن كانت في الرجال قبيحة ففي النساء أقبح وأشنع؛ لأنها مذهبة للحياء مسببة لنتن الريح وقبح الفعل، وما ينبغي لرجل سوي أن يقر امرأته على شربها وإلا كان شريكاً لها في الإثم.

    أما بالنسبة لليمين التي صدرت منك فإن كنت تنوي طلاقاً فقد وقع؛ لأنك علقته على شرط وإذا وقع الشرط وقع المشروط، وإن كنت نويت مجرد تهديدها لمنعها فيجب عليك كفارة يمين بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم؛ فإن لم تستطع لزمك صيام ثلاثة أيام، والله تعالى أعلم.

  • حكم لبس الحجاب وذبح الهدهد

    1.ما حكم لبس الحجاب شرك أصغر أم أكبر يخرج من الإسلام؟

    2.وحكم الصلاة خلف لابس الحجاب؟

    3.حكم ذبح الهدهد؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فالحجاب – بمعنى التميمة – إذا كان مشتملاً على أرقام وطلاسم وما لا يفهم معناه من الكلام فلا يجوز لبسه قولاً واحداً؛ ومن علقها معتقداً أنها تجلب نفعاً أو تدفع ضراً بذاتها فقد وقع في الشرك الأكبر عياذاً بالله تعالى، أما من علقها باعتبارها سبباً فقد باباً أتى من أبواب الشرك الأصغر.

    وأما إذا كانت مشتملة على آيات وبعض من أسماء الله الحسنى وأدعية باللسان العربي المبين فمما اختلف فيه أهل العلم، والصحيح أنه لا يجوز تعليقها لعموم النصوص الناهية عن ذلك، وسداً للذريعة الموصلة إلى الشرك، ومن لبسها من إمام فإنه تقام عليه الحجة ويبين له الحق بأسلوب حسن وألفاظ سهلة مع الدعاء له بأن يعافيه الله من هاتيك البدع؛ فإن رضي وتابع فبها ونعمت، وإن أبى وكانت تميمته من جنس المختلف فيه فإنه يعذر بذاك الخلاف.

    وذبح الهدهد لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتله وقتل النحل والنمل والصرد، والله تعالى أعلم.

  • وقع على بهيمة فهل نأكل لحمها؟

    هل يجوز أكل لحم وشرب حليب الشاة التي وقع عليها الإنسان بمعنى فعل فيها أكرمكم الله؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فقد أجمع أهل العلم على تحريم إتيان البهيمة، وأن من فعل ذلك فقد أتى إثماً عظيماً، ثم اختلفوا فيما يجب نحوه، وهل تؤكل البهيمة أو لا؟

    فذهب الشافعي وأبو يوسف إلى أن حدَّه حدُّ الزنا، وذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي ـ في قول له ـ إلى أنه يوجب التعزير فقط؛ إذ ليس بزنا، وذهب الشافعي ـ في قول له ـ إلى أنه يقتل؛ استدلالاً بما رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة} وهذا الحديث مختلف في تصحيحه. وبما رواه ابن ماجه في سننه من حديث إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من وقع على ذات محرم فاقتلوه ومن وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة}

    والعلة في قتل البهيمة ما روى أبو داود والنسائي أنه قيل لابن عباس: ما شأن البهيمة؟ قال: ما أراه قال ذلك إلا أنه مكروه أن يؤكل لحمها. وقال بعضهم: بل لئلا يقال: هذه التي فعل بها كذا. وقيل: بل لئلا تأتي بمولود مشوه.

    وقد ذهب إلى تحريم لحم البهيمة المفعول بها وإلى أنها تذبح عليٌّ رضي الله عنه والشافعي في قول له وذهب الشافعي ـ في قول له ـ وأبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه يكره أكلها تنزيهاً فقط، والعلم عند الله تعالى.

  • نكاح المتعة

    عندي سؤال: أرجو شرح حديث وارد في صحيح مسلم ص 1023 – 1405:

    وحدثنا الحسن الحلواني حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال: قال عطاء: قدم جابر بن عبد الله معتمراً، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء، ثم ذكروا المتعة، فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر. انتهي.

    فكيف كان النهي عن زواج المتعة في عهد رسول الله؛ والظاهر في الحديث أنه استمر حتى عهد سيدنا عمر رضي الله عنه؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

    فإن نكاح المتعة قد دلت على تحريمه نصوص السنة واتفق على ذلك أهل العلم ولم يبق مخالف في حرمته سوى الروافض، أما النصوص الدالة على حرمته فهي كثيرة، منها:

    1ـ حديث عليٍّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عام خيبر عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية. متفق عليه

    2ـ عن سبرة الجهني رضي الله عنه أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة، قال: فأقمنا بها خمسة عشر، فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء.. إلى أن قال: فلم أخرج حتى حرَّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخلِّ سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا. رواه مسلم

    3ـ إجماع العلماء على تحريمه وقد نقل ذلك غير واحد منهم. قال ابن المنذر رحمه الله: جاء عن الأوائل الترخيص فيها، ولا أعلم اليوم أحدا يجيزها إلا بعض الرافضة، ولا معنى لقول يخالف كتاب الله وسنة رسوله. وقال القاضي عياض: ثم وقع الإجماع من جميع العلماء على تحريمها إلا الروافض. وقال الخطابي: تحريم المتعة كالإجماع إلا عن بعض الشيعة، ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المخالفات إلى علي، فقد صح عن عليٍّ رضي الله عنه أنها نسخت ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال: هي الزنا بعينه.

    وقد كانت المتعة مرخّصا فيها أول الإسلام ثم نُهي عنها. روى الترمذي رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى نزلت هذه الآية }إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم{ قال ابن عباس: فكل فرج سواهما حرام. وروى مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: رخَّص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها بالحجارة.

    وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يرخِّص في المتعة؛ لكنه رجع عن ذلك ونفاه وبيّن مراده بقوله: والله ما بهذا أفتيت وما هي إلا كالميتة لا تحل إلا للمضطر. روى ذلك عنه البيهقي وأبو عوانة ووكيع. قال الحافظ رحمه الله في الفتح بعد أن ساق عن ابن عباس روايات الرجوع: فهذه أخبار يقوي بعضها بعضا.

    قال الإمام الشوكاني رحمه الله بعد أن ساق الروايات التي تفيد إباحته عن بعض الصحابة رضي الله عنهم: وعلى كل حال فنحن متعبَّدون بما بلغنا عن الشارع وقد صح لنا عنه التحريم المؤبد، ومخالفة طائفة من الصحابة له غير قادحة في حجيته ولا قائمة لنا بالمعذرة عن العمل به. كيف والجمهور من الصحابة قد حفظوا التحريم وعملوا به ورووه لنا حتى قال ابن عمر فيما أخرجه عنه ابن ماجه بإسناد صحيح {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها، والله لا أعلم أحداً تمتع وهو محصن إلا رجمته} وبهذا يُعلم أن نكاح المتعة حرام لدلالة النص والإجماع، وابن عباس رضي الله عنهما لا يُستغرب رجوعه عن فتواه فقد أُثر عنه ذلك في رجوعه عن القول بأنه لا ربا إلا في النسيئة، فلا يحل لمسلم أن يستند إلى ابن عباس في قول قد ثبت رجوعه عنه.

    وأما الحديث الوارد ذكره في السؤال فقد أجاب عنه الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى فقال: وقد أجيب عن حديث جابر هذا بأنهم فعلوا ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم لم يبلغه – يعني جابرا رضي الله عنه – النسخ حتى نهى عنها عمر، واعتقد أن الناس باقون على ذلك لعدم الناقل، وكذلك يحمل فهم غيره من الصحابة ولذا ساغ لعمر أن ينهى ولهم الموافقة، وهذا الجواب وإن كان لا يخلو عن تعسف ولكنه أوجب المصير إليه حديث سبرة الصحيح المصرح بالتحريم المؤبد.ا.هــــ يعني بحديث سبرة قول النبي صلى الله عليه وسلم {يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخلِّ سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} رواه مسلم، ولا يستغرب أن يخفى على بعض الصحابة نسخ إباحة نكاح المتعة؛ ونظير ذلك قول عائشة رضي الله عنها {كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات فتوفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن} رواه مسلم وأبو داود والنسائي. قال النووي رحمه الله تعالى: ومعناه أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدا حتى أنه صلى الله عليه و سلم توفى وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ويجعلها قرآنا متلوا لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلى.ا.هــــ

    وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في (زاد المعاد) فإن قيل: فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و أبي بكر رضي الله عنه حتى نهى عنها عمر رضي الله عنه في شأن عمرو بن حريث، وفيما ثبت عن عمر أنه قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أنهى عنهما: متعة النساء، ومتعة الحج. قيل: الناس في هذا طائفتان: طائفة تقول: إن عمر هو الذي حرمها ونهى عنها، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باتباع ما سنه الخلفاء الراشدون، ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح، فإنه من رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده، وقد تكلم فيه ابن معين ، ولم ير البخاري إخراج حديثه في صحيحه مع شدة الحاجة إليه، وكونه أصلاً من أصول الإسلام، ولو صح عنده لم يصبر عن إخراجه والاحتجاج به. قالوا: ولو صح حديث سبرة لم يَخْفَ على ابن مسعود رضي الله عنه حتى يروي أنهم فعلوها ويحتج بالآية، وأيضاً ولو صح لم يقل عمر: إنها كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنها وأعاقب عليها، بل كان يقول: إنه صلى الله عليه وآله وسلم حرمها ونهى عنها، قالوا: ولو صح لم تفعل على عهد الصديق وهو عهد خلافة النبوة حقاً. والطائفة الثانية رأت صحة حديث سبرة، ولو لم يصح فقد صح حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم متعة النساء، فوجب حمل حديث جابر على أن الذي أخبر عنها بفعلها لم يبلغه التحريم، ولم يكن قد اشتهر حتى كان زمن عمر رضي الله عنه، فلما وقع فيها النزاع ظهر تحريمها واشتهر، وبهذا تأتلف الأحاديث الواردة فيها، وبالله التوفيق.ا.هــــ والعلم عند الله تعالى

  • الدعاء والقضاء

    كنت قد داومت علي دعاء الله جل وعلا أن يحقق لي رغبة معينة لا تتعارض مع ديننا الحنيف، وسؤالي: إن حقق الله لي تلك الرغبة هل هناك دعاء معين أقوله أو فعلاً أفعله شكراً لله تعالى. وإن لم تحصل لي تلك الرغبة بل حصل لي عكسها أو لم يحصل لي شيء كيف اتصرف اعتقادأ وعملاً. أرشدونا جزاكم الله خيرا

    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

    فقد أمرنا ربنا جل جلاله بالدعاء واللجوء إليه سبحانه فقال {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ} وقال {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} وعلَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يرد القدر إلا الدعاء، وأن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وأن ندعو الله ونحن موقنون بالإجابة؛ فالمطلوب من المسلم إذا نزل به بلاء أن يصدق في اللجوء إلى ربه سبحانه وتعالى ويلح عليه بالدعاء ولا يستبطئ الإجابة، فإن البلاء من قدر الله، والدعاء من شرعه سبحانه، والعاقل يتعامل مع القدر بالشرع؛ ويأخذ بالأسباب النافعة مع اعتقاده بأن الله تعالى فعال لما يريد، ولا يقع في كونه إلا ما قدَّره، وأنه {لا يُسأل عما يفعل} وأن أمر المؤمن كله خير فإن أصابته سراء شكر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر؛ فكان خيراً له. فلا تنافي بين الصبر على قضاء الله، وبين الدعاء بأن يرفعه سبحانه بما شاء.

    ومتى ما حصلت للعبد نعمة فإنه يُشرع له أن يسجد لله تعالى سجدة تسمى سجدة الشكر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصابته نعمة خرَّ لله ساجداً، ولربما اكتفى بأن يقول: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأما إذا لم يحصل للعبد مراده فعليه أن يرضى بقضاء الله عز وجل ويستسلم لحكمه سبحانه ويعلم يقيناً أن ما أصابه لم يكن ليخطأه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، والله الموفق والمستعان.

  • استعمال مزيل العرق للنساء

    سؤالي: ما حكم استعمال مزيل العرق للمرأة خارج المنزل؟

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فإذا كان مزيل العرق تُشَمُّ رائحته فما ينبغي للمرأة استعماله حال خروجها من بيتها؛ لأنه طيب يشمله الوعيد الوارد في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال “كل عين زانية والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا” يعني زانية. رواه أبو داود والترمذي؛ وبعض النساء الطيبات ينصحن بنات جنسهن باستعمال المسك مع الشب حيث يحدث الأثر المطلوب من توقي العرق دون أن تظهر منه رائحة طيبة. والله الموفق والمستعان.

  • عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ

    شيخنا الفاضل: عبد الحي يوسف

    ما الحكمة من قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ * الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}؟ حيث إن الله سبحانه وتعالى قال {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفاً} ثم قال {الآن خفف الله عنكم وعلم فيكم ضعفاً …. الآية

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

    فهذا نوع من النسخ يسميه الأصوليون بنسخ الأثقل بالأخف، بمعنى أن الله تعالى قد يبتلي عباده بتشريع ما ثم ينسخه بما هو أخف منه؛ ومثاله أن الله تعالى فرض على العباد خمسين صلاة في كل يوم وليلة، ثم نسخ ذلك بإيجاب خمس صلوات فقط، ومثاله كذلك ما كان في أول تشريع الصيام حين كان يحرم على الصائم إذا نام بالليل في أي ساعة أن يتناول بعدها طعاماً أو شراباً إلى مغيب شمس اليوم الذي يليه؛ فنسخ الله ذلك بقوله {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}

    وفي تشريع القتال أوجب الله على المؤمن أن يصبر في مواجهة عشرة من الكفارة فقال {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا}  ثم نسخ ذلك بما هو أخف فأوجب على المؤمن أن يصبر في مواجهة اثنين فقط فإن زاد العدد جاز الفرار؛ فقال سبحانه {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفي يغلبوا ألفين بإذن الله} قال أهل العلم: ومن خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يجب عليه الثبات أمام العدو وإن كانوا ألفاً، والله تعالى أعلم.

زر الذهاب إلى الأعلى